هكذا عُرف هذا الدين في مختلف العهود والأقطار، وظل شعارا خالدا في الأذهان، وهمهم به البعض للآخر على أنه صحيح البنيان، وبأن الدعوة المحمدية مبدأها سلام وآخرها سلام وشعارها الحب والأمان؛ فاشتاقت الأرواح لنداء تفوح منه روائح المحبة والوداد، وتكسيه زهور العشق، فانجذبت نفوس جمة من مشارق الأرض ومغاربها، فحل دين الإسلام دين السلام ضيفا على شعوب وقبائل من شتى بقاع الأرض ومشاربها، فاستبشروا به خيرا بما فاض عليهم من تعاليمه السمحاء، المهذبة المرقية للنفوس والأرواح، وأهدى إليهم نظما بديعة متقنة الإحكام لتسيير أحوالهم وتنظيم مجتمعاتهم، فكان الحافظ الكافي الشافي لعلل مجتمعاتهم وتحسين معاشهم، فزرع فيهم قيم النبل والشجاعة والكرم وحسن الضيافة، ونقّى ضمائرهم من شوائب مترسخة متمكنة من عقولهم وعاداتهم، فكان كالدواء يسري في العروق للقضاء على الداء المتفشي في الأجسام، فكم من نفس ارتاحت لندائه ورحبت بقيمه وتعاليمه، فكان نورا يهديها في الظلمات، ونجما بازغا يرشدها في طريقها ويقودها إلى شاطئ النجاة، فأشرقت وتنورت وتعلمت واستحكمت في بيداء حياتها، وأثرت في محيطها فكان لذلك صدا جميل ووقع لطيف قاد تلك المجتمعات إلى أوج ازدهارها ورخائها.. ففي تلك الآثار المباركة التي تفوه بها خير البرية، المصطفى قطب التوحيد وديباج التنزيه والتفريد، وجدت كل النفوس من مختلف الأوطان والأطوار غذاء ينعش روحها، ولحنا يطرب فؤادها، ونسيما رقيقا يزكي مشامها، فكم من حاكم عادل اقتبس من تلك الآيات، وكم من إنسان ترقى بتلك الهدايات.. فما حل من نقيض ما قيل، ما كان إلا نتاج نفوس ما شاهدت بأعينها النور المبين، وما استنشقت من مشامها الرائحة الزكية، فخولت لها نفسها ما خولت، وارتكبت باسمه ما ارتكبت، وبذلك بكت عيون المقربين، وتألمت صدور الصالحين، وشقت ثيابها حور العين، وما هذا إلا سنة الله في خلقه، ولن تجد لها تبديلا أو تحويلا. وها نحن في عصر تحرر فيه عقل الإنسان من تلك القيود الباطلة والأوهام الغابرة من تعصب لوطنه وجنسه ودينه، بحيث تقربت المسافات بين الشعوب والأمم بفضل الاختراعات العلمية الحديثة، فأصبحت الأرض وطنا واحدا ووكرا لجميع الشعوب، وأصبح روح العصر هو الاتحاد والائتلاف ومساندة الشعوب لبعضها البعض والسير قدما لتحقيق حضارة عالمية موحدة رايتها العدل والإحسان وحقوق الإنسان. ففي هذه الظروف، لا يسعنا إلا الرجوع إلى جوهر تعاليم الدين الإسلامي، على غرار جميع الديانات السماوية الداعية إلى التحلي بالرأفة والمودة والمحبة والرحمة؛ حتى يتسنى لشعوب العالم أن تعيش في ظل الصلح والسلام وتنبذ عن ورائها شبح الحروب والآلام.. وكم نحن بحاجة إلى أصوات من مختلف الملل والنحل، تعلو بصوتها وتصيح بأعلى النداء: حيّ على السلام، حيّ على العدل والإحسان، حيّ على مكارم الأخلاق، حيّ على الاستسلام لخالق الأنام.