نصف تريليون دولار لوقف تقدم المغرب!    نتائج قرعة كأس العرب 2025 وكأس العالم للناشئين تحت 17 سنة    ثقافة الغش والفساد    اختتام الدورة الثالثة عشرة من مهرجان ماطا الدولي للفروسية    عرض مسرحية "توغ" بالناظور    جلالة الملك يهنئ نهضة بركان على التتويج    وفاة سيدة بعد سقوطها من الطابق الرابع بعمارة سكنية في طنجة    الأميرة للا مريم تترأس مراسم الاحتفال بالذكرى الثلاثين لإحداث المرصد الوطني لحقوق الطفل    سفيان البقالي يفوز بسباق 3000 متر موانع ضمن ملتقى محمد السادس لألعاب القوى بالرباط    فيضانات تجتاح الساحل الشرقي لأستراليا وتعزل أكثر من 32 ألف شخص    الملك يشيد بإنجاز نهضة بركان القاري    المغرب بثاني مجموعات كأس العرب    نهضة بركان يتوج بلقب كأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم للمرة الثالثة في تاريخه    لقاء الحسنية وبني ملال يؤجل الحسم    "ريدك" الصينية تستثمر 30 مليون دولار في وحدة صناعية بطنجة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    حادث مروع بطنجة.. اصطدام بين سيارة أجرة وحافلة يخلف عدة جرحى    تقرير: سبع مدن مغربية ضمن أفضل 700 مدينة عالمية.. والحكامة الضعيفة تعيق تقدمها    مدريد تجدد المطالبة بمعاقبة إسرائيل    أرباب محلات الجزارة بالناظور يكشفون حقيقة أسعار اللحوم قبيل عيد الأضحى    المغاربة ضمن أكثر المهاجرين المقيمين بالديار الفرنسية    توفي بعد ولادة ابنته.. نهائية مأساوية لمتحول جزائري قرر الإنجاب مع رجل أعمال سعودي    "برلمان راديو" تطفئ شمعتها الرابعة.. برامج متنوعة ورسالة إعلامية تلامس نبض المجتمع    نشرة إنذارية: موجة حر المغرب تصل الى 42 درجة    لقجع يهنئ نهضة بركان بعد تتويجها بلقب كأس الكونفدرالية    اعتماد اللغة الإنجليزية في قطارات "البراق" استعداداً لمونديال 2030    عمر هلال: الجزائر أصبحت نقطة انطلاق لزعزعة الاستقرار ودعم الانفصال والتطرف في المنطقة    الملتقى الأول لرابطة كاتبات المغرب وإفريقيا والكاتبات الإسبانيات: نداء طنجة – المتوسط: اتفاقية الشراكة بين الجمعيتين ضرورة ثقافية وإنسانية    أمن أكادير يوقف مشتبها في تورطه في حادثة دهس بعد خلاف بمطعم (فيديو)    غرق سفينة حاويات تنقل "بضائع خطرة" قبالة سواحل الهند    السعودية تضبط أزيد من 13 ألف مخالف ضمن الاستعدادات لموسم الحج 1446 ه    حركة «صحراويون من أجل السلام» بديلا عن جبهة البوليساريو    ملتمس الرقابة سقط في البرلمان… لكنه وُلد من جديد في الشارع    المسرح المغربي في الحي المحمدي    برنامج طبخ صيني شهير يحول طنجة إلى قبلة للجماهير الآسيوية    حكومة نتنياهو بين استعادة الردع والتطهير العرقي    نشرة إنذارية: موجة حر تتراوح بين 38 و 42 درجة في عدد من المناطق ابتداءا من الثلاثاء المقبل    الأميرة للامريم تترأس بالرباط مراسم الاحتفال بالذكرى الثلاثين لإحداث المرصد الوطني لحقوق الطفل    أولى حفلات ريم فكري تحقّق نجاحًا باهرًا في الدار البيضاء    مشروع قطار الضواحي يربط بين الرباط والدار البيضاء ومراكش بخط طوله 220 كيلومتراً    إسرائيل تستعد لتكثيف هجمات غزة    حماية المستهلك: التهافت لشراء اللحوم يرفع الأسعار ويخالف أهداف إلغاء النحر    الملك يهنئ عاهلي المملكة الأردنية    دراسة: ضبط عوامل الخطر لدى مرضى ضغط الدم يقلل خطر الوفاة    المغرب يحتضن النسخة الأولى من المعرض الدولي للموانئ ونظامها البيئي    السعودية: 107 آلاف طائف في الساعة يستوعبها صحن المطاف في الحرم المكي    الحكومة تطلق برنامجا لدعم مربي الماشية حتى 2026    المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي يظفر ب"السعفة الذهبية" في مهرجان "كان"    الجامعي: المغرب يعيش تراجعا حقوقيا تقوده عقلية إدارية مُمخزنة بائدة لا تستحق الثقة ولا الاحترام    وفاة طفل داخل سيارة نقل مدرسي بتاونات تستنفر النيابة العامة    أسوشيتد برس: قادة في جيش إسرائيل يأمرون باستخدام فلسطينيين دروعا بشرية    حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    بلاغ جديد من وزارة الأوقاف للحجاج المغاربة    وزارة الأوقاف: حجاج التنظيم الرسمي مدعوون للإحرام في الطائرات حين بلوغ ميقات "رابغ"    الله أمَر بالسّتْر ولم يأمُر ببيْع الماسْتَر !    دراسة: الولادة المبكرة قد تكون مفيدة في حالة الأجنة كبيرة الحجم    السعودية تجري أول عملية لزرع جهاز ذكي داخل الدماغ في الشرق الأوسط    البرازيل في ورطة صحية تدفع المغرب لتعليق واردات الدجاج    









بين فاجعة بولعلام وحلوى البرلمان !
نشر في تطوان بلوس يوم 15 - 10 - 2018

قبل حتى أن تحل الذكرى الأولى لفاجعة جماعة سيدي بولعلام القروية، التي أودت بحياة خمس عشرة امرأة وإصابة أخريات يوم الأحد 21 نونبر 2017، إثر حادث تدافع خلال توزيع مساعدات غذائية لا تتجاوز قيمة القفة الواحدة منها حوالي مائة درهم، تحت إشراف إحدى الجمعيات الإحسانية. تلك الفاجعة التي اهتز لها الرأي العام الوطني، وزاد من تأجيج نيران الغضب، التصريحات الاستفزازية للقيادية بحزب العدالة والتنمية الحاكم ووزيرة الأسرة والتضامن بسيمة الحقاوي، التي قالت آنذاك بأن الفقر لم يكن السبب المباشر في الحادث الأليم، بل هي أيضا "لهطة" المستفيدات وانعدام ثقافة "الطابور" في المجتمع، كما هو معمول به في الدول المتقدمة.
فإذا بنا نباغت مساء يوم الجمعة 12 أكتوبر 2018 بعد نهاية الخطاب الملكي، بمناسبة الإعلان عن افتتاح الدورة التشريعية، بلهطة أخرى أكثر غرابة تحت عنوان "تهريب الحلوى إلى بيوت البرلمانيين". وكنا نأمل لو تخرج علينا السيدة الحقاوي مرة أخرى لتحدثنا عن ثقافة "اللهطة" لدى هذه الفئة من المحظوظات والمحظوظين، الذين أصبح التهافت على المكاسب والمناصب والحقائب والتعويضات والحلوى، السمة البارزة في سلوكهم ومعاملاتهم.
ذلك أنه احتفاء بمثل هذه المناسبات، دأب المشرفون على تنظيمها بتقديم أشكال متنوعة من الحلويات مرفوقة بكؤوس من الشاي للحاضرين وخاصة منهم الوزراء والبرلمانيين، الذين ينبغي لهم استئناف مهامهم الدستورية في أجواء من النشاط والحيوية، تساهم في رفع معنوياتهم للارتقاء بأدائهم.
بيد أنه في سابقة فريدة لم يشهد التاريخ المعاصر نظيرا لها بسائر برلمانات العالم، سواء في الدول المتقدمة أو غيرها من البلدان المتخلفة. تناقل الناس في ما بينهم على أوسع نطاق صورا ورسائل وفيديوات، عبر مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في "الفيسبوك" و"الواتساب". تظهر إلى أي حد يصر ممثلو الأمة على الاستهتار بمسؤولياتهم والإساءة إلى أنفسهم والمؤسسة التي ينتسبون إليها، عندما أبوا إلا أن يغادروا مبنى البرلمان تحت عدسات المصورين، ويتجهون صوب سياراتهم الفارهة محملين بشتى أنواع الحلويات داخل أكياس بلاستيكية، يفترض أن العمل بها انتهى منذ ثلاث سنوات، بعد أن سبق لهم المصادقة بالإجماع على القانون رقم 15.77 في 10 نونبر 2015، القاضي بمنع ترويجها والمعاقبة على حيازتها...
وقد أثارت هذه الصور ومقاطع الفيديو والرسوم الكاريكاتورية موجة من اللغط والسخط والتذمر، والكثير من التعاليق الساخرة والانتقادات الحادة داخل الوطن وخارجه، حيث استهجن جميع من أتيحت لهم فرصة الاطلاع عليها، هذه الممارسة البئيسة وغير المحسوبة العواقب، التي يعبر عن مدى الجشع لدى من أنيطت بهم مسؤولية خدمة الشعب وحماية مصالحه والترافع عن قضاياه. أإلى هذا الحد تستبد بهم الرغبة في الفوز ب"حاجة فابور"؟ فبماذا كانت ستنتهي معاركهم لو أنهم ساهموا فعلا في اقتنائها بجزء من مالهم الذي ليس سوى مال الشعب؟ وهل بمثل هذه الرعونة يسترجعون ثقة المواطنين ويجعلونهم يصدقون ادعاءاتهم عن الشفافية والنزاهة وحسن تدبير الميزانيات الموكولة إليهم؟
قد نتفهم أحيانا وعلى مضض الحالة النفسية المتدهورة لعديد المواطنين لاسيما الشباب منهم، ودرجات اليأس والإحباط التي أوصلتهم إليها السياسات الفاشلة للحكومات المتعاقبة، من حيث ارتفاع معدلات الفقر والأمية والبطالة والقهر والظلم والحكرة والتهميش والإقصاء، من خلال استرخاص أرواحهم والانغماس في عالم الإجرام والمخدرات والحبوب المهلوسة أو ركوب مخاطر قوارب الموت، ملحقين الأذى بأنفسهم وعائلاتهم. كما يمكن التماس العذر لمن يحرق نفسه احتجاجا على سوء المعاملة، أو يتدافع للحصول على كيس دقيق وقنينة زيت وعلبة سكر...
غير أنه في المقابل يصعب أن نفهم كيف يسمح البرلمانيون لأنفسهم بالإساءة ليس فقط لصورتهم باعتبارهم ممثلي الأمة، بل حتى للمؤسسة الدستورية التي ينتسبون إليها. ويعطون بذلك الفرصة لخصوم وحدتنا الترابية في النيل من سمعة الوطن والاستهزاء بأبنائه. فالعجز عن التحكم في الذات ومقاومة المغريات بالإقدام على تهريب الحلوى، لا يمكن تفسيره إلا بكونه نوعا من التعويض عما ظل يلاحقهم من "جوع" ورثوه عن أسلافهم، ولم يعد بمقدورهم التخلص من قيوده.
وكما ذهبت إلى ذلك بعض الآراء، يجوز أن يكون لما تم تسريبه من صور وفيديوات وترويجها عبر الشبكة العنكبوتية، علاقة مباشرة بما تسعى إليه بعض الجهات الخفية في عدة مناسبات من محاولات يائسة في حجب الرؤية عن القضايا الأساسية، بخلق التفاهات من قبيل "البغرير والبريوات"، ثم "الحلويات"... غير أن هذا لا يشفع للبرلماني بأن يقع في مثل هذه المأزق المخجل، خاصة أن الخطاب الملكي جاء حافلا بالإشارات القوية والتوجيهات الواضحة والصريحة، التي تدعو إلى القطع مع زمن الانتهازية، الدفع بدينامية الإصلاح والانكباب على تحسين ظروف العيش، النهوض بالتشغيل والتضامن الاجتماعي، الاهتمام بالشباب وبلورة نموذج تنموي جديد يكون قادرا على مواجهة الرهانات والتحديات الراهنة... فهل قدر البرلماني ببلادنا ألا يصنع الحدث إلا من خلال مراكمة المهازل ؟
من المؤسف أن ينزل البرلماني إلى هذا المستوى من اللهطة وتهريب الحلوى إلى بيته، وهو الذي يستفيد من تعويض يقدر بحوالي أربعة ملايين سنتيما شهريا وامتيازات أخرى، فضلا عن معاش مريح بعد نهاية ولايته... مقابل مهام نيابية وسياسية قد لا يقوم بمعظمها، ترتبط أساسا بما هو دستوري وأخلاقي واجتماعي، ويمكن إجمالها في التعبير عن انشغالات وقضايا الشعب وحضور أشغال البرلمان، تتبع العمل الحكومي ومساءلة أعضاء الحكومة، اقتراح مشاريع قوانين والمصادقة عليها...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.