أشعل النقيب السابق والمحامي عبد الرحيم الجامعي جدلًا واسعًا برسالة مفتوحة شديدة اللهجة وجهها إلى وزير العدل الأسبق مصطفى الرميد، ردًا على تدوينة للأخير دعا فيها السلطات إلى التحقيق مع الناشطة ابتسام لشكر، على خلفية ارتدائها قميصًا اعتبرته السلطات "مسيئًا للذات الإلهية". وتساءل الجامعي في مستهل رسالته: "لماذا لا تقاضي ولا ترشد، فأنت لست خارجًا عن القانون ولا قاضيًا خارج الخدمة؟"، معتبرًا أن الموقف الذي عبّر عنه الرميد في تدوينته يتناقض مع تاريخه الحقوقي والسياسي. الجامعي، في رسالته المفتوحة والتي تم التداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، انطلق من توصيف فكري وفلسفي للصراع التاريخي بين المعرفة والطاعة، والدين والعقل، والسياسة والفلسفة، مؤكدًا أن "المعارك الكبرى في التاريخ حُسمت بالفكر والحوار، لا بالصمت أو الإقصاء". واستحضر تجربة الإمام علي، الذي واجه خصومه في قضايا فقهية وسياسية بالحجة والنقاش، معتبرًا أن "هذا النهج يفرض على الشخصيات العمومية أن تبقى في ساحة النقاش مهما كانت الظروف". وذكّر الجامعي الرميد بمساره الحقوقي والسياسي، من وقوفه في مواجهة أحكام الإعدام، ومناهضته للتعذيب والاعتقال التعسفي، ودفاعه عن معتقلي الرأي، قائلاً: "من خاض مثل هذه المعارك لا يمكنه اليوم أن يلتزم الصمت أو أن يمارس الانتقائية في القضايا التي يختار الدفاع عنها". وأضاف موجهًا كلامه للرميد: "ذكّرك ماضيك حين كنت في المحاكم تترافع عن المظلومين، فكيف لك اليوم أن تدعو للتحقيق مع ناشطة بسبب لباس أو فكرة، وتتجاهل قضايا أخرى تمس الحريات الأساسية؟". وانتقد ما وصفه ب"تجزئة الحق" والانتصار في ملفات معينة مقابل الصمت عن ملفات أخرى، مؤكدًا أن "حرية التعبير لا تتجزأ ولا تُختزل في مواقف انتقائية". كما تطرّق إلى ما اعتبره تغوّل التيارات الإيديولوجية والسياسية في المشهد العام، والتي — بحسبه — "تفرض الوصاية على الآراء وتضيّق على الحريات باسم الدين أو الأخلاق أو الوطنية"، محذرًا من أن منح هذه القوى شرعية بالصمت يعمّق أزمات الحرية في البلاد. وشدد الجامعي على أن "النقد حق مكفول للجميع، ولا يمكن تبرير التضييق على الأفكار أو حرية المعتقد بحجج الانتصار للقيم أو الأخلاق"، معتبرًا أن هذا المسار يقود إلى التعصب والانغلاق ويعيد إنتاج ممارسات الماضي من محاكمات سياسية وتكميم للأفواه. وفي ختام رسالته، قال الجامعي: "الخط الفاصل بين القضاء المستقل والقضاء الخاضع للإملاءات، هو نفسه الخط الفاصل بين الدفاع عن الحقوق والتخلي عنها"، داعيًا الرميد إلى أن يكون شاهدًا مدافعًا عن الحق: "أتمنى أن تكون شاهدًا مدافعًا عن الحق الذي آمنت به وأحببته، لا أن تتركه. فما أحوجنا اليوم إلى مراجعة الذات والتفكير بعقلانية، كما أوصى حكماء التاريخ".