بعد خيبة الأمل الكبيرة التي شعرت بها أثناء إقرار الدستور الجديد، الذي كنت أتمنى أن يكون بداية، تفتح من خلاها الإدارة صفحة جديدة، في تعاطيها مع الاستحقاقات الانتخابية؛ إلا أنها وللأسف الشديد، خيبت أملي، وأخلفت الموعد مرة أخرى، ولم تستغل الفرصة التي أتيحت لها لتبييض صفحة الماضي القريب والبعيد. وبعد مسلسل طويل من المحطات الانتخابية، ابتدأت منذ سنة 1963م تاريخ أول انتخابات تشريعية في المغرب بعد إقرار ما سمي ب”الدستور الممنوح” لسنة 1962م، وانتهت إلى نسبة مشاركة كارثية (37%)، خلال الاستحقاقات الأخيرة لسنة 2007م، والتي عكست مستوى التذمر الذي أصبح يشعر به المواطن، الذي لم تعد السياسة تغريه بجدوى التعاطي لها، ولا الأحزاب على جميع أشكالها وألوانها، تقنعه بالانخراط داخلها، باعتبارها الأداة التي من خلالها يمكن النضال من أجل التغيير، خاصة بعد تعثر تجربة التناوب التوافقي، التي علق عليها عدد كبير من المغاربة وأنا واحد منهم آمال كثيرة، لم يتحقق منها إلا النزر اليسير. وبعد التحولات الجذرية التي يعرفها محيطنا الوطني، المتمثل في تشكل إطار جماهيري للنضال من أجل الديمقراطية وإسقاط الفساد، بقيادة “حركة عشرين فبراير”؛ والإقليمي، بعد اندلاع انتفاضات غير مسبوقة، أطاحت ببعض العروش، وأجهدت أخرى تقاوم من أجل البقاء؛ ودوليا، باستمرار الأزمة الاقتصادية، ووصول بعض الدول المتقدمة إلى حافة الإفلاس، وعولمة الاحتجاج الشعبي من خلال حركة “احتلوا وول ستريت” “ونحن نشكل 99%”. أتمنى هذه المرة، وبالنظر إلى كل هذه المتغيرات المتسارعة، التي لا يعرف أحد إلى أين سترسو بالتحديد، أن تكون الولاية التشريعية القادمة، مناسبة لإعادة الثقة إلى عموم المواطنين، لإقناعهم بجدوى الانتخابات، ومصالحتهم مع مراكز الاقتراع، وطمأنتهم بجدوى الإدلاء بأصواتهم، التي ستصبح وحدها الضامنة لمستقبل أفضل. من أجل ذلك، وغيره كثير، يجب أن تتحقق بعض الآمال خلال الولاية التشريعية المقبلة، أذكر منها على سبيل التمثيل لا الحصر، فبالتأكيد هناك أكثر من هذه التدابير، غير أنني أعتبر الآتية الأكثر إلحاحا: تفعيل مبدإ المحاسبة، ولا أعني هنا المحاسبة البعدية (بعد انتهاء الولاية التشريعية المقبلة)، لكن أعني به المحاسبة الآنية، بأن تعمل مؤسسات الرقابة المالية والإدارية، على تفعيل أدوارها، ومعاقبة كل من تبث في حقه التلاعب بالمال العام أو استغلال النفوذ أو غيرها من الممارسات التي تفسد الحياة العامة، بتقديمه للعدالة، لتقول كلمتنا فيه. أن يكون الحزب أو الأحزاب التي ستشكل الحكومة المقبلة، في مستوى المسؤولية الملقاة عليها، وذلك بتفعيل البرنامج الانتخابي الذي من خلاله وصلت إلى سدة الحكم، والوفاء بالوعود التي أطلقتها أثناء الحملة الانتخابية، إن على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.. ففي الأخير، ما يهم المواطن العادي، هو مدى التأثير المباشر لأداءها على حياته اليومية، ومدى استجابتها لمطالبه الملحة، دون تسويف أو حديث عن اكراهات أو معيقات. هذه في اعتقادي، بعض الإجراءات الملحة والضرورية، التي سيكون تفعيلها على أرض الواقع، بمثابة الضمانات التي يمكن أن تعيد للمواطن، إيمانه بالحياة السياسية وضرورة انخراطه الإيجابي فيها، في أفق الاستحقاقات الانتخابية القادمة، ودون ذلك، فلن تزيد إخفاقات نخبنا السياسية المواطنين، إلا عزوفا متناميا عن المشاركة في الحياة السياسية. بالمحصلة، ستكون المرحلة المقبلة، مناسبة لجس نبض النخب السياسية من جهة، والإدارة من جهة ثانية، حول رغبتها في الوفاء بوعودها في الإصلاح؛ ومرحلة انتقالية، مرحلة انتقالية أتمنى أن تكون حقيقية، وأن لا تصير إلى ما آلت إليه سابقاتها، التي عرفها تاريخ المغرب الطويل، والتي لم تفرز أي شيء جديد، بل كانت تتحول كل مرة، إلى حالة دائمة من الركود المزمن بل النكوص المؤلم؛ ننتقل بعدها إلى الدولة الحديثة المأمولة، دولة الحق والقانون، دولة... هي إذا فرصة جديدة تتاح لنا جميعا، مواطنين ودولة وفرقاء سياسيين، من أجل انتقال ديمقراطي حقيقي وسلس، وكل ما أتمناه هو أن لا تذهب أدراج الرياح، فسقف انتظار عموم المواطنين يزداد ارتفاعا يوما بعد يوم، والوطن لن يتحمل بالتأكيد إخفاقات جديدة.