استوقفني مؤخرا، فيديو منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، لشباب مغاربة وصلوا إلى ألمانيا، وبدوا فيه ساخطين على المغرب ورافضين لفكرة ترحيلهم من ألمانيا إلى المغرب. من دون شك أن رسالتهم مؤثرة، وهم يلتمسون من الحكومة المغربية أن تتركهم لحال سبيلهم. صرختهم إنسانية وهم لا يطلبون إلا كرامة في العيش. طبعا هذا حقهم انطلاقا من الاعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص في فقرته الثالثة على أن: "لكل فرد الحق في الحياة، والحرية، وسلامة شخصه"، وهذا يشمل ممارساته وانشطته، وسلامته المادية والمعنوية والنفسية والجسدية. أما المادة الثالثة عشر من الميثاق نفسه، فتنص على حق الانسان في حرية الحركة والتنقل، حيث جاء في فقرتها الاولى: " لكل فرد حق في حرية التنقل وفى اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة ". انطلاقا مما سبق، يبدو الأمر على المستوى النظري في صالح هؤلاء المغاربة الذين وصلوا إلى ألمانيا، عبر طرق مختلفة وفي ظروف قاسية، لطلب حق الحماية لهم، وفقا قوانين تنظم هذه العملية، وهنا مربط الفرس كما يقال. فطلب الحماية هو الآخر خاصع لقوانين منها ما هو دولي كاتفاقية جنيف للاجئين لعام 1951. إذ تحدد الاتفاقية بوضوح من هو اللاجئ ونوع الحماية القانونية، وغير ذلك من المساعدات والحقوق الاجتماعية التى يجب أن يحصل عليها من الأطراف الوطنية الموقعة على هذه الوثيقة. كما تحدد، بقدر متساو أيضا، التزامات اللاجئ تجاه الحكومات المضيفة، مستثنية بعض الفئات المعينة من الأشخاص، من قبيل الإرهابيين غير المؤهلين للحصول على صفة اللاجئ. هذا بالاضافة إلى القوانين الخاصة بكل دولة، كما هو الحال مع ألمانيا، بناء على الفقرة 16 أ من الدستور الألماني التي تعطي الحق في اللجوء إلى كل شخص مهدد في حياته سواء من طرف أجهزة دولته أو جماعة دينية أو سياسية. دون أن ننسى الاتفاقيات الأوربية التي حددها ما يعرف بالحماية المؤقتة التي تخص كل من تستثنيه اتفاقية جنيف من تصنيفها. أمام هذا الوضع نتساءل ما حظ هؤلاء المغاربة من كل هذه التصنيفات؟ مما سبق أستطيع القول أن حظهم العاثر قادهم في الوقت الخطأ إلى بلد يعيش جدلا سياسيا واعلاميا حول اللاجئين. ففي ظل هذا الجدل اضطرت برلين إلى تصنيف كل من المغرب والجزائر وتونس كدول آمنة، وذلك بسبب الصعوبات التي تواجه ألمانيا في احتواء جميع اللاجئين الذين دخلوا أراضيها، مما يساعدها على ترحيل من رفض طلب لجوئهم إلى بلدانهم الأصلية بسرعة. وكانت ألمانيا قد صنفت دول غرب البلقان، وكوسوفو كدول آمنة، حيث سبق لوزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير أن شدد على "أن غير الملاحقين سياسيا في كوسوفو لن يحصلوا على إقامة دائمة في ألمانيا وسيعودون إلى بلدهم". وبعد إدخال تعديلات مشددة على قانون اللجوء في ألمانيا في أوكتوبر الماضي، أصبحت ألبانيا أيضا ضمن قائمة "الدول الآمنة" ومنذ ذلك الحين تم ترحيل مئات الألبان إلى بلادهم لافتقادهم إلى سبب قانوني يمنحهم حق اللجوء. فمعظم الألبان الذين وصلوا إلى ألمانيا كان هدفهم تحسين أوضاعهم الاقتصادية بالدرجة الأولى. وهو ما ينطبق على المغاربة الذين وصلوا إلى ألمانيا، بتعبير الكثير منهم. ولتفعيل قرار الترحيل، ينتظر أن يصادق البرلمان الألماني على الاجراءات الأخيرة التي أقرتها الحكومة الألمانية ليصبح التصنيف ساري المفعول. وينص مشروع قانون أولي للحكومة الاتحادية على أن "طلبات اللجوء المقدمة من شمال إفريقيا لا تتوافق وشروط اللجوء الإنساني في ألمانيا. ونحن نتفهم سخط هؤلاء الشباب، لابد من توضيح أمر في غاية الأهمية، وهو أن الوضع ليس بالسهولة التي يتصورها البعض. ففي ألمانيا، يصعب على أي شخص فاقد لشروط الاقامة الشرعية تثبيت أي قدم له في هذا البلاد، لأن الحصول على عمل بطريقة غير شرعية يبدو مستحيلا. كما أن الحصول على سكن دون عقد عمل دائم، مغامرة لا يقدم عليها أي ملاك لاعتبارات قانونية وبيروقراطية محضة. وسيبقى المجال الوحيد لهؤلاء هو التقاطهم من طرف عصابات الاجرام والمخدرات. وهو أمر لن يساعدهم بكل تأكيد على تحسين شروط عيشهم. محمد مسعاد