الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو في الأقاليم الجنوبية    الوساطة السعودية تنجح في وقف التصعيد الباكستاني الهندي    برشلونة يقتنص الكلاسيكو ب"ريمونتادا تاريخية"    إجهاض محاولة تهريب دولي للمخدرات بميناء طنجة المدينة وحجز 58 كيلوغرام من الشيرا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الإثنين    سبتة.. إحباط محاولة تهريب أزيد من 11 ألف قرص مهلوس نحو المغرب    إحالة أربعة أشخاص على النيابة العامة لتورطهم في سرقة باستعمال دراجة نارية بالدار البيضاء    "فاموس تطوان والفوز بداية البقاء".. البرلماني الطوب يدعم المغرب التطواني قبل مواجهة السوالم    خطأ غامض يُفعّل زلاجات طائرة لارام.. وتكلفة إعادتها لوضعها الطبيعي قد تتجاوز 30 مليون سنتيم    برقية تهنئة من أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس إلى قداسة البابا ليو الرابع عشر بمناسبة انتخابه لاعتلاء الكرسي البابوي    وزير الخارجية الفرنسي: العلاقات مع الجزائر "مجمدة تماما" بعد تبادل طرد الموظفين    شجرة الأركان في يومها العالمي رمز للهوية والصمود والتحدي الأمازيغي المغربي .    وهبي: طموح أشبال الأطلس لم يتغير وهدفنا أبعد نقطة في كأس إفريقيا    جمعية الشعلة تنظم ورشات تفاعلية للاستعداد للامتحانات    البابا ليون الرابع عشر يحث على وقف الحرب في غزة ويدعو إلى "سلام عادل ودائم" بأوكرانيا    المحامي أشكور يعانق السياسة مجددا من بوابة حزب الاستقلال ويخلط الأوراق الانتخابية بمرتيل    مراكش تحتضن أول مؤتمر وطني للحوامض بالمغرب من 13 إلى 15 ماي 2025    نجم هوليوود غاري دوردان يقع في حب المغرب خلال تصوير فيلمه الجديد    مشروع النفق البحري بين المغرب وإسبانيا يعود إلى الواجهة بميزانية أقل    الحزب الشعبي في مليلية يهاجم مشروع محطة تحلية المياه في المغرب للتستر على فشله    سعر الدرهم يرتفع أمام الأورو والدولار.. واحتياطيات المغرب تقفز إلى أزيد من 400 مليار درهم    إسرائيل تستعيد رفات جندي من سوريا    انهيار "عمارة فاس".. مطالب برلمانية لوزير الداخلية بإحصائيات وإجراءات عاجلة بشأن المباني الآيلة للسقوط    شراكات استراتيجية مغربية صينية لتعزيز التعاون الصناعي والمالي    "سكرات" تتوّج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطني لجائزة محمد الجم لمسرح الشباب    الصحراء المغربية تلهم مصممي "أسبوع القفطان 2025" في نسخته الفضية    ميسي يتلقى أسوأ هزيمة له في مسيرته الأميركية    موعد الحسم.. هذا توقيت مباراة المغرب وسيراليون في ربع نهائي كأس إفريقيا    رفع تسعيرة استغلال الملك العام من 280 إلى 2400 درهم للمتر يغضب المقاهي ويدفعها للإضراب    شاهد.. سائحات يطلبن من لامين يامال أن يلتقط لهن صورة دون أن يعرفن من يكون    "الاتحاد" يتمسك بتلاوة ملتمس الرقابة لسحب الثقة من الحكومة    مزور: الكفاءات المغربية عماد السيادة الصناعية ومستقبل واعد للصناعة الوطنية    بوتين يقترح إجراء محادثات مباشرة مع أوكرانيا في إسطنبول انطلاقا من 15 ماي    الصحراء المغربية.. الوكالة الفرنسية للتنمية تعتزم تمويل استثمارات بقيمة 150 مليون أورو    تحريك السراب بأيادي بعض العرب    القاهرة.. تتويج المغرب بلقب "أفضل بلد في إفريقا" في كرة المضرب للسنة السابعة على التوالي    غ.زة تعيش الأمل والفلسطينيون يحبسون أنفاسهم    أجواء احتفالية تختتم "أسبوع القفطان"    سلا تحتضن الدورة الأولى من مهرجان فن الشارع " حيطان"    في بهاء الوطن… الأمن يزهر    زلزال بقوة 4,7 درجات يضرب جنوب البيرو    موريتانيا ترغب في الاستفادة من تجربة المغرب في التكوين المهني (وزير)    الأشبال: الهدف التأهل إلى المونديال    جناح الصناعة التقليدية المغربية يفوز بجائزة أفضل رواق في معرض باريس    الأسهم تحفز تداولات بورصة البيضاء    البيضاء تحدد مواعيد استثنائية للمجازر الكبرى بالتزامن مع عيد الأضحى    الموت يفجع الفنان المغربي رشيد الوالي    مهرجان مغربي يضيء سماء طاراغونا بمناسبة مرور 15 سنة على تأسيس قنصلية المملكة    بينالي البندقية.. جلالة الملك بوأ الثقافة والفنون المكانة التي تليق بهما في مغرب حديث (مهدي قطبي)    إنذار صحي في الأندلس بسبب بوحمرون.. وحالات واردة من المغرب تثير القلق    عامل إقليم الدريوش يترأس حفل توديع حجاج وحاجات الإقليم الميامين    لقاح ثوري للأنفلونزا من علماء الصين: حماية شاملة بدون إبر    الصين توقف استيراد الدواجن من المغرب بعد رصد تفشي مرض نيوكاسل    لهذا السبب .. الأقراص الفوّارة غير مناسبة لمرضى ارتفاع ضغط الدم    إرشادات طبية تقدمها الممرضة عربية بن الصغير في حفل توديع حجاج الناظور    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البادية وورش المنوغرافيات في تاريخ المغرب..
نشر في تطوان بلوس يوم 26 - 04 - 2020


مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث

رغم ما يسجل حول خلفيات تقارير ودراسات منوغرافية أقدمت عليها سلطات الحماية بالمغرب من أجل تنزيل ورشها الاستعماري من خلال ما سمي ب"التهدئة"، تبقى أنها بأهمية في طرحها لقضايا عدة ارتبطت بالمجتمع المغربي وتركيبته القبلية. وقد كانت القبيلة المغربية منذ نهاية القرن التاسع عشر وجهة لدراسات عدة أعدها سسيولوجيون ورحالة ومخبرون وعسكريون وسياسيون وغيرهم. بهدف التعرف على بنية المجتمع وذهنياته وأنماط عيشه وفهم ما كان قائماً من علاقات بين المخزن والقبائل لأغراض استعمارية بالدرجة الأولى.
بل بعد استقلال البلاد كانت هناك سلسلة أعمال منوغرافية أجنبية ومغربية، تناولت عدداً من القضايا منها ما يتعلق بالوسط القروي والقبائل وغيرهما. وقد شكلت دراسة "اينولتان" لأحمد التوفيق قد دشنت ورش المنوغرافية المغربية الحديثة، أرضية ومساراً منهجياً لعدد من الباحثين المغاربة لا حقاً، بحيث كانت المنوغرافية التاريخية المغربية لهذه الفترة على درجة كبيرة من التوثيق والأرشيف والوثيقة المحلية مع انفتاح على القرب ومساءلته.
ومن الباحثين المغاربة خلال هذه الفترة من كان يرى أن الاستفادة من الحوليات الفرنسية، تقتضي تحقيق تقدم في انجاز دراسات ذات طبيعة جزئية أو منوغرافية والتي من شأنها تشكيل قاعدة لتفسيرات مقبولة، على أساس أن من خصائص مدرسة الحوليات التعميم والتنظير وتجاوز ما هو ضيق من اطار زمني ومكاني. وبعد نهاية سبعينات القرن الماضي توجه البحث التاريخي الجامعي بالمغرب، لِما هو اجتماعي عوض ما هو سياسي وعيا بكون التاريخ الحقيقي يوجد على مستوى القاعدة. ومن هنا ما حصل من اقبال على المنوغرافيات التاريخية على أساس أن الدراسات المجهرية أساسية من أجل تاريخ وطني شامل، وقد تم التركيز بشكل معبر على فترة القرن التاسع عشر.
ويسجل أنه رغم ما حصل من أعمال بحث علمي ومقاربات لعدد من قضايا المجتمع المغربي في اطار هذا النهج التاريخي، من الاشكالات التي لا تزال تطبع تاريخ البلاد مسألة علاقة السلطة بالتنظيمات المحلية. وهو ما طرح ديبلوماسيا للنظر في مدى نفوذها وبالتالي حدود الدولة، وطرحت أيضاً زمن الحماية لمعرفة درجة تعلق المغاربة بالشريعة ثم بعد الاستقلال للنظر في ملامح ديمقراطية فطرية مغربية. وكانت الأتنوغرافيا الفرنسية تقول بأن تاريخ المغرب الحقيقي هو تاريخ قبائل، وفي هذا الاطار فقد دعى هنري تيراس الى أهمية كتابة تاريخه في بعده الاقليمي.
وحول القبيلة والبادية وبفضل ما أسهم به باحثون مغاربة من تنقيب وتوثيق وتحليل على امتداد عقود من الزمن من خلال أبحاث ودراسات منوغرافية جاءت بزوايا نظر ومقاربات متعددة، باتت الخزانة التاريخية المغربية بنصوص على قدر من الأهمية والقيمة المضافة. ومقابل دراسات توجهت بعنايتها لزمن حواضر االبلاد السياسي كذا بنياتها وعمارتها وتراثها الرمزي..، اختارت أخرى قضايا بوادٍ وقبائل في، فكانت بسبق وتأسيس وأثر في الكشف عن جوانب كانت مغمورة لِما سلطته من أضواء حول وقائعها ووقعها في تاريخ البلاد.
ولا شك أن المهتم بتاريخ البادية المغربية يجد نفسه بين ثغرات وغموض لا يزال يلف جوانب عدة تخص مكونها القبلي، وما كان عليه هذا الأخير من حضور في تاريخ بلاد يعد في حدود معينة تاريخ بادية وقبائل لِما كان عليه هاذان المكونان بكل مقوماتهما من أدوار هامة وفعل وتفاعل. سياق ارتأينا فيه اطلالة بمختصر مفيد حول مؤلف تاريخي رزين شكلاً ومضموناً، هو في الأصل بحث أكاديمي نوقش بكلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط سنوات بداية ثمانينات القرن الماضي، يسجل أنه كان بسبق في انفتاحه على زمن بادية جهة فاس مكناس المعاصر. يتعلق الأمر بمؤلف موسوم ب"آثار التدخل الأجنبي في المغرب على علاقات المخزن بالقبائل في القرن التاسع عشر..نموذج قبيلة بني مطير" للدكتور العربي كنينح، وقد صدر ضمن طبعة أولى بأزيد من أربعمائة صفحة من قطع متوسط عن مطبعة أنفو برانت بفاس.
عمل استهدف تاريخ مغرب القرن التاسع عشر من خلال تناول زمن قبيلة بني مطير بمنطقة سايس حيث فاس ومكناس، وابرازه لآثار التدخل الأجنبي على علاقاتها بالمخزن ما بين 1873 و1912. ضمن خطوة من خطوات انفتاح البحث على طبيعة مجتمع فترة دقيقة تاريخياً، علما أن تاريخ بلادنا مجهول في كثير من جوانبه لا سيما منه القروي. فقد اهتمت المصادر المغربية بمن تعاقب على حكم البلاد من أسر وتتبع سير ملوك ورصد أخبار..، كذا الترجمة لأعلام السياسة والدين والآداب والعلوم وغيرهم. وقلما تحدثت عن أحوال هوامش وعلاقة حاكمين بمحكومين كما بالنسبة لعلاقة السلطة بالقبائل، التي تكتسي دراستها أهمية بالغة لفهم واقع تاريخ بلادنا. إذ يكاد يرتبط أغلب ما شهده من أحداث وتطورات منذ العصر الوسيط بطبيعة ما كان قائماً من علاقة بين مكونَيْ "السلطة" و"الرعية" وبدرجة توازنها أو اختلالها، علماً أن قبائل المغرب كانت بدور هام في نشأة كياناته السياسية من الدول وبناء أمجادها بل هي أيضا من عملت على تحطيمها والقضاء عليها.
اشارات تاريخية استهل بها د.العربي كنينح مقدمة مؤلف توجه بعنايته لقبيلة بني مطير، ضمن دراسة غير مسبوقة استهدفت رصد مسارها الى أن بلغت مجال الأطلس المتوسط وهضبة سايس مطلع القرن السابع عشر الميلادي، واقترابها من مكناس وفاس ودخولها في احتكاك مع سلطة البلاد المركزية. فضلاً عن عناية المؤلف بإبراز طبيعة العلاقة التي كانت قائمة بين قبيلة بني مطير والمخزن خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكشفه عن تركيبة جهاز المخزن المحلي مع وصف علاقاته من خلال ممارسته للسلطة بالقبيلة. كل هذا وذاك جاء مؤسساً على سند وثائقي هام ومتنوع سمح بتسليط الضوء على جوانب هامة تخص ممثلي الدولة محلياً، وما أنيط بهم من أدوار سياسية وعسكرية ومالية مع تصحيح أحكام تكونت حول المخزن في علاقته بالمجتمع حاولت طمس وجود الدولة المغربية وتشويه أدوارها.
إن التكوين الاجتماعي للقبيلة المغربية- يقول المؤلِّف- لا يمكن فهمه دون توقف على عوامل خارجة عنها، فحضور المخزن كان بأثر عميق على حياة القبائل وتنظيماتها عموما خلال القرن التاسع عشر. علماً أن البلاد خلال هذه الفترة عرفت أزمة مالية واقتصادية طاحنة انعكست بقوة على المجتمع المغربي، إثر ما كان من ضغوط أجنبية على عدة مستويات، فضلاً عما تنامى من غزو للأسواق المغربية من قِبل التجارة الأروبية، ما كان بأثر كبير على علاقة المخزن برعاياه مثلما حصل مع قبيلة بني مطير بمنطقة سايس.
ولفهم علاقة المخزن بقبيلة بني مطير وأثار التدخل الأجنبي عليهما معاً، اعتمد المؤلِّف على وعاء ببليوغرافي وطني وأجنبي هام من وثائق وأرشيف، فضلاً عن أصول تاريخية جمعت بين مؤلفات رحالة مغاربة وأجانب وكتب تراجم وأنساب وحوليات وغيرها، إضافة الى عدد هام من الدراسات التاريخية الحديثة لباحثين مغاربة كانوا بفضل في وضع لبنات مدرسة تاريخية مغربية. وقد توزع المؤلَّف على أبواب أربعة بفصول عدة تناول الأول منها تطور قبيلة بني مطير بمنطقة سايس في الزمان والمكان مع وصف اطارها الجغرافي وتكوينها الاجتماعي، أما الثاني فقد توجه بالعناية لجميع ما هو حياة اقتصادية وأنماط عيش وموارد وغيرها. وتم تخصيص الباب الثالث لحياة القبيلة الاجتماعية بينما الباب الأخير فقد تناول علاقات القبيلة بالدولة خلال فترة نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
وتحضر المادة العلمية عن مصادر أجنبية في المؤلف بشكل معبر، خاصة منها المستندات المحفوظة عن المغرب في الأرشيفات الفرنسية بقصر فانسان ووزارة الخارجية. فحول الدراسات والتحريات الميدانية التي تم اعتمادها والتي قامت بها سلطات الحماية الفرنسية بالمغرب، أشار المؤلف الى أن ما حظيت به قبيلة بني مطير فيها من عناية كان بسبب موقعها ومواقفها تجاه المخزن، كذا ما كانت عليه القبيلة من انتفاضات وحصار لفاس ومكناس ربيع 1911. كل ذلك يقول المؤلف أثار انتباه سلطات الحماية ومخاوفها، وبالتالي ما أقدمت عليه بعد تطويعها من تحريات وجمع للمعلومة من أجل تحليل بنياتها الأساسية وفهم ذهنيتها، خاصة وأن دخول القوات الفرنسية لفاس خلال هذه السنة كان بهدف فك حصار قبيلة بني مطير عنها، مع أهمية الاشارة الى أن تمرد القبيلة على السلطان عجل بعقد معاهدة الحماية.
كلها تطورات دفعت الضباط الفرنسيين للقيام بسلسلة دراسات استهدفوا بها تسهيل توغلهم الاستعماري، فقد استقر بمجال قبيلة بني مطير عام 1914 العقيد Abès وجمع كل ما تعلق بشؤونها القانونية والثقافية وتنظيماتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فضلاً عما قام به من بحث حول أصولها وفروعها وتاريخ استيطانها بمنطقة سايس والأطلس المتوسط. وقد ورد في المؤلف أن قبيلة بني مطير خضعت لعدة أبحاث ميدانية لعدد من ضباط الشؤون الأهلية الفرنسيين الذين تعاقبوا عليها، بحيث تمكن هؤلاء من رصد بنية القبيلة وتركيبتها وأنماط عيشها وتفكيرها، لدرجة أنهم تعلموا لهجة الأهالي وهو ما مكنهم من سبر أغوار القبيلة والتعرف على عاداتها وتقاليدها وتراثها الثقافي.
وحول قبيلة مطير ذات التماس مع كل من فاس ومكناس، ورد في المؤلِّف حول أصولها أنها تنحدر من آيت يدراسن الذين شكلوا قبل القرن الحادي عشر الميلادي فرقة من مسوفة، احدى قبائل صنهاجة اللثام التي كانت تعيش في الصحراء جنوب جبال درن. مضيفاً أن المصادر التاريخية لا تذكر اسم بني مطير وأن اسم آيت يدراسن لم يرد الا في مرحلة متأخرة نسبياً، وأن النصوص التاريخية وأوصاف جغرافيي العصر الوسيط تتحدث عن مسوفة أي المجموعة القبلية الكبرى التي كان ينتمي اليها آيت يدراسن، وبالتالي بني مطير التي بدأ اسمها يتردد في الحوليات التاريخية منذ بداية القرن السابع عشر الميلادي.
ومن جملة ما ورد في مؤلف "آثار التدخل الأجنبي في المغرب على علاقات المخزن بالقبائل في القرن التاسع عشر.."، كون ما تعرضت له قبيلة بني مطير من ضغط جبائي وتسخيري وتعسف مخزني محلي، جعلها وجهاً لوجه عبر فترات مع محلات مخزنية كانت تروم تطويعها، وأنه كثيراً ما كانت المواجهة بين القبيلة والمخزن تتصاعد تبعاً لتزايد وطأة الجباية. وورد أن قبيلة بني مطير اتحدت عام 1290 ه مع قبيلة مجاط وآيت يوسي، فهاجمت مكناس وفاس في وقت تمرد فيه دباغو وحرفيو فاس على السلطان الحسن الأول بهدف اسقاط مكوس الأبواب. كما هاجمت القبيلة عام 1320 ه سوقاً خارج مكناس كرد فعل على تدخل الأجانب في شؤون البلاد الداخلية، كما عرقلت بناء خط حديدي عزم السلطان مولاي عبد العزيز مده بين مكناس وفاس. بل كان من جملة ما استهدفته قبيلة بني مطير ومعها قبائل سايس من ردود فعلها هذه، اطلاق سراح الأمير محمد الذي كان تحت الاقامة الجبرية في أحد قصور مكناس وتنصيبه سلطاناً.
وفي علاقة بما حصل من تطورات سياسية مطلع القرن العشرين، ورد في المؤلف أن قبيلة بني مطير ومعها أتباع الطريقة الكتانية كانوا بدور هام في الاطاحة بمخزن مولاي عبد العزيز والدعوة للمولى عبد الحفيظ، من أجل التخلص مما فرض عليهم من ضرائب مرهقة. الا أنه بسبب استفحال الضغوط الأجنبية على البلاد وتقلص نفوده، نزل المخزن الجديد بكل ثقله على القبائل المجاورة للعواصم وأتى على كل شيء فيها لينحصر نفوده قبل عقد الحماية على مناطق مجاورة للعاصمة فاس، كلها ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية جعلت قبيلة بني مطير في مواجهات مفتوحة مع مولاي عبد الحفيظ فكانت انتفاضة 1909 ثم انتفاضة 1910 ثم انتفاضة 1911.
وقد تمكنت قبيلة بني مطير- يضيف المؤلف- من جر قبائل منطقة سايس للتمرد على المخزن، من أجل القاء القبض على السلطان ووزيره المدني الكًلاوي والتخلص من المخزن الحفيظي كاملاً. خطة أجهضت بسبب انتفاض قبيلة اشراردة وتسرع قبيلة بني مطير لمساعدتها على ضرب المحلات المخزنية، فكان حصار فاس وكانت أحداث 1911 التي توجت بتنصيب قبيلة بني مطير لمولاي زين العابدين بمكناس والمناداة به سلطاناً على البلاد. كلها تطورات كانت تحت مجهر الأطماع الفرنسية من خلال تتبعها لِما كان يجري معتمدة على جواسيسها وممثليها بفاس. حيث بمجرد تدهور الأوضاع بفاس ومكناس- يقول المؤلف- سارعت فرنسا بالتدخل بدعوى حماية رعاياها واستنجاد السلطان بها، من أجل فك حصار العاصمة فاس وابعاد القبائل عن أسوارها ليتقرر مصير المغرب وتبدأ صفحة جديدة من تاريخه مع الحماية.
حصيلة بحث وتوثيق وتحليل تجعل من كتاب "أثار التدخل الأجنبي في المغرب على علاقات المخزن بقبيلة بني مطير"، مقاربة تاريخية على درجة عالية من الأهمية في علاقتها بالتاريخ المحلي وهوامش المجال المغربي، وإسهاما علميا توجه بعنايته لزمن البادية المغربية المعاصر تحديداً بادية هضبة سايس. ولعله بقدر ما تأسس عليه من مادة تاريخية علمية وأصول وأرشيف وطني وأجنبي لتأثيث محتواه ومحاوره الأساسية، بقدر ما يعد قيمة مضافة على درجة من الأهمية لفائدة رصيد المنوغرافيا وخزانة المغرب التاريخية ومن خلالها خزانة جهة فاس مكناس. وتجعل ثانياً مما جاء فيه من اشارات تاريخية مجالية في علاقتها بقبيلة بني مطير ببلاد سايس، بأسئلة عالقة ذات صلة في ارتباطها بحوض سبو وأعالي وادي ايناون تحديداً ممر تازة وبلاد غياتة، ولعل من هذه الأسئلة العالقة ما يتصل بفرقة "بني مطير" التي تنتمي اليها ضمن ما يعرف بغياتة الفوقية وفق ما ورد في وثائق مغربية عدة وتقارير أجنبية.
ومعروف أن النصوص التقليدية الاخبارية المغربية هي بغير ما شاف وكاف حول أصول عدد من قبائل المغرب، فهي لا تذكر مثلاً أي شيء عن أصل قبيلة "غياتة" بأعالي ايناون شرق فاس سوى أنها من برابرة المغرب الأقصى كما جاء عند ابن خلدون. ومعروف أيضاً أن تسمية "غياتة" لا جذور لها في نصوصنا التقليدية وأن ما هو كائن مجرد تأويلات لاحقة، فقط ما ورد حول كون كل من قبيلة "غياتة" و"أوربة" كانتا من المساندين الأوائل لمولاي ادريس الأكبر. ويتبين من خلال بنية تقسيم قبيلة غياتة أنها بمجموعتين كبيرتين، الأولى تعرف بغياتة السفلية وتظم فرقة أهل الواد وأهل الطاهر ومكًاصة وبني مكًارة وولاد حجاج وأهل السدس والخمامجة وولاد اوشن وولاد عياش. بينما الثانية والتي تعرف بغياتة الفوقية فهي تتشكل من فرقة أهل بودريس وأهل الدولة وبني بوحميد وبني قيطون وبني وجان وبني سنان ومتركات ثم بني مطير. وهنا سؤال التاريخ والمجال والانسان معاً حول علاقة "بني مطير" الفرقة التابعة لبلاد قبيلة غياتة بتازة حيث أعالي وادي ايناون"، بقبيلة "بني مطير" التي تستوطن بلاد هضبة سايس حيث المجال ما بين فاس ومكناس، والتي شكلت محور دراسة الدكتور العربي كنينح "أثار التدخل الأجنبي في المغرب على علاقات المخزن بقبيلة بني مطير".
إن ما هو كائن من تشكل وتركيب قبلي بحوض سبو عموماً في علاقته بأعاليه كما بالنسبة لأعالي وادي ايناون، وما هناك من تقارب وانفتاح وتفاعل مجالي وتنقلات منذ القدم فضلاً عن تشابه تسميات هنا وهناك كما "بني مطير سايس" و"بني مطير ايناون". هو بأسئلة تاريخية عدة ومتداخلة تقتضي أبحاث ودراسات بحث والتفات من قِبل باحثين ضمن الاطار المحلي والقرب، للكشف عما لا يزال مغموراً يخص قضايا تاريخية وانسانية واجتماعية وثقافية وغيرها، في أفق إغناء خزانة تاريخية جهوية ومن خلالها خزانة وطنية بنصوص أكثر تنوعاً وأهمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.