«لا يوجد زعيم دولة في العالم قطع هذه الملايين من الكيلومترات عبر كل بقاع الكرة الأرضية، كما فعل الملك محمد السادس، ولا يتجرأ رئيس أي بلد على رقعة هذا الكون على الميل إلى الاحتكاك بالناس عن قرب والاقتراب من الجماهير الحاشدة والسلام عليها، والالتصاق بها حتى في غياب حواجز أمنية كما يفعل العاهل المغربي» يصرح مصدر أمني وازن ل"الأيام"، فكل التقارير الدولية، الاستخباراتية والأمنية، تؤكد على هذا البعد الاستثنائي الملتصق بالملك محمد السادس في كل جولاته، خاصة بدول إفريقية تتعدد فيها المخاطر، وتخلق مشاكل عديدة ومفاجآت غير متوقعة للحراس الشخصيين المكلفين بالمراقبة الجسدية اللصيقة بالملك، لذلك يكثر تعرض العديد منهم إلى عقوبات متواصلة بسبب أخطاء تختلف جسامتها، ولعل هذا هو السبب الذي يبرز كيف أن الأمن الملكي على عهد الملك الحسن الثاني كان لا يعرف تغييرات كبرى، ويتسم بالاستقرار، بسبب عدم تحرك الملك الراحل، واعتماده على العمل داخل مكتبه، فبعد تعيين بودريس في رئاسة الحرس الملكي بعد انقلابات 1971، وبعد استقدام محمد المديوري الذي ظل الحارس الشخصي للملك الراحل حتى وفاته عام 1999، وظل في بداية العهد الجديد لمدة قصيرة رئيسا لمديرية الحرس الملكي ومدير الأمن الخاص للملك الشاب لأسابيع قليلة، ثم توالى بعده 12 مديرا للحرس الملكي، حيث لا يثبت بعضهم في مهمته أكثر من شهر، وهم على التوالي: زكري الذي عمل نائبا للمديوري، رفقة مساعده حسن حرمة الله الذي كان مكلفا بالحماية اللصيقة بالملك محمد السادس في بداية حكمه، الزبيدي، ثم نائبه ساجير الذي أحيل على التقاعد، المختار البقالي، عبد العزيز إيزو، ادريس مهراد، ثم إبراهيم أوسير الذي لم يدم على رأس مديرية الحرس الملكي لأكثر من أسبوع واحد ثم عبد الرحيم ميعاد وعزيز الجعايدي فإبراهيم أنظام ثم حسن الشراط. من جهة أخرى، فإن كثرة تنقل العاهل المغربي ومفاجآت تحرره من ثقل مراسيم البروتوكول تسمح بفعالية أكبر وخبرة أقوى لعناصر الحرس الملكي، وهذا ما يستقطب انتباه العديد من زعماء الدول الصديقة في الخليج كما في إفريقيا، الذين يستعينون في بناء حرسهم الشخصي بمساعدة مديرية أمن القصور الملكية.
هؤلاء الذين يصاحبون الملك في زياراته الرسمية لإفريقيا
"إن البروتوكول الملكي بالمغرب له خصوصيته، وأنا حريص على المحافظة على دقته وعلى كل قواعده، إنه إرث ثمين من الماضي.. غير أنه يجب على البروتوكول أن يتماشى مع أسلوبي »، هذا ما كان محمد السادس قد صرح به لمجلة "لامينا" وهو في بداية عهده بالحكم، إنه يعكس هذا التميز الموجود في ذات محمد السادس، الملك السلطان الذي ورث تقاليد باذخة داخل دار المخزن، مؤسسة قائمة بذاتها برجالاتها وحريمها، بخدمها وحشمها، بقيمها وعوائدها الضاربة في التاريخ، والتي هي سابقة عليه في الوجود، وتشرب بها ونشأ عليها، حيث تغدو أقوى منه، وهناك الملك الإنسان الذي له أسلوبه المتميز الذي يعطيه هويته، لكن ليس لدرجة تخطي تقاليد البروتوكول، الذي به يكون سلطانا مغايرا ومتميزا عن كل المحيطين به.
سياق هذا الكلام مرتبط برحلات الملك إلى الدول الإفريقية، وكذا التنقلات الرسمية خارج المملكة، والتي لا تخرج عن تقاليد الموكب السلطاني في الحركات أو أثناء خروج السلطان للصلاة أو غيرها، والتي تبدو مليئة بالاحتفالية واستعراض مظاهر السلطة، هذا الجانب مليء بالإغراء، ومثير لشغف الصحافيين الأجانب الذين لا يعلمون شيئا عن هذا الامتداد التاريخي للتقاليد السلطانية القادمة من عهود ضاربة في صلب التربة المغربية.