أخنوش: الحكومة تقوم بإصلاح تدريجي ولن يتم إلغاء صندوق المقاصة    أخنوش: تماسك الحكومة وجديتها مكننا من تنزيل الأوراش الاجتماعية الكبرى وبلوغ حصيلة مشرفة    طنجة تحتضن ندوة حول إزالة الكربون من التدفقات اللوجستية بين المغرب و أوروبا    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    تسليط الضوء بالدار البيضاء على مكانة الأطفال المتخلى عنهم والأيتام    نهضة بركان تطرح تذاكر "كأس الكاف"    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    أخنوش: لا وجود لإلغاء صندوق المقاصة .. والحكومة تنفذ عملية إصلاح تدريجية    الخريطة على القميص تثير سعار الجزائر من جديد    بطولة انجلترا لكرة القدم.. مانشستر سيتي يفوز على مضيفه برايتون برباعية    أخنوش يربط الزيادة في ثمن "البوطا" ب"نجاح نظام الدعم المباشر"    أخنوش: نشتغل على 4 ملفات كبرى ونعمل على تحسين دخل المواطنين بالقطاعين العام والخاص    المغرب يستنكر بشدة اقتحام متطرفين المسجد الأقصى    رئيس الحكومة يجري مباحثات مع وزير الاقتصاد والمالية والسيادة الصناعية والرقمية الفرنسي    3 سنوات سجنا لشقيق مسؤول بتنغير في قضية استغلال النفوذ للحصول على صفقات    الأمير مولاي رشيد يترأس مأدبة ملكية على شرف المشاركين بمعرض الفلاحة    نمو حركة النقل الجوي بمطار طنجة الدولي خلال بداية سنة 2024    ''اتصالات المغرب''.. النتيجة الصافية المعدلة لحصة المجموعة وصلات 1,52 مليار درهم فالفصل اللول من 2024    الاتحاد الجزائري يرفض اللعب في المغرب في حالة ارتداء نهضة بركان لقميصه الأصلي    الدفاع المدني في غزة يكشف تفاصيل "مرعبة" عن المقابر الجماعية    التحريض على الفسق يجر إعلامية مشهورة للسجن    مهنيو الإنتاج السمعي البصري يتهيؤون "بالكاد" لاستخدام الذكاء الاصطناعي    بعد فضائح فساد.. الحكومة الإسبانية تضع اتحاد الكرة "تحت الوصاية"    السلطات تمنح 2905 ترخيصا لزراعة القنب الهندي منذ مطلع هذا العام    بلاغ القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية    زنا المحارم... "طفلة" حامل بعد اغتصاب من طرف أبيها وخالها ضواحي الفنيدق    بشكل رسمي.. تشافي يواصل قيادة برشلونة    البطولة الوطنية (الدورة ال27)..الجيش الملكي من أجل توسيع الفارق في الصدارة ونقاط ثمينة في صراع البقاء    الأمثال العامية بتطوان... (582)    منصة "واتساب" تختبر خاصية لنقل الملفات دون الحاجة إلى اتصال بالإنترنت    تشجيعا لجهودهم.. تتويج منتجي أفضل المنتوجات المجالية بمعرض الفلاحة بمكناس    نظام الضمان الاجتماعي.. راتب الشيخوخة للمؤمن لهم اللي عندهومًهاد الشروط    حاول الهجرة إلى إسبانيا.. أمواج البحر تلفظ جثة جديدة    اتساع التظاهرات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جديدة    الحكومة تراجع نسب احتساب رواتب الشيخوخة للمتقاعدين    3 مقترحات أمام المغرب بخصوص موعد كأس إفريقيا 2025    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    عودة أمطار الخير إلى سماء المملكة ابتداء من يوم غد    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    وفينكم يا الاسلاميين اللي طلعتو شعارات سياسية فالشارع وحرضتو المغاربة باش تحرجو الملكية بسباب التطبيع.. هاهي حماس بدات تعترف بالهزيمة وتنازلت على مبادئها: مستعدين نحطو السلاح بشرط تقبل اسرائيل بحل الدولتين    منصة "تيك توك" تعلق ميزة المكافآت في تطبيقها الجديد    وكالة : "القط الأنمر" من الأصناف المهددة بالانقراض    العلاقة ستظل "استراتيجية ومستقرة" مع المغرب بغض النظر عما تقرره محكمة العدل الأوروبية بشأن اتفاقية الصيد البحري    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    هذا الكتاب أنقذني من الموت!    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    حفل تقديم وتوقيع المجموعة القصصية "لا شيء يعجبني…" للقاصة فاطمة الزهراء المرابط بالقنيطرة    مهرجان فاس للثقافة الصوفية.. الفنان الفرنساوي باسكال سافر بالجمهور فرحلة روحية    أكاديمية المملكة تعمق البحث في تاريخ حضارة اليمن والتقاطعات مع المغرب    ماركس: قلق المعرفة يغذي الآداب المقارنة .. و"الانتظارات الإيديولوجية" خطرة    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    دراسة تبيّن وجود صلة بين بعض المستحلبات وخطر الإصابة بمرض السكري    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتهم بتزوير التاريخ ووصلت أصداؤه إلى البرلمان والمحكمة.. مسلسل «فتح الأندلس» يُفجّر المسكوت عنه في التاريخ المغربي
نشر في الأيام 24 يوم 25 - 04 - 2022


* زينب مركز
أثار مسلسل «فتح الأندلس جدلا واسعا منذ بث الحلقات الأولى منه في هذا الشهر المبارك على القناة المغربية الأولى، حتى وصل الأمر إلى البرلمان والمحكمة. واحتد النقاش على مواقع التواصل الاجتماعي إلى حد أن هناك من رفع هاشتاغات «العرايشي ارحل» و»أوقفوا فتح الأندلس» المسلسل الذي اتهم بتزوير وقائع تاريخية مرتبطة بشخصية طارق بن زياد وبواقعة فتح كلها، حتى ليبدو أن التاريخ العميق للمغرب وللغرب الإسلامي يُقرأ بهويات راهنة تُحاول استعادة وتملك لحظة مُضيئة في التاريخ القديم ضد واقع التجزئة والتخلف الحالي. وإذا كانت جغرافيات القرن الأول للهجرة مختلفة عن الأوطان التي عهدناها اليوم، فقد بدا الصراع على مسلسل تخييلي مبني على اجتهاد فنّي في تناول وقائع تاريخية، بمنزلة صراع للهويات الراهنة من أجل التفرد بشخصية البطل طارق بن زياد مقابل نفي البطولة والزعامة عن الآخرين، أي أقوام الأوطان الأخرى التي كانت تشترك في الجغرافيا والتاريخ والعقيدة وذات الهوية المشتركة وانفصلت اليوم بفعل عوامل تاريخية وسياسية ساهم فيها الاستعمار بقسط وافر. «الأيام» تفتح ملف حقبة ملتبسة لكنها مضيئة من تاريخنا القديم وتُحاور مفكرين ومؤرخين لهم قراءات متباينة لإغناء النقاش وفهم ماضينا بدون عُقدة الإحساس بالتفوق ولا بالدونية.


التاريخ لنا لا لغيرنا

مازال المسلسل العربي التاريخي «فتح الأندلس»، يثير جدلا واسعا في المغرب، عقب بدء عرضه على القناة «الأولى» مع بداية شهر رمضان. الانتقادات التي طالته كلها مرتبطة بما اعتُبر تزييفا لوقائع تاريخية، حيث اتهم المسلسل ب «تحريف» تاريخ المغرب. ووصلت أصداء النقاشات التي عكس الإعلام جزءا كبيرا منها، إلى قبة البرلمان، حيث وجه الفريق الاشتراكي بمجلس النواب سؤالا كتابيا إلى محمد بنسعيد وزير الشباب والثقافة والتواصل بشأن هذا المسلسل، وما يثيره من انتقادات حول تغيير الوقائع التاريخية.
وطلب النائب المهدي الفاطمي من وزير الثقافة معرفة «الإجراءات التي ستتخذها الوزارة بغاية صون وتخليد تاريخ المغرب بعيدا عن جميع المغالطات والسرقة وتزوير الحقائق التاريخية والمجد المغربي بالأندلس». وشدد سؤال النائب الاتحادي المهدي فاطمي على أن هذا المسلسل «مليء بالمغالطات المعرفية ويحمل في كثير من حلقاته تزويرا لكل ما تتفق عليه المصادر التاريخية الموثوقة، ذلك أن فتح الأندلس هو حدث تاريخي بامتياز تم عبر شمال المغرب وبجيوش شمال إفريقية قوامها المغاربة بالأساس، ولغة طارق بن زياد وثقافته مغربية أمازيغية بامتداداتها الإقليمية هو وجنوده». وأضاف في سؤاله الكتابي لوزير الثقافة أن «المسلسل يحجب كل هذا تقريبا ويجعل المغرب الكبير مجرد طريق جغرافية لجيوش المشرق الأموية، والمغاربة مجرد كومبارس تحت قيادة شخصيات شامية (سورية)، بينما التاريخ المدون عندنا كله عكس ذلك».
يومان بعد ذلك قام الفاعل الجمعوي والسياسي الأمازيغي رشيد بوهدوز، ابن زايو وصاحب أول شيك أمازيغي، بالتوجه إلى المحكمة من أجل إيقاف بث مسلسل «فتح الأندلس» على القناة الأولى. وعلل محاميه بهيئة الرباط محمد ألمو، في مقاله الاستعجالي إلى رئيس المحكمة الابتدائية بالرباط أن المسلسل «يتضمن عدة مغالطات تاريخية من شأن الاستمرار في نشرها التشويش على القناعات الوجدانية المكوّنة لدى المواطنين المغاربة تجاه تاريخهم وهويتهم وجغرافية بلدهم، خاصة أن هذا المسلسل حظي بمتابعة كبيرة بحُكم بثه أثناء وقت الإفطار التي تشكل ذروة المشاهدات التلفزيونية من طرف مختلف فئات المجتمع المغربي، مما يجعله في وضع متميز من حيث تأثير محتوياته على جمهور واسع من المغاربة». وأضاف المحامي ألمو على لسان موكله أنه على امتداد أربع حلقات المعروضة لحدود الآن، تفاجأ متابعو المسلسل أنه «يتضمن محتوى لا ينسجم مع ثوابت التاريخ العريق لبلادنا، وأن أحداث هذا المسلسل والشخصيات التي لعبت الدور المحوري فيه تنشر مضامين تحتوي على عدة مغالطات تاريخية مسيئة للبديهيات التاريخية والجغرافية للمغرب ومخالفة بذلك ما أجمعت عليه أغلب المصادر التاريخية العلمية والتي أرّخت للأحداث التي يتناولها المسلسل المذكور».
واندلع تراشق على مواقع التواصل الاجتماعي بين المغاربة والجزائريين حول ادعاء تملك كل طرف لشخصية طارق بن زياد الذي يقول الجزائريون إنه من غرب تلمسان، فيما يشدد المغاربة أنه من الريف من قبيلة نفزة، بينما اتحد لأول مرة الجمهور الجزائري والمغربي في المطالبة بإيقاف المسلسل الكويتي/ السوري «فتح الأندلس».

المسلسل والوثيقة التاريخية

أي مسلسل أو فيلم، حتى ولو اكتسى صبغة تاريخية، فهو ليس وثيقة تاريخية، بل رُؤية فنية لواقعة حدثت في الماضي القريب أو البعيد، فالمخرج يكون أمام وقائع وكتابات تاريخية، ثم يعتمد على خياله الفني لملء البياضات التي لم تحسم فيها كتب الإخباريين والمؤرخين، وكلما بعد الزمان بين لحظة الإخراج الفني واللحظة التاريخية التي وقع فيها الحدث موضوع العمل السينمائي كلما كثر التخييل واختلف الفنانون في قراءة الواقعة التاريخية. وهذا ليس خصوصية عربية أو مغربية، فلطالما رافق الجدل الأعمال الفنية التي تناولت التاريخ، من «حريم السلطان» إلى الأفلام التي تداولت مواضيع تاريخية فيها اختلاف أصلا في المصادر التاريخية نفسها مثل فيلم «la mome» أو أفلام حولت روايات تاريخية إلى السينما مثل ما حدث مع «البؤساء» لفكتور هيجو وأحداث الثورة الفرنسية أو فيلم «الرسالة» للراحل مصطفى العقاد. فهل يصلح هذا لقراءة هادئة لمسلسل «فتح الأندلس» بشكل موضوعي بعيدا عن الهويات المتوحشة والاستحواذية أو التملكية؟
يعتبر مسلسل «فتح الأندلس» عملا تلفزيونيا ضخما حول نقطة منيرة في التاريخ الإسلامي وفي شمال إفريقيا خاصة، بسيناريو محكم ولغة عربية فصحى راقية. ورغم غياب النجوم فإن الممثلين برعوا في أدائهم الفني، برغم وجود أخطاء في الوفاء للتاريخ، مثل تعميم الحديث بالعربية على كل الممثلين سواء كانوا نخبة أو جنودا عاديين، أو تقديم وجبة فواكه تضمنت الأناناس الذي لم يتم اكتشافه إلا مع العالم الجديد سبعة قرون بعد فتح الأندلس، وإقصاء اللباس المحلي الأمازيغي من مشاهد التصوير…
يجب الاعتراف أن المسلسل شدّ أنظار فئات واسعة من الجمهور المغربي، وقد يكون ذلك بسبب إتقان الممثلين لأدوارهم وقوة حبكة المسلسل وبعد التشويق في حلقاته، وقد يكون بسبب موضوع المسلسل المرتبط بأرضهم وبواحدة من أشد اللحظات إشراقا في تاريخهم خاصة في ظل تطورات الوضع الدبلوماسي بين المغرب وإسبانيا اشتدادا وانفراجا. ورغم أننا لم نر إلا الحلقات الأولى من المسلسل، فإن النقط الأكثر إثارة للجدل كانت هي نسبة وأصل طارق بن زياد الذي اعتبره الكثير من الجمهور المغربي ما روجه المسلسل سلبا لهوية بطل أمازيغي هو من حمل مشعل فتح الأندلس، مقابل إسناد كل شيء إلى المشرق، واعتبار المغرب مجرد قنطرة عبور. والحقيقة أن الروايات التاريخية نفسها تشهد على هذا الاختلاف بسبب بعد الكتابة التاريخية عن الحدث ودخول الخيال إلى ذاكرة النسّابين والمؤرخين الذي كانوا يعتمدون على التداول الشفهي في رواية ما حدث في واقعة فتح الأندلس على يد طارق بن زياد. ولفهم ذلك نُقرّب القراء من روايات مختلفة حول هذا الحدث التاريخي.


مسلسل "فتح الأندلس" في أسماء وأرقام

«فتح الأندلس» مسلسل تاريخي درامي من ثلاثين حلقة، من إنتاج مشترك كويتي سوري، كلفت ميزانية إنتاجه أكثر من 3 ملايين دولار أمريكي. تم تصويره بين مدينتي بيروت بلبنان وماردين بتركيا، وتدور أحداثه حول الفتح الإسلامي للأندلس أثناء ولاية موسى بن نصير في عهد الدولة الأموية. المسلسل من إنتاج شركة المهى الكويتية وإخراج محمد سامي العنزي، عن نص للكاتب مدين الرشيدي. وعن اختياره مسلسل «فتح الأندلس»، قال المخرج الكويتي محمد العنزي إن «أسبابا عديدة دفعتني إلى إخراج هذا العمل، أبرزها قيمة تاريخ الأندلس الزاهر والثري جداً من جوانب عديدة كالجمال البصري والدرامي والتاريخي والإنساني، وكونها حضارة ضخمة وكبيرة لها ارتباط بنا كعرب ومسلمين».
جسد الممثل السوري «سهيل جباعي» شخصية طارق بن زياد، في حين لعب اللبناني «رفيق علي أحمد» دور موسى بن نصير، والأردني «عاكف نجم» شخصية أبي بصير شيخ طارق بن زياد، والفلسطيني «تيسير إدريس» شخصية لوذريق حاكم طليطلة. كما ظهر في العمل، الذي تشارك تأليفه ستة كتّاب: «مدين الرشيدي من الكويت، وصالح السلتي، وإبراهيم كوكي، ومحمد اليساري من سورية، والمصريان أبو المكارم محمد، وصابر محمد»، الفنان الفلسطيني «محمود خليلي» في شخصية يوليان حاكم سبتة، والكويتي «محمد العجيمي» في شخصية أحد قادة القوط، إلى جانب الممثل المغربي «هشام بهلول» في شخصية شداد، صديق طارق بن زياد وقائد جيوشه.
تفادى المخرج اختيار نجوم كبار، وقسّم الأجر الذي كان يمكن أن يكون من نصيب ممثل كبير واحد على أكثر من أربعة ممثلين، فيما عرقلت جائحة كورونا تصوير المسلسل الذي تم توقيفه أكثر من مرة. ويعتبر هذا العمل فريدا من نوعه من الناحية الفنية والتصويرية أساسا، لكن مضمونه أثار نقاشا حادا حتى أن الكثير من المغاربة والجزائريين طالبوا بتوقيفه ووصلت أصداء انتقاداته إلى كبريات وسائل الإعلام الدولية.

من يكون طارق بن زياد ؟

من يكون هذا البطل والقائد العسكري الذي وسع الجغرافيا الإسلامية في اتجاه أوربا وفتح الأندلس أمام إمبراطورية امتدت إلى ثماني قرون في شبه الجزيرة الإيبيرية، وصنعت حضارة امتد إشعاعها ليشمل كل أوروبا خاصة إبّان نهضتها ولا زالت آثارها باقية حتى اليوم ولا زالت الصخرة العظيمة التي حطت عليها جنوده تحمل اسم جبل طارق حتى اليوم؟
تجمع العديد من المصادر على أن طارق بن زياد أمازيغي لكنهم اختلفوا حول موطن ولادته، فالبعض يورد أن طارق ينحدر من قبيلة نفزة بتلمسان كما أورد ذلك الشريف الإدريسي في كتابه «نزهة المشتاق في اختراق الآفاق»، وبعض النسابين يؤكدون على أصوله الريفية كما ذكر المؤرخ يورينيو وجوزف دياباخو ورافايل ديل مورينا وغيرهم من كبار المؤرخين. والسبب هو أن المنطقة بكاملها كانت تسمى طرابلس ولم تكن محددة بالأوطان والخريطة المعروفة اليوم. وهناك مؤرخون أرجعوا أصول طارق بن زياد إلى الفُرس من همدان مؤكدين أن اسمه غير عربي، كما ورد في كتاب «أخبار مجموعة في فتح الأندلس وذكر أمرائها والحروب الواقعة بها بينهم»، فيما ذهب ابن خلكان إلى أنه عربي من حضر موت كان مملوكا وتم إعتاقه، ويذهب الباحث هشام جعيط إلى أن «طارق هو من فتح الأندلس، وهو مولى بربري من قبيلة «نفزة»، وهذه القبيلة ليست بنفزاوة الطرابلسية، بل هي على الأرجح مستقرة قرب طنجة في الريف الحالي».
والحقيقة أن قبيلة نفزة توجد في الناظور، وكان ابن عذارى أول من أشار إلى أن قبيلة نفزة المغربية، هي جزء من قبيلة «آيت يطوفت» الموجودة بالريف وتحدها شرقا قبيلة إيبقوين، وشمالا ساحل البحر الأبيض المتوسط، وغربا قبيلة أيت بوفراح، وجنوبا قبيلة بني ورياغل وقبيلة تاركيست، ويخترق أراضيها وادي سنادة. ولعل اللّبس في موطن نشأة طارق بن زياد وقبيلة نفزة الموجودة بتلمسان وقبيلة نفزة الموجودة بجبال الريف، هو السبب في الصراع بين الجزائريين والمغاربة على وسائل التواصل الاجتماعي حول تملك شخصية طارق بن زياد، وهي قراءة إيديولوجية يتحكم فيها الصراع السياسي الموجود بين المغرب والجزائر اليوم مثل ما حدث في قضية الكسكس وانتساب بعض الزوايا كالزاوية التيجانية، والأصل أن الدولة المغربية من المرابطين حتى العلويين كانت تمتد أحيانا حتى حدود مصر شرقا والأندلس شمالا ومالي جنوبا، وهي غير الخريطة التي أصبحت عليها الأوطان في العصر الحديث.
ويذكر مؤرخون إسبان أن طارق كان عبدا مملوكا أعتق على يد أحد المقربين من الحاكم العربي موسى بن نصير أو أنه كان مولى والي القيروان موسى بن نصير الذي خرج من إفريقية غازيا حتى وصل إلى المغرب الأقصى، فعيّن طارق بن زياد واليا عليه ليكون من البربر فيأمن جانبهم ويضمن طاعتهم، وقد نجح طارق بن زياد بحكم ذكائه وفطنته وإستراتيجيته العسكرية في ضمان ولاء البربر الذين أسلسوا له القيادة، باستثناء سبتة التي كان يحكمها يوليان القوطي، الذي يقال – في رواية مطعون فيها من طرف بعض المؤرخين – أنه أرسل ابنته الجميلة لتعلم قواعد الملوك في قصر طليطلة فاغتصبها الملك الإسباني لوذريق، لذلك ناصب يوليان العداء العرش الملكي حتى تم طرده فلجأ إلى سبتة حيث شيد بها شبه جمهورية، وظلّ حُلم العودة إلى شبه الجزيرة الإيبيرية يطارده، لذلك لمّا علم بقوة طارق بن زياد استماله. وفي رواية أخرى أنه راسل موسى بن نصير يغريه بخيرات الأندلس وسهولة العبور إليها وأنه مستعد لتسهيل الأمر على جيوشه ودعمه بالسفن والمؤونة. ولأن قرارا بهذه الخطورة لا يمكن أن يتخذه والي القيروان، فقد راسل موسى بن نصير أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك الأموي الذي طمع في توسيع دولته الإسلامية لكنه نصح بضرورة إرسال الجواسيس والكتائب الصغرى قبل الزحف في اتجاه الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، وقد تم ذلك عام 92 هجرية 711 ميلادية.
وحتى موته أثيرت حوله روايات مختلفة، منها ما يذهب إلى أنه عاد إلى المشرق وهناك توفي (هل هي نزعة المشارقة لنسب كل مكرمة لهم على حساب المغرب؟) ومنها ما يقول إنه أصبح على خلاف مع مولاه موسى بن نصير والي القيروان الذي خشي نفوذه فدبّر له مكيدة لا تضيء كتب التاريخ أي عتمة حول نوعها. إذ لا تذكر سوى أنه لم يول أي قيادة بعد فتح الأندلس وأنه هو من عزل نفسه بعيدا عن الأضواء وقضى نهاية عمره في العبادة والزهد.

الخطبة المثيرة للجدل

أورد المؤرخ المقري في كتابه «نفح الطيب» نص خطبة منسوبة إلى طارق بن زياد مما جاء فيها: «لمّا بلغ طارق اقتراب لوذريق بجيشه القوطي الكثيف قام في أصحابه، فحمد الله سبحانه وتعالى وأثني عليه بما هو أهله، ثم حث المسلمين على الجهاد ورغبهم في الشهادة ثم قال: «يا أيها الناس، أين المفرّ؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر، واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته وأقواته موفورة وأنتم لا وَزَرَ لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم، وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمراً، ذهبت ريحكم وتعوضت القلوب من رُعبها. فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة، وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت، وإني لم أحذركم أمراً أنا عنه بنجوة ولا حملتكم على خطة أرخص متاع فيها النفوس إلا وأنا أبدأ بنفسي.
واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلاً استمتعتم بالأرفة الألذ طويلا فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي فما حظكم فيه بأوفى من حظي، وقد بلغتم ما أنشأت هذه الجزيرة من الحور الحسان من بنات اليونان الرافلات في الدرِّ والمرجان والحلل المنسوجة بالعقيان، المقصورات في قصور الملوك ذوي التيجان، وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عربانا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا وأختانا، ثقة منه بارتياحكم للطعان واستماحكم بمجادلة الأبطال والفرسان ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه بهذه الجزيرة وليكون مغنمها خالصا لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم والله تعالى ولي إنجادكم على ما يكون لكم ذكرا في الدارين.
واعلموا أنني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه وأني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لُوذْريق فقاتله إن شاء الله تعالى فاحملوا معي، فإن هلكت بعده فقد كفيتكم أمره ولم يعوزكم بطل عاقل تسندون أموركم إليه وإن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه، واحملوا بأنفسكم عليه واكتفوا الهم من فتح هذه الجزيرة بقتله، فإنهم بعده يخذلون». المقري «نفح الطيب» بيروت 1968 ج 1.
من بين الاختلافات التي عرفتها هذه الخطبة الشهيرة، تلك التي تقول إن طارق بن زياد كان أمازيغيا قُحّا، وحديث عهد بالاحتكاك بالعرب المسلمين، والخطبة مصاغة بلغة عربية فصحى بليغة وراقية جدا، كما أن أغلب جنوده من الأمازيغ فكيف يخاطبهم بغير اللسان الذي يتقنونه؟ لذلك يشكك الكثير من الباحثين في وجود هذه الخطبة التي قد تكون من وضع الإخباريين والمؤرخين، فكيف لقائد جيش أمازيغي أن يُتقن اللغة العربية في فترة قصيرة من دخول الإسلام شمال إفريقيا، ويصبح بليغا يخاطب جيشه الذي أغلب أفراده من البربر بلسان عربي فصيح؟
هذا التشكيك يرد عليه مؤرخون آخرون بكون جد طارق بن زياد كان قد دخل الإسلام قبل مجيء الفتح الإسلامي، بدليل اسمه طارق بن زياد بن عبد الله، وآخرون يذهبون إلى أن أباه هو من أسلم على يد عقبة ابن نافع الذي كان مولى له، وبالتالي فقد رحل طارق بن زياد إلى المشرق وخالط العرب وأتقن لسانهم لذلك جاءت خطبته الشهيرة بتلك البلاغة والفصاحة الراقية. يورد ابن عذارى في كتابه «البيان المغرب في أخبار المغرب» أن أبوي طارق دخلا الإسلام، ويبدو أنّه ليس هو الذي أسلم أولاً بل والدُه وجدُّه الذي انتقل إلى المشرق، وهناك نشأ طارق في بيئة عربية إسلامية، مع احتفاظه بلهجة أجداده البربرية، ثمَّ جُنّد بعد ذلك في جيش موسى بن نصير، وجاء معه إلى المغرب، وكان من أشد رجاله»، ويستدلون أيضا بأبيات من الشعر منسوبة لطارق بن زياد وأوردها المقري في نفح الطيب وابن خلكان في «وفيات الأعيان».
جزء من الباحثين يؤكد أن الخطبة حقيقية، حتى لو كان طارق بن زياد حديث عهد باللغة العربية، على اعتبار أنها اللغة الرسمية للدولة، وقد يكون كتبها أو كلف أحد مساعديه بكتابتها بذلك اللسان العربي الفصيح، فحتى لو كان المغاربة عامة يتواصلون وقتها بلغة تضم مزيجا من العربية والأمازيغية في تداولهم الشفهي، فإن اللغة العربية الفصحى كانت لغة التراسل والخطب والتواصل بين نخبة البلد بعد الفتح الإسلامي. ثم إن طارق بن زياد لم يخطب في ثلاثين ألف جندي بل فقط في قادتهم أي في النخبة التي كان معظمها من العرب أو أتقنوا اللسان العربي، لذلك لا غرابة أن تأتي خطبته بتلك العربية الفصيحة، دون أن ينفي العديد من المؤرخين أن يكون ناقلو الأخبار ومن أرّخ للوقائع قد تزيد في الخطبة أو تدخل فيها من قريب أو بعيد بتوابل الذاكرة وحماسة الموقف الذي انتصر فيه المسلمون ووصلوا حتى جنوب فرنسا، ومن المحللين من يقولون إن الخطبة كانت جاهزة وأعدت في ديوان موسى بن نصير قبل فتح الأندلس، فهي خطبة طويلة لا تتناسب وسياق الحرب الذي يقتضي السرعة والتأهب والإيجاز والارتجال الصادر عن قائد كبير من حجم طارق بن زياد في مقام الحرب.
بعد آخر أثار شكوك المؤرخين الأجانب بناء على وثائق الأرشيف البريطاني والفرنسي والإيبيري وتتمثل في غياب أي أدلة على حرق طارق بن زياد لسفنه، فلا يوجد في التاريخ أي قرائن على حرق سفن عديدة كانت تُقل ذلك العدد الهائل من الجنود، وقد يكون الأمر مجرد خُدعة حربية لجأ إليها طارق بن زياد لإذكاء حماسة الجنود، أو تكون كلمة «إحراق» المراكب والسفن ذات بعد مجازي أو استعاري كدليل على الاستماتة في القتال وعدم العودة، مثل ما يحدث اليوم مع «الحراكة» من أحفاد طارق بن زياد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.