يعرض حاليا ببلادنا الفيلم الفرنسي "DES HOMMES ET DE DIEUX " الذي تستغرق مدته 120 دقيقة،والذي سبق عرضه خارج المسابقة الرسمية للدورة العاشرة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش التي نظمت ما بين 3 و 11 دجنبر الماضي، و قد سبق له أن فاز ببعض الجوائز من بينها الجائزة الكبرى التي نالها في الدورة الأخيرة لمهرجان "كان" الفرنسي، كما سبق له أن تصدر خلال الشهر الأول الذي وزع فيه بفرنسا لائحة الأفلام التي حققت أعلى المداخيل المالية. قام بإنجاز هذا الفيلم المخرج الفرنسي كزافيي بوفوا،وشارك في بطولته الممثلان المقتدران ميكاييل لانسدال (في دور الطبيب المسيحي الرزين و الحكيم "لوك") و لامبير ويلسون (في دور الراهب "كريستيان")، و شارك فيه بعض الممثلين المغاربة من بينهم عبد الله شاكيري في دور "كولونيل" في الجيش الجزائري، إدريس كريمي المشهور باسم "عمي إدريس"، زهور المعمري، فاطمة هراندي و المراكشي العلوي الحسن. تم تصوير هذا الفيلم في إقليم "إفران" بضواحي مدينة "أزرو" (تيومليلين) بمشاركة بعض سكان هذه المنطقة، و بمساعدة المركز السينمائي المغربي و الحكومة المغربية و مختلف السلطات المدنية و العسكرية. الفيلم مستوحى كليا من واقعة اختطاف سبعة من الرهبان المسيحيين الفرنسين الذين هاجروا عائلاتهم و بلدهم للعيش (ما بين 1993 و 1996) مع المسلمين و مساعدتهم في إحدى القرى الجزائرية (تيبيرين) قبل أن يتم اختطافهم و قتلهم يوم 21 مايو 1996 في ظروف غامضة من طرف جماعة إسلامية متطرفة (حسب الرواية الرسمية المشكوك فيها)،وقد استعملتهم كرهائن لمطالبة السلطات الجزائرية بإطلاق سراح بعض معتقليها. الفكرة نبيلة، والفيلم عبارة عن تكريم لهؤلاء الرهبان، إذ يبرز من خلال حياتهم اليومية عمق إيمانهم و تشبثهم القوي بدينهم و بمهمتهم في مساعدة المحتاجين، كما يبرز وجهة نظرهم و يبرر قرارهم الحاسم بالبقاء في قرية "تيبيرين" الجزائرية إلى جانب المسلمين بالرغم من خوفهم الكبير من القتل على يد الجماعة الإرهابية المتطرفة التي قامت أمامهم بذبح عمال كرواتيين كانوا يشتغلون بهذه القرية. و قد قرروا بالإجماع البقاء في قرية "تيبيرين"،ورفضوا أن يقوم الجيش الجزائري بحمايتهم ورفضوا تطبيق قرار وزارة الداخلية الجزائرية بمغادرة الجزائر و العودة إلى فرنسا. كان عددهم ثمانية قبل أن يلتحق بهم أحد زملائهم ليصبحوا تسعة، و تم اختطاف و قتل سبعة منهم، بينما تمكن اثنان منهما من النجاة من الاختطاف و الفرار، وقد توفي أحدهما و مازال الآخر حيا إلى اليوم و عمره 86 سنة. الفيلم يجمع بين ممارسة الطقوس الدينية الإسلامية ( تلاوة القرآن، الصلاة، الختان...) و المسيحية، و يحاول بسطحية و بساطة إبراز حالة التعايش و التسامح و التعاون و التفاهم والاحترام القائمة بين الرهبان و المسلمين، بل إن هؤلاء الرهبان لم تكن لهم (في الفيلم) علاقة متوترة حتى مع أعضاء الجماعة الإسلامية المتطرفة التي كانوا ينعتون أفرادها بالإرهابيين، بل كانوا يعالجون جرحاهم بعد إصابتهم برصاص الجيش الجزائري. يلاحظ غوص أكثر و تكرار في الحياة و الطقوس الدينية المسيحية لهؤلاء الرهبان الثمانية و استظهار بعض مضامين التوراة إلى درجة دفعت بالبعض إلى نعت هذا الفيلم بالكاثوليكي. الحوار يجمع بين اللغة الفرنسية والدارجة المغربية و الجزائرية و الأمازيغية، كما أن الكلام يطغى كثيرا على الأحداث المطبوعة بالقلة و البساطة في كيفية بنائها، كلام عن الحياة و الحب و الدين و الإرهاب و التطرف و الحجاب و غيرها من القضايا ذات الصلة بالموضوع. الفيلم جيد من ناحية التصوير و التشخيص، و لكنه لا يتضمن في تطوراته على مستوى الكتابة و المونطاج إثارة أو مفاجآت قبل الوصول إلى النهاية المعروفة و المتوقعة، هو فيلم كلاسيكي بنوعه و بطريقة سرده المطبوعة ببطء في الإيقاع إلى حدود الملل أحيانا جراء التمطيط و التكرار. العديد من وسائل الإعلام و النقاد بفرنسا تعاطفوا مع هذا الفيلم نظرا لحساسية القضية الإنسانية و المأساوية التي تناولها، هذه القضية المؤلمة التي مازالت إلى اليوم غامضة، إذ تم العثور على رؤوس هؤلاء الرهبان السبعة، و لم يتم العثور إلى اليوم على بقايا جثتهم الأمر الذي أدى إلى الشك في الرواية الرسمية التي حملت مسؤولية قتلهم إلى الجماعة المتطرفة المسلحة ، و أصبح الاتهام موجها إلى المخابرات الجزائرية التي ربما تكون قد فبركت هذه الرواية الرسمية، و موجها أيضا إلى الجيش الجزائري الذي ربما يكون قد قتلهم عن طريق الخطأ كما يشير إلى ذلك موقع موسوعة "ويكيبيديا".