أظهرت تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة والمفاجآت النوعية التي باغتت بها المقاومة الجيش الصهيوني بروز ثلاث اتجاهات أساسية يمكن أن تعرفها المنطقة في الأيام القليلة القادمة: - الاتجاه الأول: وهو حصول تحول جوهري في علاقة السياسة بالحرب في مسار القضية الفلسطينية، إذ لم تعد السياسة، والمقصود بها هنا الجهود الدبلوماسية المبذولة لوقف الحرب، حكرا على طرف واحد هو الطرف الغالب الذي يقرر كيف ومتى يستعملها لترتيب الخروج الآمن للعدو الصهيوني من غزة من غير التزام بأي شروط، وإنما صارت – بعد رفض المقاومة الفلسطينية للمبادرة المصرية- أداة متكافئة تستعمل بحسب كفة كل طرف في موازين القوى التي تشتغل ميدانيا على الواجهة العسكرية. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، أظهرت التطورات في نفس الموضوع تغير المعادلة الزمنية التي تربط بين وقف إطلاق النار وبين الاتفاق، إذ بدل أن يكون وقف إطلاق النار مقدمة للتفاوض، صار اليوم بقوة المقاومة على الواجهة الميدانية مشروطا بثمرة ونتيجة التفاوض حول شروط المقاومة. أما من الجهة الثالثة، فقد توارت الشروط الإسرائيلية المتعلقة بتدمير الأنفاق وضرب القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، ولم يعد بالإمكان تصور إصرار الكيان الصهيوني على هذه الشروط لوقف إطلاق النار. - الاتجاه الثاني، وهو تغير مفصلي في الوساطة وأطرافها وشكلها ومضمونها، إذ ظهر معطى جديد يتعلق باختيار المقاومة للوسيط ذي المصداقية حسب وصفها، بدل وضع الاضطرار الذي كان يلجئها دائما للتعاطي مع المبادرة المصرية في حالة العدوان على غزة، كما أظهرت التطورات الميدانية تقوي فرص كل من قطر وأنقرة لإنجاز هذه الوساطة، بعد أن أظهرت البلدان تعاطفا كبيرا مع شروط المقاومة الفلسطينية ومطالبها المشروعة، كما رسخت التطورات وعي المقاومة الفلسطينية بأن وقف إطلاق النار مهما كانت الكلفة من جانب الطرف الفلسطيني ليس هدفا بحد ذاته، وأن الشروط والمطالب الفلسطينية المرتبطة بإتمام اتفاق 2012 ورفع المعاناة والحصار عن قطاع غزة هي مضامين غير قابلة للتسوية على حسابها، مما يعني أن الإمكانية الوحيدة التي بقيت للكيان الصهيوني هو أن يقدم على وقف العدوان من جانب واحد من غير التزام بأي شرط من شروط المقاومة، وفي هذه الحالة سيكون مضطرا للتفاوض مع المقاومة عبر وسطاء لتحرير الأسير الذي تم اختطافه، مما يعني في المحصلة إعادة قصة صفقة شاليط وبكلفة صهيونية كبيرة، أو الاضطرار إلى الاستمرار في العدوان وهو ما لا تساعد عليه الظروف الميدانية، ولا ضغط الجبهة الداخلية التي لم تعد واثقة ولا مقتنعة بقرارات قادة الحرب إذ لم يتم تحقيق أي هدف من الأهداف المعلنة من الحرب. - لاتجاه الثالث، وهو بروز مطالب وضغط شعبي فلسطيني لإجبار السلطة الفلسطينية للانضمام إلى الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية، لردع القادة الصهاينة عن الإقدام على أي مجزرة جديدة تكلفهم المحاكمة الدولية كمجرمي حرب في أي بلد نزلوا فيه، إذ وضع هذا المطلب السلطة الفلسطينية في محك حقيقي، إذ من الممكن أن يثير شكوكا جدية حول خلفيات وملابسات عدم إقدام السلطة الفلسطينية على هذه الخطوة التي تضمن حماية دولية للمدنيين الفلسطينيين، إذ لا يفهم بالتحديد السبب الذي يجعل السلطة الفلسطينية تدفع بهذا المطلب دون أن تقدم على موجباته.