ترأّس جلالة الملك محمد السادس نصره الله المجلسَ الوزاري المنعقد في 19 أكتوبر، استنادًا إلى الفصلين الدستوريين 48 و49، اللذين يحددان هيكلة المجلس وصلاحياته واختصاصاته. وقد جاء هذا المجلس الوزاري في سياقٍ سياسي واجتماعي مختلف، يتسم بالترقّب، خصوصًا وأنه يتعلق أساسًا بوضع التوجهات العامة لمشروع قانون المالية، الذي يُعتبر خارطة الطريق والمرآة التي تعكس إرادة الدولة وأهدافها خلال السنة المقبلة. وبالرجوع إلى أهم ما راج في المجلس، نجد أنه يُعتبر محطةً في مسلسل إصلاحاتٍ مستمرة، بدت بوادرها منذ خطاب العرش الأخير وخطاب افتتاح البرلمان. وهو ما تضمّنه العرض الذي قدمته وزارة الاقتصاد والمالية، التي تبنّت في مشروع قانون المالية توجيهاتِ الملك، القائمة على أولويات كبرى تنطلق من توطيد المكتسبات الاقتصادية للمغرب لضمان مكانته ضمن الدول الصاعدة، ثم إطلاق الجيل الجديد من برامج التنمية المجالية والترابية المندمجة، من خلال خلق فرص الشغل للشباب، والدعم الفعلي لقطاعات التربية والتعليم والصحة، إضافةً إلى التأهيل المجالي. وكذلك استكمال ورش الدولة الاجتماعية عبر مواصلة تعميم الحماية الاجتماعية، وتفعيل الدعم الاجتماعي المباشر، وتوسيع قاعدة المستفيدين منه، وأخيرًا مواصلة الإصلاحات الهيكلية الكبرى عبر تعديل القانون التنظيمي لقانون المالية، لضمان حكامةٍ ناجعةٍ للسياسات العمومية. وبالإضافة إلى عرض الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية، فإن المجلس الوزاري يتدارس مشاريع القوانين التنظيمية، حيث تطرّق لمشروعي قانونين تنظيميين يتعلقان بمجلس النواب وبالأحزاب السياسية. ومن خلال التدقيق في مضمون المشروعين، نجد أنهما يرومان تخليق الحياة السياسية، سواء داخل المؤسسات السياسية الدستورية أو داخل الأحزاب السياسية. ولفهم مخرجات هذا المجلس الوزاري، لابد من وضعه في سياقه السياسي والاجتماعي، حيث يمكن اعتباره الترجمة الفعلية لتوجيهات صاحب الجلالة، والتنزيل الميداني لكل رسائله التي تحمل في طياتها تجاوبًا مع انتظارات عموم الشعب، ومن خلالهم المطالب الاجتماعية التي نادت بها حركة "جيل زيد". وقد تضمّن مشروع قانون المالية زيادةً في ميزانية الصحة والتعليم لتصل إلى 140 مليار درهم، وخلق 27.000 منصب شغل في هذين القطاعين، وتجويد البنيات التحتية، وتدشين المؤسسات المشيَّدة، والإسراع في إنجاز ما تبقى من أوراش. إن مخرجات هذا الاجتماع هي بمثابة عرضٍ سياسي واجتماعي وقانوني واقتصادي تقدّمه الدولة لكل أفراد المجتمع، خصوصًا الشباب منهم، ودعوةٌ للمشاركة في الحياة السياسية، والمساهمة في تحسين الأوضاع والإصلاح من داخل المؤسسات، من خلال تضمّن مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب والأحزاب السياسية لمقتضياتٍ تحفّز الشباب على المشاركة السياسية، ومحاولة تخليق الحياة السياسية، وقطع الطريق على كل من ثبت في حقه ممارسة سلوكياتٍ تمسّ بسلامة العمليات الانتخابية. إضافةً إلى التزام الدولة بتحفيز الشباب الراغبين في الترشح، من خلال تبسيط المساطر وتوفير دعمٍ مالي بمقدار 75% من مصاريف الحملات الانتخابية. إن شعارات تجويد الصحة والتعليم ومحاربة الفساد، التي رفعها شباب "جيل زيد" المحتج، تجد أجوبتها الإجرائية والعملية في ما تضمنه هذا الاجتماع، الذي يشكّل آليةً دستوريةً تُلزم الحكومة بضرورة التنزيل، ويحظى بضمانة أعلى سلطة في البلاد. ولا يحتاج الأمر إلا إلى الدعم والانخراط من المواطنين للمساهمة في تخليق الحياة السياسية، والقطع مع الممارسات المشبوهة التي تُشرعن بعض الكائنات الانتخابية وتزجّ بها في المؤسسات الدستورية بقوة القانون. وكذلك التزام الفاعلين الحكوميين بالسهر على حسن تطبيق وتنزيل توجيهات صاحب الجلالة، التي تتجاوز في بعدها الزمني السياقَ الحكومي والغاياتِ الانتخابية ومنطقَ الولاء الحزبي، وتسعى في جوهرها إلى تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية والمجالية. ياسين المصلوحي كاتب مقالات رأي