غوتيريش يدعو إلى "تسريع" وتيرة البحث عن حل دائم لقضية الصحراء وتمديد ولاية "مينورسو" لعام إضافي    شباب "جيل زد" يجددون احتجاجاتهم يومي السبت والأحد.. ومطلب الإفراج عن المعتقلين على رأس الأولويات    المحفظة العمومية تضم 267 مؤسسة ومقاولة عمومية في نهاية شتنبر 2025    تسارع ارتفاع أسعار النفط بعد العقوبات الأميركية على مجموعتي النفط الروسيتين    محكمة العدل الدولية: على إسرائيل كقوة احتلال تأمين الغذاء والماء والمأوى والإمدادات الطبية للفلسطينيين    بين الأرض والسيادة: جوهر الأزمة الروسية الأوكرانية في ظل المبادرات الدبلوماسية الجديدة    أول صلاة مشتركة بين ملك إنجليزي وبابا كاثوليكي منذ 500 عام    أشبال الأطلس: الإعصار الإفريقي الحاسم!    تقرير حقوقي يوثق خروقات بالجملة في محاكمات معتقلي احتجاجات "جيل زد"    في مديح الإنسانية التقدمية، أو الخطاب ما بعد الاستعماري وفق مقاربة فلسفية ايتيقية    وجدة: حين يصبح الحبر مغاربياً    مذكرة توقيف بحق بشار الأسد بتهمة شن هجمات كيميائية    الانخفاض يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    كردادي حاملة العلم الوطني في المرحلة 6 من "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء"    "ولدي شرا لينا الدار".. تصريحات والدة فؤاد الزهواني تلامس قلوب المغاربة    تييري هنري يرشح المغرب للمنافسة على لقب كأس العالم 2026    بلجيكا تدعم المبادرة المغربية التي تضع جهة الصحراء "في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية"    جرائم الأموال بالبيضاء تصدر حكمها في ملف المطعمة بمديرية التعليم بالجديدة    كيوسك الخميس | وزارة الداخلية تطلق ورش رقمنة سجلات الحالة المدنية    عراقة الماضي وحداثة الحاضر تضع الرباط في صدارة الوجهات السياحية العالمية    ثلاث قتيلات ومصابات في انقلاب سيارة ضواحي أزيلال    البنك الدولي: المغرب يفرض نفسه كقطب تجاري ومالي إقليمي بإفريقيا    المؤسسات والمقاولات العمومية: استثمارات متوقعة لعام 2026 تقارب 180 مليار درهم    وفاة الفنان المغربي الكبير محمد الرزين عن عمر يناهز 79 سنة    استفتاء في ميونخ بشأن استضافة الألعاب الأولمبية    أكاديمية محمد السادس تراكم النجاحات    تتويج منتخب "الأشبال" بالمونديال .. حين يلتقي اللعب بالجد والوطن بالحلم    التعاونيات تبرز أصالة وجودة المنتوج المغربي بمعرض أبوظبي للأغذية    بروكسل تقرض القاهرة 4 ملايير يورو    التجويع يفرز عواقب وخيمة بقطاع غزة    عناصر الأمن الإيرلندي ترشق بالحجارة في دبلن    الرباط ضمن أفضل 5 وجهات عالمية    توقعات طقس اليوم الخميس بالمغرب    القنصلية الإيطالية تحذر من النصابين    سكان أكفاي يطالبون بمنتزه ترفيهي    أخرباش: التضليل الإعلامي يتصاعد    مصادر أممية تتوقع تقليص ولاية بعثة "المينورسو" في الصحراء المغربية    الطاقات المتجددة تتصدر "استثمارات 2026" بالمغرب .. البنيات تُؤمن الإمدادات    الملك: مطاع فنان قدير وقامة مبدعة    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    نجاحات كرة القدم المغربية، ثمرة رؤية ملكية متبصرة (وسائل اعلام صينية)    الأمين العام للأمم المتحدة يوصي بتمديد ولاية المينورسو    الملك محمد السادس يواسي أسرة المرحوم الفنان عبد القادر مطاع    دوري أبطال أوروبا.. ريال مدريد ينجو من فخ يوفنتوس وبايرن يبدع وليفربول ينتفض    الملك يبعث برقية تهنئة مختصرة إلى إدريس لشكر في صيغة بروتوكولية مغايرة للبرقيات السابقة    Mocci يكشف عن أغنيته الجديدة "Tes7arni" بين العاطفة والقوة    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    التنافس يطبع نهائيات "تحدي القراءة"    تكريم "جمال سليمان" وعروض أولى وخاصة بمهرجان الدوحة السينمائي    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    فنانون من 12 دولة يثرون الدورة 14 لمهرجان العرائش الدولي    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرأة في مجتمع البيظان

ليس من السهل بتاتا تناول موضوع تتشابك فيه التخصصات ومجالات العلوم الاجتماعية ، ذلك أن مقاربة موضوع المرأة من داخل مكون آو تنظيم اجتماعي معين ، يتطلب الإلمام بمفاهيم لا توفرها إلا سوسيولوجيا وعلم الاجتماع والإنسانيات .
زد على ذلك أن طبيعة المجتمع البيظاني تتشابك فيه الخصوصيات والمميزات ، ولا تتوفر حوله دراسات إنتربولوجية الكافية والتي يمكن أن تساعد على اختراق البنية الاجتماعية التي يحتويها ، مما أثار حالة من الغموض والفقر المعرفي فيه تناول الأنساق الثقافية والاجتماعية للمجتمع البيظاني .
وبما أن المرأة البيظانية أحد عناصر هذا المجتمع الغامض انتروبولوجيا ، فمن الطبيعي أن تبقى بعيدة عن دائرة البحث العلمي والأكاديمي .
وأمام هذه العقبات المعرفية المحبطة التي تحول دون معرفة المجتمع البيظاني معرفة انتروبولوجية عميقة ، فإنه لم يبقى سوى التسلل إليه بمحاولات فعل إبداعي ، وبوسائل بحث تعتمد على القراءة الاستنباطية التي تعتمد على استثارة القدرات التفكيرية ومقاربة الأفكار وباستخدام وسائل تحليلية ونقدية ترتكز على على مشاهداتنا الواقعية .
في النسق الثقافي البيظاني تحتل المرأة مكانة متفردة ، ذالك ما تجسده الممارسات الاجتماعية والثقافية لمجتمعنا.
فالمنتوج الهوياتي لشعب البيظاني يجعل من الأنثى محور البناء الاجتماعي له ، وهو ما يعكس صوغ نمط تفكير وجملة مواقف وقيم أصبحت عبارة عن أعراف وقوانين تلزم المجتمع الانصياع لها ، تصب جميعا في اتجاه تثمين مكانة المرأة والرفع من قيمتها الرمزية والدلالية.
هذا المنتوج الهوياتي صنع مرآة لها جملة من المميزات والخصائص أبرزها : صلبة ، متحملة خدومة ، مصدر سعادة ، رزينة ، قوية سيكولوجيا ، ملهمة و حكمية.
وقد ساعد المراة البيظانية في اتصافها بهذه الصفات ، طبيعة المجتمع البيظاني نفسه ، بإعتباره مجتمع يقدس العلاقات الإجتماعية ، مما منحها دورا مؤثرا في تطوير وتنمية حالتها الروحية والأخلاقية والإنسانية ، فساعدها ذلك على تحقيق ذاتها والإستفادة من قدراتها الفطرية.
لذلك فقد شرفها المجتمع أكثر حينما منحها تحديد خصائص التنشئة الإجتماعية وتمرير أساليب الحياة للأجيال الصاعدة .
هذه المكانة التي حصنتها المرأة لذاتها داخل المجتمع البيظان جاءت في اعتقادي الشخصي إلى طبيعة الإنتاج في هذا المجتمع : أي أن العمل كان بشكل جماعي ومناصفة بين الرجل والمرأة مما غيب شروط وجود أي تفاوت على أساس جنسي.
فإذا كان الرجل في مجتمعنا البيظاني هو صاحب السلطة والنفوذ ، وبيده إنفاق المال ، فإن المرأة من داخله تحضي بمكانة إعتبارية في الضمير الجمعي للبيظان ، ويجرم على الرجل تجريما معنويا أن يستغل مصادر قوته ضد المرأة .
غير أن السؤال المطروح الأن يتحدد في ماهية الأصول التاريخية والثقافية لهذه المكانة من داخل مجتمع بدوي الأصل تسيطر عليه الأعراف وتقاليد البداوة المحافظة .
لنضع في اعتبرنا أولا أن المجتمع البيظاني في شكله الحالي ما هو إلا إستمرار لمجموعات بشرية مختلفة الثقافة والهوية تعاقبت على هذه المنطقة عبر فترات تاريخية مختلفة ، وعليه فإن تعدد مصادر إنتاج قيم هوياتية وإختلافها يضفي عليها طابع التميز والغنى والتفرد .
إن البحت عن الجذور الثقافية والتاريخية لمكانة المرأة المتميزة في مجتمع البيظان سيعود بنا إلى النبش في الحقبة الصنهاجية التي تناولتها المصادر التاريخية وبشكل مفصل والتي أثارت في بعض الإشارات المكانة الهامة التي حضيت بها المرأة الصنهاجية في مجتمع الملثمين .
هذه الجذور ستحيلونا إلى نتيجة مفادها أن مجتمع صنهاجة في أصله وبدياته ذو نظام أمومي ، حيث تتبوء المرأة دور القيادة وتتمتع بقدر من الحرية وتتولى الكثير من المهام.
وهذا بضبط ما تحدث عنه الجغرافي الفرنسي كاميل دولز CAMILLE DOULS
(1864/ 1889 ) حينما وصف وضعية المرأة في المجتمع البيظاني بقوله
" سنجد قواسم مشتركة بينها وبين المرأة الأوروبية في وضعيتها الاجتماعية كما سنتها مؤساساتنا".
كلام كاميل دولز هذا يجعلنا نخرج بخلاصة مفادها أن مجتمع البيظان إستطاع أن يصيغ مكانة متقدمة للمرأة منذ زمن بعيد ، هي بنفس المكانة التي تحاول المجتمعات الحديثة صياغتها ، وذلك رغم وجوده ضمن نطاق المجتمعات التقليدية المحافظة .
وعلى الرغم من أن المنطقة عرفت قيام حركة المرابطين ذات الأهداف الدينية، إلا أن تأثيرها على الناحية الإجتماعية لم يقوض البناء الإجتماعي الذي يضع المرأة في مكانة مرموقة، لا نجدها من داخل المجموعات البشرية ذات الخلفيات الثقافية المختلفة و المحيطة بمجال البيظان.
لا نشك في تأثير الحركة المرابطية في البناء الهرمي لمجتمع الملثمين، وهنا يمكننا استحضار ترتيب الفئات الإجتماعية من داخله المتجسدة في فئة المحاربين والزوايا كفئة عليا والأتباع ( اللحمة) بالإضافة إلى الفئة الحرفية ، غير أن التفرد المميز لهذه المجموعة الإنسانية يكمن في إلغاء هذا التقسيم الفئوي حينما يتعلق الأمر بمكانة المرأة وحظوتها.
الشيء الذي يؤكد أن المنطلقات الثقافية والهوياتية لمجتمع البيظان متجدرة بشكل لا تؤثر فيه الحركات السياسية أو مراحل تشكل وبناء الدول مع ما يصاحب هذا البناء وهذا التشكل من استراتيجيات وترسيخ اديولوجيات تهدف إلى إعادة تقسيم وتنظيم المجتمع.
أي أن مجال البيظان و ان كان مسرحا لنهوض العديد من الحركات السياسية والثورية مند حركة المرابطين وحتى ما قبل ظهور حركة المرابطين، فإنها لم تستطع أن تؤثر على النفوذ والأدوار التي كانت تلعبها المرأة داخل المجتمع البيظاني.
وعليه فإن نسق الأدوار في مجتمع البيظان لا يوجد مستقلا عن نسق القيم والمعايير التي تحكمه.
لذلك فإن القيم الموروثة داخل مجتمعنا البيظاني هي الموجه نحو تركيب الأدوار التي منحت المرأة دورا محوريا.
فالنظام الإجتماعي يقوم على نسق من القيم التي تصب جميعها في اتجاه حظوة المرأة والتضحية من أجلها .
وعليه فإن اختزال مكانة المرأة في وقتنا الحاضر في غلاء مهرها يعد انتقاصا لها وعدم تقدير لمكانتها الإجتماعية ، على اعتبار أنه مهما غلا مهرها إلا أنه قد حدد له قيمة مادية معينة ، في حين أن مكانتها تتحد بالأدوار الوظيفية التي تلعبها في البناء الإجتماعي لمجتمع .
في وقت لا زالت وضعية المرأة في الكثير من المجتمعات البشرية لا ترقى إلى مستوى الإجماع الحقوقي التي أنتجها المجتمع الإنساني.
فمجتمعنا البيظاني كان له السبق في صياغة نموذج متميز لوضعية المرأة من داخله حيث استطاع وبكل براعة المزج بين تعاليم الدين الاسلامي كمرتكز أساسي ومهم لصياغة القيم، وبين بصمته المتفردة في تشكيله وتناوله للمرأة .
غير أن هذا النموذح أضحى مهددا بالانهيار بعدما تخلت المرأة البيظانية عن الكثير من أدوارها المجتمعية، واختزلت نفسها في المرأة الزوجة التي يجب أن تحظى بإمكانيات استهلاكية ومادية كتعبير عن التقدير من الرجل لها.
فلم تعد المادة بالنسبة للمرأة في مجتمعنا الحالي مجرد وسيلة للحياة بل ثقافة: أي مجموعة من المعاني والرموز و الصور أصبحت لصيقة بالمخيال الذهني للمرأة البيظانية تربط بينها وبين حظوتها ووجهتها.
هذا النمط الاستهلاكي المرتبط بالمادة والذي بدأ يترسخ في سلوكيات المرأة البيظانية في الوقت الحاضر يعد ثقافة نقيضة تماما للهوية البيظانية وانحرافا قيميا واضحا لا يليق بالمرأة في مجتمع البيظان.
وهو ما دفع بعض الباحثين السطحيين خارج الانتماء الثقافي إلى التركيز على بعض الظواهر المحدودة في حديثهم عن المرأة البيظانية كما هو واضح في تناولهم لبنيتها الفيزيولوجية أو بعض العادات الغذائية الخاصة بها أو حتى حينما يتناولون ظاهرة احتفالها بعد الطلاق.
كلها كتابات تحمل نوعا من الازدراء والاستخفاف تصل إلى درجة السخرية الباعثة على الاستغراب.
لم تنل المرأة البيظانية حظها اللازم قصد إبراز مكانتها ضمن البنية الإجتماعية للبيظان ، في ضل تواضع البحوث المنجزة عنها ومحدودية عمقها العلمي ، وفي ضل الحملات المسمومة التي يدشنها البعض ضدها والمرتبطة اساسا بنظرتهم المليئة بأحاسيس ذات بعد شوفيني في تناولهم الأخر المختلف .
أقلام بعضهم لم تكتب سوى عن ظاهرة التبلاح في تناولهم للمرأة البيظانية .
كتابات تعبر عن المحدودية المعرفية والأكاديمية لكاتبيها وابتعادهم عن الموضوعية في التناول الصحيح لأية ظاهرة إنسانية ، وبالتالي محدودية قيمة الأفكار التي أنتجها هؤلاء ، خاصة إذا ما ستحظرنا أن هذه الكتابات كانت تميل إلى الأسلوب الهزلي المستخف .
وإن كان أسلوبهم هذا ناجم في إعتقادي إلى حالة نفسية تعبر أساسا عن تفاجئهم بقيمة المرأة في مجتمعنا البيظاني بقدر لا يتساوى وبعيد كل البعد عن قيمة أمهاتهم وأخواتهم وبناتهم وزوجاتهم في مجتمعاتهم المشلولة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.