1. الرئيسية 2. تقارير يونس السكوري.. أربع سنوات من الوعود والبرامج الورقية تنتهي ببطالة قياسية واحتجاجاتٍ للشباب وفراغ في "أنابيك" الصحيفة - خولة اجعيفري الأربعاء 1 أكتوبر 2025 - 20:30 في الوقت الذي تهتز فيه شوارع المغرب على وقع احتجاجات جيل Z، المطالبة بالصحة والتعليم والشغل، يطفو على السطح اسم الوزير يونس السكوري كأحد المسؤولين المباشرين عن جزء من هذا الغضب الاجتماعي، فبعد أربع سنوات من توليه حقيبة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، تبدو حصيلته هزيلة إن لم نقل كارثية على مستوى التشغيل، إذ لم تستطع وزارته تقديم أجوبة مقنعة لشباب يرزح تحت وطأة البطالة وانسداد الأفق. وتحوَّلت موجةُ احتجاجات "جيل Z"، إلى مرآة عاكسة لأزمةٍ أعمق من مجرد خروج شبابيّ غاضب فالقاعُ الاقتصادي والاجتماعي الذي يغذّي هذا الغضب يتبدّى بأوضح صُوَره في اختلالات سوق الشغل، وفي ارتباك الحوكمة داخل الذراع التنفيذية المفترضة لسياسة التشغيل أي الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات "أنابيك" وهو ارتباك تتحمّل مسؤوليته السياسية وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات بقيادة يونس السكّوري. هذا الربط ليس إنشائيا ولا اتهاما مجانيا بل هو مؤسَّس على وقائع ومؤشرات صريحة تُظهر أنّ بطالة الشباب بقيت في مستويات حرجة إن لم نقل تعمقت خلال الحكومة الحالية وأنّ جودة الإدماج المهني تدهورت، فيما تُدار أهم مؤسسة وسيطة في التشغيل بلا قيادة دائمة بالتزامن مع تسويق برامج ظرفية لا تُحدِث انعطافا بنيويا في السوق. على مستوى الصورة الراهنة لسوق الشغل، تُجمِعُ بيانات المندوبية السامية للتخطيط (HCP) في مذكّرتها حول الربع الثاني من سنة 2025 على أن معدل البطالة الوطني انخفض هامشياً من 13.1% إلى 12.8%، لكنّ «التحسّن» يخفي فجواتٍ صارخة، فبطالة الشباب ما بين 15 و24 سنة عند 35.8%، وبطالة النساء 19.9%، فيما لم ينجح الاقتصاد خلال عامٍ كامل سوى في خلق 5 آلاف منصبٍ صاف فقط بين الربع الثاني من 2024 والربع الثاني من 2025. وخسر قطاع الفلاحة 108 آلاف منصب، مقابل مكاسب في البناء (+74 ألف) والخدمات (+35 ألف) والصناعة (+2000) أي أننا أمام تحويلٍ هشّ للعمالة أكثر منه توسّعٌ صلب في الطلب على الشغل، والأخطر أنّ سوء التشغيل (العمل غير الملائم والناقص) ارتفع وطنيا من 9.6% إلى 10.6% في الفترة نفسها، بما يعني أنّ جزءا متزايدا ممن "يعملون" عالقٌ في وظائف أدنى من مؤهلاته أو دون ساعات كافية تضمن دخلا كريما زهذه ليست تفاصيل تقنية بقدر ما هي خلاصة بنيوية تؤكد أن الشغل أقل جودة، ويوجد انتكاسٌ في الإدماج الفعلي للفئات الهشة، رغم أي "انخفاض" طفيف في المعدّل العام. وإذا انتقلنا من اللقطة الفصلية إلى الصورة السنوية، نجد أنّ معدّل البطالة لعام 2024 بلغ 13.3% مع ركودٍ في معدل النشاط عند 43.5% ومشاركة النساء عند 19.1% وهي أرقام ترسّخ أن المشكلة تتجاوز دوراتٍ ظرفية إلى اختناقٍ هيكلي في العرض والطلب معا وقد وثّقت مندوبية التخطيط هذا في "وضعية سوق الشغل 2024"، مؤكّدة محدودية التحسّن في المدن مقابل مزيدٍ من التدهور في القرى بفعل الجفاف وتبعاته. وفي قلب هذه المنظومة يقف مؤشر "NEET"، شباب خارج التعليم والعمل والتدريب كجرس إنذارٍ بالغ إذ نسجل أنه 25.2% من الفئة ما بين 15 و24 سنة في المغرب يصنَّفون NEET (حوالي 1,5 مليون شاب)، مع فجوة صارخة لدى الشابات تتجاوز 37% وفق بيانات مندوبية التخطيط ما يعني كتلة بشرية شابة خارجة عن كل قنوات التمكين والإدماج، ومهيأة موضوعيا للتحول إلى وقود اجتماعي لأي موجة احتجاج. وهنا تتضح مسؤولية الوزارة السياسية والمؤسسية، عندما نضع هذه المؤشرات بجوار واقع "أنابيك"، ففي يونيو 2025 جرى إعفاء المديرة العامة للوكالة، إيمان بلمعطي بقرارٍ وقّعه رئيس الحكومة، على خلفية ما وصف حينها ب "أهداف غير مُحقَّقة" بحسب مصادر حكومية كانت قد تحدثت ل "الصحيفة"، مع تكليف وفاء عصري، الكاتبة العامة للوزارة، بتدبير الوكالة بالنيابة. لكن حتى اللحظة، ظلّت القيادة الدائمة غائبة فيما أُحيل النزاع بين المسؤولة المُعفاة والوكالة إلى مساراتٍ قضائية، ما يكشف أزمة حوكمة غير مسبوقة في المرفق الذي يُفترض أنه "مِعصَم" سياسة التشغيل اليومية (وساطة، مواكبة، تعاقدات، تحفيزات) أما أن تُترك "أنابيك" من دون قيادة مستقرة في ذروة اضطراب سوق الشغل هو إخفاق إداري وسياسي معا، لأنّه يُقوِّض تنفيذ أي خريطة طريقٍ جدّية للإدماج. توازيا، سوّقت الحكومة الحالية، برنامجين بارزين باعتبارهما "قاطرة الحل"، ونتحدث هنا عن برنامجي "أوراش" و"فرصة"، غير أن تفكيك هيكلهما ومخرجاتهما يُظهر حدود أثرهما البنيوي. فأوراش مثلا الذي أُطلق سنة 2022 بتمويلٍ عمومي يقارب 2.25 مليار درهم وبطموح لبلوغ 250 ألف منصب مؤقت خلال سنتين، ثم تقرّر توسيعه إلى "أوراش 2" مع "منحة دعم التشغيل" (PAE) التي تمنح 1500 درهم شهريا ولمدة 9 أشهر للمشغِّل عن كل مُستفيد يُثبت عقدا لا يقل عن 12 شهرا، وذلك لتحويل المؤقت إلى شبه دائم عبر التحفيز ورغم هذا المنطق تبقى الفلسفة الأساسية للبرنامج ظرفية ومؤقتة الطابع، ما يفسّر لماذا لا ينعكس الأثر على البطالة البنيوية أو على مؤشرات سوء التشغيل وقد أبان بالفعل عن فشله في هذا الإطار. أما "فرصة" برنامج دعم ريادة الأعمال، فإنّ بيانات المتابعة تشير إلى تمويل نحو 21.200 مشروع بين 2022 و2023، ثم 21.158 مشروعا مُغطّى بالمتابعة حتى خريف 2024، مع "تغطية" بلغت 74% ومجموع 36,920 وظيفة "مُسجّلة" منها 44% لصالح النساء لكنّ هذه أرقام "إدارية" الطابع (تمويل، تتبُّع، وظائف مُسجّلة...) ولا تُفصح بعد عن مؤشرات "الأثر المستدام" بما فيها نسب بقاء الشركات بعد 24 إلى 36 شهرا، متوسط الأجور المُولّدة، جودة الوظائف، ونِسَب التحول من القطاع غير المنظّم إلى المنظّم وبالتالي من دون هذه العدسات، يبقى "فرصة" أقرب إلى ضخّ سيولة أولية واسعة من كونه سياسةَ إدماجٍ صلبة تعالج جذور البطالة البنيوية. وحين نضع كل ذلك في سياق الاحتجاجات تصبح الصورة مترابطة، فخلال الأيام الأخيرة، شهدت المملكة تصاعد احتجاجاتٍ شبابية منظّمة رقميا تحت مسمى "GenZ 212"، انطلقت بمطالب واضحة لتحسين التعليم والصحة ومحاربة الهشاشة، لكنّها شهدت في بعض المدن أمس الثلاثاء بينها إنزكان وآيت عميرة انزلاقات عنيفة شملت رشق الحجارة، إحراق بنوك، قلب مركبات للأمن، ومحاولات اقتحام متاجر، واعتقالات جماعية في الرباط ومدنٍ أخرى كما أصيبب متظاهرٍ في وجدة بعد صدمه من سيارة أمنية. وانتقدت مجموعة من الفعاليات الحقوقية والحزبية والمدنية ما حدث في مقدمتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي رفضت نهج الاعتقالات، مقابل بلاغ للأغلبية الحكومية يتحدث عن الاستعداد للحوار و"توازن" في تدخلات الأمن وهذه أحداث في مجملها تأتي نتيجة لطبقاتٍ متراكمة من انسداد الأفق لدى الشباب يتقدّمها ملف التشغيل. من جهة ثانية، صحيح أن المسؤولية السياسية هنا تتوزع، لكن وزن حقيبة التشغيل في هذه المعادلة مرجِّح فمن جهة، أنابيك بلا قيادة دائمة منذ يونيو الماضي وذلك في ذروة ارتفاع بطالة الشباب وسوء التشغيل مع ما يعنيه ذلك من تعثُّر في الوساطة والتكوين المواكِب وخدمات المواكبة للشركات والباحثين عن الشغل. ومن جهة أخرى، برامج "أوراش" و"فرصة" التي رُوِّج لها بقوة لا تُثبت حتى الآن قدرتها على تحويل المخزون NEET الهائل إلى إدماجٍ مستدام، ولا على خفض البطالة البنيوية في شريحة ما بين 15 و24 سنة التي ظلت تقارب 36% في الربع الثاني 2025 أضف إلى ذلك أنّ سوء التشغيل ارتفع من 9.6% إلى 10.6% خلال عام، بما يؤشر إلى هشاشة جودة الإدماج حتى لمن يعملون فعلا وهذه عناصر تجعل الربط بين فشل سياسات التشغيل واحتجاجات الشباب ليس استنتاجا دعائيا بل قراءةً مبنية على الوقائع. سياسيا وإداريا، كان واجبا على الوزير أن يحصّن "أنابيك" بقيادة مستقرة وخريطة طريقٍ مُعلنة بمؤشرات أداء شهرية علنية بما فيها نِسَب الإدماج المستدام، تحويل التدريب إلى عقودٍ فعلية، تتبّع ما بعد الإدماج حتى 24 شهرا كما كان يلزم تصميمُ جسر واضح يحوّل "أوراش" من المنافع المؤقتة إلى تثبيت حقيقي عبر حوافز مُشروطة بالاستدامة وجودة العقود والأجور، وأن يُرفق "فرصة" بلوحة قيادةٍ شفافة لقياس البقاء والنموّ وجودة الوظائف. في نهاية المطاف، يقف الوزير يونس السكّوري أمام حصيلةٍ لا تقبل التجميل وهي معدلات بطالة شبابية مرتفعة جدا، سوء تشغيل متصاعد، كتلة NEET تعادل ربع الشباب، وبرامج مُسوقة بأرقام إدارية لا تُثبت حتى الآن أثرا هيكليا فيما أنابيك، الأداة المركزية، تُدار بالنيابة منذ أشهر وكل ذلك في الوقت الذي تشتعل فيه الشوارع بمطالب الصحة والتعليم والكرامة.