أكد مصدر تربوي في حديثه مع "القناة.كوم"، أن التصريح المنسوب لمحمد سعد برادة، وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، الذي دعا فيه الأسر إلى البحث عن المؤسسات التي تتوفر فيها شروط الجودة، "حقيقة صادمة إلا أنه علينا سماعها". وأوضح المصدر نفسه، أن التصريح أثار نقاشًا كبيرا في الأوساط التربوية المغربية وهو نقاش قديم جديد يحيل إلى واقع التعليم في العالم القروي في علاقته بسؤال الجودة. وأضاف أن كلمة الوزير التي جاءت في نقاش حزبي تكشف، بشكل غير مباشر، أنّ المدارس الفرعية المنتشرة في الدواوير غير قادرة، بالرغم من المجهود العمومي المبذول، على تقديم عرض تربوي يرقى إلى المستوى المطلوب، مشيرا إلى أن استمرار الاعتماد على هذه البنيات التربوية يعني الإبقاء على نموذج تعليمي محدود الوظيفة، بعيد عن معايير الجودة التي تتطلع إليها المنظومة. حقيقة صادمة إلا أنه علينا سماعها وقال إن "القراءة الأولية لهذا التصريح، من زاوية تحليل السياسات التربوية، يبين أن في كلام الوزير كثيرًا من الحقيقة وإن كان صادمًا للبعض". وأوضح أن الوزير "يريد أن يوجه، وإن خانته الكلمات، رسالة واضحة مفادها أن الجودة بعيدة المنال داخل معظم الوحدات الفرعيات، والأمر لا يعود إلى كفاءة الموارد البشرية كما يريد البعض الإيهام بذلك وتحوير النقاش إلى صدام بين الوزارة ومواردها البشرية الغيورة، وإنما لأسباب موضوعية وبنيوية عميقة يعود بعضها إلى سنوات". واعتبر أن الوزير، حسب رأيه، يصر على ضرورة الانتقال من منطق القرب الجغرافي الظرفي إلى منطق التجميع وتوفير الجودة للجميع. المنظومة بين سؤال الجودة ومنطق القرب الجغرافي وأضاف المصدر أن المنظومة اليوم تقف بين سؤال الجودة ومنطق القرب الجغرافي. وقال إن كلام الوزير المتعلق بالأسر، وإن لم يُعجب الكثيرين، إلا أنه من صميم العمل التربوي، فالأسرة قادرة — بل مدعوة — إن توفرت لها الشروط الموضوعية والذاتية، وفي إطار تدبير المشروع الشخصي للمتمدرس، إلى التفكير في تقريب أبنائها من المؤسسات التي تتوفر فيها شروط تعليم فعلي وبيئة مدرسية مناسبة. وأكد أن الأسرة، بصفتها شريكًا رئيسيًا لمؤسسة المدرسة، مؤهلة لمواكبة المسار الدراسي لأبنائها وحمل المدرسة على توفير جودة معقولة، وهذا الأمر رهين بتوفير حلول بديلة ومبتكرة لتنوير قرار الاختيار بين العروض المقدمة. ولهذه الدعوة — حسب المصدر — مبررات موضوعية قد تكون خافية على المتتبع العادي. وأوضح المصدر أن الوحدات الفرعية في وضعيتها الحالية غير قادرة على توفير عرض تربوي ذي جودة، باعتبار أن الفرعيات غالبًا ما تُبنى باعتبارها حلولاً ظرفية استجابة لمعطيات الخريطة المدرسية وليست مؤسسات متكاملة، وغالبًا ما تكون مجرد حجرات منتشرة في أطراف الدواوير، وهو ما يجعلها فضاءات متواضعة تربويًا (حجرات غير ملائمة لتنويع العرض التربوي، غياب الفضاءات المساندة كالمكتبات وقاعات متعددة الوسائط والملاعب...). وأضاف أن انتشار القسم المتعدد المستويات يحدّ من فعالية التدريس، حيث قد يُكلَّف أستاذ واحد بتدريس أربعة مستويات داخل حجرة نمطية غير مساعدة وبموارد ضعيفة، وهو ما يجعل تتبع التعلمات بشكل دقيق أمرًا غير ممكن، مهما بلغت كفاءته. وبالتالي يصبح الحديث عن الجودة في هذا السياق غير واقعي. كما أن تشتت الموارد البشرية يصعّب الاشتغال ضمن فرق تربوية فعالة ويحول دون خلق بيئة مهنية منتجة، أو مجتمع تربوي قائم على التكوين الذاتي وتبادل الخبرات وبناء مشاريع مشتركة، وهي شروط أساسية لأي جودة تعليمية. تصريح الوزير.. حرك المياه الراكدة في بركة التعليم بالعالم القروي وأشار المصدر إلى أن تصريح الوزير حرك المياه الراكدة في بركة التعليم بالعالم القروي. فقد يعتقد البعض أن التصريح شارد، غير أن العارفين بوضع المنظومة يدركون أن منطق التشتيت الذي أصاب المدرسة العمومية في القرى أحد الأسباب الرئيسية في تدهور جودة العرض التربوي. وقال إن الوزير — من حيث لا يدري — أعاد نقاشًا قديمًا إلى الواجهة، يتعلق بجدوى الوحدات الفرعية وفعاليتها، وأحال بشكل غير مباشر إلى نموذج المدارس الجماعاتية، الذي يعتبره حلًا واقعيًا قادرًا على انتشال المدرسة القروية من حالة التخبط. وأوضح أن هذا الانتقال لا يمكن أن يتحقق إلا بتعبئة المجتمعات المحلية داخل البرامج التنموية المندمجة الجديدة للترافع من أجل تبني هذا النموذج في المناطق الجبلية والنائية. وأكد المصدر أن المدرسة الجماعاتية توفر بيئة مهنية أكثر تنافسية، وتتيح وجود فرق متعددة التخصصات قادرة على التتبع والمواكبة وإطلاق مشاريع تربوية، خلافًا للوضع في الوحدات الفرعية، موضحًا أن هذا "ليس انتقاصًا من أستاذ الفرعية". كما أشار إلى أن المدرسة الجماعاتية تقرّب الجودة من الأسر، وتمنح الأولياء خيارًا حقيقيًا بين الأفضل والمتميز، بحيث تصبح الأسرة قادرة على "البحث عن الجودة" كما قال الوزير، لأن الجودة تكون موجودة فعليًا وليس مجرد توجيه نظري. رهان الجودة شأن جماعي وخلص المصدر ذاته، إلى أن رهان الجودة شأن جماعي. فالوزير — من خلال دعوته الأسر إلى اختيار المؤسسات الجيدة — لا يحمّل الأسرة المسؤولية وحدها، بل يسلّط الضوء على إشكالية بنيوية أثقلت المدرسة العمومية في العالم القروي، ودفعت الفاعلين إلى الاختيار بين القرب والجودة. وأشار إلى أن العديد من التقارير رصدت محدودية خيار الوحدات الفرعية، حيث ربحنا القرب الجغرافي لكن خسرنا نقاطًا كثيرة في مؤشرات الجودة. واعتبر أن الوزير "رمى حجرًا في بركة التعليم القروي"، محركًا نقاشًا غاب طويلاً، وداعيًا ضمنيًا — عبر السياق — إلى التفكير في نموذج بديل، مستغلاً فرصة المشاورات المحلية لإعداد نماذج تنموية جديدة تسمح بابتكار شكل جديد للمدرسة القروية: مدرسة دامجة، منصفة، ذات جودة، وقادرة على جعل التعليم في القرى أفقًا حقيقيًا للتعلم بدل أن يكون محطة لإعادة إنتاج الهشاشة.