«ويل لأمة تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع، وتشرب مما لا تعصر»، هكذا صرخ شاعر وأديب لبنان، جبران خليل جبران، قبل 100 سنة في وجه أمته وأمم الأرض، محذرا من التقاعس عن الإنتاج والعمل والعيش عالة على الآخرين. صرخة جبران مازالت صالحة إلى اليوم، والمغرب واحد من البلدان التي صمت آذانها عن سماع مثل هذا التحذير... وإليكم الأرقام التي يقال إنها لا تكذب عادة. سنة 2011، سجل المغرب رقما قياسيا في سلم العجز التجاري، فقد بلغ الفارق بين قيمة ما نستورده وما نصدره 186 مليار درهم، بعدما كان في سنة 2007 في حدود 135 مليار درهم، وفي 2009، 150 مليار درهم، وفي 2010، 152 مليار درهم... أكثر من 18 مليار أورو هي قيمة العجز بين ما نصدره وما نستورده كل سنة، وهذا الفرق المهول هو المرآة الأخرى لهشاشتنا الاقتصادية والإنتاجية، ودليل على أننا بلاد تلبس مما لا تنتج، وتأكل مما لا تزرع، وتشرب مما لا تعصر، وتركب ما لا تصنع... إذا كان مفهوما أن نستورد البترول والغاز من الخليج لأننا بلد غير نفطي (91 مليار درهم فاتورة الطاقة كل سنة)، فإنه من غير المفهوم أن نستورد الحبوب والسكر والزيت والزبدة والطماطم والتكنولوجيا المعقدة والأسلحة المتطورة والبدائية، فلا يعقل أن نصبح متخصصين في فتح أسواقنا الشعبية للصين، والراقية لأوربا وأمريكا... نستورد الأحذية والملابس والنظارات والمفروشات والهواتف والأواني والشكولاتة والحلويات والحليب والماء والأدوية ولعب الأطفال وديكور الملابس ومواد البناء والخشب والصوف والحرير... وكل ما يمكن أن تلاقيه أمامك مما نحتاج إليه وما لا نحتاج إليه. صناعات كثيرة انقرضت في المغرب والأخرى في الطريق، لأن الحكومات المتعاقبة رضخت للوبي الاستيراد وتجار الحاويات. نحن بلاد أصبحت تعيش عالة على الآخرين. لم نعد ننتج حاجياتنا الأساسية ولا أية قيمة مضافة نقدمها إلى العالم. كل ما نصدره إلى الخارج هو الفوسفاط (30% من صادراتنا)، وهو هبة من الله «لم نعرق ولم ننشف فيها»، ونصدر معلبات السردين وبعض الخضراوات، وصناعات نسيج في طريقها إلى الاندثار، وفواكه تمتص كميات كبيرة من الماء لا يزرعها الأوربيون ليس عجزا ولكن حفاظا على مخزونهم المائي... هذا كل ما نصدره إلى الخارج، وهي سلع رخيصة لا تقدم قيمة مضافة في سوق عالمي لا يعرف الرحمة. طبعا نصدر لحما بشريا رخيصا لا حاجة بنا الآن لرمي الملح في هذا الجرح. أمام فرنسا نسجل عجزا تجاريا يصل إلى 10 مليارات درهم سنويا، وأمام أمريكا يفوق عجز ميزاننا التجاري 16 مليار درهم (ما رأي أولئك الذين تحمسوا وهللوا لاتفاقية التبادل الحر مع واشنطن؟)، ومع الصين نحصد عجزا تجاريا يصل إلى 16 مليار درهم، وأمام إسبانيا نخسر 6 مليارات درهم... طبعا هذا الأرقام، التي تأتي من مكتب الصرف، لا تتضمن أرقام التجارة غير القانونية (contrebande)، والتي تتملص من الجمارك، وتؤدى بالعملة الصعبة في «noir» للشركات في الخارج دون الإعلان عن الأرقام الحقيقية... هذا ورش كبير أمام الحكومة، وعليها أن تجد حلولا لهذا العجز التجاري الذي يهدد بالسكتة القلبية صناعة، وذلك عن طريق سن «سياسة حمائية» للحفاظ على الصناعات القليلة التي مازالت تقاوم «تسونامي» الاستيراد، والسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي من ضروريات الحياة، وتشجيع الابتكار والتصنيع الحديث والاستثمار في التكنولوجيا الحديثة والمادة الرمادية. إن جزءا كبيرا من مشاكلنا وأعطابنا وأزماتنا يرجع إلى ضعف إنتاجيتنا وعيشنا عالة على الآخرين.