الفريق "الاستقلالي" يطالب بإحالة أوزين على لجنة الأخلاقيات    صادرات المغرب من الحوامض.. إجراءات حكومية جديدة لتعزيز التنافسية في السوق الأوروبية    "أونروا": مئات الآلاف في غزة يعيشون على وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة    المندوبية السامية للتخطيط تطلق بحثا وطنيا حول العائلة بعد 30 عاما    زوربا اليوناني    أحمد الشرع يلتقي ماكرون في أول زيارة للرئيس السوري إلى أوروبا    المغرب ‬ضمن ‬نادي ‬الدول ‬المنتجة ‬لتقنيات ‬الطيران ‬الحربي ‬المتقدم ‬    الرجاء يحتج على التحكيم في مواجهة اتحاد تواركة ويطالب بفتح تحقيق    برشلونة يعلن جاهزية ليفاندوفسكي لمواجهة إنتر ميلان    توقعات بتسجيل زيادة مهمة في محصول الحبوب هذا الموسم    وزير العدل الفرنسي: السلطات الجزائرية أطلقت تحذيراً كاذبا بوجود قنبلة على متن طائرة متجهة من فرنسا إلى موريتانيا    لقجع: الطلب العمومي الأخضر محور أساسي في استراتيجية التنمية المستدامة بالمملكة    الذهب يسجل أعلى مستوى في أسبوعين مدعوما بالطلب على الملاذ الآمن    المعارضة البرلمانية تؤجل إجراءات حجب الثقة عن حكومة أخنوش    توقعات أحوال الطقس اليوم الثلاثاء    الجنون الاستبدادي لقيس سعيّد: رئيس يقوّض أسس الديمقراطية التونسية    مايكروسوفت توقف تطبيق الاتصال عبر الإنترنت "سكايب"    بحث وطني جديد لرصد تحولات الأسرة المغربية بعد ثلاثة عقود    اختناق جماعي يصيب أزيد من 100 عاملة بمصنع ل"الكابلاج" بالقنيطرة    اختيار ملكة جمال الورد العطري في قلعة مكونة بمناسبة الدورة الستين لمهرجان الورد (صور)    اتفاق مغربي-مصري لرفع وتيرة التبادل التجاري وتعزيز الصادرات الصناعية    الرباط تحتضن ملتقىً دولي حول آلة القانون بمشاركة فنانين وأكاديميين من المغرب والعراق ومصر    تحذير من تناول الحليب الخام .. بكتيريات خطيرة تهدد الصحة!    نقابة تعليمية تحشد لعودة التصعيد    الأميرة للا حسناء تلتقي بباكو السيدة الأولى لجمهورية أذربيجان ورئيسة مؤسسة حيدر علييف    وزير الفلاحة: نسعى لمواكبة الكسابة ورفع إنتاجية القطيع الوطني    عامل إقليم الجديدة يشرف على حملة كبرى لتحسين وجه المدينة واليقضة الدائمة للشأن المحلي    تسجيلات صوتية تثير الهلع وسط أولياء التلاميذ بطنجة.. ومصالح الأمن تؤكد: "مجرد إشاعات لا أساس لها من الصحة"    طنجة.. "سناك" يتحول إلى مطعم دون رخصة وروائح الطهي تخنق السكان بسبب غياب نظام التهوية    البكوري: ندعم الفعاليات الجادة بتطوان وجمعية محبي ريال مدريد تُسهم في إشعاع مدينتنا    هكذا يستغل بنكيران القضايا العادلة لتلميع صورته وإعادة بناء شعبية حزبه المتهالكة    الأحزاب الوطنية تؤكد انخراطها القوي وراء جلالة الملك في معركة الدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة    المغرب وموريتانيا يدفعان بعجلة التنمية المحلية عبر توطيد التعاون اللامركزي    ارتفاع حالات الإصابة بالحصبة في أوروبا خلال شهر مارس الماضي    "الأشبال" يستعدون لتونس بالإسماعيلية    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء تزور بباكو ممر الشرف وممر الشهداء    المغرب يحصد 43 ميدالية منها ثلاث ميداليات ذهبية في بطولة إفريقيا للمصارعة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الانخفاض    جهة الشرق تسجل أعلى معدل بطالة في المغرب    الدريوش توضح حيثيات تصريح الداخلة: دعم مشاريع الأحياء المائية موجه للمبادرات وليس للأفراد وعدد المستفيدين بلغ 592 مستفيدا    مدير المستشفى الجهوي بني ملال يستنفر كل الأطقم لتجفيف كل الظواهر المشينة بالمشفى ومحيطه    الحقيقة والخيال في لوحة التشكيلية المغربية ليلى الشرقاوي    ألباريس: المغرب ساعدنا في أزمة الكهرباء.. وعلاقتنا تشهد "تقدما كبيرا"    عضة كلب تنهي حياة شاب بعد أسابيع من الإهمال    عودة ليفاندوفسكي تزين قائمة برشلونة قبل موقعة إنتر ميلان في دوري الأبطال    استقبال أعضاء البعثة الصحية لموسم الحج    كيف تُنقذ حياة شخص من أزمة قلبية؟.. أخصائي يوضّح    كلمة وزير الصحة في حفل استقبال أعضاء البعثة الصحية    الكوكب يواصل نزيف النقاط واتحاد يعقوب المنصور يعزز موقعه في المركز الثالث    مفاوضات متواصلة تؤجل الكشف عن الأسماء المغربية في موازين    أسود الأطلس يواصلون التألق بالدوريات الأوروبية    باريس.. الوجه الآخر    رسميًا.. ألكسندر أرنولد يعلن رحيله عن ليفربول    أكاديمية المملكة تحتفي بآلة القانون    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدبلوماسية الناعمة للفنون والحرف التقليدية المغربية.. بقلم // عبده حقي
نشر في العلم يوم 17 - 03 - 2025

تعتمد الجغرافيا السياسية غالبًا على النفوذ الاقتصادي والتحالفات العسكرية، وقد برزت القوة الأكثر هدوءً للدبلوماسية الثقافية كأداة تغيير للدول التي تسعى إلى عرض قيمها ومثلها خارج الحدود.
لطالما كانت الصناعات التقليدية على اختلاف منتوجاتها: المنسوجات والسيراميك والأرابيسك والأعمال المعدنية والجبسية - بمثابة أوعية للتراث وقيمه، ولكن في المغرب، تجاوزت مراميها النفعية والبراغماتية لتصبح أدوات للقوة الرمزية الناعمة.
لقد نجح الحرفيون المغاربة، الذين غالبًا ما تم تجاهلهم لصالح فئات المثقفين والمفكرين وصناع السياسات، في الانتقال ببراعة بين الحفاظ على الأصالة واحتضان الحداثة. إن أعمالهم لا تكرس وترسخ التقاليد التي تعود إلى عشرات القرون فحسب، بل تعيد أيضًا تعريف الهوية المحلية للمغرب على المستوى العالمي، وتقدم نموذجًا مقنعًا لقدرة الحرف اليدوية على سد فجوات المثاقفة وتعزيز التفاهم الدولي المتبادل.
يعتبر التراث الحرفي المغربي فسيفساء مزينة بخيوط من التأثيرات العربية والأمازيغية والأندلسية والصحراوية والإفريقية. وعلى مدى قرون، أنتج الحرفيون في فاس ومراكش ومكناس وآسفي وتيزنيت زخارف متنوعة من الزليج والسجاد المنسوج يدويًا وخشب الأرز والعرعار والفضة المنحوتة بدقة، ودمجوا الرموز الروحانية والمجتمعية والنضالية في تصميماتهم.
إن هذه القطع الأثرية النفيسة ليست مجرد سلع جامدة فحسب بل هي خزائن للذاكرة الجماعية. وكما لاحظ عالم الأنثروبولوجيا "كليفورد جيرتز" في كتابه "المعرفة المحلية"، فإن الممارسات الثقافية هي "حكايات يرويها الناس لأنفسهم عن أنفسهم"، وتجسد الحرف المغربية بكل دقة هذا التفاعل بين السرديات والهوية.
إن بقاء هذه التقاليد في ظل الحكم الاستعماري والعولمة يؤكد على مقاومتها ومرونتها التي أصبحت جسرا دبلوماسيًا بين المغرب وكل من القارات الخمس.
وإذا كان المثقفون والسياسيون المغاربة يتجادلون في كثير من الأحيان عبر النقاشات الإيديولوجية حول مفاهيم الأصالة والمعاصرة، والحداثة والتقليد، والسلف والخلف، فإن الحرفيين المغاربة ظلوا محايدين بالفطرة عن مثل هذه الثنائيات الفكرية والإيديولوجية... مثلا لقد أعاد الحرفيون المغاربة استخدام تقنية "تادلاكت" في التصميم الداخلي المعاصر لتزيين الفلل والفنادق الفاخرة من فاس إلى باريس ومدريد ودبي والرياض بظلالها وزركشتها الترابية المغربية الأصيلة . وعلى نحو مماثل، تزين ألوان الكوبالت الزرقاء والزخارف الهندسية للمنسوجات الأمازيغية اليوم منصات الأزياء العالمية، التي أعاد ترميزها مصممون مثل إيف سان لوران، الذي خلد متحفه في مراكش هذا التآزر بين الثقافات المغربية والأوروبية.
إن هذه البراعة والمهارة تعكس ما أطلق عليه عالم الاقتصاد "إي. إف. شوماخر" "التكنولوجيا المناسبة" في عمله الرائد "الصغير جميل": الابتكار المتجذر في السياق المحلي بدلاً من فرضه من بعيد.
ومن خلال دمج الجماليات الحديثة دون محو التقنيات اليدوية القديمة حيث يتجنب الحرفيون المغاربة فخاخ التسليع التي غالبًا ما تبخس من الرموز الثقافية المغربية وحيث يتناقض منهجهم بشكل حاد مع التراث الذي انتقدته عالمة الاجتماع شارون زوكين، حيث يتم تطهير التقاليد النفيسة للاستهلاك الجماعي. بدلاً من ذلك، يعمل الحرفيون المغاربة كبناة لجسور التواصل والمثاقفة.
إن الإمكانات الدبلوماسية للصناعات التقليدية تكمن في قدرتها على إضفاء الطابع الإنساني على المفاهيم السياسية المجردة. فعندما يشتري جامع أوروبي صينية نحاسية من فاس أو مزهرية من آسفي، أو يتعاون مصمم ياباني مع مدبغة في مراكش، فإنهم ينخرطون جميعا في شكل من أشكال الحوار الذي يتجاوز الخطاب الرسمي للدولة.
إن هذه التفاعلات تجسد مفهوم جوزيف ناي للقوة الناعمة الذي يعني القدرة على تشكيل التفضيلات من خلال الجذب بدلاً من الإرغام.
وقد استفاد المغرب من هذا بشكل استراتيجي جيد . ففي عام 2019، أطلقت الحكومة "الخطة الوطنية للحرف اليدوية 2021-2025، وخصصت 450 مليون دولار لتحديث أوراش العمل، وتدريب الحرفيين، وتعزيز الصادرات.
كما عملت الأحداث الدولية على الرقي بالمجال الثقافي للمغرب. فقد عرض بينالي مراكش 2019 الحرفيين جنبًا إلى جنب مع الفنانين المعاصرين، حيث وضع الحرف التقليدية في إطار ديناميكي متطور وليس ثابت . وفي الوقت نفسه، تعمل التعاونيات الحرفية على تمكين الحرفيين القرويين من البيع مباشرة للأسواق العالمية عبر التجارة الإلكترونية، وإضفاء الطابع الديمقراطي على الولوج مع الحفاظ على الحرف اليدوية. وتتوافق مثل هذه الجهود مع مفهوم عالمة السياسة آن ماري سلوتر "الدبلوماسية الشبكية"، حيث تعمل الجهات الفاعلة غير الحكومية على صياغة روابط عبر الحدود.
وعلى الرغم من هذه الخطوات، لا تزال الكثير من التحديات قائمة في مسيرة الحرف التقليدية بالمغرب. إن التقليد والمحاكاة الرخيصين من المراكز الصناعية وخصوصا الصينية يهدد سبل عيش الحرفيين، في حين تتخلى الأجيال الشابة غالبًا عن الحرف العائلية والتقليدية من أجل العمل في المناطق الحضرية. ومع ذلك، فإن بقاء الحرف اليدوية المغربية يعتمد بشكل أساس على تطورها.
وتؤكد مبادرات مثل حماية التراث الثقافي غير المادي لمدينة فاس المدرجة في قائمة اليونسكو على التعليم، مما يضمن أن يتعلم المتدربون ليس فقط التقنيات ولكن السرديات التي تكمن وراءها. وهذا يتماشى مع أطروحة الفيلسوف والتر كراودير.
إن الحرفيين التقليديين في المغرب هم أكثر من مجرد حماة للتراث؛ إنهم مهندسون بارعون لدبلوماسية ناعمة دقيقة حيث إن أعمالهم تتجاوز الحدود، وتدعو العالم إلى الانخراط مع المغرب ليس ككيان جيوسياسي ولكن كثقافة حية وعميقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.