حين قدمت حكومة عزيز أخنوش برنامجها سنة 2021، وضعت ملف التشغيل في قلب أولوياتها، متعهدة بخلق مليون منصب شغل خلال الولاية، وتوجيه السياسات نحو الشباب والنساء والمناطق الهشة. وتضمنت الوعود حينها خطة تشغيل شاملة تمولها الدولة، وتوجيه فرص الشغل نحو القرى والجهات الجبلية. إضافة إلى تعزيز التكوين المهني والتشغيل الذاتي، وتحسين الأجور وظروف العمل لجعل الوظائف الرسمية أكثر جاذبية. فما الذي تحقق؟ وماذا ينتظر في قانون مالية 2025، رصد مبلغ يقارب 14 مليار درهم لخطة التوظيف الوطنية، مع إطلاق برامج تستهدف دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتنشيط التشغيل في المناطق الريفية، وإصلاح برامج التكوين المهني، وتوسيع التوظيف الذاتي والمقاولة الناشئة. الحكومة تؤكد أنها نجحت في خلق حوالي 600 ألف منصب شغل خلال أربع سنوات، بين القطاعين العام والخاص. كما تشير الأرقام الرسمية إلى تراجع طفيف في البطالة. إذ انتقلت نسبتها من 16.7 إلى 16.4 في المائة في المدن، ومن 6.7 إلى 6.2 في المائة في القرى.
صرح يونس السكوري، وزير التشغيل أمام البرلمان بأن هذه النتائج "تعكس دينامية تشغيلية حقيقية بفضل ورش ميثاق الاستثمار الجديد"، مؤكدا أن الحصيلة "إيجابية في ظرفية صعبة". لكن، على عكس الصورة الوردية التي ترسمها الحكومة، فإن المندوبية السامية للتخطيط ترى أن الأرقام الرسمية تخفي هشاشة بنيوية.
تشير مندوبية التخطيط إلى أن معدل البطالة الوطني تراجع إلى 12.8 في المائة خلال الفصل الثاني من العام الجاري، لكنه يبقى مرتفعا وسط الشباب (35.8 في المائة) وحاملي الشهادات (19.4 بالمائة. بالمقابل ارتفعت نسبة بطالة النساء ارتفعت من 19 إلى 20 في المائة). أما بخصوص معدل "الشغل الناقص"، أي الأشخاص الذين يشتغلون في ظروف غير قارة، فقد ارتفع من 9.6 إلى 10.6 في المائة .
لتخلص (مندوبية التخطيط) إلى أن "تحسن الأرقام الإجمالية لم يترجم إلى تحسن نوعي في جودة العمل أو استقراره"، معتبرة أن الجزء الأكبر من الوظائف المحدثة هش وموسمي.
بطالة الشباب رقم مفزع رغم تحقيق الاقتصاد المغربي لمعدلات نمو إيجابية خلال العقدين الماضيين، فإن هذه النتائج لم تنعكس بشكل ملموس على مؤشرات التشغيل. فبحسب دراسة حديثة للمعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية، بلغ معدل البطالة على الصعيد الوطني 13.4 في المائة سنة 2024، في حين قفزت بطالة الشباب إلى 39.5 في المائة. هذه المفارقة تطرح تساؤلات عميقة حول طبيعة النموذج التنموي القائم وقدرته على خلق فرص شغل لائقة، إذ يبدو أن الدينامية الاقتصادية لا تترجم تلقائيا إلى مناصب عمل مستدامة. الأخطر أن بطالة الشباب باتت تعني أن شابا واحدا من بين كل ثلاثة يوجد خارج سوق الشغل، وهو وضع ينذر بتداعيات اجتماعية خطيرة ويهدر رصيدا بشريا ثمينا يفترض أن يشكل محركا للتنمية.
يذهب يوسف كراوي، رئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، إلى أن المغرب يحتاج إلى معدل نمو يفوق 7 في المائة وقطاعات ذات قيمة مضافة عالية لتوليد فرص شغل مستدامة، معتبرا أن "التحسن الطفيف في البطالة لا يعكس انفراجا حقيقيا". ويوضح أن معظم الوظائف الجديدة جاءت لتعويض مناصب ضاعت بسبب الجفاف وتراجع الفلاحة. ويعتبر أن الاستثمار في البنية التحتية والصناعة لم يواكب باستثمار كاف في الكفاءات البشرية.
في المقابل، اعتبرت فرق برلمانية من المعارضة أن الحكومة ضخمت الأرقام ولم تلتزم بالوعد المركزي (مليون منصب شغل). وأشارت في بياناتها إلى أن ما تحقق لم يغير جذريا واقع البطالة بين الشباب وخريجي الجامعات.
وحسب نفس المصدر فإن 14 مليار درهم المرصودة خصص جزء كبير منها لدعم المقاولات، دون أن ينعكس مباشرة على الأسر أو الأفراد الباحثين عن عمل. بالمقابل فإن الحكومة لجأت إلى تشغيل مؤقت أو موسمي لتلميع الحصيلة.
خطة حكومية جديدة مع اقتراب نهاية ولايتها، تراهن حكومة عزيز أخنوش على خطة 2025–2030 باعتبارها الامتداد الطبيعي لبرنامجها الاجتماعي–الاقتصادي، والمرحلة التي يفترض أن تنقل وعود التشغيل من الأرقام إلى واقع ملموس.
الخطة تضع هدفا رئيسيا يتمثل في تقليص معدل البطالة إلى 9 في المائة بحلول 2030، وإحداث 1.45 مليون منصب شغل جديد. ولتحقيق ذلك، رصد غلاف مالي يبلغ 15 مليار درهم، تتوزع موارده على 12 مليار لتحفيز الاستثمار وفق مقتضيات ميثاق الاستثمار الجديد، و2 مليار لإنعاش برامج التشغيل، ومليار واحد مخصص للحفاظ على مناصب الشغل في الوسط القروي المتأثر بالجفاف والهجرة.
وتشمل الخطة ثماني مبادرات كبرى تروم معالجة جذور أزمة الشغل في المغرب عبر إنعاش استثمارات المقاولات الصغيرة والمتوسطة عبر تسهيل الولوج إلى التمويل والصفقات العمومية، وتعزيز السياسات النشيطة للتشغيل بإدماج الشباب غير الحاصلين على شهادات في سوق العمل. وتسعى بالموازاة مع ذلك إلى تقليص فقدان مناصب الشغل في القطاع الفلاحي عبر دعم اليد العاملة الزراعية وتوسيع المساحات المزروعة.
كما تراهن الحكومة على إدماج السياسات النشيطة في برنامج موحد يضمن التنسيق ورفع النجاعة، وتعزيز أدوار الوكالة الوطنية للتشغيل وربط خدماتها أكثر بالمقاولات المحلية. فضلا عن تذليل العوائق أمام ولوج المرأة لسوق العمل عبر النقل والحضانات، زيادة على تحسين التكوين المهني والتعليم العالي لملاءمة العرض التكويني مع حاجيات السوق.
لكن، في المقابل، يجمع خبراء الاقتصاد وسوق العمل على أن نجاح الخطة لن يتحقق بالأموال وحدها. فالمغرب عاش في 2021–2025 تجربة مماثلة، حيث رصدت اعتمادات مالية قياسية (14 مليار درهم في 2025 فقط)، لكن النتائج كانت دون التطلعات، إذ لم تنخفض معدلات البطالة إلا جزئيا، مع بقاء معدل بطالة النساء في مستوى مرتفع، بينما ظل إدماج الشباب في سوق الشغل هشا.
ويرى خبراء أن الرهان الحقيقي يكمن في الحكامة والتتبع الصارم لبرامج التشغيل، وفي توجيه الدعم نحو المقاولات الصغيرة جدا والناشئة، باعتبارها المحرك الأساسي لإحداث فرص شغل سريعة ومستدامة. أما إذا استمر الدعم موجها بشكل رئيسي إلى المقاولات الكبرى، فإن التجربة قد تنتهي إلى نفس الأعطاب التي طبعت وعود 2021، أي كثرة الأرقام وقلة الأثر المباشر على حياة الباحثين عن العمل.
من جهته، يذهب حميد فايو، الخبير الاقتصادي المتخصص في قضايا الاستثمار الأجنبي ومناخ الأعمال، إلى أن تجارب دول مثل ماليزياوكوريا الجنوبيةوالمكسيكوفيتنام تعد بمثابة تجارب ملهمة للمغرب. فماليزيا، حسب نفس المصدر، نجحت في استهداف الصناعات المستقبلية والانتقال من اقتصاد قائم على المواد الأولية إلى اقتصاد المعرفة، بينما ركزت كوريا الجنوبية على التعليم والتكنولوجيا وربطت البحث العلمي بالصناعة.
من جهة أخرى، اعتمدت المكسيك على مرونة سوق العمل ومشاركة المواطنين في صنع السياسات، فيما نجحت فيتنام في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعات تصنيعية كثيفة العمالة. هذه النماذج، يضيف حميد فايو، تثبت أن النجاح في معركة التشغيل ممكن عندما تكون هناك إرادة حقيقية وإصلاحات هيكلية جريئة.
يمثل دنو موعد نهاية الولاية الحكومية، وفشلها في إقناع الشارع أو تهدئة احتجاجات الشباب، محطة مفصلية، إذ ستشكل الانتخابات المقبلة اختبارا حقيقيا لمدى قدرة الحكومة على تحويل وعودها إلى أثر ملموس في حياة المغاربة. فإما أن تنجح في استعادة الثقة وتقديم نموذج إصلاحي قابل للاستمرار، أو تتحول إلى مجرد تجربة أخرى، من التجارب الحكومية التي خذلت المغاربة.