تلقينا في النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، بكل أسى وأسف، نبأ وفاة المشمول برحمة الله الفنان الكبير عبد القادر مطاع عن سن تناهز 85 سنة بعد معاناته مع المرض لمدة ليست قصيرة.. وإذ نتوجه بأصدق عبارات التعازي والمواساة لأسرة الفقيد وأقربائه وزملائه، سائلين الله عز وجل أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته ورضوانه، وأن يسكنه فسيح جنانه، ويلهمنا وذويه جميل الصبر والسلوان؛ نستحضر، بهذه المناسبة الأليمة، مناقب الفقيد وريبرتواره الفني الغني بالعطاءات والمنجزات.. برحيل الفنان عبد القادر مطاع، تفقد الساحة المسرحية والسينمائية الوطنية، واحدا من أبرز الممثلين المغاربة الذي كرس حياته، منذ شبابه، لفن ومهنة التمثيل سواء في المسرح أو الدراما التلفزيونية والإذاعية أو السينما أو فن الإشهار.. وسيظل الجمهور المغربي الذي أحب عبد القادر مطاع وقدر واحترم أعماله الدرامية، وفيا لروحه مستحضرا أهم وأروع وأشهر أعماله التي تجاوبت معها الجماهير المغربية والمغاربية الواسعة، كبارا وشبابا، والتي من خلالها استطاع الراحل أن ينحت اسمه في سجل تاريخ الدراما المغربية وبذلك سيحتل مكانة خالدة في ذاكرة الأجيال.. ويعد الراحل عبد القادر مطاع فنانا عصاميا من الممثلين الرواد الأوائل الذين وضعوا اللبنات الأولى لتأسيس الدراما المغربية منذ بداياتها، وساهموا في تطويرها في إطار من الجدية ونكران الذات وبمهنية عالية.. ولعل التراكم الذي حققه وكامل منجزه في مجال التشخيص في عدد هائل من الأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية، لخير دليل على مدى إسهامه في تنمية وتطوير القطاع الفني ببلادنا إبداعيا، ومهنيا، وتنظيميا.. ويعتبر الراحل عبد القادر مطاع، وهو من الرعيل الأول لجيل المؤسسين لنقابتنا ومن أبرز أعضاء فرع الدارالبيضاء، أحد كبار المحبين والمدافعين عن مدينة الدارالبيضاء، التي ولد ونشأ في أحد أعرق أحيائها الشعبية، درب السلطان، حيث ما فتئ رحمه الله يترافع، إلى جانب رفاقه، من أجل ضرورة الالتفات للشأن الثقافي والفني بالعاصمة الاقتصادية للمملكة واستعادة مجدها وروحها حتى لا تظل مجرد مدينة اسمنتية.. كما كان من مدعمي ومساندي كل المبادرات النقابية التي تهدف لصون كرامة الفنان والدفاع عن حقوقه الاجتماعية والاقتصادية، ولازالت نقابتنا تستحضر، باعتزاز كبير، مشاركته الفعالة في برنامج "نزاهة الرواد" الذي نظمه فرع الدارالبيضاء من أجل تسليط الأضواء على أوضاع الفنانين الرواد ولفت الانتباه إليهم وتكريمهم وتثمين تاريخهم.. ويجدر بنا جميعا، بهذه المناسبة الأليمة، أن نستحضر الأثر الكبير والمنجز العظيم والريبرتوار الغني الذي خلفه الراحل عبد القادر مطاع، في كل المجالات الدرامية التي اشتغل فيها وحقق فيها نجاحات باهرة من خلال أدائه الرائع والمتفرد في تفمص شخصيات مختلفة ومتنوعة ومعقدة ومركبة.. لعل أبرزها شخصية "الطاهر بلفرياط" الشهيرة في مسلسل "خمسة وخميس"، وهي الشخصية التي أدخلته وأسكنته كل البيوت وجعلته أحد أكثر الممثلين التصاقا بوجدان المغاربة… التحق بفرقة المعمورة المسرحية في مطلع الستينيات إلى جانب نخبة من ممثلي جيله، حيث تنامت موهبته وتطورت، ثم شارك إلى جانب الكبار في عدد لا يستهان به من المسرحيات، كمسرحية "الصحافة المزورة"، و"أمجاد محمد الثالث" و"سيدي عبد الرحمان المجدوب" وغيرها من التراجيديات والكوميديات التي شهدها التاريخ الحديث للمسرح المغربي.. لكنه ارتأى أن يبتعد عن المسرح ليتفرغ للسينما والتلفزيون حيث تألق فيهما.. كمشاركته في فيلم "وشمة" للمخرج حميد بناني، وأفلام "تساوت"، "البراق"، "البانضية"، "لعب مع الذئاب"، "كلاب الدوار"، "آخر الرومانسيين"، "باب الشيطان"… وكذا مشاركته في عدة سلسلات ومسلسلات تلفزيونية أبرزها "خمسة وخميس"، "ستة من ستين"، أولاد الناس"، "دواير الزمان"، "الربيب"، "شريكتي مشكلتي"، "يوم ما يشبه يوم"، "مبارك ومسعود"، "دموع الرجال"، "القلب المجروح"… وغيرها من الأعمال الدرامية التي تألق وأبدع في أداء أدوارها المختلفة.. فهو الممثل الأكثر حضورا في العديد من الأفلام والمسلسلات المغربية والأجنبية التي جعلته أكثر الممثلين ارتباطا بالناس واستقطابا للجمهور وأكثر الممثلين المطلوبين والمحبوبين من قبل المخرجين.. رحم الله الفقيد الممثل الكبير والفنان الرائع والرجل الطيب عبد القادر مطاع، ولينم قرير العين مطمئنا على مستقبل الفنون الدرامية المغربية ومهنييها، لأنه سيظل دائما مثالا ونموذجا وقبسا ونبراسا ينير الطريق للأجيال الصاعدة، وسيظل راسخا في الذاكرة الفنية المغربية وفي وجدان المغاربة، لما أسداه من خدمات جليلة للفن والوطن. حرر بالدارالبيضاء، يوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025