قدم وزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، مرافعة شديدة اللهجة لصالح المنتوج الوطني الذي يتراجع سنة بعد أخرى لصالح المنتوج المستورد من الخارج. وقال وزير المالية في البرلمان أمس، بمناسبة مناقشة القانون المالي للسنة المقبلة، إن بلادنا استوردت السنة الماضية 1.6 مليار درهم من مواد التجميل والعطور، في حين كان هذا الرقم في حدود 980 مليون درهم في سنة 2008، وإن المملكة الشريفة استوردت 984 مليون درهم من الأحذية الرخيصة والغالية من الخارج مقابل 436 مليون درهم سنة 2008. أما الحقائب الجلدية التي تدخل إلى المغرب من الخارج، فقد قفزت قيمتها، حسب بوسعيد دائماً، من 313 مليون درهم سنة 2008 إلى 630 مليون درهم سنة 2013. الدراجات ولوازمها لم تشذ هي الأخرى عن القاعدة، فقد قفزت قيمة ما نستورد منها من 570 مليون درهم إلى 915 مليون درهم.. وعموما ارتفعت فاتورة ما يؤديه المغرب نظير استيراده كل شيء تقريبا من 53 مليار درهم في سنة 2008 إلى 64 مليار درهم السنة الماضية والرقم في ازدياد... لكن ما لم يقله بوسعيد للمغاربة أن هذا الجرد لا يشمل إلا المواد التي نستوردها بطريقة قانونية من الخارج، لكن الدولة لا تحسب أطنان السلع التي تدخل بطرق غير قانونية من الموانئ والمطارات والمعابر الحدودية إلى المغرب، أو تلك التي تدخل دون التصريح بقيمتها الفعلية، ولو أضفنا رقم الاستيراد غير القانوني المعلن من أرقام وزارة المالية لكنا أمام حقيقة مهولة... بوسعيد تساءل مستغربا: «هل صناعة الأحذية عندنا ألا تستطيع توفير العرض اللازم للمغربي في السوق حتى نتجه إلى الاستيراد؟»، ثم أضاف: «كان لدينا معمل لصناعة الدراجات، أين هو الآن؟». لو تطلع بوسعيد إلى ما يرتديه هو من ملابس لاكتشف أنه يلبس حذاء إيطاليا وجوارب فرنسية وبذلة «سينيي» من الماركات العالمية، وأن النظارات التي يضعها على عينيه صناعة أجنبية، وأن السيارة التي حملته إلى البرلمان ألمانية، والميكروفون الذي يتحدث فيه أمام نواب الأمة ياباني، والحقيبة التي حمل فيها مشروع القانون هي الأخرى مستوردة وليست مصنوعة مما تبقى من مصانع الجلد في الدارالبيضاء وفاس... هذه واحدة من الأعطاب الكبرى في المغرب، وهي اختلال الميزان التجاري بيننا وبين العالم. نصدر الفوسفاط والنسيج وسيارات نصف مصنعة وبعض الأطنان من السمك وبعض الفواكه التي تتطلب مياه كثيرة، وفي المقابل نستورد كل شيء، بدءا بالحبوب والإبر والسيارات والدراجات والأحذية والساعات ومواد التجميل والصابون والزيت والحليب و«الفروماج» والورق والمعدات الكهربائية والأدوية والملابس بكل أنواعها... والغريب أن الفقراء والأغنياء عندنا مجمعون على «مقاطعة المنتوج المحلي» على قلته.. الأغنياء يتسوقون من المحلات الكبرى والماركات العالمية الأوروبية والأمريكية عنوانا على الرقي الاجتماعي والبعد عن منتوجات «بوزبال»، والفقراء يقصدون السلع الصينية الرخيصة والمتنوعة، أما الفئات الوسطى فقد اكتشفت هي الأخرى منتوجات تركيا والماركات المقلدة التي تفي بالغرض، والضحية هي المنتوجات المحلية، وملايين ساعات العمل التي تضيع، وملايير القيمة المضافة التي تتبخر في الاستيراد غير المعقلن لمنتوجات جاهزة ولسياسة الأبواب المفتوحة التي تفرضها الدول القوية على البلدان الضعيفة... بوسعيد جاء يلوم المواطنين الذين يستهلكون ما يجدونه أمامهم من سلع رخيصة أو غالية، وكان الأولى أن يلوم الدولة والحكومات المتعاقبة التي رفعت كل الحواجز في وجه السلع الأجنبية، وجردت المنتوج المحلي، على ضعفه، من أية حماية جمركية أو ضريبية أو حتى ثقافية... ماذا ربح المغرب من سياسة توقيع مناطق للتبادل الحر مع أوروبا وأمريكا وتركيا والأردن ودول أخرى؟ اليوم هو الوقت المناسب لتقييم حصيلة سياسة الأبواب «المترعة»، ومحاسبة من أوصلوا البلاد إلى أن أصبحت تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تنسج، وتركب مما لا تصنع... هذه سياسة لا تقود إلى مصاف الدول الصاعدة، بل تهوي بالدول إلى درك التبعية للخارج والعيش في المناطق الهشة للاقتصاد الاستهلاكي