"فيتش" تحذر المغرب من تخطي نفقات البنيات التحتية للمشاريع الكبرى للتقديرات    النيابة العامة الفرنسية تطلب إطلاق سراح ساركوزي بانتظار محاكمة الاستئناف    باريس.. قاعة "الأولمبيا" تحتضن أمسية فنية بهيجة احتفاء بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    ألمانيا تطالب الجزائر بالعفو عن صنصال    الوداد ينفرد بصدارة البطولة بعد انتهاء الجولة الثامنة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    82 فيلما من 31 دولة في الدورة ال22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم    قتيل بغارة إسرائيلية في جنوب لبنان    200 قتيل بمواجهات دامية في نيجيريا    رئيس الوزراء الاسباني يعبر عن "دهشته" من مذكرات الملك خوان كارلوس وينصح بعدم قراءتها    عمر هلال: نأمل في أن يقوم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بزيارة إلى الصحراء المغربية    انطلاق بيع تذاكر ودية المغرب وأوغندا    قرب استئناف أشغال متحف الريف بالحسيمة    احتقان في الكلية متعددة التخصصات بالعرائش بسبب اختلالات مالية وإدارية    مصرع أربعيني في حادثة سير ضواحي تطوان    المغرب يتطلع إلى توقيع 645 اتفاقية وبروتوكولا ومعاهدة خلال سنة 2026.. نحو 42% منها اقتصادية    إصابة حكيمي تتحول إلى مفاجأة اقتصادية لباريس سان جيرمان    الإمارات ترجّح عدم المشاركة في القوة الدولية لحفظ الاستقرار في غزة    الحكومة تعلن من الرشيدية عن إطلاق نظام الدعم الخاص بالمقاولات الصغيرة جداً والصغرى والمتوسطة    بورصة البيضاء تبدأ التداولات بانخفاض    حقوقيون بتيفلت يندّدون بجريمة اغتصاب واختطاف طفلة ويطالبون بتحقيق قضائي عاجل    اتهامات بالتزوير وخيانة الأمانة في مشروع طبي معروض لترخيص وزارة الصحة    مكتب التكوين المهني يرد بقوة على السكوري ويحمله مسؤولية تأخر المنح    برشلونة يهزم سيلتا فيغو برباعية ويقلص فارق النقاط مع الريال في الدوري الإسباني    العالم يترقب "كوب 30" في البرازيل.. هل تنجح القدرة البشرية في إنقاذ الكوكب؟    البرلمان يستدعي رئيس الحكومة لمساءلته حول حصيلة التنمية في الصحراء المغربية    وقفة احتجاجية في طنجة دعما لفلسطين وتنديدا بحصار غزة    الركراكي يستدعي أيت بودلال لتعزيز صفوف الأسود استعدادا لوديتي الموزمبيق وأوغندا..    الدكيك: المنتخب المغربي لكرة القدم داخل القاعة أدار أطوار المباراة أمام المنتخب السعودي على النحو المناسب    كيوسك الإثنين | المغرب يجذب 42.5 مليار درهم استثمارا أجنبيا مباشرا في 9 أشهر    توقيف مروج للمخدرات بتارودانت    لفتيت: لا توجد اختلالات تشوب توزيع الدقيق المدعم في زاكورة والعملية تتم تحت إشراف لجان محلية    ساعة من ماركة باتيك فيليب تباع لقاء 17,6 مليون دولار    دراسة تُفنّد الربط بين "الباراسيتامول" أثناء الحمل والتوحد واضطرابات الانتباه    زايو على درب التنمية: لقاء تشاوري يضع أسس نموذج مندمج يستجيب لتطلعات الساكنة    العيون.. سفراء أفارقة معتمدون بالمغرب يشيدون بالرؤية الملكية في مجال التكوين المهني    احتجاجات حركة "جيل زد " والدور السياسي لفئة الشباب بالمغرب    حسناء أبوزيد تكتب: قضية الصحراء وفكرة بناء بيئة الحل من الداخل    هنا المغرب    مؤسسة طنجة الكبرى: معرض الطوابع البريدية يؤرخ لملحمة المسيرة الخضراء    لقاء الجيش و"الماص" ينتهي بالبياض    تراجع عجز السيولة البنكية إلى 142,1 مليار درهم    تتويج المغربي بنعيسى اليحياوي بجائزة في زيورخ تقديرا لالتزامه بتعزيز الحوار بين الثقافات    "أونسا" ترد على الإشاعات وتؤكد سلامة زيت الزيتون العائدة من بلجيكا    الدار البيضاء تحتفي بالإبداع الرقمي الفرنسي في الدورة 31 للمهرجان الدولي لفن الفيديو    ست ورشات مسرحية تبهج عشرات التلاميذ بمدارس عمالة المضيق وتصالحهم مع أبو الفنون    المنتخب المغربي الرديف ..توجيه الدعوة ل29 لاعبا للدخول في تجمع مغلق استعدادا لنهائيات كأس العرب (قطر 2025)    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بين ليلة وضحاها.. المغرب يوجه لأعدائه الضربة القاضية بلغة السلام    الكلمة التحليلية في زمن التوتر والاحتقان    الدار البيضاء: لقاء تواصلي لفائدة أطفال الهيموفيليا وأولياء أمورهم    وفاة "رائد أبحاث الحمض النووي" عن 97 عاما    سبتة تبدأ حملة تلقيح جديدة ضد فيروس "كورونا"    دراسة: المشي يعزز قدرة الدماغ على معالجة الأصوات    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشعر الوطني عند علال الفاسي
قراءة في أطروحة الدكتورة فتيحة بلعباس
نشر في العلم يوم 20 - 11 - 2010

قدمت الدكتورة فتيحة بلعباس أطروحة لنيل الدكتوراه في في شعبة اللغة العربية وادابها وحدة المناهج النقدية المعاصرة والنص الأدبي بكلية الاداب والعلوم الإنسانية بالرباط تحت إشراف الدكتور أحمد بوحسن .
وقد تفضلت صاحبة الأطروحة بإهداء نسخة منها للأستاذ عبد الحق التازي الذي كتب عنها وعن شعر المرحوم علال الفاسي هذه القراءة القيمة .
شرفتني الدكتورة فتيحة بلعباس بإهدائي أطروحتها لنيل الدكتورة في الأدب بعنوان «الشعر الوطني عند علال الفاسي،»
وكلما تقدمت في قرائتها المتأنية، كلما اكتشفت عمق هذا العمل الجليل، الذي يعتبر ثمرة مصاحبة طويلة للكاتبة دامت زهاء أربعة سنوات مع الإنتاج الغزير لهذا الشاعر العبقري.
إن هذا مدون في ديوان علال الفاسي، المتكون من ثلاثة أجزاء.
أما الجزء الأول: فهو ينقسم إلى أربعة عناوين ويحتوي على 128 قصيدة أولها القصيدة الشهيرة « سيعرفي قومي « وهي عبارة عن خريطة الطريق التي اختارها علال لحياته النضالية من أجل بلوغ أهدافه النبيلة وقد نظم علال هذه القصيدة وهو ابن الخامسة عشرة من عمره، ولذلك سمي من عهدها « بشاعر الشباب» ويحتوي هذا الجزء الأول أو الكتاب الأول من ديوانه على كل القصائد التي نظمها علال قبل نفيه من قبل السلطات الاستعمارية إلى الكابون في 31 أكتوبر 1937.
أما العنوان الأول فهو يهتم بالدين والإصلاح والوطنية ويحتوي على 53 قصيدة تعتبر كلها على عزم وقرار الشاب علال على الكفاح المستميت من أجل حرية بلاده وشعبه وتقدمها، مستمدا إرادته الفولاذية من إيمانه بالله، ومن أخلاق مثله الأعلى في الحياة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
أما العنوان الثاني فهو» المراثي» ، ويحتوي على 10 قصائد في رثاء صادق لبعض شيوخه الذين أخذ منهم العلم عمه المرحوم عبد الله الفاسي، وسعد زغلول وحافظ إبراهيم وفيصل ملك العراق، والحاج عبد السلام بنونه أب الوطنية في تطوان، والمتنبي في ذكراه الألفية.
أما العنوان الثالث المعنون بعواطف وتأملات فيحتوي على 38 قصيدة يحكي خواطر (الشاعر الشاب ) في الحكمة، وعلاج النفس والفخر بها، في الغزل والغرام والحب ودائما في الالتزام بعزم وإيمان بالدفاع عن حرية المغرب وشعبه وتقدمهما بالعلم والمعرفة.
أما العنوان الرابع فهو الشعر التعليمي، الموجه إلى الشباب لأخذ العبرة ممن سبقهم من السلف الصالح يعتمد على الإيمان بالله والتشبث بالسنة وأخلاق نبي الإسلام، وحب الوطن والملك، والوالدين ثم مجموعة قصائد على منوال قصائد Jean de la Fontaine
وآخر عنوان هو في الحقيقة ملحق يحتوي على قصائد ما قبل المنفى اكتشفها مدير مؤسسة علال الفاسي المرحوم عبد الرحمن بن العربي الحريش، بعد صدور الطبعة الأولى من ديوان علال ومن بينها على الخصوص النص الأصلي لنشيد الحزب: «مغربنا ووطننا».
وكل أبيات هاته ال 128 قصيدة مكتوبة على النمط القديم في الوزن والقافية، باستثناء قصيدته الرقيقة «أغرودة مشتاق» التي كانت أول قصيدة كتبها علال بباريس سنة 1933 على طريقة الشعر الحر.
أما الجزء الثاني: من شعر المنفى فهو يحتوي على 189 قصيدة مقسمة على 30 أقسام أرض الملك- تأملات (1) من شريط المنفى- من الشعر الرمزي- من أناشيد الرباعيات- من المزامير-علاج النفس-عواطف وذكريات- وجدانيات- من صور الحياة- نبويات مراثي-نظرات وأذكار-تشبيهات دعبات-اجتماعيات(1) ثنائيات- عبر وأساطير(1) أناشيد(1)- ورود وأشواك- ذكريات وأشجان من صور الطغيان الحديث- تأملات(2) وخواطر-اجتماعيات(2)-إشراقات أنغام الحب والحرية- أساطير(2)-أناشيد(2)-الزورق المغربي.
وفي هذه القصائد يعبر فيها الشاعر العبقري على لوعته وألمه لفراق رفاق الطريق في الكفاح الوطني، وعائلته المحترمة، من زوجته المصونة للا زهراء زاد الله في عمرها، وبنته البكر ليلى ووالده الوقور سيدي عبد الواحد الفاسي وكذلك لوعة فراق الوطن العزيز وحرمانه من الكفاح من أجل استقلاله، وتأملات حول الحياة، وقوة الإيمان بالله، وبقضية وطنه ومواطنيه وتحريرهم من الاستعمار والجهل والفقر والشعوذة ورفع شأنهم بولوجهم عالم العلم والمعرفة وخاصة المرأة المغربية ضحية الجهل وعدم الاهتمام بأحوالها والرفع من مستواها، كما يعبر الشاعر عن تعلقه بالحرية وحب الإنسان وحب الخير لغيره مما يكسي شعره شمولية وعالمية تعبر عن علو تفكيره.
وبه كذلك مجموعة من الأناشيد الحماسية التي تذكي روح التضحية والكفاح عن المغرب من أجل التحرير والإصلاح؛ والفخر بأعظم مثال الأخلاق الحميدة و الإيمان سيدنا محمد صلوات الله عليه وسلم.
أما الجزء الثالث والأخير من ديوان علال فيحتوي على 110 قصيدة موزعة على 13 أقسام: تأملات- على درب العروبة- في سبيل بعث إسلامي- تحرير وتوحيد- نسائم قدسية- إضاءات- إشادات- ذكريات نبويات- عواطف صادقة- مراثي- نفتاث- أناشيد- أساطير وعبر- ملحق على الطبعة الأولى- (وفيه القصيدة العصماء).
وتعبر هذه القصائد عن تأملات الشاعر حول حالة بلاده وسبل انعثاقها من العبودية والجهل باللجوء إلى البعث الإسلامي والتشبث بلغة القراء وأخلاق نبينا محمد عليه السلام وبالحماس في الكفاح الذي يوقده الإيمان والأناشيد الوطنية التي أرادها الشاعر زادا لهذا الكفاح المقدس، كما أن علال أرثى فيها على الخصوص المناضل الفد سيدي عبد العزيز بن إدريس والشاب الشعلة الحسن بن شقرون وكذلك فال ولد عمير أمير طرارزة بموريطانيا، والأمير شكيب ارسلان ، وأخيرا رثاء الملك محمد الخامس.
كل هذه القصائد تؤشر على تشبث علال بالوطنية والوطنيين الصادقين يتقدمهم عاهل البلاد، وكذا الزعماء العرب والمسلمين المخلصين لذمتهم والمدافعين على قضية المغرب في بلدانهم أو في المؤسسات الدولية، وفي حقه في الحصول على الحرية والوحدة الترابية، والحفاظ على هويته الإسلامية كما عبر في بعض القصائد على ألمه لما يحصل لشعبه في عهد الاستقلال من اضطهاد وكبت لحرية التعبير بفرض الرقابة على الصحافة وعلى المفكرين الوطنيين، وتوجه البلاد توجها مضادا لوطنية وللمصلحة العليا للبلاد لا في السياسة الداخلية ولا في السياسة الخارجية.
هذا وباختصار شديد ما يحتوي عليه ديوان علال الذي استأنست به لمدة طويلة الدكتورة فتيحة بلعباس، واطلعت على شعره ذو الطابع الشمولي والكوني وعلى اهتماماته الكثيرة والمتعددة، فاختارت وحسنت الاختيار فقط الشعر الوطني عند علال معنونة به أطروحتها القيمة التي هيأتها في جو البحث والاجتهاد في كلية الآداب بالرباط، ومع مؤطريها الأجلاء.
فجاء هذا العمل كثمرة غالية تؤرخ لفترة دقيقة من حياتنا الوطنية، فترة الاستعمار الفرنسي والاسباني و للرجة العنيفة التي فجرها الاحتلال العسكري لبلد عاش حرا مستقلا منذ بداية التاريخ، فقاوم الاحتلال بالسلاح أولا تحت قيادة موحى وحمو الزياني في الأطلس المتوسط ثم الأمير عبد الكريم الخطابي بطل ملحمة أنوال والثورة الريفية التي انتهت سنة 1926 حيث تحالفت ضده دولتان عظيمتان استعماريتان فرنسا وإسبانيا بجيشها العرمرمين واللذين استعملا كل أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة الفتاكة والطيران وكذلك الغازات السامة لإركاع المجاهدين في شمال المغرب.
كما استمرت المقاومة المسلحة في جبل صرغو في الأطلس الصغير حتى سنة 1934 أي 24 سنة بعد فرض الحماية على المغرب في 30 مارس 1912.
ومباشرة بعد قهر ثورة الريف بزغ الكفاح السياسي مؤطرا بثلة أغلبيتها من شباب جامعة القرويين يرأسهم شاعر الشباب علال الفاسي مسلحين بإيمانهم بالله وبقدرته القاهرة وبالحب الأزلي للوطن وإرادتهم الفولاذية هم ومن التف حولهم من الوطنيين أبناء الشعب في جميع أنحاء البلاد لمقاومة الاستعمار والكفاح من أجل الحرية والإصلاح والعمل على أن يتبوأ المغرب مكانته الطبيعية كبلد حداثي، متقدم متمسك بحضارته وإنسيته الأمازيغية العربية الإسلامية ونظامه الملكي الدستوري الديموقراطي.
فقد أدركت الدكتورة فتيحة أن علال وبدون منازع هو شاعر الوطنية الأول، الذي كما قال فيه الأستاذ عبد العلي الودغيري محقق الجزء الأول من ديوانه، « عرب بحق كيف يكون معنى الصدق والالتزام...وعرف رسالة الشعر والشاعر فوظف أداته لخدمة قضايا شعبه وأمته الإسلامية قبل أن يدعو غيره لتوظيفها».
فجاءت أطروحة الدكتورة فتيحة والتي اهتمت من بين الموضوعات العديدة والمتنوعة التي تطرق لها علال في ديوانه الضخم، بموضوع الأوحد والأهم عنده الوطنية المخلصة والصادقة على شكل كتاب من 201 صفحة.
إن هذا الكتاب عميق يحتوي على دراسة متأنية وصبورة للمؤلفة أخذت على نفسها إلمام شامل بالموضوع الذي اختارته، مسلحة بالاطلاع على كل جوانبه وبالتعرف على محتوى ما يزيد عن 30 مرجع عربي وأجنبي من مجلات وكتب وأبحاث علال الفاسي التي يقترب عددها من الأربعين ويتوزع الكتاب الأطروحة على بابين:
علال الفاسي المناضل الشاعر- منقسم إلى ثلاث فصول.
الشكل الفني وفكرة الوطن – منقسم إلى أربعة فصول.
وكل فصل من هذين البابين يتطرق إلى جانب من جوانب الموضوع من ناحية العمق والشكل، أترك القارئ استكشافها بقراءة متأنية للأطروحة بمقدمتها وخاتمتها ومحتواها الذي يتطرق لصلب الموضوع في بابها الأول بدءا بالمقاومة المغربية، وحياة علال الفاسي، مرورا بالالتزام والرؤية الإصلاحية لعلال، والحرية والتعليم عامة، وتعليم المرأة خاصة، والروح الوطنية والوعي الوطني والملكية والهوية المغربية ووحدة الشعب المغربي والانصهار الحضاري بين العرب والأمازيغ والديانة الإسلامية الموحدة لمكونات الشعب المغربي واللغة العربية لغة التعليم والتشريع والإصلاح.
أما محتواها في الباب الثاني فهو يتطرق للجانب التقني في شعر علال: المعجم والصورة الشعرية ومكوناتها وأثر النضال في توجيهها، وأخيرا الشكل الفني في الوزن العمودي والموضوعات الشعرية وأجناس الشعر.
وبقراءة الأطروحة يكتشف القارئ أن المحرك الأساسي في شعر علال هما المعركة ضد المستعمر من جهة والمعركة ضد التخلف في المجتمع المغربي.
وقد عانا في كلتا المعركتين السجن والمنفى السحيق والاضطهاد من قبل المستعمر، والمكائد من قبل الخونة والجهلاء وأئمة الطرقية المستعملين للشعوذة والخرافة والظلامية من أجل استغلال الشعب الفقير والمتعب فكريا لقضاء مصلحتهم الخاصة والاستغناء غير المشروع محميين في هذه المهمة الظلامية من قبل الاستعمار وأدنابه.
وقد واجه علال كل هذه المحن بصبر جميل وإرادة فولاذية حتى حقق هدفه: استقلال البلاد ثم مواصلة معركة الإصلاح من أجل بناء مغرب جديد، حر وديمقراطي ومتقدم.
ويكتشف القارئ أن الأستاذة فتيحة بعد تمكنها من شمولية وكونية شعر علال، اختارت لموضوع دراستها 50 قصيدة شعرية مستقاة من الأجزاء الثلاثة من ديوانه الغزير (الذي يحتوي على 427 قصيدة) مستشهدة بها على استنتاجات دراستها القيمة في الشعر الوطني عند علال الفاسي وبينت بذلك عنده أداة من أدوات التوعية والحماس وبواسطتها استطاع هو وأصدقاءه أن يعبئ أغلبية الشعب في جميع ربوع المغرب من أجل الكفاح ضد الاستعمار ومن أجل إصلاح ونهضة المجتمع المغربي، بالعلم وأخذه بلغته العربية.
وكنموذج لهذا الشعر النضالي صدرت أطروحتها بالقصيدة الشهيرة «سيعرفني قومي» وهي عبارة عن خريطة طريق لحياته وهو لازال في سن الخامسة عشرة من عمره، من أجل الوصول إلى الهدف الذي التزم بالكفاح من أجله حتى الموت: الدفاع المستمر عن الحرية وعن الوطن وعن الإنسان.
وتلى هذه القصيدة قصيدة أخرى تعبر عن إصراره على المقاومة وقد نظمها في منفى الكابون في 6 أبريل 1938 والتي تنتهي «بوطني أفديه»، ثم تأتي «الحرية» التي هي مفتاح كل ما يصبو إليه الشعب من استقلال وإصلاح، وقصيدة مدح الملك عند زيارته لمدينة فاس، ثم في ترقب زيارة العالم عبد الحميد بن باديس رئيس رابطة العلماء في الجزائر، الزيارة التي منعتها سلطات الحماية ينشد فيها وحدة عمل شعوب المغرب العربي، ووحدة كفاح علمائه وصلابتهم (صحيفة الشهاب) ثم قصيدة بمناسبة المولد النبوي ينهى فيها أبناء شعبه من زيارة الأضرحة وإقامة مواسم السحر والشعوذة، المنافية لتعاليم دينهم الحنيف وسنة رسولهم المصطفى الأمين ثم تأتي حسب المواضيع المدروسة (التعليم، الحالة المزرية لجامعة القرويين، تعليم المرأة وحريتها- الروح الوطنية وحدة الشعب المغربي - الملك - اضطهاد لغة القرآن- والمواضيع الأخرى التي سبق أن أشرنا إليها).
كما جاء في أطروحة الدكتورة فتيحة بلعباس قصائد شعرية لشعراء من المغرب العربي مثل أبي العباس الشابي من تونس ومحمد العيد من الجزائر وإشارته إلى محمد بنبراهيم من المغرب . وأحمد الشاف من ليبيا كما جاءت إشارات إلى شعراء المشرق الملتزمين والمرموقين مثل أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومحمد مهدي الجواهري، مبرزا الغليان الثقافي الذي كان يميز تلك القدرة من حياة شعوب الأمة العربية شرقا وغربا.
ولقد أبيت أن أسرد هاته الأبيات من كل القصائد التي نشرتها الدكتورة فتيحة في أطروحتها مع بعض الملاحظات شخصية لي وللدكتورة في الطرة، لأفتح شهية القارئ وحمله على دراسة متأنية لها والاستمتاع بما جاء من دور في شعر علال الذي كان وبامتياز شاهدا على عصره ، كما أتمنى أن يقدم القارئ كما فعلت الدكتورة على التعرف عن قرب من شخصية علال الفريدة من نوعها إذ هو من الصنف الذي ينعم به الدهر على البشرية كل قرنين أو ثلاث قرون، وذلك بقراءة ما جاء في ديوانه الذي يستحق كل العناية والوقوف عند كل قصيدة من قصائده التي هي جزء من حياتنا الوطنية المشرقة.
كما أن قصدي هو أن يتلذذ القاري وخاصة المفرنسين مثلي- بسحر اللغة العربية وغناها وقدرتها الفائقة على التعبير الدقيق على كل أنواع أحاسيس الإنسان ووصف دقيق لكل أسرار الكون، وما استكشفته العلوم القديمة والحديثة من أسراره في شتى المجالات.
إن الرجوع إلى اللغة العربية، والتشبث باستعمالها كلغة رسمية للبلاد حسب ما أقره الدستور، في جميع مناحي الحياة اليومية، سيمكننا من أن نتفاهم بيننا كمواطنين نعيش في بلد واحد وكذلك لنطور لغتنا ونحدثها لتبقى آلة التواصل بيننا وبين كل الذين يتكلمون بهذه اللغة وهم ملايين من البشر خاصة أنها لغة القرآن، الكتاب المقدس عندما يفوق المليار من سكان الكرة الأرضية، وخاصة منهم شعوب المغرب العربي التي لا يمكن أن تبني مستقبلها المشترك في إطار الحرية والتقدم والازدهار إلاّ بالتشبث بالمقومات المشتركة بينهم من دين ولغة وعادات.
كما أن استعمال لغتنا سيجعلنا قادرين على الرجوع إلى جذورنا واستكشاف ما خلّفه المؤلفون من قبلنا في شتى المجالات والعلوم وحتى نستمر في المكانة التي بوأنا الله سبحانه وتعالى: ﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ (آل عمران: 104) وحتى نتمكن في تواصل غنى مع شعوب الحضارات المتنوعة للبشرية، ونستمر في إغناء القيم العليا المشتركة بين الحضارات الإنسانية، لنساهم في نشر المعرفة والسلم في هذا العالم المضطرب بفعل العولمة المتوحشة التي تجتاح كل المجتمعات غير مبالية بإدارة الشعوب في الحفاظ على هويتها وإنسيتها ، وعلى ضرورة تعدد الحضارات التي هي رحمة بين العباد.
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ (صدق الله العظيم) الحجرات-13-
غشت:2010


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.