لاستطلاعات الرأي دور مهم في معرفة المزاج العام للشعوب تجاه قضايا معينة. وفي الدول المتقدمة، تُعتبر استطلاعات الرأي من أهم المؤشرات التي تقيس المكانة السياسية للأحزاب لدى الرأي العام، بل إنها تعطي المراقبين قراءات معينة تجاه موقف الرأي العام في هذا الحزب أو ذاك؛ وبالتالي على قادة الحزب تعديل سياساته أو تغييرها بالكامل، باعتبار أن ذلك يعبِّر عن إرادة الشعب التي ينبغي أن تُحترم. وفي اللحظة الحالية، فإنه بالنسبة للدول العربية، فإن تيارات الإسلام السياسي عموماً وجماعة "الإخوان المسلمين" بشكل خاص باتت تعيش أمام لحظة الحقيقة التاريخية في مسألة استمرار نشاطها على مستويين: المستوى الأول، الحياة السياسية بعدما سُمح لهم بالمشاركة في الفترة التي تلت ما يسمى ب"الربيع العربي"، والمستوى الثاني: تواجدهم في الحياة المجتمعية للناس، حيث سجلوا نجاحات في خدمة المجتمع خلال الفترة التي سبقت تواجدهم في السياسة. فقد أشار استطلاع للرأي أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة"، الأسبوع الماضي، ونشرت جريدة "الاتحاد" بعض تفاصيله، إلى أن 69 في المئة من عينة الاستطلاع التي بلغت 1345 شخصاً، رفضوا استمرار "الإخوان" في الحياة السياسية، وأن 63 في المئة من عينة الاستطلاع رفضوا سياسياً كل ما له علاقة ب"الإخوان"، بما في ذلك الأحزاب التي لها علاقة بهم مثل حزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية "للإخوان". يعني هذا الرفض في جزء منه "الحظر"، ولن يكون حظراً أمنياً هذه المرة، بل سيكون حظراً مجتمعياً. وأعتقد أن هذه النتيجة لا بد أن تكون "صدمة"، باعتبارها تمثل التطور الجديد في علاقات "الإخوان" بالمجتمع، ولكنني أعتقد أنها "صدمة رائعة" لنا، على اعتبار أن الاستطلاعات - وهي إحدى أدوات البحث العلمي - أكدت صحة الآراء القائلة بخطورة هذه الجماعة على المجتمع. سيقول أحدهم إن الاستطلاعات مسألة عاطفية خاصة لدى الإنسان العربي، وأن النتائج التي جاءت في هذه اللحظة من تاريخ "الإخوان" ربما تتغير في وقت آخر، وبالتالي فإن الأهمية التي تثبتها هذه الاستطلاعات يمكن أن نفقدها لاحقاً. يمكننا اعتبار هذا الرأي صحيحاً، على الأقل اقتناعاً بأن المشاعر تتغير مع تغير السياسات وسلوكيات الإنسان، ولكنه في المقابل هذا الرأي لا يمكن أن يكون تشخيصا دقيقاً وموضوعياً لما نراه من ردات فعل للمواطن العربي في العديد من الدول العربية، بعدما انكشف قناع تيارات الإسلام السياسي. لقد استغلت جماعة "الإخوان" كل الانفراجات الأمنية لتمهّد للفوضى وتدعو لها، وهو ما بدا في خطابهم الموجه إلى مختلف شرائح المجتمع، وأظهرته وسائل إعلامهم والوسائل الأخرى المناصرة لهم. وأكد "الإخوان" أنهم يتقنون فن انتهاز الفرص واختطاف النجاح ولو على حساب الشعوب، وأنه لا مانع لديهم من تدمير المجتمع وإشعال حرب أهلية في سبيل السلطة. وما فعلته الجماعة في اعتصام ميداني "رابعة العدوية" و"النهضة" دليل واضح على إدانتهم. ملامسة المتغيرات على الأرض الناتجة مما يحدث في الواقع اليومي، وفهمها بعمق، تجعلنا ندرك أن هناك متغيراً جديداً في علاقة "الإخوان" بالمجتمع، إذ خسروا كل شرائحه. فالمثقفون؛ خاصة الذين كانوا يدافعون أحياناً عن حق "الإخوان" في المشاركة، وأنه يجب منحهم الفرصة مثل كل القوى السياسية الأخرى، كانوا أول من استهدفهم "الإخوان" حين استشعروا القوة. والمواطنون العاديون الذين كان لديهم تصور عن الجماعة كجماعة دينية مسالمة اكتشفوا حقيقة تسلطها وعنفها. وتأكدت مؤسسات الدول، خاصة الأجهزة الأمنية العربية، أنها كانت على حق. ومن المؤكد أن الاصطدام بالمجتمع على النحو الذي تورط فيه "الإخوان" أعمق تأثيراً من الاصطدام بأجهزة الأمن والمؤسسات الرسمية. وقد قال لي أحد الأصدقاء إن أفضل طريقة "لحرق" هذا التيار المتجذر في المجتمع هي فضح أفعالهم وسلوكياتهم باستخدام الإعلام، ليعرف المجتمع حقيقتهم، وهو ما سيجعل القضاء عليهم أكثر سهولة ويسراً من التعامل الأمني الذي أكسبهم تعاطف الرأي العام. وكانت هذه الطريقة أحد أخطاء التعامل معهم، وقد استغلها "الإخوان" لإظهار أنفسهم على غير الحقيقة في صورة الضحية. خلاصة القصة أن استطلاعات الرأي جاءت لتؤيد ما يحدث على أرض الواقع، وهو أن تيارات الإسلام السياسي باتت سيئة السمعة، وأن أغلب أفراد المجتمع ينادون بعدم السماح بإعادتها إلى ممارسة العمل السياسي والمجتمعي، بل يطالبون بحظرها تماماً. والأكثر من تلك السمعة السيئة، أن الذين كانوا يتفاخرون بأنهم يؤيدون "الإخوان" يتنصلون منهم، سواء في الشكل أو المضمون، وصاروا يعتبرون وصف "الإخواني" تهمة مسيئة، بل يغضبون ويثورون إذا ذكرهم أحد بأنهم كانوا يوماً يدافعون عن "الإخوان". في السابق؛ أي قبل ما يسمى ب"الربيع العربي"، كان بعض المثقفين ممن يرفضون أيديولوجية "الإخوان" السياسية يلاقون رفضاً من المجتمع وهجوماً من جانب "الإخوان" ومؤيديهم، وهؤلاء المثقفون اليوم محل عناية واهتمام يشبه أن يكون اعتذاراً من المجتمع لعدم استماعه إلى آرائهم الناقدة "للإخوان" في الماضي. فقد قدَّم "الإخوان" لأنفسهم صورة كريهة لم يكن بإمكان كل معارضيهم وناقديهم أن يقدموها، وتلك الصورة التي قدموها عن أنفسهم، ستساعد على القضاء عليهم أكثر من كل جهود الدول العربية التي حاولت إقناع الشعوب بخطر الجماعة على المجتمع. إن عاماً ونصف من صعود "الإخوان" وإحساسهم بنشوة السلطة قد عجل باندحارهم بطريقة لم يفكر فيها أكثر معارضيهم، بمن فيهم خبراء الأمن. وسَّهل ذلك فكرة هدم الجماعة ونزع صفة الوطنية عنها، حيث أصبحت كلمة "الإخوان" مرادفاً ل"خيانة الوطن". ولم يكن هذا المكسب ليتحقق دون أن يتعاملوا مع المجتمع مباشرة ويعرفهم الناس حق المعرفة. وكانت النتيجة أن 78 في المئة من عينة الاستطلاع قالوا إن حكم الجماعة أسوأ حكم مر على مصر، وحمَّل 57 في المئة "الإخوان" مسؤولية العنف الذي تشهده مصر. كانت نتائج الاستطلاع مهمة من ناحية تأكيد الشعور المجتمعي الواسع بخطورة "الإخوان"، وأن وصولهم إلى السلطة كان فرصة لتغير إدراك الرأي العام لهم واكتشافه لنواياهم. ويبقى على "الإخوان" في كل مكان، وليس في مصر فقط، أن تجد هذه النتائج صداها لديهم. محمد خلفان الصوافي كاتب إماراتي