البطولة.. الديربي البيضاوي بين الوداد والرجاء ينتهي بلا غالب ولا مغلوب    لا غالب ولا مغلوب في مباراة "ديربي الدار البيضاء" بين الوداد والرجاء    المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني يتفقد جاهزية الترتيبات الأمنية لمباراة الديربي البيضاوي    الجزائر تستجدي الفيتو الروسي لعرقلة قرار أممي يكرّس سيادة المغرب على الصحراء    رسميا.. رفع سن ولوج مهنة التدريس إلى 35 سنة بدل 30 سنة    الحسين الشعبي يوقع "لوزيعة" بمعرض الكتاب بالرباط    الحكومة تعلن تأجيل تسديد قروض "فرصة" لمدة سنة لفائدة حاملي المشاريع    بوريطة: اللجنة المشتركة للتعاون المغرب - إسواتيني محطة مفصلية في تطوير علاقات التعاون جنوب- جنوب (صور)    الدرك يفتح تحقيقا في وفاة شخص بعد تناوله مادة حارقة نواحي اقليم الحسيمة    تعليق الرحلات البحرية بين طريفة وطنجة بسبب سوء الأحوال الجوية    تشكيلتا الوداد والرجاء للقاء "الديربي"    عرض فني بالدارالبيضاء بمناسبة المؤتمر العالمي للفلامنكو    مؤشرات لفقدان التوازن داخل التحالف الثلاثي: رئيس البام يطلق اتهامات «طحن الورق» في خبز المغاربة    جلول صمصم : انطلاق المشاورات في الأقاليم ال 75 لاعداد جيل جديد من برامج التنمية الترابية    بعد غارات إسرائيلية ليلية دامية .. حزن وخشية من عودة الحرب في غزة    اللعبة انتهت: العالم يصطف خلف المغرب والجزائر تخسر آخر أوراقها في الأمم المتحدة    مكتب المطارات يتوقع تحقيق 6.4 مليار درهم معاملات في 2026    إنقاذ قارب للهجرة السرية على متنه 22 مغربياً أبحروا من سواحل الحسيمة    ملامح الحزن ومأزق الوجود في ديوان «أكثر من شجرة أقل من غابة» للشاعر علي أزحاف    المعارضة الاتحادية بمجلس النواب تدقق في القضايا الكبرى في مشروع قانون المالية    ملاعب الرباط تستعد: "الأمير مولاي الحسن" و"البريد" يحتضنان معارك الملحق الإفريقي للتأهل لمونديال 2026    بتنسيق مغربي إسباني.. تفكيك شبكتين دوليتين وحجز 20 طناً من الحشيش داخل شحنات فلفل    "منخفض جوي أطلسي" يجلب أمطارا وزخات متفرقة نحو الشمال المغربي    حركة "جيل زد"... فرصة لإعادة المعنى للسياسة! (1)    التوقيع على ملحق اتفاقية استثمارية بين المملكة المغربية ومجموعة "رونو المغرب"    دعوات للنيابة العامة من أجل التحقيق في تصريحات التويزي حول "طحن الورق"    جلسات ماراطونية لمحكامة جيل زيد بكل من طنجة والعرائش والقصر الكبير    المديرية العامة للأمن الوطني تعقد شراكة مع شركات التامين الفرنسية    اتفاقية استثمارية بين المغرب ومجموعة "رونو" تُحدث 7.500 منصب شغل    السياحة المغربية تلامس أفق 18 مليون سائح... و124 مليار درهم من العملة الصعبة حصاد مرتقب    جرائم ‬بيئية ‬ترتكبها ‬معاصر ‬الزيتون ‬تهدد ‬الموارد ‬المائية ‬بالمغرب    لامين يامال يشتري قصر بيكيه وشاكيرا    "أكاديمية المملكة" تصدر موسوعة "مناظرة العلوم الإنسانية والاجتماعية" في 4 مجلدات    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    مهرجان الدوحة السينمائي يعلن عن لجنة تحكيم المسابقة الدولية للأفلام الطويلة    شباب المحمدية يبسط سيطرته على صدارة القسم الثاني    "سباق التناوب الرمزي المسيرة الخضراء" يصل محطة طرفاية-العيون    غوارديولا يتطلع إلى عودة مرموش لكامل لياقته    إعصار "ميليسا" العنيف يضرب جامايكا ويسبب خسائر في الأرواح    الساكنة الحقيقية لمخيمات تندوف... عندما تنكشف أكاذيب النظام الجزائري    صقور الصّهيونية    قيمة شركة "إنفيديا" تقترب من مستوى 5 تريليونات دولار القياسي    مقتل جندي إسرائيلي في قطاع غزة    بنسعيد يترأس حفل تنصيب لجنة تحكيم الجائزة الكبرى للصحافة    شيخوخة اللسان!    إجراءات الحكومة تساعد على الحفاظ على استقرار أسعار السمك في مستويات معقولة    سقوط عشرات القتلى في قطاع غزة    مندوبية السجون تعلن الإغلاق النهائي لسجن عين برجة    عبد الإله المجدوبي.. العرائشي الذي أعاد للذاكرة دفئها وللمكان روحه    النمل يمارس التباعد الاجتماعي عند التعرض للأمراض والأوبئة    دراسة حديثة تحذر من مغبة القيادة في حالة الشعور بالإرهاق    مواد سامة وخطيرة تهدد سلامة مستعملي السجائر الإلكترونية    اكتشاف خطر جديد في السجائر الإلكترونية يهدد صحة الرئة    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    أمير المؤمنين يأذن بوضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    المجلس العلمي الأعلى يضع نص فتوى الزكاة رهن إشارة العموم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الآلة الاستشراقية والفوضى الخلاقة
نشر في العمق المغربي يوم 02 - 09 - 2022

أما قبل، فقد عملت مدة طويلة على موضوع السريانية وعلاقتها بالقرآن الكريم، من خلال مناقشتي لبعض ما جادت به قريحة المستشرقين من خطرات، وما أنتجته عقولهم من شبهات، في هذه المسألة، والتي قامت على نظرية لوكسنبيرغ، الذي إدعى أن للقرآن الكريم خلفية سريانية، وأن السواد الأعظم من القرآن سرياني، ولكن العرب والمسلمين الذين جاؤوا بعد عصر النبوة، لم ينتبهوا لذلك، فقرؤوا القرآن قراءة خاطئة، فلم يميزوا فيه بين ما هو سرياني وبين ما هو عربي مبين، وساهم في ذلك غياب علامات التشكيل والتنقيط، وهذه نظريته في مجملها، وقد سبق وعرضت لمناقشة هذه الشبهة وردها في ثلاثة مقالات صغيرة، سميتها "هدم صنم السريانية"، دفعتني ضرورة ملجئة إلى كتابتها ونشرها على عجل مني، وقد وجهت سهام النقد فيها، إلى النظرية نفسها، لأنه بهدمها تهدم كل الآراء التي بنيت عليها، وأرجوا من العلي القدير أن يسر لي نشر الكتاب كاملا أو منجما على شكل مقالات.
وأنا في هذا المقال، أنحو منحى آخر، لا علاقة له برد شبهة الخلفية السريانية في القرآن الكريم، التي زعمها لوكسنبيرغ، وإنما الهدف منه بيان أن الهجوم على القرآن خصوصا، والإسلام عموما، إنما الهدف منه المساعدة على تفريق الأمة العربية والإسلامية، وزعزعة إستقرارها، وذلك بربط أهداف الدعوة إلى السريانية، بما حدث من الدعوة إلى الفوضى الخلاقة، ويكفي أن يعلم القاريء أنه لا توجد حركة إستعمارية إلا وسبقتها حركة إستشراقية.
في سنة 2005، ألقت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس بحديث إلى صحيفة "واشنطن بوست" قالت فيه: "إن الفوضى التي تفرزها عملية التحول الديمقراطي في البداية، هي من نوع الفوضى الخلاقة التي قد تنتج في النهاية وضعا أفضل مما تعيشه المنطقة حاليا"، وهذا من الضحك على العقول والتدليس على الناس، وبيع الأوهام الزائفة لهم، وإلا ما قالت "قد"، وما سمت هذا التحول ب "الفوضى".
ومن العجب أن ينعقد، في السنة نفسها، مؤتمر استشراقي بهولندا، حشرت إليه جحافل المستشرقين من كل صوب، وإنسلوا إليه من كل حدب، وكان الهدف من هذا المؤتمر هو دراسة نظرية لوكسينبيرغ التي أهملت لسنوات طويلة بعد ظهورها، ولم تعطعها ولا صاحبها أي أهمية، والتي كما قلت لك، تقوم في مجملها على القول: بسريانية القرآن، و "أن النص غير المنقط وغير مشكل في المصحف العثماني قرئ خطأ من قبل الأجيال الباكرة من المسلمين الذين لم يعودوا واعين أن لغة القران متأثرة تأثرا عميقا بالسريانية"1، كما يقول غيرهارد بويرينغ، وهو أحد الباحثين المشاركين في المؤتمر.
وقد نتج عن هذا المؤتمر كتاب، هو خلاصة ما انتهت إليه الأشغال، تمت تسميته: " القرآن في سياقه التاريخي"، ومن إطلع على تلك الدراسات، التي يتضمنها الكتاب، إطلاع الناقد البصيرالنافذ إلى دقائق الأمور، سيلحظ اختلاج القوم، واضطرابهم، وهم يحاولون تقويم نظرية لوكسينبرغ، ومحاولتهم نقلها من كونها مجرد فرضية، الى جعلها نظرية علمية صحيحة، وسيقف أيضا على كمية الثرثرة، والبربرة، واللغط، والإكثار، مما يجعل القاريء يحس أن المؤتمرين أنفسهم غير مقتنعين بكلام لوكسينبرغ، وإنما دفعوا إلى الكلام دفعا، وحملوا عليه حملا، مما يستبين معه وجود أهداف السياسية من وراء الترويج لمسألة السريانية وعقد مؤثمر لدعمها، فترى الكاتب منهم، والباحث والمؤتمر، يتكلم عن تلك الفرضية وأهميتها ومكانتها الفكرية ومنزلتها العلمية، بكلام يشرق فيه ويبرق ويتعالم، وحشو زائد يذهب فيه يسرة ويمنة، ثم فجأة ينكس على عاقبيه لتجده يرميها من طرف خفي بكل ما يمكن أن يسحب منها الفكر ويزيل عنها العلمية.
وبعيدا عن اللف والدوران، واللغط وإكثار الكلام، وشقشقة البيان، دعني أدفع لك بشهادتهم، واعترافهم بالهدف المرجو من هذا المؤتمر ومن الترويج لنظرية لوكسينبرغ.
فقد جاء في مقدمة الكتاب، التي نسجها دانيال ماديغال : ( ... إنها تعكس تبصرا في أن ظاهرة التفجير الاسلامي الحديثة تضرب جذورها مع قراءة خاصة للقرآن ( اي قراءة المسلمين له ) وأن طريقة التعامل مع الأزمة الجارية في العلاقات مع المسلمين هي ببساطة ان تكذب قراءة كهذه ( أي و تأتيهم بقراءة جديدة أو تجعلهم لا يفهمون لغة القرآن حتى يسهل التحكم بهم) ، إن القرآن في الفكر الشعبي قنبلة مؤقتة تحتاج إلى نزع الفتيل. ولكن هذا يبدو ذهابا مع قلة وعي بعوامل كثيرة أخرى، سياسية، اقتصادية،وثقافية تصب الوقود على غضب يعبر عن نفسه أحيانا بالعنف. لسوء الحظ إن حل الحالة الدرامية الراهنة لا يمكن أن يكون فيلولوجيا. 2′′
وما كل هذا، وغيره، إلا محاولة منهم للسيطرة على العقل العربي المسلم، بعزله عن سياقه العقدي، حتى يتم التحكم به وتوجيهه حيث يراد، بعيدا عن الأصول الفكرية والعقدية والتراثية، التي يمكن أن تقيه شر التحكم به وإدخاله في الفوضى، وهذا ما كان في أحداث الربيع العربي، وقد رأينا ذلك عيانا، حتى يعلم كل من أوتي قسطا من العقل ونصيبا من الفهم، دور تغليب الثقافة الغربية، وإخضاع العقل العربي المسلم لمنهج غير مناهجه المستمدة من كتبه وتراثه وعقائده، في استعماره وإثارة الفوضى في بلاده.
ولأجل هذا تزامن خطاب رايس مع أشغال المؤتمر، وذلك أن الآلة الحربية الغربية لا تمر من مكان، حتى تسبقها إليه الآلة الاستشراقية التي تعمل عملها في تخريب الثقافات وتفكيك العقائد وتغليب الأفكار، وكل هذا في ضرب من الغضب الرضائي.
وعمل الآلة الاستشراقية، ونمط تفكيرها، لم يتغير منذ ظهورها إلى يوم الناس هذا، رغم تطاول الأيام وتعاقب الليل والنهار، ومن قال لك أنهم تغيروا فاعلم أنه جاهل بهم ولا يعلم شيئا عن حالهم، وإنما كل ما في الأمر أنهم يلجؤون إلى طرق جديدة لإثبات إدعاءاتهم القديمة، وقد نقل الأستاذ الإمام محمود محمد شاكر في كتابه الماتع " أباطيل وأسمار " كلاما لمستشرق آخر وهو " وليم جيفورد بلجراف " يؤكد فيه ما جاء على لسان دانيال ماديغال أولا ويشير فيه إلى مسألة التحكم في العقل العربي المسم حتى يتم توجيهه، حيث قال فيها : " متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد ( و نقول صلى الله عليه و سلم ) وكتابه"3 فلما يئس القوم من تواري القرآن ومكة والمدينة، والذين لهم دور كبير في إحكام العقل العربي أن يزيغ، فلم يكن الحل إلا قراءة لوكسنبيرغ ومنهجة في ذلك.
وهذا الهجوم على القرآن، ليس ضربا من أضرب الحوار والمناظرة، قصد محق الأديان وتفنيد العقائد ومناوشة العقول، وإنما يتجاوزه لتفتيت البلدان المكونة للأمة، وتقسيمها أكثر مما تم تقسيمها، ولأن القرآن الكريم، هو أحد أهم الأصول الموحدة لهذه الأمة المترامية الأطراف، فإنه المستشرقين، يذهبون إلى إخراجه من سياقه، كما فعل قديما بالقعود بأبناء الأمة دون لغتهم وتزهيدهم في تعلمها، أو بالطعن في التراث وإنكار السنة، أو بإعطاء قراءات جديدة للقرآن تحت غطاء وجود خلفية سريانية، فلما عقد العزم على زيادة تقسيم الأمة، وجعلها تتفرق في البلاد آيادي سبأ، وأعلنت رايس عن الشرارة الأولى، تم العمل على ذلك حتى فكريا وعقديا.
كان المستشرقون، ولازالوا، الحجر الأساس في التحكم في العقل منذ القدم، حين بدؤوا يعملون عملهم ويجدون جهدهم في تكوين أصحاب البعثات الطلابية التي إتجهت نحو أوروبة في عهد محمد علي، واللعب على أفكارهم والاستلاء على عقولهم، وإقناعهم بفضل الثورة الفرنسية عفي تقدم الدول الغربية، حتى إذا ما عادوا إلى بلدانهم كانوا عقلا يمشي بين الناس يروج للمدنية الغربية المزيفة المتوحشة ويزينها في قلوبهم، في شيء من المكر وضرب من الخداع، ويدعوهم إليها في كتاباته ومقالاته في نوع من التدليس والتشبيه، فيحدث بعد ذلك عند الناس هذا الإنخداع بهذه المدنية المتوحشة الزائفة، فيقبلها بتمامها ويأخذها بكل ما فيها، من غير تحر أو ميل للنقد.
إن مسألة السريانية ونظرية لوكسينبرغ، والدعوة إليها والترويج لها والإنفاق عليها، وتزامنها مع كلام رايس، لم يكن نتاج الصدفة، بل لم تكن لتظهر لولا الأسباب الاستعمارية والتوسعية، الداعية إليها، ولهذا فلا يجب إغفال ميادين الأدب والفكر، فهي أهم ميادين الصراع، وأشدها ضراوة، وتستخدم فيها أشد الأسلحة فتكا، الإ وإنه لجدير وحقيق بنا، حماية العقل العربي المسلم، من الغلبة الفكرية التي تستهدفه،حتى نجنب هذه الأمة الويلات.
1_غيرهارد بويرينغ/ القرآن في محيطه التاريخي ص 127
2_ دانييل ماديغان/ القرآن في سياقه التريخي ص15
* كاتب مغربي، باحث في العقائد، والمدارس الفكرية، والاستشراق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.