كنا أمام التلفزة نتابع نشرة المساء. ظهر رئيس الحكومة ووزيرا المالية وعدد من المشاركين في الصخيرات. سألني صديقي: «ماذا هناك؟»، فأجبت بأنها مناظرة «الضريبة»، وهي مناسبة للاصلاح تأخرت 50 سنة عن موعدها. علق صديقي قائلا: «ألهذه الدرجة المناظرة حول الضريبة مهمة؟ أنا شخصيا أكره الضريبة، وأخطط طيلة السنة للتهرب منها رغم أنني أربح من أموال التجارة خيرا كثيرا أتصدق ببعضها وأخرج الزكاة عن الباقي أما الضريبة فهي ليست قدرا لا مفر منه». قلت له: «ليس شرطا أن تحب الضريبة، فهي مكروهة في كل دول العالم، لكن لابد أن نؤديها، لأن التهرب منها جريمة». هنا قفز من مكانه وقال: «أنت أيضا تعيد وتكرر دعاية التلفزة وأكاذيب الدولة.. دفع الضريبة جريمة… موافق، وما رأيك في من يسرق أموال الضرائب بعد أن يجمعها من الفقراء والموظفين البسطاء؟». قلت لصديقي، الذي بدأت دماء الغضب تظهر على وجهه: «هذا شيء، وذاك شيء آخر. ادفع الضريبة وطالب بالقصاص ممن ينهبها». هنا ضحك حتى استلقى على ظهره وقال: «أطالب بالقصاص.. هاهاها… هل تحسب نفسك في السويد؟ أنت السنة الماضية نشرت بريمات خيالية كان وزير المالية السابق والخازن العام للمملكة الحالي يضعانها في جيبيهما من أموال دافعي الضرائب. ماذا حصل؟ تم جر مواطنين شريفين إلى المحكمة، واتهموهما بتسريب أدلة الجريمة إلى الصحافة، ومازالوا يبهدلونهما في المحكمة إلى الآن، فيما السيدان مزوار وبنسودة يحاضران في الداخل والخارج عن الشفافية وشروط الإقلاع الاقتصادي». سكتُ ولم أجد ما أقنعه به، فذهبت إلى رقعة أخرى من السجال علي أقنعه بأن دفع الضريبة لصيق بالمواطنة، فقلت: «إذا امتنع 34 مليون مواطن عن دفع الضريبة، فمن يؤدي ثمن التعليم والصحة والأمن والدفاع وأجور الموظفين وكلفة تسيير الدولة؟…»، رد صديقي وكله حماس: «عن أي تعليم تتحدث؟ ألم تصلك أحوال المدرسة العمومية والواقع المزري الذي أصبحت تعيشه؟ أنا عن نفسي أعفيت الدولة من أداء مصاريف التعليم عن أبنائي، ودفعت بهم إلى التعليم الخاص، وهو ما يكلفني أكثر من 12 ألف درهم كل شهر. الصحة؟ أية صحة؟ إنها أكبر مريض في المغرب، وأنا لا أذهب ولا عائلتي إلى مستشفيات الدولة، فهي نفسها تحتاج إلى من يعالجها. الأمن موجود لحراسة كبار القوم، ألا تتابع أخبار الجرائم في وسائل الإعلام؟ ثم جرب أن تتصل بالأمن أو الوقاية المدنية أو أي مرفق في الإدارة، واطلب الإغاثة، وانظر كم يستغرق الوقت لكي يدقوا بابك، هذا إن أتوا أصلا. الطرق، إما محفرة وغير صالحة لتنقل البهائم، وإما طرق (سيارة) مؤدى عنها نستعملها ونؤدي ثمنها في الحين. ماذا قلتَ أيضا؟ أجور الموظفين، هذه واحدة من كوارث هذه البلاد، ألم تقرأ تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي عن الإدارة، وكيف أنها ترعب الفقراء والبسطاء والأميين. تدخل إلى الإدارة فتحس بأنك مبحوث عنه منذ مدة، وأنك من يشتغل عند هؤلاء الموظفين وليسوا هم من يفترض أن يكونوا في خدمتك. جرب الدخول إلى المحكمة أو العمالة أو الولاية أو الكوميسارية… تحس بالخوف وكأنك مجرم، وإذا وقع وأخذت حقك هناك لا تصدق ذلك، وتشرع في الدعاء للقاضي والكوميسير والنائب العام والمدير وكأنهم ملائكة زرعهم الله وسط الشياطين»… أوقفته وقلت إن 99% من مداخيل الدولة من الضريبة و37% من الضريبة يدفعها الأجراء والموظفون، لأنها تقتطع من المنبع، ولا يعقل أن يدفع الآخرون فيما أنت تتهرب بدعوى فساد الأحوال. جزء من مشاكل الدولة وعجزها وتخلف مرافقها قادم من «فقرها»، الذي يتسبب فيه تهرب الأغنياء والفقراء والشركات والمقاولات من أداء الضريبة. صحيح أن هناك مشاكل في الحكامة والإدارة والتسيير. صحيح أن هناك توترا وعدم ثقة بين المواطن والدولة، ولهذا يتهرب قطاع كبير من الضريبة لأنه يرى أنها تذهب إلى جيوب الحاكمين، وأنه وعائلته لا يستفيدان منها، لا في التعليم ولا في الصحة ولا في الأمن ولا في مستوى العيش، ولهذا فإن مشاكل الضريبة لا توجد عند مديرية الضرائب وحدها، بل تكمن في السياسة والقائمين عليها… لا يشعر المواطن المغربي بأن الدولة تخدمه أو ترعاه أو حتى تتركه وشأنه. يحس دائما بأن الدولة عدوة، ولهذا يقول: «ولماذا أزيد الشحم في ظهر المعلوف، وأدفع ثمن الزيت الذي تقليني به الدولة؟»… هي أصلا لم تستشر أحدا عندما فرضت الضريبة، ولا تسمع لشكوى الناس من