باسم الله الرحمان الرحيم نادية البقالي مشهد طفل يموت من الجوع، ومشهد آخر يقضي من رصاصة، ومشهد مسن يسلم الروح لبارئها من البرد القارص يدين الحضارة الراهنة وبشدة، حضارة تلغي الآخر وتشطب آدميته !! ورد في وصف المؤمنين قوله تعالى:" رحماء بينهم"، ومعناه إذا قام اجتماع الناس على هاته القيمة تقررت العظمة النفسية للجميع، والكمال الروحي، وإنتاج الأنا من خلالهما...لكنا بنظرة إلى العالم يبدو الصراع رهيبا ومضن كمرض مزمن ومؤلم، وإذا شئنا أن نخوض في هذا الصراع لكشف لغز هذه التحولات الدائرة بين الحق والباطل/ العدل والجور /السلم والحرب....نصطدم بعوالم بربرية لا معنى للرحمة في قواميسها ولا حضور فيها للحوار وأدبياته...عوالم تزدري كل السياسات وتقدم أكاذيب للرأي العام العالمي على انها الصدق عينه وتبرر جرائمها مصورة الزيف على أنه ذات الحقيقة!!! لن أعود الى نواميس قراءة الوقائع والأحداث المتعاقبة زمنيا، ولن ألتفت إلى ترابطها السببي، فذلك يتطلب جمع التفسيرات الإجتماعية والنفسية معا لتأمل سيكولوجية العنيف ودوافع العنف وتصنيفاته، لذا سأنظر الى تفوق القوى الإقتصادية والعسكرية ممثلة في الولاياتالمتحدة الأميريكية، وتبعية مطلقة لهذه القوة، وهذا ما وصفه ابن خلدون في المقدمة بتقليد المغلوب للغالب بمظنة الكمال فيه لا بالإعتراف بالضعف الذاتي الذي أدى إلى الغلبة التي ستقود إلى الفناء والإضمحلال...ننطلق من حيث انتهى هذا العالم الجليل لنبين دور نظرية " الإستباحة " في صناعة الفارق بين الشمال والجنوب، ونستبين حقيقة تقليد المغلوب لغالبه أو المقهور لقاهره، فالقوة الأميريكية تنتج فكرا يقوم على هذه النظرية باعتبارها مبدأ، وعلى نظرية" التسويغ " بوصفها منهاجا ولهذه القوة الحق في نشر رسالتها وفِي الدفاع عن أمن هاته الرسالة بشتى الوسائل بدءا بالعقوبات وانتهاء بالحرب - العادلة- وفق هذا الفكر !! ومن تمثلات نظرية الإستباحة عندها التماهي بين سياستها والسياسات الإسرائيلية تجاه دولة فلسطين خاصة ودوّل الشرق الأوسط بصفة عامة... والسياستان تمتحان من فكر نشأ وتربى في أحضان التطرف، فكر يعتبر أن العنف هو الوسيلة المثلى للتعامل مع الآخر !! فكر يتغذى مما تنتجه العصابات المسلحة مثل (الهاغانا ) وهي نواة جيش إسرائيل، وكل فكر متطرف أحادي الرأي هو في محصلته النهائية يقود إلى العنف ويشتغل عليه، إذ لا مساحة في فكر ضيق أو أفق مسدود للحوار؛ بل الخيار عندهما معا الصراع الدامي والدمار والجشع... كان البدء مع حرب 1948 وحسم خيار استخدام السلاح لإرهاب الآخر ووأد البراءة في مهدها مع وعد بلفور وتمادى الجانبان في ارتكاب المجازر التي لا تُحصى، فلا يمر يوم دون أن يسقط ضحايا مدنيون ورضع تحت ذريعة مقاومة الإرهاب في كل أرجاء المعمور!! تعاون رهيب بين هذه القوة بإمكاناتها جميعا مع كوارث الفقر والجوع والمرض والبطالة والتشرد والجهل والأمية.. لتدمير الكون والهيمنة عليه وهو يحتضر !!ما تساءل يوما هؤلاء عن صمود فردي وجماعي لأشخاص لا قوة لهم غير عقولهم وأجسامهم وأفكارهم في وجه هذا العنف المُزدوج، وما حاولوا معرفة الأسباب التي تدفعهم لكي يخوضوا في حروبهم الإنتحارية أو الدعوة لها، وهم مدركون أنهم يموتون من أجل فكرة من أجل قضية، لا من أجل هيمنة أو إمبريالية...... لماذا لا يقف رواد هذا الفكر هنيهة أمام واقع كوني مشهده الغالب يقول : في كل دقيقة يموت سبعة عشر شخصا من الجوع، عدا البرد والمرض والقتل وكوارث البيئة والتلوث والتصحر وندرة الماء والأوبئة..!! صنعت ظاهرة الإستباحة من الإرهاب واقعا كسر سلطة الواقع وألغاها كلية وجعل سلطة القوة بديلا عنها، ولَم تعد الحقيقة تنبع من طبيعة الأحداث ودوافعها وأسبابها وإنما أضحت تكمن في أقوال قادتها وساستها !! . أفرأيت (حضارة )تدبر عن الإنسان لتترك له الحسرة، الحزن، الأسى والذكرى الأليمة!! حضارة همها الأوحد استباحة عرض الآخر دمه وماله، هذا وجه والوجه الآخر يكشف أم المآسي إحصائيات مريبة لأشخاص موارد تَرَكُوا الأرض ظنا منهم أنها أرض جريمة، فإذا بهم بين يدي مجرم!! حصلوا على المال والجاه والمكانة الإجتماعية، ولكن ما قيمة المال والجاه والعافية معهما، إذا سلب صاحبها الأمن والقرار؟! . إدانة شديدة وكفر أشد بحضارة فارغة، حضارة طمست قيم الرحمة/ الحب /الجمال/ والعدالة، حضارة ألغت الحوار وغيبت التواصل وجعلت كل ما دون أناها يحيى في محو شديد ودوران متواصل وفراغ متسلسل، فراغ الجهل /الفقر /الدمار والقتال، لا يخرج المرء من كارثة إلا ليدخل في كارثة أخرى!! . إدانة لنظرياتها العمياء، إدانة لقوتها الضعيفة، إدانة لتقدمها المتأخر، إدانة لوحشيتها اللاإنسية!! .