مقدمة: الطريقة البودشيشية – تراث روحي أصيل لم يكن تعيين سيدي معاد القادري البودشيشي شيخًا للطريقة البودشيشية حدثًا عابرًا أو قرارًا عشوائيًا، بل جاء في سياق ديني وروحي عميق، يجسد إرادة مولوية سامية ورؤية ربانية، ويؤكد على استمرارية مدرسة صوفية مغربية أصيلة ذات جذور متينة في التربية الروحية وخدمة الوطن. إن الطريقة البودشيشية، كغيرها من الطرق الصوفية الأصيلة، ليست متاعًا عائليًا يورث تتقاذفه أهواء الأبناء، بل هي منظومة روحية قائمة على علاقة الشيخ بمريديه، تستلزم توفر الأهلية الأخلاقية والروحية، والتزكية الشرعية والقانونية من لدن إمارة المؤمنين، التي تمتلك المعطيات الكافية والكاملة عن جميع من يطلب التصدر للمناصب ولا سيما التزكوية والتخليقية، ففاقد الشيء لا يعطيه، ومن تعجّل شيئاً قبل أوانه عوقب بحرمانه، وهي قاعدة فقهية تعني أن من يسعى للحصول على شيء قبل أوانه ( تسجيل الشهادات منذ اكثر من عشرين سنة، الضغط بإضافة الأسم في وصية الجد لابنه، إكراه الوالد بشتى الوسائل لكتابة وصية له….) أو بطرق غير مشروعة، فإنه قد يحرم منه في النهاية، أو يعاقب بنقيض قصده ، هذه القاعدة مبنية على فكرة أن لكل شيء وقته وأن الاستعجال قد يؤدي إلى نتائج عكسية ولديها معاييرها المعتبرة في هذا الشأن. بيت صلاح وبشارة ربانية نشأ سيدي معاد في بيت علم وهدى، وهو بيت سيدي جمال الدين، حيث تجلت فيه بشارة سيدي الحاج العباس وسيدي حمزة، التي أكدت أن أحد أبناء هذا البيت لن يكون وارثًا عاديًا، بل حاملاً لمشعل الطريقة ومؤتمنًا على سرها الروحي. وقد جاء التعيين الشريف ليترجم تلك البشارة الربانية، وليؤكد أن المشيخة ليست مجرد وثيقة أو منصب ينال بالتحايل وصخب الدعاية والبروبغاندا، بل مقام روحي عظيم يقوم على الهمة الصادقة والتربية الأصيلة والاستعداد الباطني. هذا البيت المبارك، الذي احتضن أجيالاً من المربين والعارفين، شهد على مر العقود تجليات روحية وكرامات ربانية، جعلت منه مصدر إشعاع روحي لا ينقطع. ومن هذا المنطلق، فإن اختيار سيدي معاد كان تحقيقا لإرادة صاحب الطريقة ورافع لوائها سيدي حمزة قدس الله سره، والتي سبق أن بُشر بها من الأولياء والصالحين، وصٓدٌٓق الإشارة العمل المشهود لسيدي معاد طيلة سنين في رعاية شؤون الطريقة وخدمة التصوف وأهله داخل الوطن خارجه. حقيقة الطريقة الصوفية: شيخ ومريدون لا إرث عائلي من الأهمية بمكان التأكيد على أن الطريقة البودشيشية، شأنها في ذلك شأن جميع الطرق الصوفية الأصيلة، تقوم على أساس روحي محض، وهو العلاقة المقدسة بين الشيخ المربي ومريديه الصادقين. هذه العلاقة لا تخضع لمنطق الوراثة المادية أو التوارث العائلي، بل تحكمها قوانين روحية عليا تتطلب توفر شروط صارمة في الشخص المؤهل لحمل هذه الأمانة العظيمة. فالشيخ في التصوف الإسلامي هو المرشد الروحي الذي اكتملت فيه صفات الهداية والإرشاد، وتحقق في مقامات السلوك والوصول، وأصبح قادرًا على تربية النفوس وتزكية القلوب. وهذه المؤهلات لا تكتسب بالوراثة أو القرابة، بل بالجهاد الروحي والرياضة النفسية والتربية الطويلة تحت إشراف المشايخ المحققين. إن إمارة المؤمنين، بوصفها الجهة الشرعية المخولة بالإشراف على الشؤون الدينية والروحية في المملكة، تمتلك من المعطيات والمعلومات ما يمكنها من تقييم أهلية من يتصدر للمسؤوليات الروحية تقييمًا دقيقًا وشاملاً. ولديها من المعايير المعتبرة شرعًا وقانونًا ما يضمن اختيار الأكفأ والأولى بحمل هذه الأمانات المقدسة. الخير في الامتثال والستر، والشر في التنطع والعصيان وهنا تتجلى حكمة القول المأثور: « الخير في الامتثال لأنه مظنة الستر والسلامة، وليس التنطع والعصيان لأنه سبيل الفضيحة والذل والهوان ». فالامتثال للقرارات الشرعية الصادرة عن إمارة المؤمنين يحقق الستر للجميع ويحفظ كرامة الطريقة ووحدة صفها، بينما التمرد والعصيان يؤدي إلى الفتنة والانقسام والإضرار بالمصالح العليا للتصوف المغربي الأصيل. وكما قال ابن عطاء الله السكندري في حكمه العظيمة: « من ادعى ما ليس فيه كذبته شواهد الامتحان ». فالادعاءات الباطلة والدعاوى الزائفة سرعان ما تنكشف أمام محك الاختبار الحقيقي، وتظهر حقيقة صاحبها وبعده عن المقامات الروحية التي يزعم الوصول إليها. تمييز بين الحق والادعاء لقد شكل التعيين الشريف لسيدي معاد فاصلاً واضحًا بين الحقيقة والادعاء، وبين الأصيل والدخيل. فمن كان يزعم امتلاك أسرار الطريقة والأحقية في قيادتها، فشل في أول امتحان حقيقي، وانكشفت حقيقة دعاواه أمام الجميع. وبدلاً من الخضوع للحق والتسليم للقرار الشرعي، تحولت دعاواه إلى مجرد حملات دعائية وتحريض على شبكات التواصل الاجتماعي، بعيدًا كل البعد عن جوهر التصوف الحقيقي الذي يقوم على الذكر والفكر والصدق مع الله سبحانه وتعالى. إن هذا السلوك يكشف عن فهم خاطئ وضحل لطبيعة التصوف الإسلامي، الذي يقوم أساسًا على التواضع والانكسار والتسليم المطلق لله تعالى وللجهات الشرعية المخولة. فالصوفي الحقيقي لا يسعى للظهور أو الشهرة، ولا يستخدم وسائل الإعلام للترويج لنفسه أو للطعن في القرارات الشرعية الصادرة عن ولي الأمر. سيرة تكشف الانحراف عن منهج الطريقة يكشف التاريخ القريب للمدّعين للمشيخة عن انخراطهم في ممارسات بعيدة كل البعد عن أخلاق الطريقة وآدابها المقدسة. فقد شوهدوا منغمسين في اللعب واللهو والانشغال بالحملات الانتخابية والأنشطة السياسية، رغم النواهي الصريحة والتوجيهات الواضحة من سيدي حمزة رضي الله عنه، الذي كان يحذر من الانجرار إلى مجالات لا قبل للزوايا بها، التي تصرف عن الهدف الأسمى للطريقة المرسوم لها في التزكية ومحاسبة النفس، واحترام كامل للمؤسسات الحزبية والجمعوية التي لها إطارها القانوني الخاص بها فلا ينبغي التخليط و التشويش على سكينة أماكن العبادة من مساجد وزوايا في المملكة المغربية الشريفة . كما أصر هؤلاء المدّعون على العصيان والتمرد حتى بعد صدور الظهير الشريف المعلن لتعيين سيدي معاد، وهو ما يبرهن بشكل قاطع على زيف دعواهم وبعدها عن أخلاق الطاعة والولاء التي هي من أركان الطريقة الأساسية. فالمريد الصادق يتميز بالطاعة المطلقة لشيخه وللجهات الشرعية، وأي خروج عن هذا المبدأ يعد انحرافًا عن منهج التصوف الأصيل. إن هذا السلوك المتمرد يكشف عن نيات مبيتة وأهداف دنيوية ضيقة، بعيدة عن الأهداف السامية للتربية الروحية والسلوك الصوفي القويم. فالمدّعي الحقيقي للمقامات الروحية لا يمكن أن يعصي أوامر شيخه أو يتمرد على القرارات الشرعية الصادرة عن إمارة المؤمنين. وعي روحي وولاء وطني ما يميز سيدي معاد القادري البودشيشي هو وعيه الروحي العميق وتجذره الأصيل في تربة التصوف المغربي العريق، إضافة إلى ولائه الصادق والمخلص لمؤسسات الدولة المغربية الشريفة، واحترامه الكامل لتعهدات الطريقة وتقاليدها الأصيلة التي توارثتها الأجيال عبر القرون. لقد جسّد سيدي معاد في شخصيته الكريمة قيم الشيخ المربي الحقيقي، الذي يزاوج بين التربية الروحية السامية والالتزام الوطني الصادق، وذلك في مقابل نزعات دخيلة وغريبة تتغذى على الغموض والباطنية والادعاءات الزائفة. فهو يمثل امتدادًا طبيعيًا وأصيلاً لمدرسة التصوف المغربي التي أسسها الأولياء الصالحون أمثال المولى عبد السلام بن مشيش وأبي الحسن الشاذلي وسيدي أحمد التجاني وغيرهم من الأقطاب العظام. إن هذا الجمع بين الروحانية الأصيلة والوطنية الصادقة هو ما يميز التصوف المغربي عبر التاريخ، والذي كان دومًا في خدمة الوطن والدفاع عن وحدته وسيادته. وسيدي معاد، بتكوينه الروحي العميق وولائه الثابت، يمثل الامتداد الطبيعي لهذا التقليد العريق. تحديات الراهن وضرورة الوحدة إن أوضاع الانقسام والفتنة التي حاول بعض المدّعين إشاعتها تعكس تحديات جسيمة تهدد وحدة الصف الصوفي في المغرب، وهي انحراف خطير عن نهج أعلام التصوف المغربي الذين أسسوا لتصوف أصيل ونقي تحت الرعاية الكريمة والحماية السامية لإمارة المؤمنين. لقد كان التصوف المغربي عبر التاريخ مصدر وحدة وتماسك للأمة، وليس مصدر فرقة وانقسام. والطرق الصوفية الأصيلة كانت دومًا تعمل على توحيد الصف وجمع الكلمة وخدمة المصالح العليا للوطن، وليس على زرع الفتنة والانقسام بين المؤمنين. إن المطلوب اليوم هو العودة إلى هذا المنهج الأصيل، والتخلص من النزعات الانقسامية والدعاوى الباطلة التي تضر بصورة التصوف المغربي النقية وتشوه سمعته الطيبة. والسبيل إلى ذلك هو الاصطفاف وراء إمارة المؤمنين، والابتعاد عن الادعاءات الزائفة والمطامع الشخصية. مسيرة طويلة من الخدمة والعطاء إن تعيين سيدي معاد شيخًا للطريقة البودشيشية لم يأت من فراغ، بل جاء ثمرة مسار طويل ومشرف من التربية والخدمة والعطاء، وتجربة ثرية امتدت لأكثر من عقدين من الزمن في جمع شمل المريدين والالتزام الدقيق بآداب الزاوية وتقاليدها المقدسة. خلال هذه المسيرة الطويلة، أظهر سيدي معاد من الصفات والمؤهلات ما يجعله أهلاً لحمل هذه الأمانة العظيمة. فقد تميز بالتواضع والورع والعلم والحكمة، وأظهر قدرة فائقة على التربية والإرشاد وقيادة المريدين نحو الطريق المستقيم. كما تميز بقدرته على الجمع بين الأصالة والمعاصرة، والتمسك بتقاليد الطريقة الأصيلة مع الانفتاح على متطلبات العصر وتحدياته. وهذا التوازن النادر هو ما يحتاجه التصوف المغربي في هذه المرحلة المهمة من تاريخه. خاتمة : أمانة روحية تُحمل بصدق الأنفاس إن تعيين سيدي معاد القادري البودشيشي شيخًا للطريقة البودشيشية يمثل تأكيدًا جديدًا وقويًا على أن المشيخة في التصوف الإسلامي أمانة روحية مقدسة تُحمل بصدق الأنفاس والقلوب، وليس منصبًا يُنال بالادعاءات الزائفة أو الحسابات الدنيوية الضيقة أو المطامع الشخصية. هذا التعيين يؤكد أيضًا على أن إمارة المؤمنين، بحكمتها البالغة ورؤيتها الثاقبة، تحرص على اختيار الأكفأ والأصلح لقيادة المؤسسات الروحية في المملكة، وأنها لا تتساهل في هذا الأمر أو تخضع لضغوط أو حسابات غير شرعية. وفي ختام هذا المقال، نؤكد على أن الطريق أمام الطريقة البودشيشية مفتوح ومشرق تحت المشيخة الحكيمة لسيدي معاد، وأن المستقبل يبشر بخير كثير وعطاء مثمر في خدمة الدين والوطن والأمة. والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.