في خضم السنوات الأولى من اندلاع النزاع المسلح في الصحراء المغربية، وجدت المملكة نفسها في مواجهة تحالف معقّد ومتعدد الأذرع، حيث لم تقتصر المعركة على الميدان العسكري، بل امتدت إلى كواليس الدبلوماسية الدولية، حيث سعت الجزائر جاهدة إلى عزل المغرب ومنع تدفق الدعم العسكري عنه، مستخدمة أدوات وتحالفات دولية، كان أبرزها التحالف مع إيران الخمينية. ففي سنة 1979، ومع اندلاع الثورة الإسلامية في إيران وسقوط نظام الشاه – الحليف التقليدي للمغرب – لم تتردد الجزائر في مد جسور الدعم للنظام الجديد بقيادة آية الله الخميني، لتكون من أولى الدول العربية التي أبدت ترحيبها بالنظام الثوري الناشئ. لم يكن هذا التقارب مجرد موقف سياسي عابر، بل شكل مدخلًا حيويًا لاستخدام ورقة إيران في لعبة موازين القوى الإقليمية. وبينما كانت إدارة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر تحاول بصعوبة فك أسر عشرات الموظفين الأمريكيين المحتجزين في السفارة بطهران، تقدّمت الجزائر بعرض للتوسط. هذه المبادرة أثمرت لاحقًا، وتحديدًا في عهد إدارة رونالد ريغان، عن توقيع "اتفاقات الجزائر" سنة 1981، والتي وضعت حدًا للأزمة الدبلوماسية بعد 444 يومًا من الاحتجاز. لكن خلف ستار الوساطة، كانت الجزائر تحيك خيوطًا أخرى. فقد اشترطت – حسب ما تواتر من شهادات وتحليلات دبلوماسية – أن يترافق إنهاء الأزمة مع فرض حظر أمريكي على تصدير السلاح إلى المغرب، الذي كان آنذاك يخوض حربًا شرسة ضد ميليشيات البوليساريو المدعومة من الجزائر. وفي تلك المرحلة الحرجة، كان المغرب يواجه تحديات ميدانية حقيقية، في ظل دعم ضخم حصل عليه خصومه من محور "الثورات المناهضة للإمبريالية" بقيادة الجزائر، وتشمل حلفاء مثل ليبيا القذافي، وسوريا الأسد، وكوبا، وكوريا الشمالية. هذا التحالف وفّر للبوليساريو ترسانة عسكرية غير مسبوقة، في وقت كان فيه المغرب يكافح لتأمين تسليح جيشه الوطني. تداعيات هذه المرحلة كانت مأساوية. آلاف الجنود المغاربة فقدوا أرواحهم، وآخرون وقعوا في الأسر، حيث تعرضوا على مدار عقود لأبشع أصناف الانتهاكات في مخيمات تندوف جنوبالجزائر. وامتدت معاناة الأسرى المغاربة لعقود طويلة، دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنًا، إلى أن جاءت مبادرة إنسانية فريدة من نوعها. ففي سنة 2005، وبعد وساطات دبلوماسية معقّدة ومبادرة حاسمة من السيناتور الأمريكي الراحل جون ماكين – الذي تأثر شخصيًا بمأساة الأسرى المغاربة باعتباره أسير حرب سابق – أُفرج عن آخر دفعة من الجنود المغاربة المحتجزين، منهية واحدة من أطول فصول الاحتجاز العسكري في العصر الحديث. خلال هذا المسار المعقّد، استطاع المغرب لاحقًا أن يقلب موازين المعركة. فبدءًا من منتصف الثمانينيات، وفي أعقاب تقارب استراتيجي بين الرباط وإدارة ريغان، أُعيدت العلاقات الدفاعية مع الولاياتالمتحدة، وتم رفع الحظر العسكري غير المعلن. حينها شرع المغرب في تنفيذ خطة عسكرية محكمة، أبرز محطاتها بناء "الجدار الأمني الرملي"، الذي مكّنه من تحصين مناطقه الجنوبية ووضع حد للاختراقات العسكرية للبوليساريو. إن مراجعة هذا المسار التاريخي تكشف بوضوح أن ما بدا حينها كوساطة إنسانية من الجزائر، كان في الواقع جزءًا من استراتيجية أوسع لضرب استقرار المغرب واستهداف وحدته الترابية عبر أدوات الحرب غير المباشرة، وتوظيف التحالفات الإقليمية والدولية بذكاء دبلوماسي حاد. أزمة الرهائن في طهران لم تكن مجرد حادثة دولية منفصلة، بل كانت – من وجهة النظر المغربية – فصلًا من فصول الصراع على الصحراء، واستُخدمت فيها كل الوسائل الممكنة لكبح تقدم المملكة، من الدبلوماسية الملتوية إلى الحرب بالوكالة.