أبناك المغرب في أيدي 3 مجموعات    وفاة المدافع الدولي البرتغالي السابق جورجي كوستا عن 53 عاما    فاس : توقيف شابين ظهرا في فيديو سرقة بالعنف تحت التهديد بالسلاح الأبيض    لولايات المتحدة.. العجز التجاري يتقلص بشكل ملحوظ في يونيو    نظام تأشيرات جديد: 15 مليون للحصول على ڤيزا أمريكا    تركمنستان.. انتخاب المغرب نائبا لرئيس مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للبلدان النامية غير الساحلية    احتياجات الخزينة ستتجاوز 12 مليار درهم خلال غشت    اسرائيل تستعد لمرحلة جديدة من العدوان على غزة قد تتضمن إعادة احتلال القطاع بالكامل    طرق المغرب تنزف.. حصيلة ثقيلة خلال أسبوع واحد    "مستوطنة على أرض أمازيغية مغربية".. كتاب يصور مليلية مثالا لاستمرار الاستعمار وتأثيره العميق على الناظور    لطيفة رأفت تعلن تأجيل حفلها بأكادير وتعد بلقاء قريب    زيادة إنتاج نفط "أوبك+" تنعش آمال المغرب في تخفيف فاتورة الطاقة    تحرير مغاربة مختطفين في الساحل يعيد الجدل حول السلامة بعمق إفريقيا    نشرة إنذارية: موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بالبرد وبهبات رياح مرتقبة من الثلاثاء إلى الجمعة بعدد من مناطق المملكة    أمريكا تسلح أوكرانيا بمال اسكندينافيا        وصول المساعدات المغربية إلى مخازن في مدينة دير البلح وسط غزة    حادثة مأساوية بين المعازيز والخميسات تودي بحياة سائق طاكسي وأفراد من عائلته    قيوح: المغرب جعل من التعاون مع الدول غير الساحلية وخاصة في إفريقيا أولوية استراتيجية في سياسته التعاونية    توقيف قائد بعمالة مراكش للاشتباه في تورطه بإحدى جرائم الفساد    الدورة السادسة عشرة من معرض الفرس للجدیدة سلسلة من الندوات حول العنایة بالخیل والتراث الفروسي    عملية مرحبا.. إطلاق حملة لفائدة المغاربة المقيمين بالخارج تحت شعار "التعمير والإسكان في خدمة مغاربة العالم"    فتيات المغرب تكتسحن الجزائر ويحجزن مقعدا لهن في "أفروباسكيط 2025"    الإفراج بكفالة مشروطة عن توماس بارتي لاعب أرسنال السابق    "ألكسو" تحتفي بتراث القدس وفاس    مندوبية ‬التخطيط ‬تكشف: ‬وضعية ‬سوق ‬الشغل ‬لازالت ‬تعاني ‬من ‬آثار ‬الجفاف    تراجع نسبة ملء السدود بالمغرب إلى 35.3%    دراسة: الحر يؤثر على الصحة العقلية للإنسان    الأوقاف تكشف سبب إعفائها رئيس المجلس العلمي المحلي لفكيك    الموهبة الكبيرة وزان يوقع عقدًا جديدًا مع أياكس بعد رفض ريال مدريد التعاقد معه    "منتخب U20" يستعد لكأس العالم    رضا سليم يعود للجيش الملكى على سبيل الإعارة    المغرب ‬يسير ‬نحو ‬جيل ‬جديد ‬من ‬برامج ‬التنمية ‬المجالية.. ‬نهاية ‬زمن ‬الفوارق ‬وتفاوت ‬السرعات    خواطر تسر الخاطر    تارودانت… 14 مليون درهم لتأهيل المواقع السياحية بأسكاون وتيسليت    "سورف إكسبو" لركوب الأمواج في دورته الرابعة أكتوبر المقبل    الريسوني: تخلف وزارة الأوقاف سحيق لأنه مقدس وله حراسه.. وتخلف الدولة يسمى "الانتقال الديمقراطي"    22 شهرا من الإبادة.. الجيش الإسرائيلي يقتل 20 فلسطينيا في غزة فجر الثلاثاء    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    المغرب ومالي ينجحان في تحرير 4 سائقين مغاربة اختطفتهم "داعش" في بوركينا فاسو    وَانْ تُو تْرِي دِيرِي عَقْلك يَا لاَنجِيرِي!    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    كاميرات مراقبة صينية في سبتة ومليلية تثير الجدل في إسبانيا    بعد أيام من تركيبه.. مجهولون يخربون رادارا حديثا لرصد المخالفات المرورية    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    الرباط تحتضن النسخة الأولى من "سهرة الجالية" احتفاءً بالمغاربة المقيمين بالخارج    علي الصامد يشعل مهرجان الشواطئ بحضور جماهيري غير مسبوق    بجلد السمك.. طفل يُولد في حالة غريبة من نوعها    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    الأطعمة الحارة قد تسبب خفقان القلب المفاجئ    ترتيب شباك التذاكر في سينما أميركا الشمالية    وفاة الممثلة الأميركية لوني أندرسون عن عمر ناهز 79 عاما    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    دراسة: الانضباط المالي اليومي مفتاح لتعزيز الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية    بنكيران يدعو شبيبة حزبه إلى الإكثار من "الذكر والدعاء" خلال عامين استعدادا للاستحقاقات المقبلة    حبس وغرامات ثقيلة تنتظر من يطعم الحيوانات الضالة أو يقتلها.. حكومة أخنوش تُحيل قانونًا مثيرًا على البرلمان    "العدل والإحسان" تناشد "علماء المغرب" لمغادرة مقاعد الصمت وتوضيح موقفهم مما يجري في غزة ومن التطبيع مع الصهاينة    التوفيق: كلفة الحج مرتبطة بالخدمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فِي حاجةِ المُسلمِينَ اليوم إلى الكِندي(185ه/256ه)
نشر في أخبارنا يوم 02 - 06 - 2020

قد يتسائلُ البعضُ أينَ تكمُنُ راهِنيةُ أبو يوسف يعقوب ابن أسحاق الكندي اليوم بالنسبة للمسلمين، وما الحاجةُ لهُ في زمننا وهو الذي عاش في بداية القرن الثالثِ الهجري والتاسعِ الميلادي، ويبدُوا هذا الإعتراضُ مقبُولا ومنطقيا بالنظر إلى المسافةِ الزمنيةِ التي تفصلُنا عنهُ. وقد يقول البعض: الكندي عاش في زمانه وفي ظروفٍ تختلفُ عن حاضرنا اليوم، ولا فائدة في العودة لهُ. لذلك سنُوضحُ حاجة المسلمين للكندي من خلال مشكلتين أساسيتين نعيشُها اليوم:

-المشكلةُ الأولى: تكمُنُ في التخلفِ الحضاري الذي يعيشهُ المسلمون والعرب في جميع الميادين، مما جعلهم في مأزقٍ حقيقيِ مع المجتمعات المتقدمة، فلاهم قادرُون على المساهمة في هذا التقدم ولا هم استطاعوا الإستفادة منه.

-المشكلة الثانية: وهي نتيجةٌ طبيعيةٌ للأولى، تَقَوقُعُ المسلمين والعرب على الذات وتمجيدُها بشكلٍ مَرَضِي، مما أدى إلى انتشار ميولاتِ التطرف الديني والقومي ورفضُ الأخر، بسبب الجهل به وغيابُ حوارٍ معه.

ولكن، هذا التشخيصُ لحاضرِ المسلمِينَ والعربِ اليوم معروفٌ، ولا ينكرهُ إلا جاحدٌ أو متعصبٌ لهويةٍ قاتلةٍ حسب تعبير أمين معلوف في كتابه الهُوياتُ القاتلةُ، فأين تكمُنُ علاقةُ الكندي بحاضر المسلمين والعرب؟

لمعرفةِ علاقةِ الكندي بحاضِرِ مجتمعاتنا العربية والإسلامية التي شخصنا بعض مشاكلها سابقا، لا بد من المقارنة بين مجتمعاتنا في الماضي والحاضر الذي نعيشهُ وسنجِدُ الكثير من عناصرِ التشابُهِ، والتي نلخصُها في النقط التالية:

-عاشَ الكندي في بدايةِ تشكُلِ المجتمع العربي الإسلامي الذي لم تكُن لهُ معرفةٌ علميةٌ حقيقيةٌ ما عدى تعاليمُ الدينِ الجديد، ومع توسُعِ العربِ المسلمين وغزوهُم للحضاراتِ المجاورة إكتشفُوا تأخرهُم العلمي أمام تقدُمِ غيرهم من أتباع الدياناتِ الأخرى، وهو ما جعل الجو متوترا بالصراعات المذهبية والعقدية.

-ترأس الكندي المشروع التنويري للخليفةِ العباسي المأمون وعكفَ على ترجمةِ ودراسةِ الفلسفة اليونانية وعُلومها، من خلال إشرافه على بيت الحكمة الذي جمع فيه الخليفةُ أعلام الفلسفة وعُلومَ الاوائلِ من الأقطار التي فتحها المسلمُون، وهو ما ساهم في ظُهور ِحضارةٍ عربية إسلامية أبدعت في ميادين كثيرة.

هكذا يبدُوا التشابهُ واضحاً بين زمنِ الكندي وحاضِرنا، فنحنُ أيضا نعيشُ اليوم أكثر أوقاتِ تخلفنا وعجزنا، بعد صدمةِ الحداثة والتقدم العلمي الذي يعيشه العالمُ المتحضرُ، كما أننا لم نستطع تجاوز عُقدةِ الذاتِ والبُكاءِ على الماضي، مما ولد لنا

حِقداً على الأخر المختلفِ عنا وكُرهاً لِكُل ما أنتجهُ من علومٍ أو قيمٍ إنسانية، وازداد التطرفُ الديني والتعصبُ القومي حتى أصبح سمتاً تميزنا بين الأمم.

أعتقدُ أن الكندي يمثلُ خير نموذجٍ لمحاولة تجاوز بعضِ هذه العوائق الحضارية، لأنهُ أنتبه في بعض كتبهِ إلى ميل المسلمين في بدايتهم لرفضِ عُلوم وإنجازات الحضارات السابقةِ، وهُو ما رفضهُ مُعتبرا أن الإستفادة منهم واجبةٌ، وقد عبر عن ذلك في نصٍ ما أحوجنا لقراءتهِ اليوم يقول فيه:"وينبغي لنا أن لا نستحِي من استحسانِ الحقِ واقتناءِ الحق من أين أتى، وإن أتى من الأجناسِ القَاصِيةِ عنا والأمم المباينةِ لنا، فإنه لا شيء أولى بطالب الحق من الحق، وليس ينبغي بخسُ الحق، ولا تصغيرٌ بقائلهِ ولا بالأتي بهِ، ولا أحدٌ بخسَ بالحقِ، بل كلٌ يشرفهُ الحقُ."(رسائل الكندي الفلسفية، تح:ع.ه.أبوريدة،ط2،القاهرة،ص.33)

يدعُوا الكندي مِن خلالِ هذا النصِ المسلمينَ في زمنهِ إلى الإنفتاحِ على غيرهم، من خلالِ الإستفادةِ منهُم وعدمُ الإستحياءِ من ذلك، ولو كانُوا من دياناتٍ مختلفةٍ وأجناسٍ مخالفةٍ لنا، وهي نظرةٌ تَعتبرُ أن الحق لا دين لهُ ولا جنس لهُ، لأن العرب المسلمين زمن الكندي إستضَمُوا بعُلومِ وتراثِ الأقوامِ المخالفينَ لهُم واختلفُوا في التعاملِ مع هذا التراثِ اليوناني والمسيحي واليهودي والفارسي والمصري وغيره، فكان الكندي واضِحا في ضَرُورةِ أخذِ ما يُفيدنا من هؤلاءِ وأن لا نبخسهُ أونحتقره، وهو العملُ الذي قام به الكندي نفسه بتشجيعٍ من الخليفةِ المأمون، الذي شجع

على نقل علُومِ الأوائلِ ودراستها وتعلمِها، ما سيجعل الحضارة العربية الإسلامية حضارة متقدمة لقُرون من الزمن.

ثُم يُضيفُ الكندي أنهُ لا يجبُ ذَمُ المخالفينَ لنا إذا قصرُوا في بعضِ الأحيانِ عن الحقِ أو خالفُونا، ويقُول في نفسِ الكتاب:"ومِن أوجبِ الحقِ ألا نذُم مَن كانَ أحدَ أسبابِ منافعِنا الصغارِ الهزلية، فكيفَ بالذِينَ هُم أكبرُ أسبابِ منافعِنَا العِظام الحقيقيةُ الجديةُ، فإنهُم، وإن قصرُوا عن بعضِ الحقِ، فَقَد كانُوا لنَا أنسَاباً وشركاءَ فِيما أفادُونا من ثمارِ فكرهِم التي صارت سُبلا وآلات مؤديةً إلى علمِ كثيرٍ مما قصرُوا عن نيل حقيقته."(م.ن.ص.32)

نُلاحظُ مستوى الخِطابِ الذي يستعملهُ الكندي للكلام عن الأخر المخالفِ، فهُو يعتبرهُ شريكاً ونسيباً في الحقِ، وأفكارهُم ثمارٌ تفيدُنا يَسرت لنَا سُبل العيشِ والرقي الحضاري، وهُو ما حدث بالفعل فقد كانَ للحضارةِ اليونانيةِ الفضلُ الكبيرُ على العربِ والمسلمينَ في تطورهم وتقدمهم لقرون، في زمنٍ أزدهرت فيهِ حضارتهُم وصارت مركز العالمِ، كُل ذلكَ كانَ بسببِ هذا الحوار والأخذ من اليونان، وهُو ما أنتجَ شخصياتٍ علمية مرموقةٌ أفادت الإنسانية إلى اليوم منها ابن سينا والخوارزمي والرازي وابن النفيس والفارابي وابن طفيل وابن باجه وابن رشد...، ولا يفُوتُ الكندي أن يدعُوا لشُكرِ من سبقُونا وأفادُونا من ثمار فكرهم ويقول:"فينبغيِ أن يَعظُمَ شُكرُنا للآتِينَ بيسيرِ الحقِ، فضلاً عَن من أتى بكثيرٍ من الحقِ، إذ أشركُونَا في

ثمارِ فكرهِم وسهلُوا لنَا المطالبَ الحقِيَةَ الخَفِيةُ، بمَا أفادُوناَ مِنَ المقدمَاتِ المسهلةُ لنَا سُبُلَ الحَقِ..."(ن.م.ص.32)


بعدَ عرضِ هذهِ النصُوصِ نجدُ أن الكندي بالفعل ضرُوريٌ لزَمانِناَ، وكأنهُ يقدمُ حلُولاً لحاضِرنَا هذا الحاضرُ الذيِ نسينَا فيهِ تُراثنا وماضينا الزاخر، نسينا أن سبب تخلفناَ هُو رفضُنا للعُلوم والبحث العلمي، وانغلاقُناَ على الذاتِ وتحقِيرنا للغير، لم نستطِع أن نفهَمَ أن أي فِعلٍ حضارِي للخُروجِ من وضعِ التخلُفِ، لا بُد أن ينطلقَ من الغيرِ المختلفِ، والتعاونِ والشراكةِ معهُ وقبُولُهُ أولاً، لأنهُ بدُونِ قبُولٍ لاَ يتحققُ حوارٌ ولا شراكةٌ، خاصةً ونحنُ نعيشُ في زمن التطرفِ الديني والتعصُبِ المذهبي الذي إبتُلِيت بهِ مجتمعاتُنا العربية والإسلامية، هذا التعصُب كان نتيجةٌ لتخلُفنَا الذي إكتشفناهُ متأخرينَ مع صدمَةِ الحداثة، وعِوَضَ أن نبني جسُور حوارٍ وشراكة ٍمع الأممِ المتقدمة، نَصبنَا لها العداءَ وأنقلبنَا على الذاتِ نمجدُها ونبكيِ على الأطلالِ، لذلِكَ تبقى تجربةُ الكندي الملقبُ بفيلسوفِ العرب، علامةٌ مُتميزٌ فيِ تاريخناَ العربي الإسلامي لابد من العودةِ إليهَا لتعلُمِ الدُرُوسِ والعِبَرِ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.