مررت البارحة في منتصف الليل و على هبوب نسمة من نسائم الصيف الجميلة و قراءة قصيدة شعرية اقتبست منها عنوان هذه التغريدة ، و قلت مع نفسي هل هناك رجال في هذا الزمن بهذه القامات ، و تذكرت انني في عز بعض المسؤوليات الوطنية القضائية ، و كنت مع والدي بالتبني المرحوم مولاي مصطفى بلعربي العلوي وزير العدل الذي عمر اكثر من 12سنة في قصر المامونية كما يسمونه ، و الذي أسر الي في ليلة رمضانية قبيل الفجر في رمضان 1993 مباشرة بعد تتبعه المباشر لمرافعة الموضوع في قضية ما اصبح يعرف فيما بعد بقضية الكوميسير ثابت ، بانه تلقى أوامر سامية من المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه بتهنئتي على المستوى القانوني الذي ظهرت به النيابة العامة في تلك المرافعة التي افتتحت لأول مرة و آخر مرة باسم جلالة الملك ، و بعد ان تعاقب مستشارو جلالته على تهنئتي و انا لا زلت شابا في الثلاثينيات من عمري ، طلب مني مولاي مصطفى بلعربي العلوي ان اعتبر نفسي من تلك اللحظة ابنه بالتبني خصوصا و ان الله سبحانه و تعالى لم يرزقه الا البنات ، و قد الهمني جلت قدرته لحظتها ان أرد على شخصية كانت تزن الكلمة لغويا و قضائيا و سياسيا بميزان دقيق : شرف لشاب مثلي ان يكون حفيدا لشيخ الاسلام بلعربي العلوي بالتبني . و قد كنت أزوره ببيته بصفة نظامية علني أنهل من التجارب التي كانت تزخر بها هذه الشخصية الوطنية الفذة ، و كأنني كنت أستعين برجالات بقامة الوطن في مشواري في الدفاع عن الحق و إقرار العدالة و هو مشوار لا يخلو من خصوم و لا من مكائد و لا من نقانق كما ذكرت ذي امين لا تصمد لحر الصيف فتتسرب روائحها الكريهة فيهرب من الجزار الذي يؤثث بها طاولته كل الزبائن و يبقى وحده مع ذبابه ، كما عبرت بذلك الأسلوب الأدبي الرائع الذي استهواني مع ما كتبه ذ الشني حول جمرة الخليل و رقص الدمى و عبر عنه بفقاعات الغسيل التي كانت سببا في نشوء الازمة الاقتصادية التي عانى منها العالم في الميدان المالي منذ سنة 2008 عندما اهتزت بورصة وال ستريت لأكبر أزمة منذ أزمة 1929 نتيجة تلك الفقاعات التي تبين بان مضاربي العقار كانو ينفخون فيها و التي سرعان ما فرقعتها الرياح في سماء العواصم الاقتصادية العالمية و التي ما زالت آثارها تهز شعوبا مثل الشعب الإغريقي اليوم ، و ارجع بك الى تلك المقابلة مع والدي بالتبني عندما ذهبت الى منزله كعادتي لأخبره بان ابنه ضاق ذرعا بالمضايقات و بانه ينوي تقديم استقالته من المهنة و التفرغ نهائيا لحرث الارض و الاستمتاع كجدوده و آبائه بنعمة الطبيعة ، فأجابني بعدما دخلت زوجته العظيمة للا خديجة رحمة الله عليها و هي تناولنا بنفسها قهوة المساء في احدى الشرف التي كان يحلو له رحمة الله عليه الجلوس فيها بقولته التي جعلتني أتراجع كليا عن ما كنت قد عزمت عليه بعد صد كل المحاولات التي أرادت آنذاك بعض اللوبيات استخدامها ضد القضاة و التي سوف يأتي يوما ارجع اليها في مذكراتي بتفصيل ، و زدت قائلا اريد ان اقدم استقالتي و انا في موقف قوة و انتصار لا في موقف ضعف و كنت قد رقيت لمنصب وكيل عام للملك و سني لا يتجاوز الأربعين ، و بعدما ارتشف كاس القهوة و نظر الي نظرة الأب لابنه و ابتسم ابتسامة الرجال العظام و كأنه يقول لي يا صغيري لا زلت لم تدرك أشياء في حياتك و لا زلت محتاجا الى التجارب : اسمع يا ابني انا لما اقترحتك في عدة مناصب و مهمات على جلالة الملك كنت لا زلت شابا و لقيت عدة اعتراضات من زملائك و كنت أرد دائماً بأنني العب دائماً ورقة الشباب و لم أخسر أبدا و انت من جملة هذه الأوراق ، لكن دعني أسألك : هل مجرد محاولة الإساءة إليك كافية لان تتخلى عن وطنك الذي لم يتخلى عنه الشهيد الزرقطرني او غيره من المقاومين الذي جعلوا البلاد اليوم تنعم بالاستقلال لقد كان في استطاعتهم ان يقدموا استقالتهم للوطن ، لكن ليست هناك استقالات في حب الوطن ، لان هذا الأخير محتاج لرجالات في مستوى قامته رحمك الله مولاي مصطفى . و لم يقطع حديثنا الشيق الا دخول أحد الوزاراء الكبار مع مجموعة من المقاومين و رجال السياسة الذين كانوا يأتون مثلي للاغتراف من تلك المدرسة الشامخة في الوطنية والتاريخ و العلم و الأدب و الإخلاص لهذا الوطن . و انا اقرأ ما كتبتما قرأت لشاعرة الأمس قصيدة رائعة بدأتها: ووجدت اخيراً رجلا بقامة الوطن فعلا ان قامة الوطن ليس هناك قامة أطول منها و لا اجمل منها لتعشق من طرف اجمل الجميلات و ارق الرقيقات و اعذب الاديبات و أحسن الشاعرات ، و المرأة حين تعشق فعشقها ليس كعشق الرجل لانها كما كان يقول مارك توين : يريد الرجل كل ما يستطيع ان يناله ، و تريد المرأة كل ما لا تستطيع ان تناله . لذلك عندما تحب فهي ترمي نفسها حتى في المستحيل الذي لا تستطيع ان تناله و تسعد بعشقها و حبها لذلك كان أناتول فرانس ينصح المرأة : على المرأة ان تختار بين رجل تحبه النساء و لن تكون معه مرتاحة البال ، و رجل لا تحبه النساء و ان تكون سعيدة معه . لكن المرأة عندما تريد ان تدفئ قلبها غالبا ما تختار الحل الاول لان طبيعتهاتحب ببطئ و تكره بسرعة عكس الرجل الذي يحب بسرعة و يكره ببطئ . تلك زميلي ذكريات التقت على قلمي لأقرأ كعادتي بمجرد استيقاظي من النوم بعض ما تكتبونه في هذه الصفحة من روائع قضائية و خطرات فجعلته يخط قبل توجهه لذلك الهرم القضائي المحتاج الى رجالات في قامة الوطن كما أرادت الشاعرة و أراد مولاي مصطفى بلعربي العلوي رحمة الله عليه .