سعر الذهب يتجه نحو تسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع            احتجاجا على حرب غزة.. استقالة مسؤولة بالخارجية الأمريكية    بيدرو روشا طلع رئيس جديد للاتحاد الإسباني لكرة القدم بلاصة لويس روبياليس    توقعات أحوال الطقس غدا السبت    العرائش : انطلاق أشغال مشروع تهيئة الغابة الحضرية "ليبيكا"    الإعلان عن إغلاق السجن المحلي بطنجة    تطوان .. احتفالية خاصة تخليدا لشهر التراث 2024    "شيخ الخمارين ..الروبيو ، نديم شكري" كتاب جديد لأسامة العوامي التيوى    نهضة بركان يطرح تذاكر مباراة اتحاد العاصمة الجزائري    البحرية الملكية تقدم المساعدة ل 85 مرشحا للهجرة غير النظامية    أخنوش معلقا على احتجاجات طلبة الطب: ليس هناك سنة بيضاء و3 آلاف طالب يدرسون كل يوم    طلبة الطب والصيدلة يتفاعلون بشكل إيجابي مع دعوة أخنوش    الملك محمد السادس يهنئ عاهل مملكة الأراضي المنخفضة والملكة ماكسيما بمناسبة العيد الوطني لبلادهما    محمد عشاتي: سيرة فنان مغربي نسج لوحات مفعمة بالحلم وعطر الطفولة..    واش غايسمعو ليه؟.. بركة خايف يتفركع المؤتمر وصيفط رسالة للمؤتمرين: استحضروا التوافقات البناءة وقيم حب الوطن – فيديو    نسبة انتشار التدخين بين التلاميذ اللي عمرهم بين 13 و15 عام وصلات ل6 % وبنموسى: الظاهرة من الأسباب المباشرة ديال ضعف التحصيل الدراسي    جرسيف.. مشروع بكلفة 20 مليون درهم لتقوية تزويد المدينة بالماء الشروب    فضايح جديدة فالبرنامج الاجتماعي "أوراش" وصلات للنيابة العامة ففاس: تلاعبات وتزوير وصنع وثيقة تتضمن وقائع غير صحيحة    بعد حوار أخنوش للي أكد فيه بلي مكايناش سنة بيضاء.. طلبة الطب: أجلنا المسيرة الوطنية ومستعدين للحوار    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولات الجمعة على وقع الانخفاض    تعليمات خاصة من الكاف لمراقبة الصغيرة والكبيرة فديبلاصمون اتحاد العاصمة للمغرب تفاديا لتزوير الحقائق وكذوب الكابرانات    بروفيسور عبد العزيز عيشان ل"رسالة24″: هناك علاج المناعي يخلص المريض من حساسية الربيع نهائيا    أخنوش يحسم الجدل بخصوص التعديل الحكومي    السعودية قد تمثل للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون    وانغ يي يتلقى مقابلة تحريرية مع شبكة الجزيرة الإعلامية القطرية    أخنوش: الأسرة في قلب معادلتنا التنموية وقطعنا أشواطاً مهمة في تنزيل البرامج الاجتماعية    مجمع الفوسفاط ينجح في تعبئة ملياري دولار عبر سندات اقتراض دولية    المغرب يطرح مناقصة لبناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات    انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس "مولان روج"    درنا الرقمنة بكري.. الوزيرة مزور فتحات كونكور مدير التحول الرقمي ومن الشروط تجيب خمس نسخ ورقية من الضوسي باش دفع للمنصب    رسميا.. بدر بانون يعود لأحضان فريقه الأم    بطولة إفريقيا للجيدو... المنتخب المغربي يفوز بميداليتين ذهبيتين ونحاسيتين في اليوم الأول من المنافسات    أخنوش.. هذا ما يمنع الزيادة في أسعار "البوطاغاز"    رغم القمع والاعتقالات.. التظاهرات الداعمة لفلسطين تتواصل في العالم    الصين تتعبأ لمواجهة حالات الطوارئ المرتبطة بالفيضانات    مؤسسة (البيت العربي) بإسبانيا تفوز بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال18    "لمسات بألوان الحياة".. معرض تشكيلي بتطوان للفنان مصطفى اليسفي    عرض فيلم "أفضل" بالمعهد الفرنسي بتطوان    "IA Branding Factory"… استفادة 11 تعاونية من الخدمات التكنولوجية للذكاء الاصطناعي    تحت اشراف الجامعة الملكية المغربية للملاكمة عصبة جهة سوس ماسة للملاكمة تنظم بطولة الفئات السنية    وزير دفاع إسرائيل: ما غنوقفوش القتال حتى نرجعو المحتجزين لعند حماس    الدكتور عبدالله بوصوف: قميص بركان وحدود " المغرب الحقة "    شاهد كيف عرض فيفا خريطة المغرب بمتحفه في زوريخ    هل دقت طبول الحرب الشاملة بين الجزائر والمغرب؟    البيرو..مشاركة مغربية في "معرض السفارات" بليما لإبراز الإشعاع الثقافي للمملكة    مؤتمر دولي بفاس يوصي بتشجيع الأبحاث المتعلقة بترجمة اللغات المحلية    الأمثال العامية بتطوان... (582)    "مروكية حارة " بالقاعات السينمائية المغربية    في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشار المرض بسبب التغير المناخي    خبراء ومختصون يكشفون تفاصيل استراتيجية مواجهة المغرب للحصبة ولمنع ظهور أمراض أخرى    جراحون أميركيون يزرعون للمرة الثانية كلية خنزير لمريض حي    قميصُ بركان    لأول مرة في التاريخ سيرى ساكنة الناظور ومليلية هذا الحدث أوضح من العالم    دراسة: تناول الأسبرين بشكل يومي يحد من خطر الإصابة بسرطان القولون    في شأن الجدل القائم حول مدونة الأسرة بالمغرب: الجزء الأول    "نسب الطفل بين أسباب التخلي وهشاشة التبني"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليزمي "أب بطاريات الليثيوم" بعدما أراد نقل خبرته إلى المغرب: أنا حزين ومتشائم (1)
نشر في الأيام 24 يوم 27 - 10 - 2022


* حاوره محمد كريم بوخصاص
يعتبر رشيد اليزمي (من مواليد 1953) أحد أهم العلماء الذين أنجبهم المغرب في العصر الحديث. فالرجل يسمى في الأوساط العلمية "أب بطاريات الليثيوم" بفضل اختراعه الذي يعود إلى سنة 1980 والشبيه باكتشاف الإنسان البدائي لتقنية إشعال النار والذي غير وجه البشرية.
يتمثل هذا الاختراق العلمي في اكتشاف اليزمي التقنية التي تجعل البطارية قابلة للشحن باستعمال معدن الغرافيت. البطارية التي تعتمد عليها البشرية طيلة العقود الأربعة الماضية في كل الأجهزة القابلة للشحن، من الهواتف النقالة إلى الحواسيب والسيارات والطائرات والبواخر والعديد من الأجهزة الكهربائية.
لم تتوقف إنجازات اليزمي عند هذا الاختراع، فقد واصل تحقيق السبق العلمي طيلة السنوات الماضية، قبل أن يعلن مطلع شهر شتنبر الماضي عن وصوله إلى اختراع ثوري جديد، يتمثل في شاحن يمكنه شحن البطارية في أقل مدة ممكنة، لا تتعدى خمس دقائق فقط، وهو ما يتوقع أن يحدث ثورة في عالم السيارات الكهربائية، ليبقى اسمه خفاقا في الآفاق مقترنا بنجاح تلو آخر، في وقت يواصل تحقيق أمجاده خارج بلده المغرب، وتحديدا في البلدان التي تعرف كيف تصطاد "المخاخ" كما يصف ذلك حيث اشتغل قرابة عشر سنوات مديرا للبحوث في المعهد الوطني للبحث العلمي في باريس، وعشر سنوات أخرى في معهد "كاليفورنيا للتقنية" الأمريكي الذي يعد الأرقى في بلاد العم سام، ويشتغل منذ شتنبر 2010 إلى اليوم في معهد للبحث في بطاريات الليثيوم بسنغافورة، بينما مازال يترجى الحصول على دعم توصل به شفهيا لفتح معهد للبحث في الجامعة الخاصة بفاس !!
في ظل هذا المسار الحافل الذي لم يسبقه إليه أي عالم في تخصصه، والذي كان من محطاته تعاونه في مجال البحث مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا"، في برنامج يهدف إلى إرسال مركبات فضائية تعمل بالبطاريات القابلة للشحن إلى كوكب المريخ، والذي تُوّج عام 2005 بإطلاق مركبة تستعمل بطاريات ليثيوم تشحن بالطاقة الشمسية، لأول مرة، لم ينل اليزمي حظه في الفوز كما كان متوقعا بجائزة نوبل للكيمياء سنة 2019، حين عادت إلى ثلاثة من العلماء (أمريكي، وإنجليزي، وياباني) كانوا ضمن فريقه يطورون بطاريات الليثيوم.
يجهل اليزمي كما غيره سبب عدم منحه هذه الجائزة الرفيعة، لكنه يستعبد أن يكون ذلك بسبب عنصرية مورست تجاهه مرتبطة بجنسيته أو دينه، ويحرص على تفسير ذلك بنوع من الفكاهة كما يقول حين اعتبر في هذا الحوار أن السبب قد يعود لكونه الأصغر سنا وسط أصحابه العلماء الفائزين. ومع ذلك لا يُعير اليزمي أي اهتمام بهذه الجائزة، ويبقى فخورا بجائزة تحصل عليها في 2014 يعتبرها أهم من نوبل، وهي جائزة "دريبر" التي تمنحها الأكاديمية الأمريكية للهندسة في العاصمة واشنطن، والتي يحتفظ بها في خزانته إلى جانب الوسام الملكي للكفاءة الفكرية الذي وشحه به الملك محمد السادس ووسام "جوقة الشرف" الفرنسي.
أعلنتم قبل أسابيع قليلة عن التوصل إلى اختراع شاحن لا يستغرق سوى 5 دقائق لشحن البطارية، حدثنا عن هذا الاختراع الجديد؟
هذا الاختراع هو الأخير في مسلسل انطلق منذ سنة 2016، يروم تطوير طريقة جديدة لشحن بطارية الليثيوم مختلفة عن المعمول به حتى الآن، وتعتمد على تدبير تيار الكهرباء في البطارية عوض التركيز على ضغطها الكهربائي كما هو معمول به من خلال التقنية المسماة ب»الفولتاج»، حيث سمح لنا التحكم في الفولتاج بالتحكم في مدة الشحن، لننتقل من مدة 60 دقيقة المطلوبة لشحن البطارية من صفر إلى مائة في المائة التي توصلنا إليها في 2016، إلى خمس دقائق في الاختراع الجديد الذي توصلنا إليه هذا الشهر (شتنبر).
المعروف أن بطارية السيارة الكهربائية تختلف عن الأنواع الأخرى في كونها ذات طاقة عالية، حيث تَشحن طاقة أكبر بالمقارنة مع وزنها وحجمها، لذلك كانت الطريقة التقليدية في شحن البطارية تتطلب لتعبئة من 0 إلى 100 في المائة مدة زمنية تفوق الساعة، قبل أن يأتي اختراعنا في 2016 ليُخَفض المدة إلى 60 دقيقة، ولاحقا إلى 45 دقيقة ف30 دقيقة ثم 10 دقائق و6 دقائق في عام 2021، حتى نجحنا أخيرا في خفض المدة إلى خمس دقائق فقط.
لقد نجحنا على امتداد ست سنوات، وعبر مراحل، في خفض مدة شحن بطارية الليثيوم من 60 دقيقة إلى 5 دقائق، وأعتقد أننا سنتوقف عند هذا الحد، لأن شحن البطارية في هذه المدة الوجيزة يحتاج إلى شاحن بمواصفات خاصة وقدرات تَحَمُّل عالية جدا، وعلى سبيل المثال، فإن شحن بطارية سيارة «تيسلا» الكهربائية في خمس دقائق سيحتاج إلى شاحن بطارية بأزيد من «ميغاواط» (مليون واط)، وهو ما يعني أن كلفته ستكون باهظة جدا.
يشكل هذا الاختراع سبقا ينبغي استثماره في المستقبل، لأن مستعملي السيارات الكهربائية لن يحتاجوا إلى شحن بطارية سياراتهم في خمس دقائق لتكلفتها المرتفعة، وسيقبلون أن يتم شحنها من 0 إلى 100 في المائة في مدة 15 دقيقة أو من 20 إلى 80 في المائة في مدة 10 دقائق، علما أن التجربة أثبتت أنهم يسارعون إلى شحن البطارية بمجرد اقتراب تعبئتها من عشرين في المائة كي لا تتوقف بهم في منتصف الطريق، وهكذا تبقى مدة عشر دقائق لتعبئة شحن البطارية عملية بالنسبة لأصحاب السيارات الكهربائية لأنها تعادل مدة شرب كوب قهوة.
ما هي أهمية هذا الاختراع؟ وهل ينطبق فقط على بطارية السيارة الكهربائية ؟
الاختراع يهم كل الأجهزة التي تَستعمل بطارية الليثيوم، مثل الإلكترونيات النقالة (الحواسيب والهواتف)، بل حتى قطاع الطيران، حيث عقدت اجتماعا أمس فقط (الحوار أجري ليلة الجمعة 30 شتنبر) مع سيد كشف لي التوصل إلى صنع طائرة ذات أجنحة تحمل ست مقاعد تُقلع عموديا مثل المروحية (هيليكوبتر)، وتعمل ببطارية الليثيوم.
اللائحة طويلة للأجهزة التي تعمل ببطارية الليثيوم، ويمكن أن نأخذ مثالا آخر وهو «الثقاب» الجهاز الذي يستعمل لثقب الجدران، فلم يعد يقتصر عمله على الحبل المربوط بالطاقة الكهربائية العادية، بل أصبح يعمل بالبطارية أيضا. ونفس الأمر ينطبق على الآلة المستعملة في قَصِّ العشب، وغيرها كثير.
بل دعني أقول لك وبدون مبالغة، إن استعمال بطارية الليثيوم سينتقل إلى البواخر أيضا، وأتوقع أن تكون البواخر التي سيستعملها مغاربة الخارج للعودة إلى بلدهم في إطار عملية «مرحبا» في 2030 كهربائية، وهكذا فإن كل شيء سيصبح كهربائيا.
كل هذا التحول سيتحقق بفضل اختراعاتك، أليس كذلك؟
صحيح. ويجب التمييز بين نوعين من الاختراعات: البطارية نفسها وشاحنها، وهما اختراعان مختلفان، يتمثل الأول في اختراع بطاريات الليثيوم المكونة من الغرافيت التي تعتمد عليها البشرية في كل الأجهزة القابلة للشحن والذي توفقت فيه سنة 1980، علما أن 99 في المائة من البطاريات المستعملة حول العالم اليوم مكونة من الغرافيت بالتقنية التي اخترعتها قبل أربعين سنة، بينما يهم الاختراع الثاني خفض المدة الزمنية المطلوبة لشحن البطارية أو ما يمكن تسميته ب»الشحن السريع» للبطارية.
بعد اختراعك الجديد المتمثل في خفض مدة شحن البطارية إلى خمس دقائق، هل ستتوقف أبحاثك في هذا المضمار أم مازالت لديك أهداف أخرى تسعى لتحقيقها؟
البحث العلمي لا يمكن أن يتوقف، لأن الحاجة لاختراعات جديدة تزداد يوما بعد يوم، والحاجة لتطوير بعض الاكتشافات تبقى حاضرة باستمرار، وهناك اليوم أسئلة عديدة تحتاج إلى أجوبة علمية، من بينها ما يتعلق بأمد حياة البطاريات واستعمالها لأطول فترة ممكنة، إذ هناك رغبة دائمة للزيادة في عمر البطارية، خاصة في ظل الإقبال الكبير على السيارات الكهربائية التي يُرَشح أن تستعمل خمسين في المائة من بطاريات الليثيوم المصنوعة، علما أن سعر البطارية المستعملة يُعَادل ثلث سِعر السيارة، وتحتاج إلى استبدالها كل ثلاث أو أربع سنوات، وهكذا فإن الحاجة ملحة للزيادة في عمر البطارية للوصول إلى عشر سنوات على الأقل، وذلك لخفض كلفة اقتناء السيارة الكهربائية.
هناك مشكل آخر يحتاج إلى تعميق البحث للوصول إلى حلول علمية، وهو زيادة سلامة استعمال بطارية الليثيوم، حيث قرأت بحر هذا الأسبوع مقالا علميا جاء فيه أن 1 من كل 7 سيارات كهربائية تحترق أو تنفجر يوميا في الصين.
أيضا ينبغي البحث في إمكانية إحداث «عمر ثان» للبطارية، وذلك ببحث إمكانية استعمال البطارية التي انتهت مدة صلاحيتها في السيارة الكهربائية في شحن الطاقة الشمسية أو ما شابه ذلك، والتوصل إلى آلية لمعرفة ومتابعة «الحالة الصحية» للبطارية.
كل هذه الأشياء يلزمها بحث علمي، وإذا رزقني الله مزيدا من العمر يمكن أن تتصل بي بعد عشر سنوات وتسألني عن مستجدات البحث حول بطاريات الليثيوم، وكن متأكد أنك ستجدني أقدم إجابات أخرى.
أفهم من كلامك أن أبحاثك لا تقتصر على خفض مدة شحن البطارية بل تشمل جوانب أخرى؟
صحيح.
تشتغل على أبحاثك منذ 2010 في مختبر بحثي في سنغافورة، ما هي طبيعة الباحثين الذين يشتغلون معك وجنسياتهم؟ وهل ضمنهم مغاربة؟
أنا أسمي نفسي «باحث بلا حدود»، وأقبل العمل مع أي باحث عبر عن رغبته في ذلك، وأمس فقط جلست قرابة ساعتين مع باحثين من فنلندا قدموا إلى سنغافورة لحضور مسابقة الفورمولا 1 لمناقشة مشاكل بطاريات الليثيوم، وبعد نهاية اللقاء عبروا لي عن استعدادهم للعمل معي، فقلت لهم: «مبارك ومسعود». وأول أمس، كتب لي باحث من طاجكستان يطلب الاشتغال معي، فأجبته «مرحبا».
بكل صراحة، لا أفرق بين باحث وآخر، بطبيعة الحال أحب المغرب والمغاربة، لكن إذا لم يسألني أحد من المغرب فلا يمكنني أن أجيبه (يضحك).
ألم يعبر لك أي باحث مغربي عن رغبته في الاشتغال معك؟
العديد من الطلبة والمهندسين والباحثين في سلك الدكتوراه يسألون عن إمكانية العمل معي، لكن لم يكن ممكنا قدومهم إلى سنغافورة في الأشهر الماضية بسبب الإجراءات المرتبطة بمكافحة جائحة كوفيد-19، لكن ستكون أمامهم فرصة للانتماء إلى مركز التميز حول البطاريات الذكية التابع للجامعة الخاصة لفاس الذي نعتزم فتحه بتعاون مع جامعتي سيدي محمد بن عبد الله بفاس ومولاي إسماعيل بمكناس نهاية السنة الحالية أو بداية السنة المقبلة. صحيح سيكون عدد المقاعد محدودا لكن يمكن للمركز مع مرور السنوات أن يستوعب عددا أكبر من الطلبة الباحثين والمهندسين.
على كل المهتمين بتطوير العلوم والتكنولوجيا في المغرب من مقاولين وصناع ومستثمرين وحكومة ومنتخبين إيلاء الاهتمام لتطوير هذا المشروع، لأن عددا كبيرا من الباحثين والمهندسين يرغبون في دخول القطاع، والمطلوب أن نؤسس مراكز في مدن أخرى مثل القنيطرة أو طنجة أو وجدة أو الداخلة أو العيون في الصحراء المغربية، لكن ذلك يلزمه دعم كبير، وفي غياب هذا الدعم لا يمكننا فعل شيء.
على هؤلاء أن يؤمنوا بأهمية هذا المشروع، وبدل الانهماك في تشييد بنايات وفنادق يجب الاتجاه لتشييد معاهد للبحث العلمي، لأن البلاد لا يمكن أن تتطور إلا بالعلم، وإذا تخلينا عن العلم وانشغلنا بأمور أخرى لاعتبارات مرتبطة بقلة المخاطر أو ما شابه – فإننا لن نتقدم إلى الأمام.
سنفتح معهدا بفاس بإذن الله لكن نتمنى أن نفتح معاهد في مدن أخرى، وعلى المسؤولين أن ينتبهوا إلى هذه الأمور، لأن مجموعة من الدول ترغب في تحقيق ذلك، فقد توصلت أمس فقط برسالة إلكترونية من أستاذ بجنوب إفريقيا أكد فيها علمه بعزمنا فتح معهد للبحث العلمي في البطاريات بفاس، ودعاني إلى القدوم إلى بلده لفتح معهد مماثل مع توفير كل الإمكانيات المطلوبة، وأيضا معهد في الكاميرون وإفريقيا الوسطى بالاستفادة مع علاقاته مع هذه الدول.
هل تلقيت الدعم المطلوب لفتح معهد فاس؟
قناعتي الشخصية، أنه إذا لم تعتمد على نفسك فإنك لن تتقدم نحو الأمام. الجميع في البداية رحب بالفكرة وعبر عن استعداده لتقديم الدعم، لكن عندما لجأنا إليهم حين انتقلنا من القول للفعل لم نجد شيئا مع الأسف.
رئيس الجامعة الخاصة بفاس لجأ إلى الاقتراض من البنك لتشييد المعهد، والآن أصبحت البناية جاهزة، لكننا نحتاج توفير الميزانية لاقتناء المعدات المطلوبة للبحث، وعندي تقدير للتكلفة بالدولار والدرهم.
كم تصل التكلفة؟
معذرة، لا أستطيع الإفصاح عن المبلغ، لأنني صراحة أعتمد على نفسي، وبدل دق أبواب المغاربة الذين يكتفون بتقديم الوعود دون الوفاء بها، أحرص على أن ألتقي بالذين يمكنهم تقديم الدعم وهم ليسوا مغاربة، فمنهم أناس في آسيا قرروا دعم إخراج المعهد بفاس للوجود، هذه هي الحقيقة والواقع مع كامل الأسف.
ألم تتلقوا دعما من وزارة التعليم العالي أو مؤسسات البحث العلمي؟
كاين الكلام فقط (يضحك). مشكل الوزارات والمؤسسات العمومية هو ما يمكن تسميته بالبيروقراطية، تخيل أن رئيس الجامعة لا يمكنه استعمال قدر من المال بدون حصول اتفاق بشأنه في مجلس الجامعة، قد يبدو هذا الأمر عاديا لكنه يسبب تأخيرا مبالغا فيه في بعض الأحيان.
بالنسبة لدعم وزارة التعليم العالي والبحث والعلمي والابتكار فهو موجود، لكنه في الأوراق فقط، ولا يجد طريقه للتطبيق. «حنا مزروبين» ولن ننتظر أكثر، لأننا إذا اخترنا انتظار الوزارة سنبقى بدون معهد لعام آخر، وهو ما لا يمكن قبوله.
متى ستكون انطلاقة المعهد بفاس بالضبط؟
سأقول لك بمنتهى صراحة، في اليوم الذي سنجمع الحد الأدنى من الأموال المطلوبة لتجهيز المعهد من أي مستثمر سواء في آسيا أو أوروبا أو أمريكا أو المغرب سيفتح المعهد أبوابه، ونتمنى أن يتحقق ذلك نهاية العام الجاري.
تشتغل منذ 2010 في مركز بحثي في سنغافورة، لماذا سنغافورة بالتحديد؟
(يضحك) سنغافورة قصة طويلة، بدأت في يونيو 2010 مع افتتاح حكومة سنغافورة أكبر معهد للبحث العلمي في الطاقة، من غير الطاقة النووية، في منطقة جنوب غرب آسيا باستثمار يتجاوز 100 مليون دولار، والذي يضم حوالي 200 عالم وباحث، وهو تابع لجامعة «ناميان» للتكنولوجيا، وهي أهم جامعة في سنغافورة متخصصة في التكنولوجيا إلى جانب الجامعة الوطنية لسنغافورة التاريخية التي يعود تاريخ تأسيسها إلى مائة عام. حيث تلقيت دعوة لإلقاء محاضرة في حفل الافتتاح الذي حضره وزراء، حول ما يجب أن يتركز عليه البحث العلمي في بطاريات الليثيوم خلال السنوات العشر القادمة، وبعد الانتهاء من المحاضرة قال لي مسؤولو المعهد: «مشروع السنوات العشر أعجبنا بزاف، فمرحبا بك ديروا عندنا». لم أقبل دعوتهم في البداية، لكن بعد تفكير دام شهرا كاملا قبلت عرضهم بالعمل في المعهد، وهكذا رحلت مع أسرتي من الولايات المتحدة إلى سنغافورة في شتنبر 2010، ومازلت مستقرا بها حتى الآن.
ألا تفكر في الاستقرار في بلد آخر أم أن البحث العلمي في سنغافورة جذبك أكثر؟
أنا الآن في سنغافورة لكن غدا يعلم الله أين سأكون، فكما قلت لك في سابقا، أنا عالم بلا حدود. لكن مع ذلك يلزم أن يكون عندي مكان لأنام فيه كل ليلة. حاليا بيتي في سنغافورة، لكن قد يحصل تغيير غدا أو بعد غد.
ورغم أني مستقر في سنغافورة فإني دائم السفر، فالأسبوع الماضي كنت في المغرب، وبعد أسبوعين سأكون في فرنسا للمشاركة في مؤتمر في مدينة ليون حول البطاريات هو الأكبر في أوروبا، حيث سيجمع أزيد من 700 عالم وباحث، وقد أرسلت معلومات بشأنه إلى عدد الباحثين والصناع والمستثمرين المغاربة، آملا أن يتمكنوا من القدوم إليه للاطلاع على أحدث الاكتشافات والصناعات في مجال بطاريات الليثيوم.
هل تلقيت تفاعلا من جانب المغاربة الذين تواصلت معهم؟
نعم هناك تفاعل، لكن لم أسمع لحد الآن عن واحد منهم اقتنى تذكرة السفر، لكن ربما مازال أمامهم متسع الوقت.
كم عدد الباحثين الذين يشتغلون إلى جوارك بالمعهد السنغافوري؟ وما هي جنسياتهم؟
عشرة باحثين من جنسيات مختلفة، منهم الهندي والصيني والسنغافوري والإندونيسي والماليزي وغيرهم.
ألم تقف جنسيتك المغربية عائقا أمام إشرافك على باحثين من دول رائدة في البحث العلمي؟
الجنسية لا علاقة لها بالبحث العلمي.
إذن يمكن القول إنك سفير للمغرب..
(مقاطعا) هذا مجرد كلام. أنا خدام، أقوم بواجباتي كباحث وعالم دون أن أفكر أني سفير لأي بلد، دون أن يمنع ذلك الباحثين الذين يشتغلون معي من معرفة أنني مغربي. هل أنا سفير أم لا؟ (يضحك) أقول للذين يعتبرونني سفيرا «مبارك ومسعود !» ويا ليتني كنت سفيرا بالفعل، كنت سأحصل على الأقل على أجر مالي عن ذلك (يطلق قهقهة). هذا لقب يشرفني، لكنني لا أفكر أنني سفير، أنا باحث علمي.
ألا تلعب الجنسية دورا داخل مجتمع العلماء؟ وهل يستوي في هذا الوسط العالم المغربي مع العالم الأمريكي والعالم الروسي والصيني وغيرهم؟
تأثير الجنسية صفر في المائة، فهي لا تثير أي مشكلة، وهذه من الأشياء الجميلة في البحث العلمي، حيث يتم التركيز على التجربة والبحث، وبإمكان أي باحث أو عالم نشر بحثه العلمي الذي يتعرض للقراءة والمجادلة والنقد، وهذا هو السر في تقدم البحث العلمي، والجميل أنه يمكن مجادلة أي عالم أو باحث وفقا لأسس علمية وليس انطلاقا من اعتبارات أخرى.
لكن وكما أن الذكاء ليس له جنسية فإن البلادة ليس لها جنسية أيضا.
انطلاقا من خبرتك في الاشتغال في مختبرات علمية بدول رائدة على مستوى البحث العلمي، ما هي الخلطة أو الوصفة السحرية لتطوير البحث العلمي في بلادنا؟
عندما نال المغرب استقلاله قبل أزيد من ستين عاما كان في نفس المستوى أو أفضل من كوريا الجنوبية واليابان، لكن هذين البلدين أصبحا قوتين عالميتين اليوم، لأنهما اختارا طريق البحث العلمي عكس المغرب.
إن النهوض بالبحث العلمي ينطلق أساسا من تشجيع المواطنين على أن يكونوا باحثين، ولن يتأتى ذلك إلا بارتفاع عدد الخريجين من أسلاك الإجازة والماستر والدكتوراه الذين يمتلكون شغف البحث العلمي، واختيار بعض المهندسين الاستمرار في دروب البحث بدل التوجه لسوق الشغل.
ويبقى المشكل الأكبر للبحث العلمي في المغرب، وبغض النظر عن الجهود المبذولة من طرف الحكومات المتعاقبة، هو بقاء الجامعة المغربية في إطار مغربي-مغربي بعدما وضعت ستارا بينها وبين العالم، كما لو أن المغرب منغلق على ذاته، فيما التجربة تؤكد نجاح كل التجارب التي انفتحت على العالم. وما دمت في سنغافورة دعني أعطيك مثالا بهذا البلد، فرئيس الجامعة التي أنتمي إليها والذي قادها في الأربع سنوات الماضية كان سويديا، قبل أن يأخذ مكانه مؤخرا أمريكي من أصل هندي وليس سنغافوري، لأن الأهم بالنسبة إلى سنغافورة هو اختيار الأفضل لقيادة جامعاتها نحو التطور بغض النظر عن الجنسية التي يحملها.
صحيح، يتوفر المغرب على كفاءات علمية، لكن انفتاح الجامعة على كفاءات من الخارج مطلوب بإلحاح، فالأمر أشبه بلعبة كرة القدم، حيث يتم الاستثمار في مرات عديدة في مدرب أجنبي لقيادة المنتخب الوطني بحثا عن تتويج قاري أو مشاركة في مونديال عالمي، وأنا أتساءل معك: ما الذي يمنع المغرب من الاستثمار في العلماء الأجانب؟ ألا يمكن الاتفاق معهم على تحقيق أهداف محددة في مدة زمنية محددة؟
أيضا من المشاكل التي يعاني منها المغرب في البحث العلمي، انشغال الجامعات في صرف ميزانيات ضخمة في أمور شكلية بينما تبقى إنتاجاتها العلمية ضئيلة جدا، علما أن الكنز في البحث العلمي هو العقول وليس الأموال، فقد تتوفر لديك الأموال لكنك ستفشل حتما إذا لم تكن تتوفر على عقول، لذلك يبقى الاستثمار الحقيقي للجامعة المغربية هو الذي يتوجه نحو استقطاب العقول، ومنافسة دول عربية وآسيوية وأوروبية في جلب هذه الكفاءات لتنفيذ أبحاثها بكل حرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.