قدّم إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، قراءة نقدية لوضع الحياة الحزبية والتشريعية في المغرب، مؤكداً أن الاختلالات التي يعرفها الحقل السياسي لم تعد تقتصر على ملاحظات المجتمع المدني أو الباحثين، بل أصبحت موضوع اعتراف من قيادات حزبية تتحدث من داخل المؤسسة التشريعية نفسها. السنتيسي، الذي كان متحدثاً في ندوة بكلية الحقوق بالرباط حول "تحولات الحقل الحزبي المغربي"، اعتبر أن المنطق الانتخابي الضيق أصبح يتحكم في اختيارات الأحزاب، إلى درجة أن التزكيات باتت تمنح للمرشحين الذين يمتلكون حظوظ الفوز وليس لمن يمتلكون القدرة على التأطير أو العمل التشريعي. وقال إن هذا الواقع أفرز برلماناً ضعيف الحضور وضعيف الأداء، إذ إن عدداً من النواب لا يشاركون في النقاشات ولا يحضرون اللقاءات الدراسية، وبعضهم لم يتدخل قط تحت القبة. واعتبر أن جزءاً كبيراً من المشكلة يرجع إلى غياب عملية انتقاء حقيقية داخل الأحزاب، وغياب معايير دقيقة تمنح الأولوية للكفاءة والنزاهة، ما جعل المؤسسة التشريعية تتحول، بحسب تعبيره، إلى فضاء يتبع فيه النواب الوزراء بحثاً عن قضاء مصالح خاصة بدل التفرغ لأدوار الرقابة والتشريع. وأشار السنتيسي إلى وجود ما وصفه ب"سوق انتخابي مؤلم"، تتسابق فيه الأحزاب على استقطاب المنتخبين ذوي الحظوظ بغض النظر عن انتماءاتهم السابقة أو مستوى أدائهم، معتبراً أن هذا التنافس غير الصحي يعمّق أزمة الثقة لدى المواطنين. وأضاف متسائلاً: "هل يمكن بناء برلمان فعّال بالاعتماد على نفس الوجوه ونفس الممارسات؟"، مؤكداً أن الأمر صعب في ظل استمرار نفس آليات التزكية. ودعا السنتيسي إلى التوافق على ميثاق شرف حزبي يلتزم بمنع إعادة إنتاج نفس النخب ونفس الأخطاء، ويربط منح التزكيات بالكفاءة ونظافة اليد والقدرة على تمثيل المواطنين، بدل التركيز فقط على الفوز بالمقاعد. واعتبر أن الأحزاب تتحدث كثيراً عن النزاهة والشفافية، لكنها في المقابل تريد تصدر نتائج الانتخابات، وهو ما يجعل الإصلاح مرهوناً بإرادة جماعية لا بتصريحات منفردة. واعترف بأن الأحزاب لم تعد تقوم بأدوار الوساطة كما ينبغي، وأنها تعاني من صراعات داخلية حول الزعامة والمواقع، وتلجأ في بعض الأحيان إلى استعمال المال في الحملات الانتخابية واستمالة الناخبين بطرق مختلفة، من بينها استغلال حاجاتهم أو تغطية مصاريف علاجهم. كما أشار إلى أن التمويل المتاح للأحزاب غير كافٍ لتطوير برامج حقيقية أو تقديم بدائل اقتصادية وتنموية جديدة، لافتاً إلى أن بعض البرامج الحزبية لم تعد تتجاوز "نقل" ما يقدمه الآخرون.