نشرة إنذارية: طقس حار مع "الشركي" وهبات رياح مع عواصف رملية السبت والأحد بعدد من مناطق المملكة    مونديال الأندية .. الهلال يسقط بعد معجزة السيتي    الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة يكشف مستجدات الدورة السادسة والأربعين لموسم أصيلة الثقافي الدولي    نقابة الأبناك تدق ناقوس الخطر بشأن اقتطاعات ضريبية خاطئة من معاشات المتقاعدين    المغرب التطواني واتحاد طنجة مدعوان لتسوية وضعيتهما المالية للقيام بانتدابات جديدة    فلومينيسي البرازيلي أول المتأهلين لنصف نهائي مونديال الأندية على حساب الهلال    دوار الزهارة يهتز على وقع فاجعة.. وفاة طفلة وإصابة أربعة أطفال في حادث انقلاب شاحنة    جماعة طنجة تعتمد نظاما حديثا لركن السيارات وتلغي "عقل المركبات"    آلاف المغاربة يتضامنون مع غزة ضد التجويع والتهجير الإسرائيلي    جمهورية الإكوادور تفتتح سفارتها في الرباط    "حماس" تردّ إيجابيًا على مقترح الوسطاء    لقجع يفتح ذراعي المغرب للجزائر: "أنتم في بلدكم الثاني خلال كان 2025"    وزارة التربية تكشف عن جدول العطل المدرسية للموسم الدراسي المقبل    قناديل البحر تغزو شواطئ الناظور والدريوش: المصطافون بين الحذر والانتظار    أسعار الذهب تحقق مكاسب أسبوعية    الناخب الوطني: كأس أمم إفريقيا للسيدات المقام بالمغرب رهان كبير جدا لكننا متحمسون لتحقيق إنجاز جيد    المناظرة الوطنية الأولى حول الذكاء الاصطناعي .. عمر هلال: المغرب تموقع مبكرا ضمن الفاعلين المؤثرين في الدينامية الدولية لحكامة الذكاء الاصطناعي    تشكيلة الهلال السعودي أمام فلومينينسي البرازيلي تعرف غياب حمد الله    مجلس النواب يساءل رئيس الحكومة الإثنين المقبل    تقرير أممي يتوقع ارتفاع إنتاج الحبوب العالمي إلى 2.9 مليار طن    بورصة البيضاء تنهي تداولاتها على أداء إيجابي    حركة تعيين داخل وزارة الخارجية تشمل أزيد من ثلث القناصلة ضمنهم، 45 %نساء    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    مصرع طفل دهسته سيارة بضواحي الحسيمة    أولاد تايمة.. توقيف مروج للمفرقعات والشهب النارية المهربة    "مدارات" يسلّط الضوء على سيرة المؤرخ أبو القاسم الزياني هذا المساء على الإذاعة الوطنية    الكونفدرالية الديمقراطية للشغل تصوت ضد مشروع دمج CNOPS في CNSS وتنتقد "تهميش الحوار الاجتماعي"    فيلدا: المنتخب النسوي تطوّر كثيرا ويمكنه الذهاب بعيدا في الكان    "حماة المال العام" يرفضون ترهيب المبلغين عن جرائم الفساد ويطالبون القضاء بالحزم مع المفسدين    حمد الله يرتدي القميص رقم 10 مع الهلال    شبهات فساد وإخلاف للوعود ومغالطات.. "البيجيدي" ينتقد اختلالات ورش الحماية الاجتماعية        الصين والاتحاد الأوروبي يعقدان الجولة الثالثة عشرة من الحوار الاستراتيجي رفيع المستوى    هذا المساء في برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية :أبوالقاسم الزياني، كاتب الدولتين ومؤرخ الحضرتين.    مسرح رياض السلطان يكشف برنامجه لشهر يوليوز أمسيات فنية مفعمة بالجمال والإبداع    قائمة الفائزين في "تصور مدينتك"    افتتاح خط جوي جديد يربط الصويرة ببرشلونة    الحرارة القاتلة: دعوات عاجلة لحماية عمال البناء والزراعة بالمغرب    إيران وإسرائيل وجهان لعملة واحدة    بعد تألقها في موازين.. المغربية فريال زياري تستعد لتصوير عمل فني جديد    طوطو وصناعة المعنى على منصة موازين    الجديدة : ديوان شعري نسائي جديد "لآلئ على بريق التجلي"    حملة تحسيسية تحذر سكان سوس ماسة من السباحة في السدود    البحرية الملكية تشارك في تمرين عسكري لمواجهة التهديدات البحرية والهجرة غير النظامية (صور)    تفسيرات علمية توضح أسباب فقدان ذكريات السنوات الأولى    بنك المغرب: ارتفاع الإنتاج والمبيعات الصناعية في ماي.. وتراجع في قطاع النسيج والجلد    افتتاح خط جوي جديد يربط الصويرة ببرشلونة    والد البلايلي: يوسف لم يرتكب أي جريمة وما تعرض له غير مقبول تماما    بوريل: مرتزقة أمريكيون قتلوا 550 فلسطينيا في غزة خلال شهر    أمسية تحتفي بالموسيقى في البيضاء    تحركات احتجاجية تعلن الاستياء في أكبر مستشفيات مدينة الدار البيضاء    التوفيق: معاملاتنا المالية مقبولة شرعا.. والتمويل التشاركي إضافة نوعية للنظام المصرفي    التوفيق: المغرب انضم إلى "المالية الأساسية" على أساس أن المعاملات البنكية الأخرى مقبولة شرعاً    تغليف الأغذية بالبلاستيك: دراسة تكشف تسرب جسيمات دقيقة تهدد صحة الإنسان    أخصائية عبر "رسالة 24": توصي بالتدرج والمراقبة في استهلاك فواكه الصيف    دراسة: تأثير منتجات الألبان وعدم تحمل اللاكتوز على حدوث الكوابيس    التوفيق: الظروف التي مر فيها موسم حج 1446ه كانت جيدة بكل المقاييس    طريقة صوفية تستنكر التهجم على "دلائل الخيرات" وتحذّر من "الإفتاء الرقمي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرمة المال العام في الإسلام.. بقلم // عبد الرحمن الطوخي
نشر في العلم يوم 12 - 12 - 2014

إنَّ المال هو قِوام الحياة، وهو من أهمِّ أساليب تعمير الأرض؛ لتُعين الإنسان على عبادة الله - عزَّ وجلَّ - وقد أمَرَنا ربُّنا بالمحافظة على هذا المال وتنميته، وأساس ذلك قولُ الله - تعالى -: «وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا» [النساء: 5].
وأمَرَ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - الإنسانَ أن يُدافعَ عن ماله؛ فقد صحَّ عنه قولُه: ((مَن قُتِل دون ماله، فهو شهيد)) .
ولقد استخلفَ الله - عزَّ وجلَّ - بعضَ الأفراد على المال، كما استخلفَ الناس جميعًا على بعض المال، وإذا كان الفردُ يَبذُل جميعَ ما في وسعه للمحافظة على هذا المال أيضًا، فإنَّ الناس جميعًا مُكَلَّفون بالمحافَظة على المال العام؛ حيث إنَّ نفْعَه يعود عليهم جميعًا دون أن يستأثِرَ أحدٌ به لنفسه» .
إنَّ الإسلام هو دِين الفِطرة الذي يُبيح إشباعَها، ويُلَبِّي مَطالبها ضمن الحُدود التي حدَّها الشارع الحكيم، مع التهذيب والترشيد؛ حتى تستقيمَ وتُحقِّقَ الخير للإنسان، ولا تعود عليه بالشر، كان هذا شأْنه مع نزعة حبِّ التملُّك الأصيلة في الإنسان، فقد أباحَ الملكِيَّة الفرديَّة، وشرَع في ذات الوقت من النُّظم والتدابير ما يتداركُ الآثار الضارَّة التي قد تَنجم عن طُغيان هذه النزعة؛ من فقدان للتوازُن الاجتماعي، وتداول للمال بين فئة قليلة من المجتمع؛ «كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ» [الحشر: 7].
ومن النُّظم التي وضَعَها لأجْل ذلك: نُظم الزكاة، والإرث، والضَّمان الاجتماعي، ومن ثَمَّ اعتبَرَ الإسلامُ المالَ ضرورة من ضروريات الحياة الإنسانيَّة، وشرعَ من التشريعات والتوجيهات ما يشجِّع على اكْتِسَابه وتحصيله، ويَكْفُل صِيَانته وحِفْظه وتنميته، وقد يتبادَرُ إلى أذهاننا سؤالٌ:
ما هي الوسائل التي بها نُحافظ على بَقَاء المال واستمراره؟
1 - ضَبَطَ الإسلام التصرُّف في المال بحدود المصلحة العامة، ومِن ثَمَّ حَرَّم اكتساب المال بالوسائل غير المشروعة، والتي تضرُّ بالآخرين، ومنها: الربا؛ لِمَا له من آثارٍ تُخِلُّ بالتوازن الاجتماعي؛ قال - تعالى -: «وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا» [البقرة: 275]، وقال: «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ» [البقرة: 188].
2 - كما حرَّم الإسلام الاعتداء على مال الغير بالسرقة، أو السطو، أو التحايُل، وشَرَع العقوبة على ذلك؛ قال - تعالى -: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا» [المائدة: 38].
وأوْجَبَ الضمانَ على مَن أتْلَفَ مالَ غيره؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كلُّ المسلم على المسلم حرامٌ؛ دمه، وماله، وعِرْضه))[3].
3- مَنَعَ الإسلام إنفاقَ المال في الوجوه غير المشروعة، وحثَّ على إنفاقه في سُبل الخير، وذلك مبنيٌّ على قاعدة من أهمِّ قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي، وهي أنَّ المال مالُ الله، وأنَّ الفردَ مستخلفٌ فيه ووكيلٌ؛ قال - تعالى -: «وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ» [الحديد: 7]، «وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ» [النور: 33].
ومِن ثَمَّ كان على صاحب المال أنَّ يتصرَّفَ في ماله في حدود ما رَسَمه له الشرْعُ، فلا يجوز أن يُفْتَنَ بالمال، فيَطغى بسببه؛ لأنَّ ذلك عاملُ فسادٍ ودَمار؛ قال - تعالى -: «وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا» [الإسراء: 16].
ولا يجوز له أن يُبَذِّر في غير طائلٍ؛ قال - تعالى -: «وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا » [الإسراء: 26 - 27].
4 - سَنَّ الإسلامُ التشريعات الكفيلة بحِفْظ أموال القُصَّر، والذين لا يُحسنون التصرُّفَ في أموالهم مِن يَتَامى وصِغار، حتى يبلغوا سنَّ الرُّشْد، ومِن هنا شرَعَ تنصيب الوَصِي عليه؛ قال - تعالى -: «وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ» [النساء: 6].
وقال - تعالى -: «وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ» [البقرة: 220].
ومن ذلك الْحَجْر على البالغ إذا كان سيِّئ التصرُّف في ماله؛ قال - تعالى -: « وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا » [النساء: 5].
5 - تنظيم التعامُل المالي على أساس من الرضا والعَدْل، ومِن ثَمَّ قرَّر الإسلام أنَّ العقود لا تَمضي على المتعاقدين، إلا إذا كانتْ عن تراضٍ وعَدْلٍ؛ ولذلك حرَّم القمار؛ قال - تعالى -: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ» [النساء: 29].
6 - الدعوة إلى تنمية المال واستثماره؛ حتى يؤدِّي وظيفته الاجتماعية، وبِناءً على ذلك حرَّم الإسلام حَبْسَ الأموال عن التداول، وحارَبَ ظاهرة الكَنْز؛ قال - تعالى -: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ» [التوبة: 34].
وبهذه التشريعات كلِّها حفِظَ الإسلام المالَ وصانَه عن الفَساد؛ حتى يؤدِّي دورَه كقيمة لا غِنى عنها في حِفْظ نظام الحياة الإنسانية، وتحقيق أهدافها الحضاريَّة والإنسانيَّة، شأْنه في ذلك شأن كل المصالح السابقة التي تمثِّل أساسَ الوُجُود الإنساني، وقِوَام الحياة الإنسانيَّة، ومركز الحضارة البشريَّة، والتي دون مراعاتها وحِفْظ نظامها يخرب العالَم، وتَستحيل الحياة الإنسانيَّة، ويَقف عطاؤها واستثمارُها في هذا الوجود.
حق المسلمين في المال العام:
لا يشكُّ عاقلٌ في أنَّ المسلمين لهم حقٌّ في المال العام، وأنهم يعتبرونه مِلْكًا لهم، وأنَّ مَن اؤْتُمِنَ على هذا المال، فأخَذَ منه شيئًا، فلا شكَّ أنَّه مُعَرِّضٌ نفسَه لسَخَطِ الله.
وبيتُ مال المسلمين مِلْكٌ للمسلمين جميعًا، وليس مِلْكًا لفِئَة معيَّنة من الناس، والقائمون عليه إنَّما هم أُمَناء في حِفْظه وتحصيله، وصَرْفه لأهْله، فلا يحلُّ لأحدٍ أن يعتديَ عليه، أو يأخُذَ منه ما لا يستحقُّ، ولو فُرِضَ وجودُ مَن يغُلُّ منه ويَعتدي، فإنَّ ذلك لا يُبيح مشاركته في هذا الذنب العظيم، ولو جَازَ نَهْبُ مال الدولة وسَرقتُها بحجة الأخْذ من بيت المال، لحصَل الشرُّ والفساد، وعَمَّ الظلمُ والبَغي، ولَبَاءَ الجميعُ بإثْمِ الخيانة؛ فالْحَذر الحذر من الخيانة في المال العام، فإنَّ هذا ظُلم واعتداء على المسلمين جميعًا.
عن خَوْلةَ الأنصاريَّة أنَّها سَمِعتْ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّ رجالاً يتخوَّضون في مالِ الله بغير حقٍّ، فلهم النارُ يومَ القيامة)) .
قال ابن حجر في الفتْح : أي يَتَصرَّفون في مال المسلمين بالباطل، وهو أعمُّ من أنْ يكون بالقِسمة وبغيرها.
عن خَوْلَة بنت قيس أنَّها سَمِعتْ رسول لله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنَّ هذا المال خَضِرة حُلوة، مَن أصابَه بحقِّه، بُورِك له فيه، ورُبَّ متخوِّض فيما شاءَتْ به نفسُه من مالِ الله ورسوله، ليس له يومَ القيامة إلا النار)).
وينبغي للقائم على بيت مال المسلمين أنْ يكونَ حافظًا لهذا المال، وأنْ يجعلَ قولَ عُمر بن الخطاب - رضي الله عنه - دليلَه في حِفْظ مال المسلمين: «إني أنزلتُ نفسي مِن مال الله منزلةَ اليتيم، إن استغنيتُ منهاستعففْتُ، وإن افْتَقَرتُ أكلتُ بالمعروف» .
وهناك بعضُ الناس لَم يجعلْ قولَ عُمر دليلَه ومِنهاجَه، بل جَعَله خلفَ ظهْره، ويَزْعُم أنَّ له الحقَّ في التصرُّف في المال العام، ولو أتاه أحدٌ وأعطاه هَديَّة قَبِلَها؛ بحجَّة أنَّه صاحبُ حقٍّ في أخْذها، وليس كذلك، بل كلُّ ما يأْتي الإنسانَ من أموالٍ أو هدايا، وكان قائمًا أو عاملاً في عمل يخصُّ بيتَ المال، فإنَّ هَديَّته تُرَدُّ إلى بيت المال ولا يأْخُذها؛ إذ لو جَلَس في بيته ما حَصَل على هذه الهدايا والعطايا، وقد حَصَل على عهْد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قريبٌ من هذا، فقد أخْرَج الشيخان من حديث أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: «استعمَلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من الأزد يُقال له: ابْن اللُّتْبِيَّة على الصَّدَقة، فلمَّا قَدِم، قال: هذا لكم وهذا أُهْدِي إليّ، قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فهلاَّ جَلَس في بيت أبيه أو بيت أُمِّه، فينظر يُهْدَى له أم لا؟ والذي نفسي بيده، لا يأخذ أحدٌ منه شيئًا إلاَّ جاء به يومَ القيامة يَحمله على رَقَبته؛ إن كان بعيرًا له رُغَاء، أو بقرة لها خُوَار، أو شاه تَيْعَر))، ثم رفَعَ يدَه؛ حتى رأْينا عُفْرَة إبطَيْه: ((اللهمَّ هل بلَّغْت، اللهم هل بلَّغْت ثلاثًا))».
حكم الاعتداء على المال العام:
لا خِلافَ بين الفقهاء في أنَّ مَن أتْلفَ شيئًا من أموال بيت المال بغير حقٍّ، كان ضامِنًا لِمَا أتْلَفَه، وأنَّ مَن أخَذَ منه شيئًا بغير حقٍّ لَزِمَه ردُّه، أو ردُّ مِثْله إنْ كان مثليًّا، وقِيمته إنْ كان قِيميًّا، وإنما الخلاف بينهم في قَطْع يدِ السارق من بيت المال، ولهم في ذلك اتِّجاهان:
أحدهما: وإليه ذَهَب الحنفيَّة، قال ابن الْهُمَام في «فتْح القدير» :
«قوله: ولا يُقْطَع السارِق من بيت المالِ، وبه قال الشافعي وأحمد، والنَّخَعِي والشَّعْبِي، وقال مالك: يُقطع وهو قول حَمَّاد وابنِ الْمُنذر لظاهرِ الكتاب؛ ولأنه مال مُحرزٌ، ولا حقَّ له فيه قبل الحاجة، (ولنا أنَّه مالُ العامَّة وهو منهم)، وعن عمر وعَلِيٍّ مثله، وعن ابنِ مسعود فيمَن سَرَق من بيت المالِ، قال: أرْسِلْهُ؛ فما مِن أحدٍ إلاَّ وله في هذا المالِ حقٌّ».
مذهب الشافعية: قال الْمَحَلِّي في شرْح المنهاج: «ومَن سَرَق مالَ بيت المال إنْ فُرِز - بالفاء والزاي آخره - لطائفة ليس هو منهم قُطِع؛ إذْ لا شُبهة له في ذلك، وإلاَّ - أي: وإنْ لَم يُفْرَز لطائفة - فالأصحُّ أنَّه إنْ كان له حقٌّ في المسروق كمالِ مصالِح وكصَدَقةٍ وهو فقيرٌ، فلا يُقْطَع للشُّبهة، وإلاَّ - أي: وإنْ لَم يكنْ له فيه حقٌّ - قُطِعَ؛ لانتفاء الشُّبهة».
ومذهب الحنابلة: قال ابنُ قُدَامة في «المغنِي»: «ولا قَطْعَ على مَن سَرَق من بيت المال إذا كان مسلمًا، ويُرْوَى ذلك عن عمر وعلي - رضي الله عنهما - وبه قال الشَّعْبي والنَّخَعي، والْحَكَمُ والشافعي، وأصحاب الرأْي، وقال حَمَّاد ومالكٌ وابن الْمُنذر: يُقْطَع لظاهر الكتاب، ولنا ما روى ابنُ ماجه بإسناده عن ابن عباس: أنَّ عبدًا من رقيق الْخُمُس سَرَق من الْخُمُس، فَرُفِعَ ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يَقْطعه، وقال: ((مال الله سَرَق بعضُه بعضًا))، ويروى ذلك عن عمر - رضي الله عنه - وسأل ابنُ مسعود عمرَ عمَّن سَرَق من بيت المال، فقال: «أرْسِلْه؛ فما من أحدٍ إلا وله في هذا المال حقٌّ».
وقال سعيد: حدَّثنا هُشَيم: أخبرَنا مُغِيرة، عن الشَّعْبي، عن علي - رضي الله عنه - أنه كان يقول: «ليس على مَن سَرَق من بيت المال قَطْعٌ».
ويجب على ولِيِّ الأمر أنْ يأخذَ على أيدي هؤلاء - سارقي المال العام - والمصيبة تَعْظُم إذا كان القائمون عليه سُرَّاقًا ولُصُوصًا، وقد قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة - في بيان ما يجبُ على ولاة أمور المسلمين في الأموال العامة -: «وليس لولاة الأموال أنْ يَقْسموها بحسب أهوائهم، كما يَقسم المالك مِلْكَه، فإنَّما هم أُمَناء ونوَّاب ووُكلاء، ليسوا مُلاَّكًا؛ كما قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إني والله، لا أُعطي ولا أمنعُ أحدًا، وإنما أنا قاسمٌ أضَعُ حيث أمرت)) «، ثم قال: «فهذا رسول ربِّ العالمين، قد أخْبَرَ أنه ليس المنْعُ والعطاء بإرادته واختياره، كما يَفعل ذلك المالك الذي أُبيح له التصرُّف في ماله»
والله - عزَّ وجلَّ - توعَّد بالوعيد الشديد لِمَن أخَذَ من المال العام شيئًا، فقال: «وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ» [آل عمران: 161].


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.