في مطلع الألفية الثالثة، لمع اسم أكاديمية سوس ماسة كواحدة من أنجح الأكاديميات الجهوية على الصعيد الوطني، بعدما بصمت على مسار تربوي رائد تميز بتجريب عدد من المشاريع الإصلاحية الكبرى ذات البعد البيداغوجي والتنموي، والتي شكلت حينها نماذج يُحتذى بها في باقي جهات المملكة. ومن بين أبرز الأوراش التي احتضنتها الأكاديمية مشروع الأقسام المشتركة، والتربية الدامجة، والتعليم الأولي، وإدماج اللغة الأمازيغية، إلى جانب برنامج "IKA" لمحو الأمية بتعاون مع جهة لاس بالماس، ومبادرات أخرى رائدة شملت النقل المدرسي، والمدارس الجماعاتية، والمدارس الإيكولوجية، فضلاً عن مهرجانات المسرح المدرسي، والسينما التربوية، والمخيمات الصيفية، ومحترفات الإبداع التربوي، بالإضافة إلى شراكات متعددة مع منظمات دولية وإقليمية. هذه الدينامية أسهمت في تحسين المؤشرات التربوية بالأكاديمية، ورفعت من مردوديتها ونتائجها الدراسية، ما جعلها تحتل مراتب متقدمة على المستوى الوطني، وتُصنف كنموذج ناجح في تنزيل السياسات التربوية. غير أن هذا الزخم لم يدم طويلاً. فمع مرور السنوات، بدأت ملامح التراجع تظهر تدريجياً، وسط تساؤلات المتتبعين عن الأسباب الحقيقية وراء فقدان الأكاديمية لبريقها التربوي، وتحولها من مؤسسة مُحفزة للإبداع والابتكار إلى مجرد هيكل إداري جامد. ويرى مهتمون بالشأن التعليمي أن من بين أبرز العوامل التي ساهمت في هذا التقهقر، حالة عدم الاستقرار الإداري التي عاشتها الأكاديمية خلال السنوات الأخيرة، نتيجة التوافد المتواصل لمسؤولين من خارج الجهة، مما أفرز حركية مفرطة في صفوف المديرين وأطرهم، وتسبب في صراعات داخلية بين تيارات متباينة، استخدمت فيها كل أدوات التنازع الإداري، وكان ضحيتها الأولى أبناء الجهة من الأطر والمتعلمين. وقد زاد من تعقيد الوضع غياب رؤية استراتيجية متكاملة تعيد للأكاديمية دورها الريادي، وسط تفاقم مؤشرات الهدر المدرسي والتهميش التربوي، وتراجع جاذبية مناصب المسؤولية داخلها، حيث ظلت العديد من الأقسام والمصالح شاغرة لسنوات. وفي الوقت الذي تنتظر فيه ساكنة الجهة مبادرات فعلية لإعادة الاعتبار لهذا المرفق الحيوي، تستمر الأخبار القادمة من الأكاديمية في نقل مشاهد الإعفاءات، والاستقالات، والتجاذبات، أكثر مما تنقل قصص النجاح والتميز التربوي كما كان عليه الحال في السابق. فهل تُعيد الوزارة الوصية ترتيب أوراقها لإحياء هذه المؤسسة من جديد؟ أم أن الجفاف التربوي سيستمر في خنق الآمال، وتأجيل الإصلاح المنشود في جهة طالما كانت سبّاقة في المبادرة والإبداع؟