اضطر العديد من المزارعين إلى اتخاذ قرارات صعبة، أبرزها اقتلاع الأشجار المثمرة، التي باتت غير قادرة على تحمل ظروف نقص المياه، وذلك في ظل استمرار الجفاف المتواصل، الناتج عن قلة التساقطات المطرية وانخفاض منسوب المياه في السدود والآبار. وأفاد فاعلون في القطاع بأن القرار المتخذ من طرف هؤلاء الفلاحين ليس مجرد رد فعل آني، بل ينذر بتغييرات عميقة في النمط الفلاحي، إذ يرجح أن يؤدي إلى فقدان بعض المنتجات الفلاحية من الأسواق المحلية إذا استمرت أزمة نقص مياه الري. وتتعدد المنتجات المهددة بالفقدان، خاصة تلك التي تتطلب كميات وفيرة من المياه أو ظروف مناخية محددة، مثل أشجار التفاح والحمضيات وبعض أنواع الخضروات والفواكه، إذ يواجه المغرب خطر تراجع إنتاج هذه المحاصيل، مما قد يؤثر على الأمن الغذائي المحلي، ويزيد من الاعتماد على الواردات. الزيتون في صدارة المزروعات المتضررة أكد مجموعة من الفلاحين أن الجفاف أثر بشكل ملحوظ على الأشجار التي تحتاج إلى مدة زمنية طويلة للإنتاج، مثل الزيتون والحمضيات والعنب والبرقوق والمشمش والخوخ. وأشار هؤلاء أن هذه المزروعات تتطلب استثمارات كبيرة وسنوات من الانتظار قبل تحقيق العائد، مما يجعلها غير مجدية في ظل الجفاف المستمر الذي يؤدي إلى تراجع كبير في الإنتاج، سواء في المناطق البورية أو المسقية. وأكد هؤلاء أن أشجار الزيتون، رغم مقاومتها النسبية للجفاف، تأثرت بشدة في المناطق البورية بعد ست أو سبع سنوات من تراجع التساقطات، مما أدى إلى انخفاض العرض وزيادة أسعار المنتجات مثل زيت الزيتون. ويطالب هؤلاء بدعم الأشجار المثمرة في المناطق المسقية من خلال توفير إعانات للمياه وتحسين أنظمة الري، ومساعدتهم من أجل إعادة التشجير، خاصة في المناطق التي تتوفر فيها المياه لتجنب تكرار الأخطاء السابقة. التغيرات المناخية وأثرها على الأشجار المثمرة أكد فاعلون في القطاع الفلاحي أن التغيرات المناخية التي شهدها المغرب خلال العقد الأخير، مثل قلة الأمطار وهبوب الرياح الشرقية الحارة وانخفاض حقينة السدود وجفاف الآبار، أثرت سلبا على الأشجار المثمرة، خاصة تلك التي تتطلب كميات كبيرة من المياه. وأوضح هؤلاء أن أشجار التفاح، على سبيل المثال، التي تحتاج إلى أكثر من 1200 لتر من الماء سنويا للشجرة الواحدة، أصبحت غير قادرة على التكيف مع الوضعية الحالية، مشيرين إلى أن هذا الواقع دفع الفلاحين في مناطق مثل فاس وميدلت إلى اقتلاع هذه الأشجار، حيث كانت هاتان المنطقتان تعرفان بإنتاج التفاح بكميات وفيرة. ولفت ذات المتحدثين إلى أن منطقة فاس، التي كانت تشتهر بأشجار البرتقال والتفاح، شهدت بدورها تحولا نحو زراعة الخضروات التي لا تتطلب مدة زمنية طويلة، مثل تلك التي تروى بمياه الآبار المحفورة حديثا. وأضاف هؤلاء أن التحول المسجل جاء كرد فعل على نقص المياه وعدم قدرة الأشجار المثمرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الماء، لافتين إلى أن الفلاحين اضطروا إلى تغيير نمط الزراعة لتجنب الخسائر، مما يعكس التأثير العميق للجفاف على التنوع الفلاحي.