في الذكرى الخمسين لرحيل المجاهد الكبير محمد بن عبد الكريم الخطابي الذي توفي بمصر في 6 فبراير 1963، ودفن في مقبرة الشهداء بالقاهرة. نعيد إلى المشهد الثقافي والأدبي بهذه المدينة إصدار أدبيا للباحث الأديب الدكتور محمد المعلمي ابن مدينة تطوان البار عن محمد بن عبد الكريم الخطابي في رحاب الشعر. وقبل أن نتحدث بالوصف لهذا الإصدار الفريد من نوعه، نضع بين يدي القارئ الكريم إضاءة تجلي أمرا مهما في هذا المقام، وهو إذا كانت الأمم ذات الحضارة العريقة تفتخر بمآثرها التاريخية وتسهر على صيانتها وحمايتها من عوادي الزمن، لكونها تمثل جزءا من تراثها وذاكرتها، فإنها في سبيل ذلك تسعى جاهدة إلى تشييد النصب التذكارية وتشكيل المجسمات الفنية للاحتفاء بأعلامها وأبطالها الذين أفنوا حياتهم وبذلوا مهجهم من أجل عزة الوطن وكرامته. ولعل أسمى تشريف اهتدى إليه الإنسان لتخليد ذكر صفوة الرجال في حضارتنا الإسلامية تمثل في تلك الصروح القوية البنيان، التي شيدها الشعراء بلغة البيان في قصائد حسان، سارت بذكرها الركبان. وشعرنا المغربي يزخر بباقات فريدة من القصائد التي تنتمي إلى ما درج النقاد على وصفه بشعر الجهاد والمقاومة تارة، والنضال والالتزام تارة، أو الشعر الوطني تارة أخرى، وهو شعر واكب أبرز محطات مقاومة الاستعمار في البلاد العربية، ورصد تضحيات شعوبها من أجل التحرر ونيل الاستقلال. وفي طليعة هذه الفئة المحتفى بها في الشعر المغربي والعربي علا نجم اسم محمد بن عبد الكريم الخطابي، الذي غمره الشعراء بأنوار شعرهم في حياته وبعد مماته، ومازالت بحار هذا الأشعار تتوالى عاما بعد عام في ذكرى رحيله، وهذه الأشعار التي قيلت في حقه سواء في حياته أو بعد مماته صورت الرجل ربانيا قرآنيا ومثالا للانتماء الحضاري لأمة الإسلام، ورمزا من قيم البطولة الوطنية، وتعد هذه الأشعار بحق شهادة عليا في حق الرجل لكونها صادرة من شعراء المدينة العلمية فاس الذين كانوا يعدون من أعيان العلماء وكفى بها شهادة، أمثال أبي بكر البناني، ومحمد بن اليمني الناصري، والشاعر محمد بن شقرون، كما نجد الشاعر عبد الرحمن حجي، والشاعر محمد الحلوي، وشاعرنا عبد الكريم الطبال، وفي رحاب الشعر العربي احتفى به كل من الشاعر الكبير إبراهيم طوقان، والشاعر العراقي معروف الرصافي، والشاعر المصري علي محمود طه، والشاعر الجزائري عبد الكريم العقون. وقد جمع هذه الأشعار أستاذنا الدكتور محمد المعلمي في إصداره:"محمد بن عبد الكريم الخطابي في رحاب الشعر" الذي طبع بمطابع الشويخ بتطوان في 1429ه-2008م، والذي شارك به في ندوة جمعية ذاكرة الريف لنفس السنة واحتفت به الجمعية بدرع رمزي تذكاري. والكتاب يتشكل من مقدمة وقسم أول تصدرته إضاءة أفضت إلى انفتاح على الخطابي في رحاب الشعر المغربي وقسم ثان علته إضاءة مهدت للوقوف على الخطابي في رحاب الشعر العربي وخاتمة وملحق ضمنه نماذج من خطب الخطابي ورسائله، والكتاب أخذ على عاتقه كما عبر عنه أستاذنا أن يكون مدخله مدخل صدق ومخرجه مخرج وفاء، وأن يكون محياه ترجمانا أمينا لما وقر في نفسه ومعبرا دقيقا عن دقائق لا تسلس قيادها إلا للشعر الصادر عن طبع راق. وفيما يلي مقتطف من الكتاب لمقطع من قصيدة للشاعر محمد بن شقرون يحتفي فيها بالمجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي (1919-1956): محمد عبد الكريم بطل المقاومات منازل الأعداء في الريف وشتى الواجهات من ملأ التاريخ وعلا مكرمات وأكسب البلاد صيتا بلبل المجتمعات **** هز عواصم أوربا والقرى المجاورات واخترق السبع الشداد والطباق المغلقات وبقيت أصداؤه ترن في المنتديات لم ينم الغرب لها وأكثر التحفظات من عمل قد يمنع الغزو عن المستعمرات في الشرق والغرب وكانت آنذاك حركات تناوئ المستعمرين وتنازل الغزاة