سمعنا ونسمع دائما بأن المغاربة الذين اعتنقوا ديانات أخرى من غير ديانة آبائهم وأجدادهم، هم في الحقيقة يبحثون عن منافع شخصية ،اقتصادية منها أو اجتماعية، وبأن فئات معينة ضغطت عليهم باقتراحات مغرية جعلتهم يبدلون دينهم وعقيدتهم . ولكن هل لا ينطبق هذا السيناريو على الملتزمين بدين أجدادهم؟ هل ليست عليهم أيضا ضغوطات اجتماعية واقتصادية؟ هل لا يخشى المرء إذا ما بدل دين الجماعة أن تنبذه عائلته وأقربائه ومجتمعه وعشيرته ومن يأويه ؟ هل لا يخشى أن يفقد امتيازات اقتصادية من قبيل الشغل وثروة العائلة ؟ وهل لا يخاف خسران تقدير الناس إليه ؟ أليس هو حبيس عادات وتقاليد المجتمع؟ من قبيل الاحتفال بالمناسبات الدينية ؟ والقيام ببعض المناسك والعبادات ؟ كل هذا وذاك يدفعنا لنكون منصفين ، ونشاهد الأشياء بأعيننا لا بأعين العباد ، ونسمعها بآذاننا لا بآذان أحد في البلاد ، ونقر بأن هذه الضغوطات واقع حي ، يجعل المغربي بشعور أو بلا شعور يرى الخارج عن دين البلد مرتدا مارقا كافرا ، قد غرته أمور مادية أكثر من معنوية، ولكنه لا ينتبه إلى نفسه ، ولا إلى الضغوطات النفسية والاجتماعية الممتدة في العقود والأجيال السابقة ، ولا إلى وطأة المآرب الاقتصادية التي يخشى زوالها وفقدانها إذا ما خرج عن الجماعة وانفرد بدين مخالف للعامة . إذا كان الدين علاقة وجدانية بين العبد وخالقه وليس شيئا يورث كما يرث الفرد قميصا أو قطعة أرضية ، فمن أولى واجبات المتحري عن حقيقة الدين هو الانسلاخ التام والتنزه عن الموروث والمنقول ، وعن أقاويل الناس حتى يتمكن ببصر حديد أن يطلع على خفايا الأمور ، وبأذن صاغية سامعة لألحان الرب المجيد ، يشاهد طلعة الجمال في كل رسول أمين ، ويشم بمشامه رائحة قميص يوسف الكريم في أي مصر بزغ ضياءه المبين . إذا كان التشبث بالمفاهيم القديمة من طرف العموم أمر جيد ممدوح ، لكانت الإنسانية لا تزال تسكن الكهوف ، وتلتقط الثمار من الأشجار ، وتخشى الخروج إلى عالم الأنوار ، ولكن بفضل شجاعة رجال ونساء على حد سواء ، استطاعت البشرية أن تبني على ما هو قديم ما هو جديد ، وكل جديد بعد برهة هو قديم ، وهذه سنة الصانع العليم ، وأمر ثابت في مجال العلوم ، هب لوأن الفيزيائيين اكتفوا بالفيزياء الكلاسيكية للعالم العارف نيوطن ؟ هل كانت ستزدهر علوم عديدة وهل كانت ستظهر اكتشافات جديدة؟ ولكن بفضل النظرية المختلفة للعالم الجليل أنشطين استطاعت الإنسانية أن تكتشف آفاقا لم تخطر ببال أحد في العهود السالفة مكنتها من اختراعات ثورية في مختلف الشعب العلمية. فإذا كان العلم يسري على هذا المنوال ، فما بالك بالدين ؟ فإذا ناقض العلم في هذا التكشف المتدرج للحقيقة ، المراعي لعقول الناس حسب العصور والأزمنة ، فسيصبح نقيضه ، والجهل يؤدي إلى التراجع والتأخر والدمار ، وفي هذا المقام يكون عدمه أحسن من وجوده ، وفي هذا تذكرة لأولي النهى من الأخيار.