تبنّت المديرية العامة للضرائب استراتيجية جديدة لمكافحة الاقتصاد غير المهيكل، عبر تصنيفه إلى فئتين رئيسيتين: "هيكلي" و"معيشي"، بهدف تعزيز العدالة الجبائية مع مراعاة الأبعاد الاجتماعية. وتركز هذه المقاربة على مراقبة الفاعلين الذين يحققون أرباحًا كبيرة دون الإسهام في الموارد الضريبية، مع استثناء الأنشطة الصغيرة ذات الطابع المعيشي من الرقابة الصارمة. خلال ندوة صحافية حول الإجراءات الجبائية في قانون المالية 2025، أكد يونس إدريسي قيطوني، المدير العام للضرائب، أن مكافحة التهرب الضريبي تتطلب تقنيات متطورة، مثل تحليل البيانات والتقاطع البنكي، لرصد الفاعلين غير المهيكلين ذوي التدفقات المالية الكبيرة. وأوضح أن الإدارة الجبائية تعتمد نهجًا تدريجيًا يوازن بين تشديد الرقابة والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، تجنبًا لاضطرابات اقتصادية محتملة. وتستهدف هذه الاستراتيجية القطاعات الأكثر تأثراً بالاقتصاد غير المهيكل، مثل البناء والتجارة والاستيراد، التي تعتمد على السيولة النقدية وتفتقر إلى الشفافية الضريبية. ورغم أهمية تعزيز الرقابة، فإن فرض ضرائب مفاجئة قد يؤدي إلى إغلاق شركات وتسريح عمال، ما دفع المديرية العامة للضرائب إلى تبني مقاربة انتقالية تتضمن حوافز قانونية وضريبية لتشجيع الاندماج الطوعي في القطاع المهيكل. وأوضح إدريسي قيطوني أن أي نشاط تتجاوز قيمته 5 إلى 10 ملايين درهم لا يمكن اعتباره معيشيًا، مشددًا على أن الفاعلين الاقتصاديين الكبار يستفيدون من الأمان والاستقرار دون تحمل العبء الضريبي، ما يجعلهم أهدافًا رئيسية للإجراءات التصحيحية. في المقابل، يتم استبعاد الأنشطة الصغيرة من المراقبة الصارمة نظرًا لمحدودية إسهامها في العائدات الضريبية مقارنة بتكاليف تشديد الرقابة. وفي هذا السياق، يرى منير المستاري، خبير في القانون الضريبي والمالية العمومية، أن توجيه المراقبة نحو الفاعلين الكبار ضروري لتحقيق عدالة جبائية دون المساس بالأنشطة المعيشية. وأشار إلى أن الاقتصاد غير المهيكل يضم فاعلين يحققون أرباحًا ضخمة دون مساهمة ضريبية، ما يؤثر سلبًا على تمويل الخدمات العمومية، داعيًا إلى استخدام أدوات تحليل البيانات وربط المعطيات البنكية والتجارية لرصد الفاعلين الذين يتجاوزون العتبات المحددة. وأكد المستاري أن الإجراءات التصحيحية يجب أن تراعي السياق الاقتصادي والاجتماعي، لأن فرض ضرائب دون آليات انتقالية قد يضعف السوق. وأوضح أن نجاح هذه السياسة يتطلب مزيجًا من الحزم والمرونة، لضمان رقابة فعالة على الأنشطة الكبرى غير المصرح بها، دون إلحاق الضرر بالمشروعات الصغرى. من جهته، شدد نبيل رفاعي، خبير محاسب ومستشار ضريبي، على أهمية التمييز بين الفاعلين الصغار الذين ينشطون لضمان معيشتهم، والفاعلين الأكبر الذين يشكلون عبئًا ماليًا عبر التهرب الضريبي الممنهج. وأكد أن استثناء الأنشطة المعيشية من الرقابة المشددة يعكس فهمًا واقعياً لدورها في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، إذ إن الضغط الضريبي غير المدروس قد يؤدي إلى توقفها، مما يهدد مصادر دخل العديد من الأسر. واعتبر رفاعي أن نهج المراقبة الانتقائي يتيح ترشيد استخدام الموارد الإدارية والمالية، من خلال التركيز على الفاعلين ذوي الأرباح الضخمة بدل ملاحقة أنشطة ذات مردودية ضريبية ضعيفة. كما شدد على أهمية وضع سياسات إدماجية، مثل تبسيط الإجراءات الإدارية وتقديم حوافز ضريبية، لتسهيل اندماج هذه الفئة في القطاع المهيكل. وترى المديرية العامة للضرائب أن هذه الاستراتيجية لا تقتصر على الجانب الضريبي، بل تمثل ركيزة لاستقرار النسيج الاقتصادي والاجتماعي. فبينما تسعى إلى توسيع الوعاء الضريبي بشكل متوازن، تعمل أيضًا على تعزيز ثقة الفاعلين الاقتصاديين في النظام الجبائي، ما يحفز النمو ويحقق توازنًا بين العدالة الجبائية واستدامة النشاط الاقتصادي.