يمر الإنسان بمراحل مختلفة متباينة في حياته. فها هو رضيع لا حول له ولا قوة وفي أمس الحاجة إلى ذويه لرعايته والاعتناء به. ففي هذه الفترة تكون قواه الجسمانية هزيلة ضعيفة وإدراكه بمحيطه محدود للغاية وفكره وذكاؤه بسيط جدا. ثم تأتي مرحلة الطفولة حيث ينشط جسمه بالحركة الدؤوبة ويتقوى وعيه بما حوله بدرجة عجيبة وينمو فكره وتزداد قواه العقلية. في هذه الفترة هو بحاجة ملحة إلى من يرعى قواه المتنامية حتى تنمو بالشكل الصحيح وتتقوى على النحو المليح. ثم يمر الإنسان بمرحلة البلوغ التي تكون كلها قوة وحيوية وإقدام ومبادرة وحب للاكتشاف والخوض في أمور جديدة والثورة على الماضي والطموح لمستقبل مغاير المعاني. وفي هذه الفترة أيضا يحتاج الإنسان إلى موجه ومرشد لكي يوجه قواه الفائرة وحماسته الزائدة.ثم بعدها يحل سن الرشد والاتزان والتعقل والاستقرار، فيحتاج الإنسان الراشد إلى متحدث يتشاور معه ويستأنس برأيه ليهتدي إلى أنجع الوسائل وأفضل المواقف. فهل يصح لنا أن ندعي بأن الإنسان هو في غنا عن مربي ومرشد في أي مرحلة من هذه المراحل؟ وهل يصل به الوعي حتى في سن البلوغ وعند سن الرشد إلى الاستغناء عن هذا المربي؟ فالإنسان في كل هذه المراحل يتعلم ويتطور باستمرار. فإذا قسنا نفس هذه المراحل على مسيرة الإنسانية سنجد تطابقا وتناغما بينها. يمكننا القول إذن بأن الإنسانية قد مرت بسن الرضاعة لما كانت تجهل الكتابة وتأوي إلى الكهوف والمغارات وتقتات باعتمادها على الصيد وبعض المهارات، خاشية ما حولها جاهلة ماهيتها. ويمكن تشبيه القرون الوسطى بمرحلة الطفولة حيث تعلمت الإنسانية الزراعة والفلاحة وأجادت الكتابة واستقرت في المدن والقرى وصارت متطلعة لما حولها من أراض وبلدان وحملقت في السماء العالية والأنجم الدرهرهة فاخترعت روايات وقصص خيالية وأساطير عجيبة لتفسير طبيعتها وفهم تواجدها. ثم مرت الإنسانية إلى المرحلة المعاصرة التي يمكن نعتها بمرحلة البلوغ حيث أخذها حماس الاكتشاف والاختراع والتطور والابتكار، فخاضت في البحار لاكتشاف القارات واستوطنت البلدان البعيدة وقربت بينها بوسائل النقل الحديثة ولسان حالها يقول: لقد فهمت الكون وما فيه وجلت العلوم والمعارف وامتلكتها، فلا الغيب صار سرا مجهولا ولا الحاضر كتابا موقوتا. واستعلت الأقوام على بعضها البعض في الاكتشافات والاختراعات العلمية المذهلة، ولكن للأسف الشديد كانت في بعض الأحيان هالكة مدمرة. هل كانت الإنسانية قياسا على الفرد الواحد في غنى عن مربين في كل هذه المراحل؟ فالتاريخ شاهد بتواجد مربين روحانيين ومفكرين متنورين كانوا سببا في رقيها وازدهارها وملجأ لمخاضها ودرعا واقيا لفتورها وتراجعها وسلما لصعودها وعلوها. ومن أبرز هؤلاء المربين الذين رسموا تاريخ الإنسانية ببصمات نورانية حميدة هم الأنبياء والرسل، وآثارهم شاهدة للعيان متألقة بازغة بلا ستر ولا حجاب. في مرحلة البلوغ هذه، ألسنا بحاجة إلى مربٍّ يهدينا سبيل النصح والرشاد وينور فكرنا ويسدد رأينا حتى تمر الإنسانية إلى سن الرشد و يحل السلم والسلام والصلح والأمان وتجتمع الشعوب والأقوام تحت راية الاتحاد وينظر بعين العدل والإنصاف إلى كل العباد؟