رئيس النيابة العامة: ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وشفافية التدبير مدخل أساسي لتحقيق التنمية المستدامة    محمد وهبي: الاستقبال الملكي شعور لا يوصف ومصدر فخر كبير    نعي الممثل عبد القادر مطاع رحمه الله    Mocci يكشف عن أغنيته الجديدة "Tes7arni" بين العاطفة والقوة    تراجع أسعار بعض الخضر واستقرار الفواكه بسوق الجملة بالدار البيضاء    مشروع قانون المالية 2026 يسعى لتحصيل مزيد من الضرائب دون تخفيف كلفة المعيشة    اتحادات المقاولات بالمغرب وإسبانيا والبرتغال تنشئ لجنة مشتركة لتعزيز أثر تظاهرة كأس العالم 2030    المغرب في صدارة الاهتمام داخل البرلمان البريطاني.. عرض يبرز ميناء الداخلة الأطلسي كرؤية ملكية نحو التكامل والتنمية المستدامة    محكمة العدل الدولية تقول إن إسرائيل لم تثبت أن بعض موظفي الأونروا أعضاء في حماس    العدالة والتنمية يتحفظ بخصوص دعم الحكومة لترشح الشباب المستقل    "الجوائز الكاف".. بونو والمحمدي ينافسان على جائزة أفضل حارس أفريقي    حكيم زياش يوقّع للوداد    ريال مدريد يضع عثمان معما تحت المجهر .. مواهب المنتخب الوطني للشبان تخطف أنظار العالم    أخبار الساحة    في ثاني مباريات بالمونديال المنتخب الوطني للسيدات لأقل من 17 سنة ينهزم أمام إيطاليا    بالفيديو | الرباط تتزين لأشبال الأطلس.. استقبال أسطوري لأبطال العالم    مصرع شخصين وإصابة اثنين آخرين بجروح في انهيار منزل بالمدينة القديمة بالدار البيضاء    لبنان وباراغواي يجددان التأكيد على دعمهما لسيادة المغرب على صحرائه ووحدة أراضيه    الأمير مولاي الحسن يترأس حفل استقبال أقامه الملك للمنتخب الوطني لأقل من 20 سنة    دار الراوي تحتفي برواية «حساء بمذاق الورد» للكاتب سعيد منتسب    في الذكرى80 لرحيل الشاعر العراقي معروف الرصافي    أمير المؤمنين يطلع على نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة ويأذن بوضعها رهن إشارة العموم    لقاءات تجارية تجمع تعاونيات مغربية وفعاليات دولية بمعرض أبوظبي للأغذية    الدعم العمومي لغاز البوطان يتجاوز نسبة 55% من سعر البيع بالمغرب    نصف طلبة الجامعات المغربية يدرسون العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية    "سخاروف" تكرم صحافيين مسجونين    التنافس يطبع نهائيات "تحدي القراءة"    "المدى" تحتفي بخريجي أكاديمية الفنون    المجلس الأعلى للسلطة القضائية يفصل بيانات قضايا الطلاق في المغرب    تكريم "جمال سليمان" وعروض أولى وخاصة بمهرجان الدوحة السينمائي    رسميا.. ملعب الأمير مولاي عبد الله معقل مباراة الجيش الملكي و حرية الغيني    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    التكلفة الإجمالية للنظام الأساسي الجديد الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية بلغت ما يفوق 17 مليار درهم (برادة)    260 سنة سجنا في حق 33 متهما بأحداث العنف التي رافقت احتجاجات "جيل زِد" بسوس ماسة    الملك محمد السادس يأذن بنشر فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة    بكين تستضيف جلسة خاصة لتخليد ذكرى عودة تايوان إلى الوطن الأم    الصين تختبر أسرع قطار فائق السرعة في العالم ب 453 كيلومتر في الساعة    كيوسك الأربعاء | المنتجات المغربية تدخل 24 سوقا إفريقيا بدون رسوم    وزير الصحة يرد على جدل ارتفاع أسعار الأدوية والخدمات الطبية    الإمارات: طبعنا العلاقات مع إسرائيل لتغيير طريقة التفكير في المنطقة    متحف اللوفر في باريس يعيد فتح أبوابه أمام الجمهور ثلاثة أيام بعد تعرضه لعملية سطو    التخريب يستنفر أمن مرس السلطان    انطلاق المنظومة الجديدة للدعم المباشر للمقاولات الصغرى والمتوسطة في 2026    مجلة ليكسوس تدخل تصنيفات معامل التأثير والاستشهادات المرجعية العربي"    فنانون من 12 دولة يثرون الدورة 14 لمهرجان العرائش الدولي    اصطدام حافلتين يسلب حياة العشرات في أوغندا    كتاب فرنسي جديد: المهدي بن بركة قُتل غرقاً في حوض الاستحمام بإشراف الدليمي وبتنسيق مع "الموساد"    إسرائيل تتعرف على "جثتي رهينتين"    تخفيضات الميزانية تهدد جهود الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان بالعالم    إدريس لشكر… قائد التجديد وواضع أسس المستقبل الاتحادي    ندوة تبرز الاحتفاء القرآني بالرسول    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    ساعة أمام الشاشة يوميًا تخفض فرص التفوق الدراسي بنسبة 10 بالمائة    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات بالمغرب وسؤال الحكامة
نشر في أخبارنا يوم 23 - 07 - 2016

تشكل الانتخابات محطة أساسية في المسلسل الديمقراطي لأي دولة، نظرا لكونها نقطة ارتكاز تؤسس لإنتاج نخب مستقبلية قادرة على حمل هموم وانتظارات الطبقة الاجتماعية، وقادرة على بلورة استراتيجيات تنموية تصب في مصلحة البلاد. فالانتخابات ليست فقط مرحلة يجب نسيانها أو تناسيها، وإنما هي مرآة عاكسة للتوجهات والخطط والنهج الذي سيعتمده الفاعل السياسي طيلة مدة انتخابه. فخلال هذه المدة سترهن البلاد وستكون إما فأل خير عليها أو عكس ذلك، وهو ما يرجع بالأساس لمدى إنتاج نخب سياسية قادرة على تحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها، تتحلى بالكفاءة والجودة، وذات رصيد كاف من التراكمات المرحلية، وذات تصور جاد لمختلف الضروريات التي تتطلبها تنمية البلاد.
فليس بالأمر المحمود، أن لا نتطرق لعنصر أساسي من العناصر الموضوعية التي تمكن من معرفة خبايا المنظومة السياسية ببلادنا، وتشكل محورا جادا في معرفة مدى صلاحية ومدى انسجام الطريقة والمرحلة الانتخابية لمخرجات القوانين التنظيمية المتعلقة بها، وللمبادئ الكبرى المؤطرة لها في دستور 2011، وبالخصوص مبادئ الحكامة الجيدة. لذلك، سنحاول من خلال هذا المقال، مقاربة وملامسة الانتخابات عن طريق مرحلتين مختلفين منها، وذلك بالتطرق لانتخابات ما قبل دستور 2011، ومعرفة الجديد والتطور الذي حدث في انتخابات ما بعد الدستور، وذلك عن طريق الاستعانة بما نصت عليه القوانين التنظيمية المتعلقة بالانتخابات. فهل يمكن القول بأن الانتخابات الأخيرة لما بعد دستور 2011 تجاوزت نواقصها وإكراهاتها وسلبياتها من رشوة وتزوير وغيرها، ودخلت بذلك صرح النموذج الانتخابي الديمقراطي المبني على الشفافية والمسؤولية والحكامة الجيدة؟ أم أنها مازالت تتعثر في مستنقع اختلالاتها ولم تستطع تجاوزها؟ وكيف يمكن الحديث عن حوكمة الشأن الانتخابي ببلادنا في أفق الاستحقاقات الانتخابية القادمة؟
I- حكامة الانتخابات في عهد الملك الراحل الحسن الثاني
لاشك وأن الانتخابات التي عرفتها المملكة ما قبل دستور 2011، اتسمت بالعديد من المميزات التي جعلتها مغايرة لما شهده مغرب ما بعد دستور 2011 (فترة ما قبل حكم الملك محمد السادس)، والحديث عن الانتخابات في تلك المرحلة يجرنا للحديث عن ما شابته من اختلالات وإكراهات جعلت منها لا ترقى لما هو معمول به على الصعيد الدولي، فالانتخابات التي تتميز بالخروقات تنتج في الأخير نخبا سياسية همها الوحيد هو تحقيق الأهداف الشخصية وليس تحقيق الهدف الأسمى الذي يتجلى في الرقي وتنمية البلاد.
وقد صرح الملك الراحل الحسن الثاني عند افتتاح الدورة التشريعية بتاريخ 15 أكتوبر 1996 على أنه:"كونوا أخيرا على يقين من أنني سأضع ثقلي الشخصي وهيبتي الشخصية وصلاحياتي الدستورية لتمر جميع الانتخابات المتوالية في هذا البلد على أحسن ما يكون في جو من الاستقامة والشفافية والنزاهة".
وقد حظيت الحملة الانتخابية التي امتدت من 29 مايو 1997 إلى غاية منتصف الليل من يوم 12 يونيو 1997 بعناية ملكية سامية، إذ قرر صاحب الجلالة رفع حصة مساعدة الدولة للهيئات السياسية ودعمها بمناسبة الانتخابات العامة من 20 إلى 90 مليون درهم، وإلى تقنين معايير توزيع هذه المساهمة. كما اتخذت اللجنة الوطنية خلال هذه المرحلة مجموعة من التدابير الهادفة إلى سلامة العمليات الانتخابية وتعزيز مكانة المؤسسات.
كما لم تخلوا العملية الانتخابية في حقبة مغرب ما قبل اعتلاء الملك محمد السادس للعرش، من آفة التزوير والفساد التي طبعت تلك المرحلة، والتي شكلت مدخلا رئيسيا في عدم رقي العملية الانتخابية لمبادئ الشفافية والنزاهة والديمقراطية، وهو ما حدى بالمواطن المغربي، والفئة الشابة منه على وجه الخصوص، إلى التعبير عن سخطهم اتجاه هذه العملية من خلال انسحابهم تدريجيا من المشاركة بصوتهم أو عن طريق عدم انخراطهم الفعلي في الأحزاب السياسية، وهو ما يشكل نقطة سلبية في الحياة السياسية بالمغرب، والتي مازلنا نعيشها لحدود اليوم، وهو ما يؤكد النزعة الشخصية لهذه الأحزاب.
II- حكامة الانتخابات في مرحلة ما بعد دستور 2011
تشكل مرحلة دستور 2011 نقطة محورية في مسار الإصلاحات التي شهدتها المملكة، ونقطة أساسية في مسلسل التغيير المؤسساتي الذي يقطع مع كل الأشكال والنماذج السلبية التي عرفها المغرب في مرحلة ما قبل دستور 2011، بحيث يشكل خطاب الملك محمد السادس يوم 9 مارس 2011 لبنة مؤسسة لمنظومة دستورية ديمقراطية جديدة مرتكزة على سبعة أعمدة أساسية، أولها التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة، الغنية بتنوع روافدها، وفي صلبها الأمازيغية، كرصيد لجميع المغاربة؛ وثانيها، ترسيخ دولة الحق والمؤسسات، وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، وضمان ممارستها، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان، بكل أبعادها، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية، والثقافية والبيئية، ولاسيما بدسترة التوصيات الوجيهة لهيأة الإنصاف والمصالحة، والالتزامات الدولية للمغرب؛ وثالثا، الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، توطيدا لسمو الدستور، ولسيادة القانون، والمساواة أمامه؛ رابعا، توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها، وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها، من خلال برلمان نابع من انتخابات حرة ونزيهة، يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة، مع توسيع مجال القانون، وتخويله اختصاصات جديدة، كفيلة بنهوضه بمهامه التمثيلية والتشريعية والرقابية، وحكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع، وتحظى بثقة أغلبية مجلس النواب، وتكريس تعيين رئيس الحكومة من الحزب السياسي، الذي تصدر انتخابات مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها، وتقوية مكانة رئيس الحكومة، كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية، يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية، وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي، ودسترة مؤسسة مجلس الحكومة، وتوضيح اختصاصاته؛ خامسا، تعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين، بتقوية دور الأحزاب السياسية، في نطاق تعددية حقيقية، وتكريس مكانة المعارضة البرلمانية، والمجتمع المدني؛ سادسا، تقوية آليات تخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة؛ سابعا وأخيرا، دسترة هيئات الحكامة الجيدة، وحقوق الإنسان، وحماية الحريات.
وقد أكد الملك محمد السادس منذ اعتلاءه العرش على ضرورة العمل على التجسيد الحقيقي لانتخابات خالية من كافة الشوائب و أوجه الفساد أو التزوير، وهو ما أكده سنة 2001 من خلال قوله:" أن نجعل من نزاهة الانتخابات المدخل الأساسي لمصداقية المؤسسات التشريعية وأن تتحمل السلطات العمومية والأحزاب السياسية مسؤوليتها كاملة في توفير الضمانات القانونية والقضائية والإدارية لنزاهة الاقتراع وتخليق المسلسل الانتخابي".
هذا بالإضافة إلى خطابه الذي أكد من خلاله على ضرورة تحلي الفاعلين السياسيين بالنزاهة والتجرد، وتجاوز الخلافات السياسية التي تؤثر على المسار التنموي الذي تعيشه البلاد، داعيا في نفس الوقت جميع السياسيين إلى التنافس الجاد والشفاف من أجل خدمة الوطن والمواطنين، وهو ما يستشف من خلال قوله:" وكما تعلمون، فإن هذه السنة ستكون حافلة أيضا باستحقاقات هامة وفي مقدمتها إقامة الجهوية المتقدمة. وعلى بعد أقل من سنة، على الانتخابات المحلية والجهوية، أتوجه إلى جميع الفاعلين السياسيين: ماذا أعددتم من نخب وبرامج، للنهوض بتدبير الشأن العام ؟ إن التحدي الكبير الذي يواجه مغرب اليوم، لا يتعلق فقط بتوزيع السلط، بين المركز والجهات والجماعات المحلية، وإنما بحسن ممارسة هذه السلط، وجعلها في خدمة الموطن. ومن هنا، فإن الانتخابات المقبلة، لا ينبغي أن تكون غاية في حد ذاتها. وإنما يجب أن تكون مجالا للتنافس السياسي، بين البرامج والنخب. وليس حلبة للمزايدات والصراعات السياسوية".
بالإضافة إلى الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعي التاسعة، بتاريخ 10 أكتوبر 2014، الذي أكد فيه الملك على ضرورة اختيار المواطنين لنخب قادرة على لعب أدوارها بشكل جيد، واختيار مرشحين مؤهلين متحلين بقيم المواطنة وروح المسؤولية المقترنة بالمحاسبة، واختيار أفضل البرامج والنخب القادرة على تحقيق الانطلاقة الجيدة لتطبيق الدستور، وإعطاء دفعة قوية للتحول الحاسم والجذري الذي تعرفه البلاد في اتجاه تحديث ودمقرطة الدولة، وتحقيق التنمية الشاملة والمستديمة. أكد عاهل البلاد أيضا، على أنه :" إذا كان عدد من المواطنين لا يهتمون كثيرا بالانتخابات ولا يشاركون فيها، فلأن بعض المنتخبين لا يقومون بواجبهم، على الوجه المطلوب. بل إن من بينهم من لا يعرف حتى منتخبيه. وهنا يجب التشديد على أن المنتخب، كالطبيب والمحامي والمعلم والموظف وغيرهم، يجب أن يشتغل كل يوم. بل عليه أن يعمل أكثر منهم، لأنه مسؤول على مصالح الناس، ولا يعمل لحسابه الخاص. غير أن هناك بعض المنتخبين يظنون أن دورهم يقتصر على الترشح فقط. وليس من أجل العمل. وعندما يفوزون في الانتخابات، يختفون لخمس أو ست سنوات، ولا يظهرون إلا مع الانتخابات الموالية. لذا، فإن التصويت لا ينبغي أن يكون لفائدة المرشح الذي يكثر من الكلام، ويرفع صوته أكثر من الآخرين، بشعارات فارغة أو لمن يقدم بعض الدراهم، خلال الفترات الانتخابية، ويبيع الوعود الكاذبة للمواطنين. فهذه الممارسات وغيرها ليست فقط أفعالا يعاقب عليها القانون، وإنما هي أيضا تعبير صارخ عن عدم احترام الناخبين. لذا، فإن التصويت يجب أن يكون لصالح المرشح، الذي تتوفر فيه شروط الكفاءة والمصداقية، والحرص على خدمة الصالح العام".
وقد حدد الفصل 11 من الدستور، أساسيات الفعل الانتخابي بالمغرب، المبني على الشفافية والنزاهة والحياد التام بين المرشحين، والوسائل التي يمكنها أن تشكل مورد إضافي بالنسبة للأحزاب السياسية، سواء تلك التي تدخل في نطاق وسائل الإعلام العمومية، والممارسة الكاملة للحريات والحقوق المرتبطة بالحملة الانتخابية، هذا بالإضافة إلى الوسائل التي يمكنها أن تشكل أداة ملاحظة ورقابة على العملية الانتخابية، إلى جانب الآليات المرتبطة بكيفية جذب المواطنات والمواطنين من أجل الانخراط الفعلي والفعال في الانتخابات.
إلى جانب ما حدده الفصل 11 من الدستور، فقد خول الفصل 30 منه لكل مواطن ومواطنة الحق في التصويت وفي الترشح بشرط بلوغ السن القانونية المحددة في
18 سنة، إلى جانب تكاف الفرص بين الرجال والنساء في ولوج الوظائف الانتخابية ( أحدث بحسب الفصل 19 من نفس الدستور هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز، من أجل تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء)، واعتبر التصويت حق شخصي وواجب وطني، كما خول للأجانب المقيمين بالمغرب المشاركة في الانتخابات المحلية.
وعمل دستور 2011 على وضع هيئات ومؤسسات تهدف بالأساس إلى تخليق الحياة العامة من ظواهر تشكل بقع سوداء تضر بصورة المغرب على الصعيد الدولي، وهي في الآن ذاته وسائل ناجعة من أجل تخليق وحماية العملية الانتخابية من ظواهر الفساد التي تؤثر بشكل كبير على المسار الديمقراطي لهذه العملية. لذلك، عمل المشرع المغربي على إحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، وتم تغيير هذه التسمية بمقتضى الفصل 36 من الدستور إلى "هيئة وطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها"، حيث تتولى هذه الهيئة مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة.
ويعتبر قانون رقم97-9 المتعلق بمدونة الانتخابات لسنة 1997، من بين القوانين التي تندرج حسب بيان الأسباب المتعلق بإصدار هذا القانون، ضمن الإصلاحات التي جاءت بها المراجعة الدستورية بتاريخ 13 سبتمبر 1996 تحقيقا لمطامح جلالة الملك الحسن الثاني نصره الله الهادفة إلى استكمال صرح الديمقراطية ومواصلة بناء دولة القانون ببلادنا. وتهدف هذه المدونة التي تم إعدادها في إطار منهج توافقي ومشاورات مفيدة وبناءة بين رؤساء الهيئات السياسية الممثلة في مجلس النواب والحكومة ممثلة في شخص وزير جلالة الملك في الداخلية إلى ضبط وتحيين الأحكام القانونية التي تهم اللوائح الانتخابية وتنظيم الاستفتاءات والانتخابات الخاصة بأعضاء المجالس الجهوية وأعضاء مجالس العمالات والأقاليم وأعضاء المجالس الجماعية وأعضاء الغرف المهنية. وتتضمن المدونة أحكاما مشتركة وأخرى خاصة بهذه الاستشارات والانتخابات.
وفي سنة 2015، تم تتميم وتغيير القانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات، تم من خلاله إدخال تعديلات على القانون المتعلق بمدونة الانتخابات تهم الأحكام المتعلقة بالتسجيل في اللوائح الانتخابية الخاصة بغرف التجارة والصناعة والخدمات، وكذا الأحكام المتعلقة بتعريف الهيئات الناخبة لغرف الصيد البحري. هذا فضلا عن القوانين الأخرى المنظمة للعملية الانتخابية، خصوصا تلك التي تخص انتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية كالقانون التنظيمي رقم 34.15 القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، وذلك تماشيا مع أحكام الفصل 135 من دستور 2011 التي تنص على أنه:"تنتخب مجالس الجهات والجماعات بالاقتراع العام المباشر"، وأيضا ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 146 من نفس الدستور، والتي تنص على أنه:"تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة: شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الأخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية، وعدد أعضاء مجالسها، والقواعد المتعلقة بأهلية الترشيح، وحالات التنافي، وحالات منع الجمع بين الانتدابات، وكذا النظام الانتخابي، وأحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة".
في جانب آخر، عمل المشرع على التنصيص على مشروع القانون التنظيمي رقم 21.16، الذي يهدف إلى تغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.166 بتاريخ 24 من ذي القعدة 1432 الموافق ل 22 أكتوبر 2011، وذلك لتمكين الأحزاب السياسية من تأسيس تحالفات فيما بينها بمناسبة انتخابات أعضاء مجلس النواب وضبط بعض المقتضيات المؤطرة للتمويل العمومي الممنوح للأحزاب السياسية.
زيادة على تغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.165 بتاريخ 16 من ذي القعدة 1432 الموافق ل 14 أكتوبر 2011، عن طريق مشروع القانون التنظيمي رقم 20.16، وذلك من أجل إعادة النظر في النظام الانتخابي الخاص بالدائرة الانتخابية الوطنية، ثم نسبة العتبة المطلوبة للمشاركة في عملية توزيع المقاعد برسم الدوائر الانتخابية المحلية، وكذا الملائمة مع التعديلات التي تم اعتمادها بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2015 ولاسيما ما يتعلق بإمكانية تقديم الترشيحات من طرف تحالفات الأحزاب السياسية، ثم تحديث الإطار المنظم للحملة الانتخابية برسم انتخابات أعضاء مجلس النواب.
ويمكن القول بأن الانتخابات بالمغرب عرفت تحولا جذريا وواضحا بالمقارنة مع فترة ما قبل دستور 2011، الشيء الذي يحسب للعاهل المغربي الذي ساهم في ترسيخ جو انتخابي تنافسي مرهون بمبادئ الشفافية والنزاهة والجودة، وهو شيء يحسب أيضا للمشرع المغربي من خلال تنصيصه على عدد من القوانين التي أعطت للعملية الانتخابية ببلادنا معنى جديد مرتبط بالحكامة الجيدة وبالمبادئ الكبرى لدستور 2011، وشكل قطيعة مع الفترة السابقة المتسمة بالتزوير والفساد الانتخابي، والتي كانت تضر بشكل أو بآخر بصورة المغرب على الصعيد الدولي. لكن، هذا لا يمنع من التأكيد على أننا لازلنا لم نصل بعد للمبتغى والهدف الكامن في وجود عملية انتخابية ديمقراطية نزيهة وشفافة، نظرا لاستمرارية وجود خروقات كامنة في استعمال المال، وطريقة منح التزكيات، ووجود نخب ضعيفة تخدم فقط نفسها، ولا تنظر إلى الأمام وإلى مستقبل البلاد، إلى جانب ضعف الإقبال الشعبي على التصويت خصوصا في جانب الشباب، الشيء الذي يجب معه العمل على تشديد الرقابة على العملية الانتخابية وفي طريقة التعامل معها، وضرورة مشاركة الجميع في هذه العملية بمواطنة مسؤولة وإيجابية، حتى نصل إلى الهدف المنشود وهو صنع نخب قادرة على لعب أدوارها التنموية المنوطة بها، وقادرة على إنجاح الجهوية المتقدمة، وتكرس بشكل فعلي لمبادئ الحكامة الجيدة على مستوى الانتخابات التشريعية والمحلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.