تركمنستان: عمر هلال يبرز دور المبادرة الملكية الأطلسية المغربية في تنمية دول الساحل    ارتفاع أسعار الذهب بفضل تراجع الدولار وسط آمال بخفض الفائدة الأمريكية    فرنسا تُصعّد ضد الجزائر وتعلّق اتفاق التأشيرات    بلدية اسبانية تحظر احتفالات المسلمين بالاعياد وتثير الجدل    سون هيونغ مين ينضم للوس أنجليس الأمريكي    لبؤات الأطلس يفقدن مراكز في التصنيف العالمي    الوداد الرياضي يحدد تاريخ عقد جمعه العام العادي    ياسين بونو ينافس عمالقة الحراسة على جائزة الأفضل في العالم    موجة حر وزخات رعدية مصحوبة بالبرَد مرتقبة من الخميس إلى الأحد بعدد من مناطق المغرب    البنية التحتية للرباط تتعزز بمرآب تحت أرضي جديد    صيف شفشاون 2025.. المدينة الزرقاء تحتفي بزوارها ببرنامج ثقافي وفني متنوع    تسجيل 4 وفيات بداء السعار في المغرب خلال أشهر قليلة    شاطئ "أم لبوير" بالداخلة.. جوهرة طبيعية تغري المصطافين من داخل المغرب وخارجه    سائحة إسبانية تحذر: لا تلتقطوا الصور في المغرب دون إذن            الوكالة المغربية للدم ومشتقاته تؤكد أن وضعية مخزون الدم بالمملكة مطمئنة    الناظور.. مشاريع حضرية جديدة سترى النور قريباً في إطار تنفيذ مقررات المجلس الجماعي    الفتح الناظوري يضم أحمد جحوح إلى تشكيلته            منخرطو الوداد يرفضون الاتهامات ويجددون مطلبهم بعقد الجمع العام    المغرب... البلد الوحيد الذي يقدّم مساعدات إنسانية مباشرة للفلسطينيين دون وسطاء وبكرامة ميدانية    تعيينات جديدة في صفوف الأمن الوطني    جلالة الملك يهنئ رئيس جمهورية كوت ديفوار بمناسبة العيد الوطني لبلاده    رخص مزورة وتلاعب بنتائج المباريات.. عقوبات تأديبية تطال أندية ومسؤولين بسبب خروقات جسيمة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة التي فرضها ترامب تدخل حيز التنفيذ    أزمة ‬الإجهاد ‬المائي ‬تطل ‬على ‬بلادنا ‬من ‬جديد..‬    الداخلة.. ‬‮«‬جريمة ‬صيد‮»‬ ‬تكشف ‬ضغط ‬المراقبة ‬واختلال ‬الوعي ‬المهني ‬    المغرب ‬يرسّخ ‬جاذبيته ‬السياحية ‬ويستقطب ‬‮«‬أونا‮»‬ ‬الإسبانية ‬في ‬توسع ‬يشمل ‬1561 ‬غرفة ‬فندقية ‬    يوليوز 2025 ثالث أكثر الشهور حرارة على الإطلاق عالميًا    كيوسك الخميس | المغرب الأول مغاربيا والثالث إفريقيا في الالتزام بأهداف المناخ    تتويجا ‬لمسار ‬ناضج ‬وجاد ‬من ‬الجهود ‬الدبلوماسية : ‬    جو عمار... الفنان اليهودي المغربي الذي سبق صوته الدبلوماسية وبنى جسورًا بين المغرب واليهود المغاربة بإسرائيل    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    التامني: قرار المحكمة الدستورية صفعة قوية لحكومة عاجزة عن احترام الدستور    في ‬دلالات ‬المضمون : ‬ توطيد ‬المسار ‬الديمقراطي ‬و ‬تطوير ‬الممارسة ‬السياسية ‬لتعزيز ‬الثقة ‬في ‬المؤسسات    زيلينسكي يجدد الدعوة للقاء مع بوتين    منشق شمالي يدخل كوريا عبر الحدود البحرية    وقف حرب الإبادة على غزة والمسؤولية الوطنية    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    الحرائق تخرج عن السيطرة في فرنسا.. قتلى ومفقودون ومناطق بأكملها تحت الرماد    حين يتحدث الانتماء.. رضا سليم يختار "الزعيم" ويرفض عروضا مغرية    تداولات بورصة البيضاء تنتهي بالأخضر    دعم السينما يركز على 4 مهرجانات    خبيرة غذائية تبرز فوائد تناول بذور الفلفل الحلو    تكريم كفاءات مغربية في سهرة الجالية يوم 10 غشت بمسرح محمد الخامس        حين ينطق التجريد بلغة الإنسان:رحلة في عالم الفنان التشكيلي أحمد الهواري    أكلو : إلغاء مهرجان "التبوريدة أوكلو" هذا الصيف.. "شوقي"يكشف معطيات حول هذه التظاهرة    طفل يرى النور بعد ثلاثين عامًا من التجميد    الموثقون بالمغرب يلجأون للقضاء بعد تسريب معطيات رقمية حساسة    بين يَدَيْ سيرتي .. علائم ذكريات ونوافذ على الذات نابضة بالحياة    نحن والحجاج الجزائريون: من الجوار الجغرافي …إلى الجوار الرباني    اتحاديون اشتراكيون على سنة الله ورسوله    من الزاويت إلى الطائف .. مسار علمي فريد للفقيه الراحل لحسن وكاك    دراسة كندية: لا علاقة مباشرة بين الغلوتين وأعراض القولون العصبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يطالب الأمازيغيون المغاربة بالعلمانية؟

مصطفى عنترة: الواضح أن أحداث الحادي عشر شتنبر 2001 ألقت الضوء أكثر على الإسلام في جوانبه المتعددة والمختلفة، وقد زاد هذا الاهتمام بعد الأحداث الإرهابية المتوالية التي عرفها العديد من المواقع
الجغرافية (الرياض، الدار البيضاء، مدريد...). ومن هذا المنطلق خرج الحديث عن العلمانية أو اللائيكية عندنا في المغرب بعد العمليات المتوحشة التي مست العاصمة الاقتصادية للمملكة في النصف الثاني من السنة الماضية من مجال المحرمات الثقافية والسياسية ليدخل مجال التداول العمومي، إذ برزت العلمانية كفكر وفلسفة ورؤية في العديد من الكتابات التي تناولت العمليات الإرهابية التي كان وراءها دعاة "الإسلام الجهادي".. كما ظهرت دعوات لاقرار العلمانية وتطوير ممارستها..
من المؤكد أن قطاعا واسعا داخل الحركة الأمازيغية وبعض الأطراف اليسارية الراديكالية هما اللذان يحملان، اليوم، هم الدفاع عن مطلب العلمانية، مع العلم بأن اليسار تخلى في جزء هام منه عن هذا الأمر لاعتبارات متعددة منها أساسا عجزه عن بلورة نظرية حول التعامل المسألة الدينية فضلا عن التأويل السلبي الذي أعطي للعلمانية والذي استغله المعادون للحداثة قصد ضرب كل مبادرة تسير في هذا الاتجاه إلى درجة أصبح معها مرادف العلمانية هو الإلحاد والزندقة وما شابه ذلك لدى رجل الشارع المغربي، ناهيك عن فهم البعض أن المطالبة بإقرار العلمانية يضرب في العمق السلطة الدينية للحكم.. فهذه العوامل مجتمعة وغيرها هي التي جعلت قطاعا واسعا داخل اليسار المغربي يتخلى عن مطلب الدفاع عن العلمانية ويفطن إلى ضرورة التحصن خلف آلية "إمارة المؤمنين" ضد خطر الاسلاميين، لكن السؤال المركزي الذي بات يطرح نفسه هو: لماذا يطالب الأمازيغيون بالمغرب بإقرار العلمانية ؟
قبل البدء في ملامسة هذا السؤال الهام في جوانبه المتعددة لا بأس من الوقوف عند مفهوم العلمانية.
العلمانية:
تعني العلمانية ذلك النظام السياسي والاجتماعي الذي لا تمارس فيه الدولة أية سلطة دينية، والعلمانية باللغة الفرنسية Laicite كلمة مستنسخة من المفردة الإغريقية Laicos ومعناها "الشعب ككل ماعدا رجال الدين"، وهي نتاج الحضارة الغربية(عصر الأنوار). وقد ارتبطت العلمانية تاريخيا بنضال المجتمعات البشرية ضد سيطرة القوى غير الطبيعية على حياة الإنسان وإعمال العقل المستقل والفكر البشري النسبي في أمور تدبير شؤونه الدنيوية على الأرض.
فليست هناك علمانية واحدة، بل علمانيات متعددة وفق الخصوصيات السوسيوثقافية للمجتمعات.
وقد ميزت الكتابات التي تطرقت إلى مفهوم العلمانية إلى نوعين منها وهما: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة. تعد الأولى بمثابة رؤية جزئية للواقع، تتمثل في عملية فصل الدين عن الدولة، لكنها تلزم الصمت حيال المجالات الأخرى ولا تنكر وجود مطلقات أو ميتافيزيقيا.. وهذا النوع من العلمانية يسمى ب" العلمانية الأخلاقية" أو " العلمانية الإنسانية". أما الثانية فهي رؤية شاملة للواقع، تحاول تحييد علاقة الدين والقيم المطلقة.. بكل مجالات الحياة، ويرتكز هذا النوع من العلمانية على البعد المادي للكون، ذلك أن سلوك الفرد يتحرر من كل القيود المطلقة أو الغيبية مستحضرا العلم والتجربة المادية، ويطلق عليها "العلمانية الطبيعية المادية".(1)
وقد ظهرت العلمانية تاريخيا بعد الصراع المرير الذي خاضته البورجوازية في أوربا ضد سلطات الكنيسة المتحالفة مع الإقطاع والتي استطاع رجالاتها في محطات تاريخية معينة بسط هيمنتهم على المجتمعات الأوربية، حيث تفاعلت معها منذ الثورتين الانجليزية والفرنسية، ذلك أن الكنيسة والاقطاع عملا على عرقلة تطور وسائل الانتاج والوقوف ضد التطور العلمي والتكنولوجي..لكن "نضال" البورجوازية للدفاع عن مصاحها توج بتدمير سلطات الاقطاع وبالتالي تقييد دور الكنيسة وتحرير المجتمع من القيود التي استطاع رجالاتها فرضها على المجتمع. ولم تعرف فرنسا اللائيكية بشكل مؤسساتي إلا بعد صدور قانون 1905 الذي رسخ مسألة فصل الدين عن الدولة وأعطى الحرية الدينية لكل الأديان ومنع الدولة من احتكار السلطة الدينية وبالتالي عدم فرض دين معين على باقي أفراد المجتمع.
وقد تميزت الدساتير التي أعقبت هذا القانون في فرنسا بالحرص على ترسيخ هذا الفصل بعد التعديلات الدستورية التي عرفتها هذه المسألة على اعتبار أن العلمانية في فرنسا تعرف تجددا مستمرا، مما جعل هذه الأخيرة بمثابة نموذج للعديد من الأنظمة. فالعلمانية هي فلسفة فكرية وثقافية تتميز بتغليب السلطة العقلية المستقلة على السلطة الغيبية والدينية، بينما اللائيكية هي نظام سياسي مؤسساتي يسعى إلى تنظيم المجتمع وفق مبادئ يصدرها العقل البشري نفسه.
أما بالنسبة إلى الرقعة الممتدة من المحيط إلى الخليج فإن ظهور العلمانية كان حديث العهد، وقد تبنت في البداية من طرف الشرائح غير المسلمة وبعدها الفئات اليسارية والشيوعية، مما اعتبرها البعض بمثابة نمط معاد الدين الإسلامي، الشيء الذي جعلها رديفا للكفر والإلحاد.. وأدخلت بالتالي إلى مجال المحرمات الثقافية والسياسية..
وقد اعتبر العفيف الأخضر، أحد الأسماء الفكرية المعروفة بأبحاثها الغنية حول العلمانية، أن هذه الأخيرة تروم تحقيق ثلاثة مبادئ أساسية، أولها حياد الدولة في الشأن الديني، وثانيها حياد المدرسة إزاء الدين، وثالثها احترام حرية الضمير والاعتقاد.
ينطلق هذا المفكر التونسي في تفسيره للمبدأ الأول من هذه الثلاثية وهو حياد الدولة في الشأن الديني، من كونه يعني أن الدولة لا يجب أن تتخذ من دين معين دينا رسميا لها وتفرضه على المجتمع وبالتالي تقصي باقي الديانات، وبهذا المعنى فهي تقوم بمنع نفسها من التدخل في الشؤون الدينية وأيضا بمنع رجال الدين من نفس الممارسة خوفا من استغلاله وتسخيره لخدمة دين معين ضد آخر وبالتالي خلق حالة اضطهاد ديني أو حروب دينية.. أما المبدأ الثاني، فيتمثل في حياد المدرسة إزاء جميع الأديان، ذلك أن المدرسة قبل إقرار العلمانية كانت تقوم بتأطير المتمدرسين بمبادئ وقيم الدين المتبع رسميا، لكن ظهور المدرسة العلمانية جعل كل الأديان تدرس بشكل موضوعي، وجعل كل الخصوصيات الاثنية والثقافية والدينية تنصهر جميعها في إطار المواطنة.
في حين يتمثل المبدأ الثالث في كون الدولة العلمانية تسهر على تدبير الشأن الديني بشكل ديمقراطي، حيث تضمن لمواطنيها ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية دون الالتفات إلى انتماءاتهم العرقية أو الطائفية أو الدينية. فالعلمانية إذن، نظام متكامل يسعى إلى ضمان احترام المعتقدات الدينية والهويات الثقافية ..كما يسعى إلى جعل الدولة تتوفر على قانون واحد وأوحد يهم كل المواطنين بالرغم من الاختلافات الدينية والعرقية.. ضمن إطار يرسم فيه حقوق وواجبات المواطن.(2)
العراقة:
مما لا شك فيه أن مكونات هامة داخل الحركة الأمازيغية عرفت بدفاعها عن مطلب إقرار العلمانية، ذلك أن هذا المفهوم يعد من بين الأسس التي يستند إليها الخطاب الأمازيغي، طبعا إلى جانب النسبية، العقلانية والديمقراطية. وقد ظهرت في السنوات الأخيرة بعض الإطارات المدنية التي نصت في مبادئها الكبرى على ضرورة إقرار مسألة العلمانية، كما دعت ثلة من الفعاليات الأمازيغية في وثيقة صدرت مؤخرا (ميثاق المطالب الأمازيغية بشأن مراجعة الوثيقة الدستورية) إلى دسترة العلمانية، أيضا لم يخف المفكر محمد شفيق (العميد السابق للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية) في إحدى الاستجوابات الصحفية (أسبوعية "لوجورنال ماغازين") دفاعه عن العلمانية، بل أكثر من ذلك دعا بعض النشطاء الأمازيغيين إلى التفكير في تأسيس "رابطة للدفاع عن العلمانية"، فضلا عن العديد من البحوث والدراسات التي أغنت الحقل المعرفي ببلادنا على هذا المستوى، ناهيك عن الندوات الثقافية والموائد المستديرة الفكرية التي خصصت لهذا الموضوع.
إن هذه الخاصية هي التي جعلت مناهضي الثقافة الأمازيغية يستغلون العلمانية لضرب أهلها من خلال نعتهم بشتى الأوصاف القدحية..
فالثقافة الأمازيغية تقدم عراقة الممارسة العلمانية على مستوى شمال إفريقيا، وذلك من خلال القبيلة الأمازيغية، فهذه الأخيرة كانت قائمة على تنظيم اجتماعي وسياسي تتولى فيه الجماعة تدبير أمورها بشكل جماعي ضمن قانون عرفي يضعه أفرادها، فالجماعة الأمازيغية كانت تتشكل من "أمغار" القائد الذي كان يتولى تنفيذ قرارات الجماعة في شقها السياسي، في حين كان "الفقيه" يتولى تدبير الأمور الدينية المرتبطة بالصلاة والأذان وتعليم القرآن للأطفال.. حيث لم يكن الأول يتدخل في شؤون الثاني والعكس صحيح، وهذا الفصل بين السياسي والديني هو الذي رسخ استقرار أفراد الجماعة.
وتجدر الإشارة في هذا الباب إلى أن قبائل المغرب عرفت بهذه الخاصية بالرغم من التأثير النسبي الذي مارسته بعض الزوايا الدينية والمدارس العتيقة المتواجدة بالمناطق السوسية...
إن العلمانية ليست مجرد مطلب لدى الأمازيغ، بل هي إطار فلسفي وفكري يميز المنظومة الثقافية الأمازيغية، كما أن الحركة الأمازيغية هي حركة علمانية بامتياز، وبمعنى أكثر وضوحا فإن الأمازيغ هم علمانيون فكرا وممارسة. فايمازيغن كانوا دوما يسلمون بالسلطة الروحية للسلطان فيما يناقشون سلطته الزمنية.
ومن هذا المنطلق فإسلام الأمازيغ كان ولازال "إسلاما علمانيا"، إذ إنه على الرغم من بعض الخطابات السياسية الداعية إلى "أمزغة الفكر الإسلامي" أو "أسلمة الفكر الأمازيغي" فإن ممارسات أصحابها تبقى في واقع الأمر علمانية، لا تتفق في العمق مع ممارسات السلفيين، الجهاديين والوهابيين ومن لف لفهم.
وجدير بالتذكير في هذا الباب إلى أن الأمازيغ اعتنقوا الإسلام وعملوا على نشر تعاليمه الصحيحة، بل أكثر من ذلك ظهر علماء كانت لهم إسهامات جليلة، حيث ألفوا كتبا دينية هامة كما هو الحال بالنسبة إلى المختار السوسي.
إن هذه الخاصية هي التي جعلت رواد البعثات العلمية الكولونيالية ينتبهون إليها، حيث حاولوا استغلالها من خلال إصدار ظهير 16ماي 1930المتعلق بتنظيم المحاكم العرفية في المناطق البربرية. وقد كان الأمازيغ متمركزين أساسا في ما سمي ب" بلاد السيبة"، فيما كانت "بلاد المخزن" تعرف سيادة الثقافة العربية الإسلامية، لكن الحركة الوطنية آنذاك قامت بتأويل سياسي لمضامين هذا الظهير بعد أن ألبسته لباسا يخدم مصالحها السياسية، حيث اعتبرت أن أسباب نزوله تهدف إلى تمزيق وحدة الأمة المغربية وتنصير البربر وأكثر من ذلك ضرب الشريعة الإسلامية.. وقد أدى هذا الأمر إلى حدوث اصطدامات عنيفة، انتهت بتراجع السلطات الفرنسية الاستعمارية عن الظهيرين(16ماي 1930و 11 شتنبر1914) وذلك من خلال إصدار ظهير 8أبريل 1934.
ومنذ ذلك التاريخ أصبح ما سمي خطأ من طرفها(أي الحركة الوطنية) ب" الظهير البربري" بمثابة المرجع الثقافي والسياسي للتعامل مع المسألة الأمازيغية. وقد استعمل هذا الظهير بذكاء من طرف الحركة الوطنية ومن يدور في فلكها وفي مناسبات عديدة بغية ضرب الأمازيغ والأمازيغية وإبقاء هذه الأخيرة في الهامش خارج مجمل مشاريع التنمية التي عرفتها البلاد.
أكيد أن الأحداث الإرهابية الأخيرة جعلت الاهتمام ينصب أكثر حول منافع العلمانية في مجتمعات يحتل فيها الدين مكانة هامة ويشكل لدى أنظمتها وزعمائها أحد مصادر شرعية الحكم. أما عندنا في المغرب فقد خرجت العلمانية من إطار" الطابوهات" الذي أريد لها أن تقبع داخله إلى مجال يؤشر على نوع من بداية المصالحة مع ثقافتنا خاصة بعد الدعوة الأخيرة للملك محمد السادس والموجهة إلى دعاة "الإسلام السياسي" إلى الفصل بين الديني والسياسي والتأكيد على كونهما لا يجتمعان إلا في شخصه بوصفه أميرا للمؤمنين.
إن من شأن ترسيم الأمازيغية في دستور المملكة المغربية أن يساعد على تطوير العلمانية ثقافة وممارسة، علما بأن القوانين المعمول بها ( باستثناء بعض الفصول في مدونة الأسرة) ومؤسسات البلاد تتسم بصبغتها العلمانية الجزئية وليست الشاملة، كما أن التطورات المتسارعة داخل المنتظم الدولي( مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، "الشراكة المتميزة" مع الاتحاد الأوربي..) أصبحت تستدعي من المغرب وغيره من بلدان شمال إفريقيا تطوير الممارسة العلمانية المؤسساتية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.