المغرب والإمارات يعززان شراكتهما الاستراتيجية باتفاقيات في مجالات الماء والطاقة    نسبة ملء السدود بالمملكة بلغت 40.1 في المائة    توقيع مذكرة تفاهم بين شركة موانئ دبي العالمية والهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    مشاركة أعرق تشكيلات المشاة في الجيش الإسرائيلي في مناورات "الأسد الإفريقي" بالمغرب    من الرباط.. المغرب يقود دعوة لاستدامة الزخم نحو حل الدولتين وإنهاء الصراع ومأساة الفلسطينيين (صور)    يوسف العربي يتوج بجائزة هداف الدوري القبرصي لموسم 2024-2025    لهذه الأسباب قلق كبير داخل الوداد … !    الجمعية المغربية لحماية المال العام ترفض تعديلات مشروع قانون المسطرة الجنائية وتعتبره تهديداً حقيقياً لجهود مكافحة الفساد    تفاصيل اللقاء بين وزارة الصحة والتنسيق النقابي لمتابعة تنفيذ اتفاق 23 يوليوز    ماكرون وستارمر وكارني يهددون إسرائيل بإجراءات "عقابية" بسبب أفعالها "المشينة" في غزة    العدالة والتنمية يحذر من فساد الدعم وغياب العدالة في تدبير الفلاحة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    قيوح يترأس بجنيف اجتماع المجلس الاستشاري لصندوق الأمم المتحدة للسلامة الطرقية    رئيس الحكومة يعلق على فضيحة "سمسار بيع الماستر"    "رواق المتحف".. فضاء متفرد يوثق مسار الأمن الوطني خلال حقب مختلفة    مكالمة الساعتين: هل يمهّد حوار بوتين وترامب لتحول دراماتيكي في الحرب الأوكرانية؟    الخدمة العسكرية 2025 .. المعايير المعتمدة لاستخراج أسماء المستدعين ترتكز على تحقيق المساواة وضمان التوازن الترابي (مسؤول)    طقس حار نسبيا في توقعات اليوم الثلاثاء    الأبواب المفتوحة للأمن الوطني بالجديدة.. مناسبة لتحسيس الأطفال بموضوع اختفاء القاصرين    خلال لقاءه بوالي العيون وعامل بوجدور:    الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة أساسية لتنمية شاملة ومستدافة" شعار النسخة 6 للمعرض الجهوي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني بوجدة    جماعة الجديدة تطلق صفقة لتهيئة شارع K في حي المطار بقيمة 185 مليون سنتيم    احتجاج وتنديد بالتراجع غير المبرر عن الترخيص باستعمال قاعة عمومية    نداء إلى القائمين على الشأن الثقافي: لنخصص يوماً وطنياً للمتاحف في المغرب    أن تكون فلسطينياً حين تُستدعى أمنيّا: في انحطاط الخطاب الحقوقي وتحوّلات النضال الرمزي!    عامل إقليم العرائش في زيارة تفقدية إلى شاطئ رأس الرمل استعدادًا للموسم الصيفي 2025    شاطئ رأس الرمل... وجهة سياحية برؤية ضبابية ووسائل نقل "خردة"!    عامل إقليم العرائش يوافق مبدئيًا على استعمال الجيتسكي صيف 2025 بشروط صارمة    "win by inwi" تُتَوَّج بلقب "انتخب منتج العام 2025" للسنة الثالثة على التوالي!    مسرح رياض السلطان يواصل مسيرة الامتاع الفني يستضيف عوزري وكسيكس والزيراري وكينطانا والسويسي ورفيدة    91 شهيدا اليوم في غزة وناتنياهو يعلن توجهه للسيطرة على كامل أراضي القطاع    مستشفى صيني ينجح في زرع قلب اصطناعي مغناطيسي لطفل في السابعة من عمره    حقيقة فوز "عثمان فكاكي" بلقب بطل العالم في الكيك بوكسينغ ببلجيكا    إننا في حاجة ماسة لحلبة سباق سياسي نظيفة    الرباط تحتضن الاجتماع الخامس للتحالف العالمي لدعم حل الدولتين: نحو إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط    لقجع يهنئ اتحاد يعقوب المنصور    حفل "الكرة الذهبية" يقام في شتنبر    22 دولة تطالب إسرائيل بالسماح ب"دخول المساعدات بشكل فوري وكامل" إلى غزة    النصيري يسجل هدفا في فوز فنربخشة أمام أيوب سبور (2-1)    تفشي إنفلونزا الطيور .. اليابان تعلق استيراد الدواجن من البرازيل    المهرجان الدولي لفن القفطان يحتفي بعشر سنوات من الإبداع في دورته العاشرة بمدينة طنجة    ستيفان عزيز كي يعزز صفوف الوداد    مهرجان "ماطا" للفروسية يحتفي بربع قرن من الازدهار في دورة استثنائية تحت الرعاية الملكية    إيهاب أمير يطلق جديده الفني "انساني"    ورشة مغربية-فرنسية لدعم أولى تجارب المخرجين الشباب    مدرب منتخب أقل من 20 سنة: اللاعبون قدموا كل ما لديهم والتركيز حاليا على كأس العالم المقبل    مرسيليا تحتفي بالثقافة الأمازيغية المغربية في معرض فني غير مسبوق    22 قتيلاً في غارات إسرائيلية على غزة    العيش البيئي واقتصاد الكارثة    تشخيص إصابة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بنوع "عدواني" من سرطان البروستاتا    تقرير رسمي.. بايدن مصاب بسرطان البروستاتا "العنيف" مع انتشار للعظام    من المغرب.. مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة "طريق مكة"    التوصيات الرئيسية في طب الأمراض المعدية بالمغرب كما أعدتهم الجمعية المغربية لمكافحة الأمراض المعدية    رحيل الرجولة في زمنٍ قد يكون لها معنى    بمناسبة سفر أول فوج منهم إلى الديار المقدسة ..أمير المؤمنين يدعو الحجاج المغاربة إلى التحلي بقيم الإسلام المثلى    فتوى تحرم استهلاك لحم الدجاج الصيني في موريتانيا    أمير المؤمنين يوجه رسالة سامية إلى الحجاج المغاربة برسم موسم الحج لسنة 1446 ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هذا الصَّيف شاقٌّ كحَدِّ السَّيْف ! (من رواية لم تبدأ ولم تكتمل)
نشر في العلم يوم 24 - 06 - 2021


افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليوم 24 يونيو 2021.
اسمُه "مْسَلَّكْ لِيَّامْ" ولكن في فترة من القهْر وليس فقط من العُمْر، أصبحوا ينادونه : حَمْرا.. بَيْضا بعد أن تعقَّد نفْسياً من اللونين الأحمر والأبيض وأصابه من رؤيتهما ما يشبه الرُّهاب، ليس لأنَّ الأحمر لون الدم والأبيض لون الجِير الذي ينطلي على القبر، ولكن لأنَّ شظف العيش اضطرَّه للاشتغال على اللونين كسْباً للرِّزْق وتحمَّل بسببهما أشدَّ عقاب !

قبْل الشمس، استيقظ "مْسَلَّكْ لِيَّامْ" في اليوم الأول للعطلة الصيفية ليس ليمضي كعادته للمدرسة، ولكن لِيلْتحِق بفيْلقِ الإنعاش الوطني الذي كان ملاذ الشُّيوخ لترميم تقاعدهم الهزيل، وتبديد ما تبقى من العمر في تذكُّر مآسيهم في حروب لاندوشين، وقد أصبح الإنعاش الوطني اليوم قناعاً يحمله كل الشباب العاطل المُتسمِّر بين الشهادة والشاهدة العليا، ومن هؤلاء العُمّال التِّلميذ "مْسَلَّكْ لِيَّامْ" الذي لم يعرف في حياته طَعْماً للعطلة، يدرس في كلِّ فصول السنة ويتبرَّع براحته مُقابل أجرة ثلاثة أشهر خلال موسم الصيف، المُهِم أنَّه يدور مع الزمن كما يدور الثور بالساقية لتجري مياه الحياة في ربوع أسرته الفقيرة، وكل شيء يَهُون ما دامت العصابة تحجب أعين الثيران، فلا أحد يعرف المسافة التي قطعها في دورانه حول المعاناة، ولكن الجميع يُوقن أنه لن يحظى في النهاية إلا بكلإ حقير يفْترشه في الزَّريبة التي تأويه بعد غروب الشمس!
حَمْرا.. بَيْضا.. هذا الاسم الذي أصبح يُلازم مسامع "مْسَلَّكْ لِيَّامْ"، ليس لازمة لتدوير قصيدة ومَوْسَقتها، أو ضربات بالبندير تحت حزام عيطة شعبية تنتحب على إيقاع جوج فُول ثلاثة حمص، وليس زلَّة فرشاة سالتْ بأدمعها على لوحة فنان، ولكنه اسم آخر جريح يجمع بين لونين تجاوزا بإيقاعهما النَّفْسي كل الألوان ليستقِرَّا في المنطقة السوداء لذاكرة "مْسَلَّكْ لِيَّامْ"، وكُلما حضَر فصل الصَّيف حضَرتْ معه حَمْرا.. بَيْضا وهي تمشي مائعة بحرِّ الشمس على الأرصفة تحت الأحذية، ثمة من يأتيه الصيف مُنعشاً يضع تحت قدميه زلاجة تُراوغ الأمواج وتشرب مع زبدها كل الأنخاب، وثمة من يأتيه هذا الفصل شاقّاً كحدِّ السيف لا يَمُرُّ على "مْسَلَّكْ لِيَّامْ" إلا بِقَطْع الرَّقبة !

لا مَهْرَب من عبور حدِّ السيف على امتداد أشهر الصيف، وإذا أخْلَف "مْسَلَّكْ لِيَّامْ" موْعده مع العمل في الإنعاش الوطني، من أين لجيبه الذي يُلامس الحضيض القُدرة لشراء مطبوعات وملابس تؤهِّله لدخول مدرسي سويٍّ يجعل رأسه مرفوعة بين الأقران رغم أن أغلبهم مجرد قُرون، هل كان يجب أن أكون الآن بهذا المُسْتَوْدع أو (الدِّيبو) في اليوم الأول لعطلتي، ألستُ جديرا بعد سنة شاقة من الدراسة بالتَّمتُّع في أحد المصايف الساحلية أو الجبلية، غداً يبدأ الكذب حين يسرد زملائي في الدراسة كيف قَضُّوا العطلة والأماكن التي زاروها على خطى ألِيس في بلاد العناكب، فماذا أقول وأنا في هذا المستودع المزدحم ببضائع وأدوات أشغال المدينة، مكانس، سلالم، بالوعات الواد الحار، أعمدة الكهرباء، حديد، إسمنت، شاحنات، قواديس، سطول الطّلاء الخاص بالأرصفة: حَمْرا.. بَيْضا !

دارَ حَوْلَهُ الرجل نِصف دوْرة، ثم تبرَّم راجعاً للخلف خطوتين وكأنَّه يَزِن بعينيه شاةً هل حان أوان ذبحها أم ما زالت بحاجة للرَّعي لتكسب بعض السمنة، ثم قال ل "مْسَلَّكْ لِيَّامْ" وهو يكلِّل رأسه بنفْثَة دخان كالتي تكلِّل بغيمتها هامة الموتى في أفلام الرسوم المُتحرِّكة: ما زلتَ ولداً صغيرا !، ولكنَّه سرعان ما استدرك الرجل قريبُ العائلة الذي دبَّر عقوبة هذا الاشتغال في الإتعاس الوطني، كلامَه المُثبِّط للعزائم والمُسْتعجِل للهزائم، بِتمْويهٍ كاذبٍ يُهوِّن في نفس الفتى الغِرِّ ما ينتظر أصابعَ طريَّة لم تتعوَّد إلا على حَمْلِ القلم: هلْ تعلم أنَّ العُمّال هنا طيِّبون، ولكن الأشغال الشَّاقة أكْسَبتهم كما لوْ بالفطرة قساوةً في التَّعامُل، أليس هكذا يُصنَع الرِّجال؟
كان وهو يضخُّ آخر حقنة بَنْجٍ قبل بَدْءِ العملية المُثْخنة بالجراح، يُحاول أن يسْتبق الصَّدمة خشية أن لا يعود الفتى للعمل في اليوم الموالي، ثم بإشارة من بعيد لأحد الكابْرَانات المُشْرف على ورْش الشغل، سِيق "مْسَلَّكْ لِيَّامْ" إلى سرب الصَّبَّاغين الذين يَطْلُون أرصفة الشوارع وممرَّات الرَّاجِلين، لتبدأ رحلته تحت سياط أشِعَّة الشمس مع بَيْضَا .. حَمْرا.. ولم تمْض الثلاثة أشهر بين لونين يضْطَهِدانه في الحلم واليقظة، حتى صار من شِدَّة الهزال بلون الطيف وخفَّتِه تذروه الرياح، يا لَلنَّفْس الحارَّة حين تَسْتنْبِت الأسنان وتأكل من لحم الإنسان من شِدَّة الحسْرة، والأفظع أنَّ "مْسَلَّكْ لِيَّامْ" لم يجْنِ مع كل ضربة فُرشاةٍ نَزَفَها على الرصيف إلا الدَّمع حين أصبح طريح المرض، بينما عاد مكسبها بالنَّفع الوفير على الطبيب!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.