مع مطلع يوم الخميس 9 شتنبر 1909، الموافق للثالث والعشرين من شهر شعبان من عام 1327، تم إعدام الجيلالي بن عبد السلام اليوسفي الزرهوني، المشهور في مغرب مطلع القرن العشرين بكنية «بوحمارة» وبلقب «الروكَي». اضطر يومها السلطان المولى عبد الحفيظ إلى إصدار أوامره المطاعة بإعدام «الفَتَّان» في مشور بلاطه العامر بفاس. طيلة سبع سنوات، وبينما جموع المغاربة تتابع أصداء ما يقوم به الروكَي عبر الروايات الشفوية، أو عبر ما يردده «البرَّاحون» أو ما يتسلل إلى علمها من مضمون الإرساليات المخزنية حول «فتنة بوحمارة»، اكتشف الرأي العام الأوروبي وجود الرجل وعلم ببعض أخباره عن طريق الصحافة والمجلات الأوروبية، وتابع أخباره بشغف لم يكن يعادله سوى حجم أطماع حكومات القارة العتيقة الرامية إلى احتلال المغرب. وتتضمن السلسلة هذه مجموعة من هذه المقالات الغربية التي صاغها صحفيون و كتاب عاصروا الروكَي بوحمارة. سنة 1906، بعد أن فقد بوحمارة مساندة كثير من القبائل له، خاصة بعد انتشار أخبار اتصالاته ومناوراته مع الإسبان والفرنسيين، تراجع المطالب بعرش المغرب إلى قصبة سلوان ليجعلها مقرا لحكمه. وبينما القوى الأجنبية تستعد لعقد مؤتمر الخزيرات، قررت صحفية فرنسية تحقيق سبق صحفي بزيارة القلعة وإجراء حوار مع الروكَي. الصحفية هذه تدعى كاميي دي غاست، كانت تعمل متعاونة مع مجلة «جو سي تو»، وعلى صفحاتها نشرت تفاصيل زيارتها للجيلالي الزرهوني وحوارها معه. احتل المقال حيزا مهما من المجلة (ست صفحات)، وتم تزيينه بما لا يقل عن ثماني صور، وانتُقيَ له عنوان مثير هو: «ما قاله لي الروكَي «! جاء في مقدمة المقال: «السيدة دي غاست التي قامت برحلات مفيدة إلى المغرب، تسلحت خلالها بكثير من الشجاعة، قبلت، مشكورة، تخصيص سبق ذكرياتها الشخصية مع الروكَي لقرائنا. وثمة تفصيل غريب لابد من الإشارة إليه: لقد تعرف الروكَي على التي ستقوم بزيارته عبر صفحات مجلتنا «جو سي تو»، المجلة التي سبق ونشرت مشاهدات الكاتبة خلال السباق البرمائي بين مدينتي الجزائر وتولون». «وأنا في الخزيرات في بحر عام 1906، تكتب الصحفية، خطرت بذهني فكرة لقاء المطالب بعرش المغرب، خاصة وأنه قد بزغ من جديد على سطح الأحداث السياسية. إلى حدود الفترة الأخيرة، كان يقال إنه منعزل في الريف، بل إن جيوش المولى عبد العزيز كفت عن ملاحقته. لكن رويدا رويدا، بدأت الأخبار تتأكد: إن الروكَي، بمعية مْحلة مهمة، حاضر بقوة في قصبة سلوان العتيقة، الواقعة على بعد 25 كيلومترا من مليلية. وهو يحكم فعليا القبائل المجاورة بفرض الضرائب عليها وتجنيد رجالها للحرب. إنه بكل اختصار يمارس مهام واختصاصات السلطان. «بدا لي أنه من الأهمية بمكان التعرف على الجيلالي الزرهوني، هذا الرجل الذي انطلق من زرهون، قريته المتواضعة، كأحد الخيالة البسطاء للسلطان مولاي الحسن، ليعرف المحن على يد المخزن الذي رماه في السجن. استطاع الجيلالي الفرار من سجنه بعد أن زور أمرا سلطانيا بالإفراج عنه بمهارة كبيرة. فر إذن إلى الجزائر، وإلى تلمسان بالضبط، وهناك تابع دروسا في الأدب والدين الإسلاميين. ومن هناك رحل إلى تونس حيث عاش باسم مستعار هو محمد لحفوسي، ثم عاد إلى المغرب في الفترة ذاتها التي كان خلالها السلطان الشاب عبد العزيز يمنح لشعبه فرجة مؤلمة ملؤها البلاهة والأخطاء. «اللحظة كانت مواتية، إذن، للانتفاض، وهي المهمة التي ألهبها الزرهوني بتوقده، بفكره الحاذق ومعرفته الدقيقة بالبشر. هكذا، كان الناس يرونه في أسواق أحواز تازا، ممتطيا ظهر حمارة بيضاء، ومن هنا بزغت كنية بوحمارة التي اشتهر بها. كان يخطب فيهم بطلاقة لسان استثنائية، يسخر من المخزن ويؤنب السلطان. «كانت خطب الروكَي النارية تلهب الحشود المتحلقة حوله وتهيجها. وكان الرجل ذو الحمارة يصدح بأن الساعة قد دقت كي يرفع القناع، زاعما بأن اسمه مولاي مْحمد وبأنه ابن السلطان مولاي الحسن. ثم يضيف بأن العرش انتزع منه، معلنا مطالبته باسترجاعه. كان بوحمارة، المتضلع في علوم القرآن، يملك كذلك قدرات استثنائية لتنفيذ ألعاب سحرية، وهو ما كان يؤديه أمام الحاضرين ببراعة، مبهرا إياهم. سنة 1906، بعد أن فقد بوحمارة مساندة كثير من القبائل له، خاصة بعد انتشار أخبار اتصالاته ومناوراته مع الإسبان والفرنسيين، تراجع المطالب بعرش المغرب إلى قصبة سلوان ليجعلها مقرا لحكمه. وبينما القوى الأجنبية تستعد لعقد مؤتمر الخزيرات، قررت صحفية فرنسية تحقيق سبق صحفي بزيارة القلعة وإجراء حوار مع الروكَي. الصحفية هذه تدعى كاميي دي غاست، كانت تعمل متعاونة مع مجلة «جو سي تو»، وعلى صفحاتها نشرت تفاصيل زيارتها للجيلالي الزرهوني وحوارها معه. احتل المقال حيزا مهما من المجلة (ست صفحات)، وتم تزيينه بما لا يقل عن ثماني صور، وانتُقيَ له عنوان مثير هو: «ما قاله لي الروكَي «! جاء في مقدمة المقال: «السيدة دي غاست التي قامت برحلات مفيدة إلى المغرب، تسلحت خلالها بكثير من الشجاعة، قبلت، مشكورة، تخصيص سبق ذكرياتها الشخصية مع الروكَي لقرائنا. وثمة تفصيل غريب لابد من الإشارة إليه: لقد تعرف الروكَي على التي ستقوم بزيارته عبر صفحات مجلتنا «جو سي تو»، المجلة التي سبق ونشرت مشاهدات الكاتبة خلال السباق البرمائي بين مدينتي الجزائر وتولون». «وأنا في الخزيرات في بحر عام 1906، تكتب الصحفية، خطرت بذهني فكرة لقاء المطالب بعرش المغرب، خاصة وأنه قد بزغ من جديد على سطح الأحداث السياسية. إلى حدود الفترة الأخيرة، كان يقال إنه منعزل في الريف، بل إن جيوش المولى عبد العزيز كفت عن ملاحقته. لكن رويدا رويدا، بدأت الأخبار تتأكد: إن الروكَي، بمعية مْحلة مهمة، حاضر بقوة في قصبة سلوان العتيقة، الواقعة على بعد 25 كيلومترا من مليلية. وهو يحكم فعليا القبائل المجاورة بفرض الضرائب عليها وتجنيد رجالها للحرب. إنه بكل اختصار يمارس مهام واختصاصات السلطان. «بدا لي أنه من الأهمية بمكان التعرف على الجيلالي الزرهوني، هذا الرجل الذي انطلق من زرهون، قريته المتواضعة، كأحد الخيالة البسطاء للسلطان مولاي الحسن، ليعرف المحن على يد المخزن الذي رماه في السجن. استطاع الجيلالي الفرار من سجنه بعد أن زور أمرا سلطانيا بالإفراج عنه بمهارة كبيرة. فر إذن إلى الجزائر، وإلى تلمسان بالضبط، وهناك تابع دروسا في الأدب والدين الإسلاميين. ومن هناك رحل إلى تونس حيث عاش باسم مستعار هو محمد لحفوسي، ثم عاد إلى المغرب في الفترة ذاتها التي كان خلالها السلطان الشاب عبد العزيز يمنح لشعبه فرجة مؤلمة ملؤها البلاهة والأخطاء. «اللحظة كانت مواتية، إذن، للانتفاض، وهي المهمة التي ألهبها الزرهوني بتوقده، بفكره الحاذق ومعرفته الدقيقة بالبشر. هكذا، كان الناس يرونه في أسواق أحواز تازا، ممتطيا ظهر حمارة بيضاء، ومن هنا بزغت كنية بوحمارة التي اشتهر بها. كان يخطب فيهم بطلاقة لسان استثنائية، يسخر من المخزن ويؤنب السلطان. «كانت خطب الروكَي النارية تلهب الحشود المتحلقة حوله وتهيجها. وكان الرجل ذو الحمارة يصدح بأن الساعة قد دقت كي يرفع القناع، زاعما بأن اسمه مولاي مْحمد وبأنه ابن السلطان مولاي الحسن. ثم يضيف بأن العرش انتزع منه، معلنا مطالبته باسترجاعه. كان بوحمارة، المتضلع في علوم القرآن، يملك كذلك قدرات استثنائية لتنفيذ ألعاب سحرية، وهو ما كان يؤديه أمام الحاضرين ببراعة، مبهرا إياهم.»