ظل اللبن والزبدة وجبة مهمة وغذاء لمعظم سكان القرى المغربية بل وحواضرها منذ سنوات خلت وحتى اليوم، وحولوا قسطا من الحليب أو ماهو فائض عن حاجتهم منه إلى منتجات غذائية أخرى ذات قيمة عالية كاللبن والسمن البلدي هذا الأخير ظل محافظا على شهرته إلى اليوم، وكثيرا ما يقدم اللبن مع وجبة الكسكس من خلال وعاء »الحلاب« ليدور على كل الأفراد ويعاد تعبئته إلى أن يرتوي الجميع ، وفي العصر الحديث اختفت صناعة اللبن في المنازل وظلت مقصورة على أبناء البادية ، وأصبح السكان في المدن يعتمدون في تأمين ذلك على ما تنتجه معامل الحليب، ولا تكاد تخلو موائد القرى المغربية من اللبن فتناوله عادة يومية خصوصاً في وجبات الغداء أو العشاء ووجبتي الإفطار والسحور في رمضان، وكما هو معلوم أن اللبن حسب المصادر الطبية يمتاز باحتوائه حامض اللبن نتيجة تخمره، ولذلك فوائد صحية ويوفر الكميات التي يحتاجها الإنسان من فيتامين B وC وE، إضافة إلى أن اللبن يعتبر عاملا في بناء عظام من يتناوله وتقوية جهازه المناعي كما يساعد اللبن على تسهيل الهضم وتخفيف الحموضة وإمداد الجسم بالكالسيوم والفسفور ويمنح الجلد والبشرة النعومة. لقد مارس سكان القرى المغربية منذ القدم وحتى اليوم أساليب تقليدية لاستخراج منتوجات حليب الماشية وبخاصة البقر والمعز والابل التي ربوها بمنازلهم منذ أقدم العصور وحتى اليوم، ولا تزال المنتجات المستخرجة من الحليب بالأساليب التقليدية باقية وتجد رواجا عند غالبية السكان وأهمها اللبن و الزبد والسمن البلدي أو السمن »بودراع« كما يسميه أهل مراكش، وصناعته تتم من خلال وضع الحليب في وعاء يدعى »الحوار« عند أهل بادية دكالة، بيد انه في أيامنا هاته كثيرا ما أصبحت تضعه الأسر القروية في وعاء بلاستيكي يدعى» الصانصة« عند أهل دكالة أيضا والاحتفاظ به في مكان دافئ إلى أن يتختر ثم يحرك بشكل مستمر إلى أن يطفو الزبد على اللبن، وبعد ذلك يجمع الزبد في وعاء ويؤكل طازجا أو يحول إلى سمن داخل القربة التي تعرف باسم »الشكوة« التي كانت تصنع من جلد المعز إلى أن تطور الأمر إلى »شكوة« من القزدير حتى يتم نضجه وتخثره وفقده لأكبر كمية من المياه، وبعد ذلك يتم تجميع الزبد و يوضع اللبن المخثر في قطعة من القماش الخفيف ويصفى حتى تكتمل عملية جمع الزبد في وعاء ليؤكل طازجا أو يحول إلى سمن ، وقد جرت العادات التقليدية للأسر القروية بحفظ كمية من الزبد في وعاء» القلوش« او »الطنجية« بعد ان يتم وضعه في ماء الزعتر مخلوط بالملح لمدة تقارب الأسبوع ويغطى »القلوش« بقماش ليوضع فوقه مخلوط عجين التراب حتى لا ينفد إليه الهواء ويتم تخزينه لمدة قد تفوق السنتين، والسمن يكون ذا جودة عالية كلما طالت فترة تخزينه ليصبح سمنا بلديا حرا والاحتفاظ علية لوقت الحاجة خاصة عند إعداد وجبة الكسكس. لقد اعتبر السمن البلدي الحر قديما والى وقتنا هذا سر لذة الأطباق المغربية و من أهم منتجات الثروة الحيوانية في كافة مناطق القرى المغربية، وهو منتوج ذو مردود اقتصادي جيد لأهل البادية، وكانت ولازالت أهل البادية تنقل إنتاجها من السمن إلى الأسواق القريبة منها وتبيعه إلى المستهلكين أو التجار، كما كان بعض التجار ينتقلون إلى البادية لشراء السمن مباشرة من أصحابها، وكانت عملية الشراء إما مقابل ثمن نقدي أو بالمقايضة بما يحتاجه صاحب السمن من طعام وقهوة وقماش وغير ذلك وأحيانا يكون السمن سدادا لثمن البضائع التي أخذها البائع من عملية التاجر في وقت سابق، ورغم اعتماد اللبن والزبد والسمن على الأساليب التقليدية في استخراجها وصناعتها، إلا أن التقنية الحديثة لدى معامل الحليب بالمغرب أنتجت هذه الأغذية بأساليب عصرية، ولكن الكثيرمن الناس يفضلونها تقليدية.. ومن الطرائف الجميلة التي حكاها لي السيد مبارك "السمن "الموظف بمندوبية السياحة بالجديدة والمتحدر من قرية سيدي شعو دوار الحطايط بجماعة سانية بكيك بإقليم سيدي بنور أن سر تسمية أسرته بلقب السمن هو انه قد حدث قديما أن أقامت الأسرة حفل عرس بالبادية ولما حان وقت العشاء لم تجد الطباخات ما يكفي من المرق لكل أطباق الكسكس فاضطررن إلى إرواء الأطباق المتبقية بالزبد البلدي مدوب والذي كان مخزنا بوفرة عندهم، ومنذ ذلك الحين أطلق أهل البادية على هذه الأسرة لقب السمن، فكان أن قام الجد بوضع هذا اللقب بكناش الحالة المدنية.