الملك: تعاون المغرب والنمسا إيجابي    بروكسيل تحتفي بالمغرب تحت شعار الحوار الثقافي والذاكرة المشتركة    نسبة ملء السدود المغربية تتراجع إلى أقل من 32% وفق البيانات الرسمية    "البحر البعيد" يظفر بالجائزة الكبرى للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    حفل الحراقية يختم مهرجان الصوفية    ثمن نهائي كأس العالم لكرة القدم للسيدات لأقل من 17 سنة.. المنتخب المغربي يواجه نظيره الكوري الشمالي    حكيمي: إذا حصلت على الكرة الذهبية لأفضل لاعب إفريقي فسيكون ذلك رائعاً    كلاسيكو الأرض.. ريال مدريد يسعى إلى كسر هيمنة برشلونة    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    المتمردون الحوثيون يفرجون عن عارضة أزياء    كم عدد الأصوات يحتاجه مجلس الأمن للمصادقة على قرار في نزاع الصحراء يؤكد سيادة المغرب ويرسِّخُ الحكم الذاتي حلاًّ    من ندوة بالقنيطرة.. مجموعة "5+5 دفاع" تدعو إلى تطوير آليات الأمن السيبراني ومكافحة حرب المعلومة    تايلاند تبدأ سنة كاملة من الحداد على "الملكة الأم"    أوناحي يواصل التألق في الليغا ويؤكد أحقيته بمكان أساسي في جيرونا    مصدر أمني: لا وجود لخروقات حقوقية في التعامل مع جرائم التخريب الأخيرة    قوات حزب العمال الكردستاني تعلن مغادرة تركيا نحو التراب العراقي    جيش فنزويلا يتعهد ب"مواجهة أمريكا"    سلا الجديدة.. توقيف سائق طاكسي سري اعتدى على شرطي أثناء مزاولة مهامه    كتامة: وجبة "طون" فاسدة تُرسل خمسة أشخاص إلى مستعجلات مستشفى ترجيست    الرباط تحتفي بإرث نيكولاس رويريتش في معرض فني مميز    الشرطة الفرنسية توقف رجلين على خلفية سرقة مجوهرات تاريخية من متحف اللوفر    لقجع: تنظيم "الكان" هو حلقة في مسارٍ تنموي شامل يقوده الملك منذ أكثر من عقدين    الأمن المغربي يوقف فرنسيا من أصول جزائرية مبحوثا عنه دوليا بمطار محمد الخامس    رياضة الكارتينغ.. المنتخب المغربي يفوز في الدوحة بلقب بطولة كأس الأمم لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا    غوتيريش يشيد بتعاون المغرب مع آليات حقوق الإنسان    ترامب يرفع الرسوم الجمركية على السلع الكندية    المغرب يطلق "ثورة" في النقل الحضري: برنامج ضخم ب 11 مليار درهم لتحديث أسطول الحافلات    المغرب والجزائر تواصلان سباق التسلّح بميزانيتي دفاع تَبلغان 14.7 و22 مليار يورو على التوالي    مقررة أممية: وقف هجمات إسرائيل لا ينهي معاناة الجوع في غزة    "مايكروسوفت" تطلق إصدارا جديدا من المتصفح "إيدج" المدعوم بالذكاء الاصطناعي    الجزائر على صفيح ساخن... مؤشرات انهيار داخل النظام العسكري وتزايد الحديث عن انقلاب محتمل    الولايات المتحدة والصين يعملان على "التفاصيل النهائية" لاتفاق تجاري (مسؤول أمريكي)    طقس الأحد: برودة بالأطلس والريف وحرارة مرتفعة بجنوب المملكة    زلزال بقوة 5,5 درجة يضرب شمال شرق الصين    ممارسون وباحثون يُبلورون رؤية متجددة للتراث التاريخي للمدينة العتيقة    إصابة تبعد الجمجامي عن الكوكب    إرسموكن :لقاء يحتفي بالذكرى ال50 ل"ملحمة 1975″ و محاكاة رمزية لها بحضور شاحنة "berliet" ( صور + فيديو )    الرقمنة أنشودة المستقبل الذكي    طنجة: المغاربة يتصدرون منصة التتويج في النسخة الثالثة من بطولة "كوبا ديل إستريتشو"    السوق الأوربية للفيلم... المركز السينمائي يدعو المهنيين لتقديم مشاريعهم حتى 24 نونبر المقبل    زينة الداودية عن صفقة زياش التاريخية: إنها الوداد يا سادة    عجز سيولة البنوك يتراجع بنسبة 2.87 في المائة خلال الفترة من 16 إلى 22 أكتوبر    افتتاح متميز لمعرض الفنان المنصوري الادريسي برواق باب الرواح    إسبانيا.. العثور على لوحة لبيكاسو اختفت أثناء نقلها إلى معرض    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة يعالج الاغتراب والحب والبحث عن الخلاص    وزارة المالية تخصص مبلغا ضخما لدعم "البوطة" والسكر والدقيق    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    التوقعات المبشرة بهطول الأمطار تطلق دينامية لافتة في القطاع الفلاحي    الأمم المتحدة: ارتفاع الشيخوخة في المغرب يتزامن مع تصاعد الضغوط المناخية    تقرير يقارن قانوني مالية 2025 و2026 ويبرز مكاسب التحول وتحديات التنفيذ    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وزارة الأوقاف تعمم على أئمة المساجد خطبة تحث على تربية الأولاد على المشاركة في الشأن العام    طب العيون ينبه إلى "تشخيص الحول"    علماء يصلون إلى حمض أميني مسبب للاكتئاب    أونسا: استعمال "مضافات الجبن" سليم    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملتمس الرقابة، بات ضرورة سياسية
نشر في أخبارنا يوم 08 - 06 - 2018

سواء اتفقنا حول مدى تأسيس الوثيقة الدستورية لسنة 2011، لنباء نظام سياسي ديمقراطي أم لا، مهما اختلفنا بشأن توفير الضمانات الكفيلة بتفعيل المبادئ الدستورية الكبرى التي تضمنها دستور فاتح يوليوز، وحتى إن تفاوتت الرؤى بين المهتمين بالشأن السياسي والدستوري المغربي وبلغت حد التناقض، حول طبيعة النظام الدستوري إن كان نظاماً برلمانياً يُتِيح إمكانية إقامة علاقة متوازنة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، أو نظاماً رئاسياً تَعود فيه الكلمة الأولى والأخيرة إلى رئاسة الدولة، أو نظاما مختلطا يمزج بين الصنفين.

فأنه لا يمكن لأي متتبعِ أن ينكر أهمية التطورات التي عرفتها الحياة السياسية المغربية منذ إندلاع أحداث الربيع الديمقراطي، وكيف أصبح الرأي العام يتفاعل مع كل الأحداث مهما قل شأنها، لا أحد يستطيع إنكار أن مضامين الدستور – رغم الإختلف حول أهميتها – أصبحت تردد على لسان كل فاعل، سياسياً كان أو مدنياً، مطالباً بتفعيلها وتنزيلها على أرض الواقع، وحتى تقويمها أو تعديلها إن كانت لا تفي بالغرض.

جلنا سنتفق على أن السنوات الأخيرة، عرفت عودة دماء الفعل السياسي الشعبي للتدفق من جديد، وبحرارة في شرايين المجتمع السياسي، وغدا الرأي العام الوطني مهتما بتفاصيل الأمور، وبدأ المشهد السياسي يعرف دينامية، يمكن اعتبارها سابقة من نوعها، سمتها الأساسية هي التمسك بسلمية الأشكال النضالية والمطالبة بالتفعيل السليم والكامل للمقتضيات الدستورية الجديدة.

وطبعا لا يمكن لي أن أنكر الدور الكبير الذي لعبه قادة العدالة والتنمية، خاصة خلال الولاية الحكومية السابقة، في تقريب المواطن المغربي من المشهد السياسي، عبر اعتمادهم لأسلوب تواصلي شعبوي يستهوي ويستقطب جميع الشرائح الإجتماعية، حتى تلك التي لا يسعفها مستواها الثقافي والمعرفي في فك طلاسيم الخطاب السياسي الذي دؤب وزراء العدالة والتنمية على استعماله، وهذه نقطة تحسب لهم، رغم انعكاساتها السلبية الكثيرة على الحياة السياسية، التي غرفت في التهريجية والميوعة والتسفيه إلى أن بلغت حداً، أصبح معه الهدف

من تصريح الوزير أو جوابه على سؤال شفوي بقبة البرلمان أو بمناسبة أي صيغة تواصلية مع المواطنين (برامج تلفزية، مهرجانات خطابية، …) هو خلق "البوز" وضمان الفرجة، ظناً منهم أن ذلك يساعد على الرفع من منسوب شعبيتهم، ويُقربهم أكثر من المغاربة، الذين يَتفاعلون لحظيا مع هذا النوع من الخطابات، لكنهم ينسون أو في الحقيقية، لم يدركوا أنهم بصدد حفر قبرهم بأيديهم، وأن أسلوبهم هذا سينقلب عليهم عاجلا أم آجلا، ويكونون أول من سيحترق بلهيب غضب المغاربة.

انتهى زمن الشعبوية، ولم يعد الخطاب الفرجوي قادر على أن ينسي المغاربة في وضعيتهم الإجتماعية التي تزداد سوءا يوما بعد يوم، ولا في القرارات اللاشعبية المتخذة والتي تضرب في العمق القدرة الشرائية، ولم يعد المواطن المغربي قادرا على التحمل أكثر، فبدأ يعبر عن سخطه على خيارات الحكومة والحزب الحاكم، ولا يتوانى في التعبير عن ذلك بمختلف السبل والوسائل المتاحة، كان أخرها خيار الدخول في مقاطعة شعبية عريضة لثلاث منتوجات استهلاكية أساسية، مقاطعة حققة نجاحاً مبهراً بعد أو وحدت أغلب أفراد الشعب المنتمي للطبقات المتوسطة والهشة، فأعطت نتائج لم يكن أحد ليتوقعها في بداية الخطوة، أخرها إضطرار الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالشؤون العامة والحكامة لحسن الداودي، إلى تقديم استقالته تحت ضغط شعبي، بعدما لم يتوفق في التعامل مع المقاطعة، وسقط في أخطاء قاتلة تنم عن جهل فضيع لأدبيات التواصل السياسي، فكانت مشاركته في الوقفة التي نظمها عمل شركة "سنترال – دنون" أمام البرلمان هي القشة التي قسمت ظهرة البعير.

لهذا أعتقد أنه أمام هذا الزخم في الأحداث المتسارعة التي يعج بها الشارع السياسي، لابد للبرلمان باعتباره مؤسسة تمثيلية للمغاربة أن يتفاعل معها، وأن يقف في صف المواطنين ضد الحكومة، إن هو أراد فعلا أن يعيد الإعتبار لمكانته في المشهد السياسي، وأن يكسر تلك الصورة النمطية التي يُسَوقُ لها في كونه مؤسسة فارغة المضمون، دوره الوحيد هو إلتهام جزأ كبير من المال العام.

على البرلمان اليوم أن يلعب دوره باعتباره صوت المواطنين، ويعبر عن رأيهم الصريح والواضح، المتمثل في إسقاط الحكومة، وله إمكانية التي تؤهله لذلك، عبر تفعيل ملتمس الرقابة.

فطبقا للفصل 105 من دستور 2011، يمكن لمجل النواب أن يعارضة في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس للرقابة، ولا يقبل إلا إذا تم توقيعه من طرف خمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، والموافقة على الملتمس لا تصح إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداعه.

فالبرلمان مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى، بتفعيل ملتمس الرقابة، دون الخوف من عدم قدرة على ترتيب الأثر الدستوري لهذه الآلية المتمثل في دفع الحكومة إلى الإستقالة، فمجرد الإقدام على هذه الخطوة، من شأنه أن يرتب أثرا سياسيا قويا جدا، حتى إن لم يتم التصويت لصالح ملتمس الرقابة، بسبب دعم الحكومة من لدن أغلبيتها البرلمانية، ولنا في التجارب السابقة دروس وعبر.

فالتاريخ البرلماني للمغرب، لم يعرف إلا محاولتين لتقديم ملتمس الرقابة ضد الحكومة، وكانت أولهما ضد الحكومة الدستورية الأولى التي ترأسها السيد أحمد أبا حنيني، حيث تقدم فريق الإتحاد الوطني للقوات الشعبية في مجلس النواب بملتمس رقابة يوم 15 يونيو 1964، يهدف إلى مسائلة الحكومة وسحب الثقة منها ودفعها إلى تقديم الإستقالة الجماعية بحكم الدستور خاصة الفصل 81 (دستور 1962)، وهكذا أصبحت الحكومة المغربية موضع مطالبة بالمحاسبة لأول مرة أمام مجلس النواب، وذلك بعد أن أصبحت مظاهر التدهور تتجلى في سائر الميادين الاقتصادية والمالية والاجتماعية.

إلا أنه بعد تدخل ستة وعشرين نائبا في المداولة حول هذا الملتمس، حصل يوم 16 يونيو 1964 على ستين صوتا فقط، أي عدد الأصوات يقل بكثير عن الأغلبية المطلقة اللازمة لتفعيل أثار الملتمس، لكن هذا لم يخفي حقيقة أن المداولات بشأنه كانت جد مثيرة، عبرت عن صراع حاد بين النواب وأعضاء الحكومة، وكذلك عن عدم الانسجام الحاصل بين الطرفين حول معظم القضايا الوطنية، مما ترتب عن هذا الوضع السيئ أزمة حكومية اعتبرت إحدى

بوادر الإعلان عن حالة الإستثناء التي عرفها المغرب في سنة 1965، وبالتالي تجميد المؤسسات الدستورية.

وفي مطلع التسعينيات من القرن الماضي تقدمت أحزاب المعارضة (الإتحاد الإشتراكي، الإستقلال، التقدم والإشتراكية، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي) في ماي 1990 بملتمس الرقابة، ضد حكومة السيد "عز الدين العراقي"، والذي وقع عليه 82 نائبا، إلا أن هذا الملتمس وكسابقه لم يحظى بالموافقة نظرا لعدم التصويت عليه بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، غير أنه ساهم في الأمة السياسية التي عرفها المغرب آنذاك.


خلاصة القول، صحيح أن الأدوات الرقابية التي يتوفر عليها البرلمان المغربي، تظل دون فعالية، وبعيدة كل البعد عن إثارة المسؤولية السياسية للحكومة التي تظل في مأمن من كل محاولة ترمي إلى إسقاطها، في ظل استمرار الأغلبية البرلمانية في مساندتها، غير أن القيود الدستورية الواردة على هذه الآلية لا تحميها من الآثار والتداعيات السياسية المترتبة عنها، لدى أعتقد أن المعارضة اليوم مطالبة بلعب دورها في تحريك المسؤولية السياسية للحكومة عن الأوضاع المزرية التي بات يعيشها المواطن المغربي، عبر التحلي بالجرأة اللازمة لتحريك ملتمس الرقابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.