مقبرة الرحمة بالجديدة بدون ماء.. معاناة يومية وصمت الجهات المعنية    فيديوهات خلقت جوًّا من الهلع وسط المواطنين.. أمن طنجة يوقف سيدة نشرت ادعاءات كاذبة عن اختطاف الأطفال    العثور على جثث 13 عاملا بالبيرو    طنجة.. حملات أمنية متواصلة لمكافحة الدراجات النارية المخالفة والمعدّلة    كأس أمم إفريقيا U20 .. المغرب يتعادل مع نيجيريا    ريال مدريد ينجو من ريمونتادا سيلتا فيغو    الاحتفاء بالموسيقى الكلاسيكية خلال مسابقة دولية للبيانو بمراكش    احتفاء فريد من نوعه: مهرجان التوائم الدولي يجمع أكثر من ألف مشارك في جنوب غربي الصين    المغرب التطواني يحقق فوزًا ثمينًا على نهضة الزمامرة ويبتعد عن منطقة الخطر    شبكة نصب لتأشيرات الحج والعمرة    اتهامات بالمحاباة والإقصاء تُفجّر جدل مباراة داخلية بمكتب الاستثمار الفلاحي للوكوس    تطوان تحتضن النسخة 16 من الأيام التجارية الجهوية لتعزيز الانفتاح والدينامية الاقتصادية بشمال المملكة    كأس إفريقيا لأقل من 20 سنة: تعادل سلبي بين المغرب ونيجيريا في قمة حذرة يحسم صدارة المجموعة الثانية مؤقتًا    طنجة تحتضن اللقاء الإقليمي التأسيسي لمنظمة النساء الاتحاديات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الاثنين    جريمة بيئية مزعومة تثير جدلاً بمرتيل... ومستشار يراسل وزير الداخلية    ملتقى بالقدس يشيد بجهود الملك    الدوري الألماني.. بايرن ميونخ يضمن اللقب ال34 في تاريخه بعد تعادل منافسه ليفركوزن    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين في محطات الوقود    وزيرة تكشف عن مستجدات بشأن الانقطاع الكهربائي الذي عرفته إسبانيا    شركة بريطانية تطالب المغرب بتعويض ضخم بقيمة 2.2 مليار دولار    المغرب يتصدر قائمة مورّدي الأسمدة إلى الأرجنتين متفوقًا على قوى اقتصادية كبرى    تحالف مغربي-صيني يفوز بعقد إنشاء نفق السكك الفائقة السرعة في قلب العاصمة الرباط    الأميرة لالة حسناء تشارك كضيفة شرف في مهرجان السجاد الدولي بباكو... تجسيد حي للدبلوماسية الثقافية المغربية    الفن التشكلي يجمع طلاب بجامعة مولاي إسماعيل في رحلة إبداعية بمكناس    الطالبي العلمي يمثل الملك محمد السادس في حفل تنصيب بريس كلوتير أوليغي نغيما رئيسا لجمهورية الغابون (صورة)    "البيجيدي" يؤكد انخراطه إلى جانب المعارضة في ملتمس "الرقابة" ضد حكومة أخنوش    الخيط الناظم في لعبة بنكيران في البحث عن التفاوض مع الدولة: الهجوم على «تازة قبل غزة».. وإيمانويل ماكرون ودونالد ترامب!    المغرب يطلق برنامجًا وطنيًا بأكثر من 100 مليون دولار للحد من ظاهرة الكلاب الضالة بطريقة إنسانية    الشرطة البرازيلية تحبط هجوما بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا في ريو دي جانيرو    إسبانيا: تحديد أسباب انقطاع الكهرباء يتطلب "عدة أيام"    المغرب يجذب الاستثمارات الصينية: "سنتوري تاير" تتخلى عن إسبانيا وتضاعف رهانها على طنجة    الناخب الوطني يعلن عن تشكيلة المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة لمواجهة نيجيريا    استشهاد 16 فلسطينيا بينهم أطفال ونساء في قصف إسرائيلي جديد على غزة    العداء الجزائري للإمارات تصعيد غير محسوب في زمن التحولات الجيوسياسية    الحارس الأسبق للملك محمد السادس يقاضي هشام جيراندو    مصادر جزائرية: النيجر تتراجع عن استكمال دراسات أنبوب الغاز العابر للصحراء    معهد الموسيقى بتمارة يطلق الدورة السادسة لملتقى "أوتار"    بريطانيا تطلق رسمياً لقاح جديد واعد ضد السرطان    توقيف 17 شخصا على خلفية أعمال شغب بمحيط مباراة الوداد والجيش الملكي    "الأونروا": الحصار الإسرائيلي الشامل يدفع غزة نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة    علماء يطورون طلاء للأسنان يحمي من التسوس    المنتدى الدولي للبرلمانيين الشباب الاشتراكيين يعبر عن دعمه للوحدة الترابية للمغرب    نجم الراب "50 سنت" يغني في الرباط    من المثقف البروليتاري إلى الكأسمالي !    الداخلة.. أخنوش: حزب التجمع الوطني للأحرار ملتزم بتسريع تنزيل الأوراش الملكية وترسيخ أسس الدولة الاجتماعية    الشرطة البريطانية تعتقل خمسة أشخاص بينهم أربعة إيرانيين بشبهة التحضير لهجوم إرهابي    الجمعية المغربية لطب الأسرة تعقد مؤتمرها العاشر في دكار    دراسة: الشخير الليلي المتكرر قد يكون إنذارا مبكرا لارتفاع ضغط الدم ومشاكل القلب    وهبي: مهمة "أشبال الأطلس" معقدة    وداعاً لكلمة المرور.. مايكروسوفت تغيّر القواعد    مقتضيات قانونية تحظر القتل غير المبرر للحيوانات الضالة في المغرب    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة بوفاة زوجها    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بومسهولي الاستثناء من الثورات العربية .. نوع من
نشر في الأحداث المغربية يوم 09 - 05 - 2011

منذ بداية السنة الجارية، انشغل العالم بما يجري بالساحة العربية. بعد تونس ومصر، تحولت مختلف الشوارع العربية إلى مسرح للاحتجاجات. كل شارع عربي له صقف من المطالب التي يريد أن يحققها علما القاسم المشترك هو الاعتماد على وسائل الاتصال الحديثة. ويبقى الوضع في ليبيا من أسوأ ما تشهده هذه الجغرافية الممتدة في المحيط إلى الخليج.
ومن أجل فهم ما يجري، نواصل نشر هذه الحوارات مستضيفين في عدد اليوم الأستاذ والباحث عبد العزيز بومسهولي.
ومنذ البداية يعلن بومسهولي أن ما يجري في العالم العربي ليس إلا تعبيرا عن تلاشي نسق ثقافي أبوي قائم على الوصاية بشكل صارم.. وأن الشوارع العربية تعيش في ظل حركة هي في الأول والأخير استجابة لمطلة الإنسانية من أجل الانخراط في إعادة تشكيل العالم.. ويؤكد الباحث المغربي أن هذا الذي تعيشه شعوب لغة الضاد ليس مجرد حركات للتغيير، ولكنه ثورات متتالية ستمس كل العرب.. مما يعني أن منطق الاستثناء غير وارد، بل هو نوع من حجب الحقيقة
1) بداية ما تعليقكم على ما يجري في العالم العربي و ما تحليلكم لحركة الشوارع العربية؟
- ما يجري في العالم العربي هو تعبير عن تلاشي نسق ثقافي أبوي قائم على الوصاية بشكل صارم، و لم يعد مستجيبا لروح العصر الذي يشهد تحولات عميقة تمس الوجود المشترك للإنسانية، و بالتالي فحركة الشوارع العربية من الخليج إلى المحيط هي استجابة لمطلب الإنسانية من اجل الانخراط في إعادة تشكيل العالم، لقد آن الأوان لكي تغدو الشعوب العربية مسهمة في إعادة بناء عالمها الروحي- التاريخي الذي يلاءم طموحاتها الثقافية الجديدة و تصير صانعة لمصيرها عوض أن تبقى خاضعة لشروط نسق الوصاية الذي حجب عنها تحمل المسؤولية منذ قرون طويلة، أي منذ تأسيس دولة الخلافة إلى تأسيس الدولة الوطنية الحالية. فحركة الشعوب الآن لم تعد تحتمل أن تعيش ضمن دولة الرعية بل إنها تطمح إلى أن تعيش في فضاء الدولة المواطنة التي تتقاسم فيها الشعوب المسؤولية المشتركة. و من ثمة فما نراه الآن هو بداية عصر عربي جديد، عصر غدت فيه الإرادة مطلبا شعبيا غير قابل للإرجاء و لا للمساومة و لا للمقاومة التي يحاول سدنة الأنظمة السائدة إبدائها لمواجهة سيل الإرادة الجارف الذي لن يتوقف إلا من خلال الاستجابة الفورية لرغبة شعوبها. فما يحكم هذه الحركة هو الفجائية و التسارع، فهي فجائية لأنها انبثقت تلقائيا بعيدا عن أي تنبؤ أو توقع، كما أن هذه الفجائية أحدثت الصدمة الضرورية التي فجرت يقظة تاريخية في محيط يسود فيه سبات دوغمائي ضمن للطغاة الاستمرارية و التعنت والتفنن في قمع شعوبهم التي حولوها إلى قطعان، و هي من جهة أخرى متسارعة لانها حققت تغييرا جذريا أطاح و ما زال يطيح بأنظمة قمعية مغلقة في ظرف وجيز إذا ما قورن بالحركات التاريخية و الثورات التي شهدها العالم سلفا.
2) هل ترتبط حركات التغيير العربي بانبثاق وعي جديد في الاحتجاج؟
- ما يحدث ليس مجرد حركات للتغيير، و لكنه بالأحرى ثورات متتالية و متشابكة ستمس كل شعوب العالم العربي بدون استثناء، فالاستثناء هو نوع من حجب الحقيقة التي يغذيها السبات الدوغمائي. ثمة وعي جديد بل روح جديدة، غايتها التحرر من الموجودية الغفلية، أي من شكل النمط الاجتماعي الذي يبقي الشعوب خاضعة كرها أو طوعا لنوع من العبودية التي تحجب عنها الحياة اليقظة أي حياة الوعي. الوعي الجديد الذي فجرته ثورة الشباب تستهدف استعادة الوعي الحر، و تحرير الجماهير من نظام الرعية بغاية أن تصير الجماهير شعوبا حية. و مفهوم الشعب لا يعني انتماء إلى الغفلية الاجتماعية ولكنه يعني انتماء إلى مجال الذاتية المشتركة او العالم البيانساني، حيث يغدو الشعب كينونة تريد، و الحياة اليقظة أي حياة الوعي هي حياة للإرادة على حد تعبير هوسرل. لقد اهتدت ألان هذه الجماهير إلى وجوب تشكلها كشعب، أي كعلة تأسيسية بانية لوجودها اليقظ و لكينونتها الحرة. و حينما تردد هذه الكينونة شعارها الذي غدا قضية كونية: الشعب يريد...« إسقاط النظام- إسقاط الفساد...» فإنها غدت بالفعل وعيا مجتمعيا يقظا، لم يعد يتحمل أن يوجد وفق نمط الرعية بوصفه نمطا للغفلية الاجتماعية المستبعدة و المستعبدة في الآن ذاته، بل هي تريد أن توجد ككينونة حرة، كعلة مؤسسة لعالمها الروحي التاريخي الذي يعبر حقا عن إرادتها المعبرة عن وعيها المشترك الذي يجلب المستقبل إلى الحاضر، بما هو حاضرها الفعلي، الذي تبتكر من خلاله عالمها الروحي الذي يستجيب لأفق الإنسانية الحرة.
3) لماذا يفشل الحكام العرب في التعامل مع حركات شعوبهم؟
من الطبيعي أن يفشل الطغاة في التعامل مع حركات الشعوب، لما اتسمت به من فجائية و تسارع، و لانتماء الطاغية إلى نسق الغفلية الاجتماعي. فلكون هذه الحركات فجائية و متسارعة فإنها غدت منفلتة عن أفق الطاغية و نظامه الاستبدادي لما تحمله من تيار جارف للحرية كسر جدار الخوف، و حفز الشعب على المواجهة من اجل نيل الاعتراف، و هي المواجهة التي لم تستطع مقاومة الطاغية أن تقمعها آو تحد من حركيتها و عنفوانها، فقد خلقت أسلوبا جديدا غدا معه الطاغية مهزلة كونية. و لان هذا الطاغية ما زال ينتمي إلى نظام الغفلية الاجتماعية الذي بدأ يتهاوى فانه انكشف للعالم عاريا فأبوته و بطرير كيته الصارمة ليست إلا غطاء لتسخير إمكانات الوطن لمصالحه الذاتية الخاصة، و تحويل الرأس مال البشري إلى مجرد وسائل بل إلى رأسمال مشيا يغذي به نظام الولاء و الطاعة. و من ثمة فلا يستطيع الطاغية قط أن يتفاعل مع أية حركة احتجاجية بشكل ايجابي، فوسيلته دائما هي القمع و اللجوء إلى استعمال السلطة المعنوية الدينية مثلا كتحريم الاحتجاج بدعوى تعارضه مع الشريعة الاسلاميةمثلما حدث في دولة العشيرة( السعودية)، آو استعمال سلطة العنف الدموي مثلما حدث في البحرين و ليبيا و سوريا التي شهدت في الآونة الأخيرة مجازر حقيقية ضد مواطنيها الذين غدوا لا يتحملون قط أن يعيشوا في عالم لم يعد مستجيبا لإرادتهم الحرة.
4) إسقاط الحكومة، حل البرلمان، تغيير الدستور، مطالب يرددها المحتجون في كل البلدان العربية. ما مغزى هذا القاسم المشترك؟
تتلخص هذه المطالب في عبارة دالة و عميقة: هي عبارة “الشعب بريد...” التي رفعها شباب الثورة في كل البلدان العربية بدون استثناء من اليمامة إلى مراكش، و مغزى ذلك في نظرنا أن هذه العبارة التي تتبلور فيها عدة مطالب/ غايات هي عنوان لحياة يقظة تستجيب لنداء الإرادة بما هو تعبير عن ذاتية مشتركة عربية عازمة على اقتحام الفضاء الحر المشترك للإنسانية. و هذا العزم يصبو كما أبرزنا في مقال منشور بمجلة الأوان الالكترونية إلى الرغبة في تشكيل العالم العربي ( المتعدد اللغات و الديانات و الثقافات) وفق شكل روحي جديد، ليس هو الشكل الروحي للقومية العربية التي رسخت الاستبداد بكل أنواعه بدءا من المشروع الانقلابي الناصري الذي قضى على الحياة الديمقراطية الحرة بمصر، و انتهاء بالمشروع البعثي الفاشستي في العراق و سوريا، و ليس هو الشكل الروحي الذي تدعو إليه الحركات الاسلاموية السياسية، بل هو شكل روحي جديد يعبر عن يقظة جديدة ترغب في الانتماء في الفضاء الحر المشترك للإنسانية الذي سيمكن الشعوب العربية المتعددة الثقافات و الديانات و اللغات من الالتحاق بالتاريخ الكوني للإنسانية، أي بما نسميه الحاضر الفعلي باعتباره فضاء لانبثاق الإنسان العربي كعلة تأسيسية منجزة و بانية لأفقها الوجودي، و لنمط عيشها الخاص الذي يتعذر الآن اختزاله داخل شكل الغفلية الاجتماعية التي يغذيها نسق ثقافي تشميلي يقوم على الوصاية، كما تغذيها الرعية التي لم تحز بعد وعيها بوجودها الخاص.
و من ثمة فلن يكون هذا الشكل الروحي الجديد متحققا إلا إذا غدا منخرطا داخل في الأفق الإنساني المشترك و مستجيبا لإرادة حرة لا تستطيع العيش سوى داخل مجتمع بيانساني تسهم فيه الذاتيات المشتركة في انجاز عالمها الخاص الذي يعبر عن عزمها و ارادتها في ابتكار أسلوب جديد للعيش يتنفس الحرية.
5) هل ثمة للغرب دور في ما يجري، و ما دور نظرية المؤامرة في ذلك، و هل ثمة تعامل بمكيالين من دولة إلى أخرى؟
من الضروري أن يكون الغرب معنيا بما يجري، و المسؤولية الإنسانية تقتضي أن يكون معنيا، بل مسئولا من الدرجة الأولى. و الغرب الذي نعنيه هو ذلك الشكل الروحي الذي تحدث عنه هوسرل ” أي الشكل الحر للوجود و للحياة التاريخية المبنية على أساس أفكار العقل، و على غايات إنسانية لا متناهية، و هذا الغرب ذاته هو ما يشكل الآن أفقا للوجود بالمعية الذي يتجاوز الأفق الأوروبي، ليشمل بلدانا أخرى.
و بما أن العالم العربي هو جزء من الفضاء المتوسطي فانه بدوره معني بالشكل الروحي للإنسانية الذي لم يعد شانا خاصا بالغرب فقط بل غدا مطلبا كونيا.
أما الموقف الحيادي للغرب فسيكون موقفا لا مباليا، و من ثمة تقتضي الايطيقا الكونية الذي يعد الإنسان بحسبها غاية في حد ذاته جديرا بالحرية كحق كوني أن يتحيز الغرب باعتباره شكلا روحيا للانتماء للإنسانية لصالح شعوب لا تطالب سوى بالحرية.
ما يلاحظ أن هناك ترددا إزاء ما يجري في العالم العربي باستثناء الحالة الليبية. لكن ما حدث في البحرين و السعودية و سوريا و اليمن من قمع عنيف فما زال خارج مبالاة الغرب، و ربما هو هنا يتعامل بمكيالين، أما نظرية المؤامرة فهي ايدولوجيا المستبد، كما هي ايدولوجيا العبد المهزوم الذي لا يعترف قط بمسؤوليته الخاصة فيما لحقه من عجز نتيجة تقبله الطوعي لعبوديته. فالمؤامرة ايدولوجيا تبريرية، و التبرير دائما هو منطق انفعالي لا يخضع للعقل، لان الأخر دائما بالنسبة للذات المطهرة هو الشر المحض.
6) من يريد سرقة حركات الشارع العربي و التطاول عليها؟
بكل إيجاز هناك جهتان تتربصان بالثورات العربية هما:
1- الأحزاب السياسية الموالية و المعارضة بدون استثناء و التي تجاوزتها ثورة الشباب. فهذه الأحزاب لم تجرؤ قط على الرفع من سقف مطلب التغيير الديمقراطي. لقد رفعت بعض هذه الأحزاب مذكرات خجولة كما هو الشأن في المغرب للمطالبة بالإصلاحات، لكنها لم تعمل قط على المضي بعيدا في مطلبها بل على العكس من ذلك ركنت إلى انتظار إشارة العاهل حتى لا تزعجه ولا تزعج الوزراء المتشبثين بالمقاعد الحكومية .
2- الأحزاب الاسلاموية المناهضة لأي مشروع حداثي يمكن أن تنجزه الثورة.و الحركات الاسلاموية في العالم العربي، هي حركات متأثرة بالسلفية الوهابية، و هي لم تتأثر بعد بالنموذج الغربي/ العلماني التركي الذي لا يرغب في نظام الخلافة، و إنما يرغب في الانتماء إلى الفضاء الحر للإنسانية.
7) لماذا نجحت وسائل الاتصال الحديثة في تأجيج الشوارع العربية؟
لقد غدت وسائل الاتصال التقنية فضاء افتراضيا للعيش الاجتماعي المشترك. أنها بوابة تطل منها كل ذات على اخريتها، تطل على كل ما يقظ مضجع استكانتها، فمن خلال هذه البوابة تحوز الذات على شرط حريتها، فالحرية الافتراضية تقتضي حرية واقعية، إن الرغبة في الوجود الحر الناشئ عن هذه الغيرية الافتراضية حيث أن العالم الذي تريده الآن يجب أن يكون بالفعل فضاء بيانسانيا بامتياز. يرجع الفضل لهذه الوسيلة التقنية( الانترنيت) في خلق الوعي بضرورة الانتماء للفضاء الحر للوجود.
و قد أصبحت تجربة الفايسبوك محكا للذات تختبر من خلالها قدرتها على التفاعل البيانساني الذي يتجاوز حدود التواصل القطري، فان تنتمي إلى الفضاء الافتراضي الفايسبوكي معناه أن توجد كأنا تحوز مواطنتها الكونية، آي كأنا للمواطنة الكوسموبوليتية التي تتنفس الحرية باعتبارها ماهية الإنسان و من ثمة تغدو الرغبة في تحقيق هذه الحرية على صعيد الواقع الاجتماعي مطلبا غير قابل للإرجاء. هنا يتشكل وعي جديد يتجاوز الوعي المعطى ثقافيا و هو ما يتطلب من كل أنا تريد. و معنى هذه الإرادة يتبلور من خلال ما تفصح عنه الذاتية المشتركة أي مجموع الانويات الاجتماعية التواصلية التي تنتقل إلى الفضاء العمومي للمدينة لترديد شعار الكينونة المشترك الجديد” الشعب يريد...”
التجربة الفايسبوكية إذن غدت تجربة للتحرر من نمط الوجود الغفلي الذي يبخس كل أنا و يمارس كل وصاية على إرادتها. و من ثمة لا تستطيع الأساليب البائدة للأنظمة المغلقة أن تحد من طموح هذه الإرادة و لا أن ترضي رغبتها في نيل الاعتراف بسيادتها و حقها المشروع في استعادة إرادة المستلبة. لقد بدا عصر جديد و هو عصر ” الشعوب التي تريد” و بدايته هذه ستكون تدشينا لفضاء بيانساني تسهم فيه شعوب الإرادة في تدبير عيشها المشترك الذي يمكنها من استعادة قيمها المتمثلة في الكرامة و الحرية الجوهرية.
8 ) أية نتائج ايجابية و سلبية تحملها هذه الحركات؟
الحديث عن النتائج يبقى الآن سابقا لأوانه، و لكن يمكننا من منظور استشرافي أن نعتبر أن ما يجري في معظمه- خاصة بتونس و مصر، و ربما المغرب في حالة انجازه لتغيير حقيقي قد يفضي إلى ملكية برلمانية حرة- يمثل تحولا عميقا باتجاه تشكيل حياة جديدة قائمة على الاعتراف المتبادل للكينونات التي تتقاسم العيش معا، و على المشاركة الايجابية و الفعالة في الشأن العام و الخاص. ربما هذا التشكيل الجديد سيكون بمثابة بداية بناء الشكل الروحي للعالم العربي، عالم لن يقوم على وحدة إيديولوجية قومية أو اسلاموية، و لن يقوم على شكل وحدة اندماجية، و إنما على وحدة تعددية تشاركيه و تفاعلية كما هو الشأن للوحدة الأوروبية، و جوهر هذا العالم هو تأسيس للوجود الديمقراطي الحر الذي يلبي إرادة الشعوب. ربما انفتح باب التاريخ مجددا مع هذه الثورات، و ليس لنا الآن سوى أن نستجيب لهذا القدر الكوني الذي يدعونا للانخراط في مشروعه.
حاوره لحسن وريغ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.