في الحقيقة لا يعتبر اعتقال الأستاذة نزهة مجدي في السياق الحالي إجراءً قانونيا تربويًا ولا حتى إصلاحيًا، بل هو أداة ضبط. فالدولة لا تبحث عن تصحيح السلوك داخل المدرسة وحسب، بل تبحث عن إعادة رسم الحدود المسموح بها والممنوعة للأستاذ. مما يعني أننا لم نعد في فضاء تربية، بل في فضاء طاعة، لذلك فإن اعتقال الأستاذة رسالة موجهة إلى الشغيلة التعليمية كلها. حين يُعتقل الأستاذ(ة) فالهدف ليس العقاب الفردي، بل تحويل الحالة إلى مثال يضرب للبقية، بغية ترهيبهم في ما يسمى عند فوكو بالعقاب الاستعراضي، وكذلك بهدف توحيد السلوك بحيث تقول الدولة من خلال الإقدام على هذا الفعل أنه على الأساتذة أن يفهمون أين توجد الخطوط الحمراء وعليهم أيضا احترامها وعدم تجاوزها، كما أن الاعتقال يأتي في سياق إخفاء الفشل البنيوي الذي تعاني منه المنظومة التعليمية وذلك بتحويله إلى خطأ فردي يتحمله الأستاذ في شخص نزهة ومعها كل من سولت له نفسه الاحتجاج مستقبلا، الدولة تريد أن تقول للبقية بوضوح: لا تجادلوا، لا ترفعوا أصواتكم للاحتجاج، ولا تخرجوا عن الدور التقني الضيق لكم. اعتقال الأستاذة هنا لا يعني أنها ارتكبت جريمة خطيرة، بل ببساطة أنها خرجت عن النموذج الوظيفي المرغوب. وهذا منطق معروف في إدارة الأزمات، بحيث أن قمع حالة واحدة بقوة يساوي أو من المنتظر أن يجعل ألف حالة تَصمت مسبقًا قبل أن تفكر في رفع صوتها والاحتجاج، عملا بما يسميه ميشيل فوكو باقتصاد العقاب، أي أقل عدد من المعاقَبين، لأقصى أثر من الطاعة. اعتقال الأستاذة مجدي يعني أيضا نقل الصراع من الحقل الاجتماعي إلى الحقل الجنائي، فعوض الاعتراف بأن هناك أزمة بنيوية يعاني منها التعليم العمومي بالمغرب، وفشل كل الوصفات السحرية الموعودة بالإصلاح، وانكشاف كل الطلاء، ومعه تعاني الشغيلة التعليمية ضغط مهني ووضعية اجتماعية هشة، وانسداد الأفق رغم بعض الحوارات الشكلية، وهي كلها مشاكل مهنية يسعى المدرسون عبر الاحتجاج إلى لفت الانتباه إليها. لكن للأسف الدولة لا تُعامل الأستاذ(ة) كفاعل اجتماعي محتج، بل كمشتبه به، مما يؤدي إلى انتقال الدولة من دور التفاوض بغية إيجاد الحلول، إلى دولة تأديب وعقاب. اعتقال الأستاذة/الأستاذ رغم التغيرات الكبيرة التي طرأت حاليا على المدرسة ووظيفتها خاصة على مستوى إنتاج المعرفة، إلا أنه يأتي في سياق كون المدرس يملك سلطة رمزية داخل القسم. والسلطة كما يقول فوكو تخشى السلطة، لذلك تسعى إلى تدجينها وتفريغها من بعدها النقدي وتحويلها إلى وظيفة تقنية بلا روح، كما أن هذا الاعتقال تقول من خلاله الدولة ما لا تريده، فهي لا تريد أستاذًا ناقدًا، ولا تريد فاعلًا تربويًا مستقلًا، ولا تريد مدرسة تُنتج مواطنًا يسائل السلطة، وبالمقابل تريد فقط موظفًا صامتًا، يُنفّذ مقررات لا يشارك في صياغتها، ويتحمّل فشلًا لم يصنعه. اعتقال نزهة مجدي إذن هو من أجل حماية صورة الدولة لا حماية المدرسة، ببساطة، لأن المدرسة لم تعد أولوية، الآن هيبة الدولة هي الأولوية، وهذه الهيبة لا تُبنى بالثقة بل بالخوف. كما أن هذا الاعتقال بمثابة رسالة أيضا للشارع وللنقابات وللصحفيين والمحامين والفنانين والأطباء…وللجميع، مفاده أن الدولة بصدد إغلاق الفضاء العام وتطهيره من أي شكل احتجاجي، فويل لمن سولت له نفسه. اعتقال الأستاذة نزهة مجدي إذن ليس حدثًا معزولًا، بل حلقة داخل منطق أوسع يساوي بين الاحتجاج التربوي المشروع والانحراف الجنائي. وعندما تصل الدولة إل هذا الحد فإنها لا تعاقب الأستاذة في الحقيقة، بل تُعلن إفلاس تصورها للمدرسة العمومية والمواطنة معًا. ختاما يمكن القول بأن اعتقال الأستاذة مجدي ليس حماية للمدرسة، ولا دفاعًا عن القانون، بل هو اغتيال رمزي لمهنة المدرس/المربي، كما أنه فعل تأديبي يهدف إلى إعادة ترتيب الحقل التربوي وفق منطق الطاعة، لا التربية. إنه انتقال خطير من مدرسة تُنتج مواطنًا إلى مدرسة تُنتج ذاتًا خائفة، حين تعاقب الدولة الأستاذة بدل إصلاح المدرسة، فهي لا تحمي نفسها بل تكشف طبيعتها. اعتقال نزهة هو اعتقالنا جميعا…. شفيق العبودي العرائش 20 دجنبر 2025