ريادة المغرب في تحقيق الأمن العالمي تحصد إشادة " الإنتربول"    المحكمة الدستورية تقبل استقالة مبديع وتدعو وصيفه لشغل مقعده بمجلس النواب    تراجع جديد يخفض أسعار بيع "الغازوال" والبنزين بمحطات الوقود بالمغرب    إسرائيل تقول أمام محكمة العدل الدولية إن الحرب ضد حماس في قطاع غزة "مأساوية" لكن لا تصنّف "إبادة جماعية"    "فيفا" يمنح البرازيل شرف تنظيم كأس العالم للسيدات 2027    الرجاء يكشف عن موعد الجمع العام العادي التكميلي للموسم الرياضي 2022-2023    الصيف في طنجة موسم لحرائق الغابات.. ينبغي على الجميع التعبئة للتصدي لها    وَصَايَا المَلائِكةِ لبَقَايَا البَشَرْ    وجهة خطر.. بين مسلم ورمضان لم تثْبت رؤية هلال الكِتاب!    الميناء العائم في غزة يستقبل أول حمولة من المساعدات    الفيفا تصفع الجزائر وتقر بعدم المصادقة على انتقال أي لاعب من بلد ليس عضوا في الأمم المتحدة    بعد وصوله إلى الجزائر.. مدرب المنتخب المغربي النسوي يحذر "اللبؤات"    هل يقبل المغرب دعوة أمريكا للمشاركة في قوات حفظ سلام بغزة؟    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس يهودي    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    إسبانيا تعلن منع رسو السفن التي تحمل أسلحة إلى إسرائيل في موانئها    مباحثات مغربية صينية من أجل تعزيز التعاون في مجال إدارة السجون    اللقاء التواصلي المنعقد لفائدة المؤسسات التعليمية الحرة في موضوع تنزيل مقتضيات عقد تأطير العلاقة بين الأسرة و المؤسسات    المرابط يستقبل وفدا من الجالية المغربية المقيمة بالخارج    وسط اهتمام آرسنال.. ريال بيتيس يتشبث بشادي رياض    ملاعب المغرب تستقبل 9 مباريات ضمن تصفيات المونديال    بسبب محمد رمضان وسعد لمجرد.. بطمة تعرب عن غضبها    مشورة قانونية لفيفا بشأن طلب فلسطين تجميد عضوية اسرائيل    طقس الجمعة | ارتفاع درجات الحرارة في جنوب شرق وأقصى جنوب المملكة    المغاربة أكثر العمال الأجانب مساهمة في نظام الضمان الاجتماعي بإسبانيا    عصيد: الإعلام الأمازيغي يصطدم بتحديات كبرى .. وتفعيل الدستور "معلق"    رد قوية وساحق لعمر هلال على ممثل الجزائر في الأمم المتحدة    الجيش الإسرائيلي يواصل توسيع عملياته العسكرية في رفح المكتظة بالنازحين    عصابة "رجل المُنتصف".. السلطات الإسبانية توقف 30 مغربيا    "ولد الشينوية" أمام القضاء من جديد    رسالة من عمرو موسى إلى القادة في القمة العربية: "أن نكون أو لا نكون" – صحيفة الشرق الأوسط    اختفاء غامض لشاب من تمسمان على متن باخرة متجهة إلى إسبانيا من الناظور    احتفاء بسعيد يقطين .. "عراب البنيوية" ينال العناية في المعرض للدولي للكتاب    "ألوان القدس" تشع في معرض الكتاب    موعد مباراة نهضة بركان ضد الزمالك المصري في إياب نهائي كأس الكاف    بعد مقال "العمق".. إرسال كميات مهمة من أمصال "داء الكلب" لمراكز الصحة بجهة كلميم    قبائل غمارة في مواجهة التدخل الإستعماري الأجنبي (12)    احذر وضعيات النوم الأكثر ضررا على صحة الجسم    إحداث أزيد من 42 ألف مقاولة ذات شخصية معنوية بجهة طنجة    الأمثال العامية بتطوان... (600)    الملك محمد السادس: نتأسف على عدم قيام اتحاد المغرب العربي بدوره الطبيعي    ميناء طنجة : تراجع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 30% حتى متم أبريل    سعر الذهب يتراجع بعد مكاسب الدولار    المغرب يثير من جديد موضوع استقلال الشعب القبايلي في الامم المتحدة    وفاة الفنان أحمد بيرو أحد رواد الطرب الغرناطي    الجزائر.. داؤها في قيادتها    حرب تبحث عن مشروع سياسي    هذه حجم الأموال التي يكتنزها المغاربة في الأبناك.. ارتفعت بنسبة 4.4%    ما دخل الأزهر في نقاشات المثقفين؟    أخنوش يتباحث مع رئيس الحكومة اللبنانية    هذه العوامل ترفع خطر الإصابة بهشاشة العظام    السعودية تطلق هوية رقمية للقادمين بتأشيرة الحج    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    وزارة "الحج والعمرة السعودية" توفر 15 دليلًا توعويًا ب16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    العسري يدخل على خط حملة "تزوجني بدون صداق"    كلاب ضالة تفترس حيوانات وتهدد سلامة السكان بتطوان    المشروع العملاق بالصحراء المغربية يرى النور قريبا    "الصحة العالمية": أمراض القلب والأوعية الدموية تقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجهوية : تجارب رؤى
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 15 - 10 - 2010

هذه السلسلة من المقالات المترجمة، تروم ، بما تحتوي عليه من مادة علمية، إخبارية وبيبليوغرافية ، حول موضوع الجهوية عموما، توفير مادة من أجل تغذية النقاش، الذي تشهده بلادنا، منذ الإعلان عن فتح ورش الجهوية المتقدمة بالبلاد، والذي سيتواصل بكل تأكيد في القادم من الأيام ، بالنظر إلى الدعوة الملكية الأخيرة إلى ضرورة إنضاج التصور التي ستقدمه اللجنة الاستشارية للجهوية ،» من خلال نقاش وطني واسع وبناء، وبالتعبئة الهادفة إلى تبنيه الجماعي، والانخراط القوي لإنجاحه.»
وانطلاقا من أن التجربة الجهوية عموما، كما يقدمها أي باحث، لا تعكس الواقع في كليته، بل هي مجرد انتقاء، واختزال للواقع في بعد من أبعاده، وهي تعكس رؤية من بين رؤى ممكنة حول هذا الواقع، أثرنا أن يكون عنوان هذه السلسلة من المقالات المترجمة ، كما يلي : «الجهوية : تجارب ورؤى».مع التأكيد على أن الاستفادة من التجارب الدولية الأخرى، في مجال الجهوية، لا تكون
من خلال التعرف على التجارب الناجحة فحسب ، بل والتجارب الفاشلة أيضا...
والخلاصة الأساسية التي يمكن أن نستشفها من هذه التجارب الدولية المختلفة حول الجهوية، هي انه ليس هناك نموذج كوني للجهوية، قابل للتعميم على جميع دول العالم.فليس هناك سوى تجارب محلية، تعكس خصوصية كل بلد، على جميع المستويات: التاريخية، السياسية، الثقافية، الاقتصادية والطبيعية.لهذا ليس عيبا البحث عن نموذج للجهوية المتقدمة مغربي-مغربي، يعكس واقع بلادنا وخصوصيتها، فالعيب ، كل العيب أن يغيب التشاور والتوافق حول النموذج الجهوي الذي نريده لمغرب الألفية الثالثة.
وفي الأخير ، ينبغي التنبيه إلى أن مناقشة المقترحات الخاصة بالجهوية، المقدمة من هذا الطرف أو ذاك- بما في ذلك المقترح المقدم من اللجنة الاستشارية للجهوية - بل و الاعتراض عليها ورفضها، لا يعني رفض مبدأ اعتماد الجهوية نفسه.فرفض تصور معين للجهوية ليس رفضا للجهوية ذاتها.
النقاشات الدستورية حول الجهوية في سلوفينيا1
بقلم : فرانك غراد
أقيم الحكم المحلي في سلوفينيا، في منتصف القرن التاسع عشر، في الوقت الذي كان ترابها يخضع للملكية المجرية-الهنغاريةaustro-hongroise .وعندما أصبحت سلوفينيا ، بعد الحرب العالمية الأولى ، عضوا في يوغوسلافيا، تشكل الحكم المحلي على أساس التشريع اليوغسلافي.وطوال هذه الفترة، تشكلت البلاد فقط من بلديات. وكانت تتضمن كذلك مجالات ترابية كبيرة، لكن هذه المجالات تمتلك طابعا إداريا.ومع ذلك ، كان الحكم المحلي في سلوفينيا يختلف قليلا عن أشكال الحكم المحلي في البلدان الأوربية الأخرى.وتغيرت الوضعية جذريا انطلاقا من الحرب العالمية الثانية، عندما صارت يوغوسلافيا بلدا اشتراكيا. فقد بدأ الحكم المحلي يتطور بشكل مختلف جدا، وفقا للنموذج السوفياتي في المرحلة الأولى، ثم وفقا لنموذجه الخاص وعلى أساسا تصور فريد للنظام الجماعي، في مرحلة لاحقة.
ووفقا لهذا التصور، كانت البلدية نوعا من الدولة المصغرة إداريا واقتصاديا ، والمستقلة عن الدولة الأم-ولو أنه على المستوى العملي، لا الدولة ولا البلديات مسيران من طرف حزب سياسي واحد.وهكذا فالبلدية لا تقوم بوظائف محلية فقط ، وإنما كذلك بالكثير من وظائف الدولة.وقبيل نهاية الحكم الاشتراكي اليوغوسلافي،أصبحت البلديات ، في الواقع، تتمتع باستقلالية تامة . وقد تمخض عن هذا التصور إحداث بلديات كبيرة (بحوالي 40 ألف نسمة كمعدل) مقارنة مع البلديات في البلدان الأوربية الأخرى.وقد تعرض النظام للنقد، لأنه لم يسمح بوجود حكم محلي حقيقي بسبب البلديات الكبيرة ، والبلديات الصغيرة جدا أيضا لأنها لا تشكل جماعات محلية فعلية .
إن وجهة النظر النقدية المشار إليها أعلاه، كانت وراء مقاربة جد مختلفة لمشكل نظام الحكم المحلي في الدستور السلوفيني.ذلك أن هذا الدستور ، الذي تمت المصادقة عليه في نهاية سنة 1991 كدستور لجمهورية مستقلة، أدخل نظاما جديدا تماما للحكم المحلي، جد مختلف عن النظام السابق ومماثل كثيرا لنماذج الحكم المحلي الأوربية.ومع ذلك، فالنظام الدستوري الحالي يتضمن كذلك بعض المميزات التي تجعل الحكم المحلي بالبلاد مختلفا عن النماذج الأوربية المماثلة له.ومن أهم هذه المميزات أن الدولة والبلديات مقسمين بطريقة جد دقيقة: فالبلديات لا تقوم سوى بمهام محلية والدولة لا يمكن أن تفوض وظائفها لبلدية بدون موافقة قبلية(الفصل 140 من الدستور).كما أن مسألة المستوى الثاني من الحكم المحلي، مقننة أيضا بشكل خاص .
وخلال النقاشات التي صاحبت صياغة الدستور، كان هناك خلاف عميق بين المدافعين عن الجهات والرافضين لها .فقد كان البعض مع إنشاء جهات ، لأن سلوفينيا، ولو أنها دولة صغيرة، فهي متجانسة على نحو لافت للنظر، جغرافيا، تاريخيا ..الخ.أما خصوم الجهوية ، فقد كانوا مقتنعين بأن سلوفينيا كدولة مستقلة وحديثة الوجود، تستلزم حكما مركزيا قويا ، فكانوا يخشون هذا النزوع النابذcentrifuge .وفي النهاية، فوضع الجهات داخل الدستور شكل موضوع توافق سياسي سمح من حيث المبدأ بإنشاء جهات، لكن جعلها في الواقع مستحيلة.
ووفقا للدستور، يمارس الحكم المحلي من طرف البلديات وجماعات محلية أخرى.وإلى حدود الآن، تم إنشاء البلديات وحدها، بما أنه حسب الدستور (الفصل 43) خلق جماعات محلية واسعة مستقلة، ليس إجباريا وهي لا تحدث من طرف الدولة، وإنما باتفاق بين البلديات.وهكذا، فالمقتضيات الدستورية لا تتيح للمجلس الوطني إنشاء جهات في سلوفينيا، وهو ما يعني عمليا بأن أمر تشكيل الجهات، يخضع كليا للإرادة الطيبة للبلديات، التي لم تبد أي اهتمام للمسألة.
وسنوات بعد المصادقة على الدستور، تواصلت من جديد النقاشات حول إنشاء الجهات.فالقانون المتعلق بالحكم المحلي لسنة 1994 يحدد عموما مسؤوليات الأقاليم ، لكنها غير محدد بدقة سوى في القوانين التي تقنن المجالات المختلفة.والسبب هو انه لم تنشأ الجماعات المحلية الواسعة ، كما أشرنا إلى ذلك سابقا، وأن تأسيس هذه الجماعات المحلية المترامية الأطراف ( مثل الجهات) في القانون المتعلق بالحكم المحلي، غير مصادق عليه، وينبغي أن يراجع.وهذا ما شكل موضوع مشروع قانون حول الجهات، مهيأ منذ سنوات وتمت دراسته بشكل قبلي من طرف المجلس الوطني.تتمثل فكرة هذا القانون في تقنين الوضع، الصلاحيات، التمويل والتنظيم المؤسساتي للجهات، بالنسبة لكل الجهات المفترض إحداثها من قبل البلديات.وهكذا ، فكل الجهات، وإن أنشأت من طرف البلديات نفسها، سيكون لها نفس الوضع القانوني.
ومع ذلك، لم تتم المصادقة على القانون المتعلق بالجهات ، بسبب مشاكل ذات علاقة بالتصور ، مرتبطة بإنشاء الجهات، وراجعة لموقعها الدستوري ومنهج تشكلها.وفي الواقع، فلجنة الحكم المحلي داخل المجلس الوطني صرحت بأن إنشاء الجهات لا ينبغي أن يخضع لإرادة البلديات، وإنما يتعين أن يحتكم للقانون.
ويظهر هكذا بوضوح بأن المقتضيات الدستورية الخاصة بإنشاء الجهات، تجعلها ، في الواقع، مستحيلة وبأن التشريع لا يمكنه أن يجعلها ممكنة.ومن جهة أخرى، يظهر بجلاء أن هناك حاجة ماسة إلى إحداث جهات.وبالفعل، فعدد مهم من البلديات الحديثة ، التي تأسست خلال السنوات الأخيرة، هي بلا شك صغيرة وضعيفة جدا مقارنة مع سابقاتها.وقد أبرز هذا التطور بأن البلديات عاجزة لصغرها عن تحمل مسؤولية العديد من الوظائف المحلية المهمة.غير أنه، في نفس الوقت، انطلق مسلسل توسع أوربا في تجاه سلوفينيا ، وهذا ما منح حججا إضافية لأنصار الجهات.
وهكذا، ففي سنة 1999، قدم مقترح شكلي لتعديل الدستور من طرف فريق من البرلمانيين في المجلس الوطني.وقد اقترحوا إلغاء الفصل 143 من الدستور، وهذا ما جعل إحداث الجهات ممكن قانونيا.وبالفعل، فان الفصل 138 من الدستور ينص على أن «سكان سلوفينيا يمارسون الاستقلال المحلي من خلال البلديات وباقي الجماعات المحلية الأخرى».فكانت الفكرة تنص على أن إلغاء الفصل 143 ، يجعل من الممكن الإحداث القانوني للجهات، بدون موافقة بلديات المجال الترابي المعني.ولم يبد فريق من الخبراء كلف من طرف المجلس الوطني للتعليق على المقترح ، موافقته واقترح تغيير الفصل 143 بطريقة تسمح ضمنيا للمجلس الوطني بإنشاء الجهات.إلا أن مسطرة مراجعة الدستور توقفت بسبب غياب إرادة سياسية.
وطوال سنة 2000، تم إيداع عدة مشاريع قوانين لدى المجلس الوطني، بهدف إحداث بعض الجهات في سلوفينيا. لم تتم المصادقة عليها بسبب المقتضيات الدستورية الجارية.وقد أدى ذلك إلى مقترح جديد يستهدف مراجعة الدستور، مقدم من طرف الحكومة ، مع تعديلات أخرى تتعلق بملاءمة الدستور مع الدخول المرتقب لسلوفينيا إلى الاتحاد الأوربي، تشكيل الحكومة، تعيين قضاة وتغيرات أخرى أقل أهمية...
إن مقترح الحكومة أكثر شمولية وتعقيدا من مقترح فريق البرلمانيين.فقد اقترحت الحكومة تغيير مقتضيين دستوريين يتعلقان بالحكم المحلي.فهي تقترح أولا تغيير الفقرة الثانية من الفصل 140، بهدف السماح بتفويض مهام الدولة إلى الجماعات المحلية بدون موافقتها.والمقترح الثاني يستهدف التغيير التام للفصل 143 وفق الطريقة التالية:»الجهة هي جماعة محلية مستقلة، تحدث بموجب القانون بهدف تدبير الشؤون المحلية ذات الأهمية الكبيرة وبغاية تدبير الشؤون الخاصة ذات الأهمية جهويا، والمحدد بواسطة قانون.»
ويقوم هذا التصور على أساس أن الجهات ستحتل موقعا بين البلديات والدولة وستمارس ثلاث فئات من المهام، وهي تدبير الشؤون المحلية ذات الأهمية الكبرى، الشؤون ذات الأهمية الجهوية المحددة بواسطة قانون وجزءا من مهام إدارة الدولة، التي تؤمن حاليا بواسطة المؤسسات الإدارية.
وقد تم تقديم مقترحات الحكومة الهادفة إلى تغيير الدستور، إلى المجلس الوطني في خريف 2001 و شرع في المسطرة منذ بداية سنة 2002، بدءا باللجنة الدستورية. وخلال دورتها الأولى، عينت هذه اللجنة فريقا من الخبراء من أجل التحليل والتعليق على كل مقترحات التعديلات المزمع إدخالها على نص الدستور، وهذا يعني أن مقترحات الحكومة وكذا كل المقترحات الأخرى المقدمة للمجلس الوطني ، قد تم أخذها بعين الاعتبار.وبعد ذلك، شرع فريق الخبراء في أشغاله.
وفي انتظار ما ستتمخض عنه تلك الأشغال، بدأت وزارة الداخلية ، باعتبارها المسؤولة عن الحكم المحلي، في إعداد القانون الجديد حول الجهات على أساس قرار الحكومة، التي أعلنت بأن المنهجية المتبعة من أجل إحداث الجهات وكذا المسائل الأخرى المتعلقة بالجهات، ينبغي أن تنظم بواسطة قانون.وبديهيا أن إعداد هذا القانون الجديد يتعلق بمراجعة الدستور. وليست هناك بالفعل أية ضمانة بأن المراجعة ستحظى بمصادقة المجلس الوطني.بل الأكثر من ذلك، ففي بداية 2002، تم تقديم عدة مقترحات جديدة لمراجعة الدستور، وهذا ما جعل مسلسل التعديل أكثر تعقيدا، و خلق بالتالي مقاومة قوية لكل مراجعة مفترضة.
1 Grad Franc. V. Les débats constitutionnels sur la régionalisation en Slovénie. In: Annuaire des collectivités locales.Tome 22, 2002. L›organisation territoriale de la France, demain. pp. 293-296.
فشل مسلسل الجهوية بالبرتغال1
أنطونيو منطالفو
أنشأ دستور 1976 جهتين مستقلتين في أرخبيل الآسورAçores والماديرMadère ، كل جهة لها مجلس تشريعي و حكومة جهوية تقنن وتدبر ، تحت مسؤوليتها، جزءا مهما من الشؤون العامة.ولم ينص الدستور، بالنسبة للمجال القاري من البرتغال، على إحداث جهات مباشرة، وإنما نص على أنه سيتم إحداث جهات إدارية ، بواسطة قانون، لكنها ستحدث بوصفها جماعات محلية، مثل الجماعات والمقاطعات. فتم بذلك التنصيص الدستوري على الجهات في البرتغال، غير أنها لم تتأسس بعد بواسطة البرلمان.
إن خلق المستوى المجالي الجهوي، يؤدي إلى تغيرات مهمة في البنيات السياسية، الاقتصادية والإدارية للدولة، وهذا ما يفسر المقاومات. فكما هو الحال في مجموع بلدان أوربا، يتعلق الأمر بسيرورة صعبة ، وإن كانت الصعوبة أكبر في البرتغال، بسبب قوة تقليد مركزية الدولة.
وفيما يخص الكيفية التي نص بها الدستور على إحداث الجهات، لا بد من الإشارة إلى أنها اقتراح من طرف أحزاب اليمين والوسط داخل البرلمان في فترة جد خاصة من دمقرطة البرتغال ، بعد ثورة 1974. فخلال مراجعة الدستور، كانت مشاركة أحزاب اليسار في الحكومة جد قوية.إذ تحملت مسؤولية أغلب الوزارات وشغلت بالأغلبية الإدارة البلدية، من خلال ممثليها المعينين بشكل غير رسمي في أجهزة البلديات والمقاطعات.وقد تميزت هذه الفترة كذلك بتأميم قطاعات اقتصادية مهمة.
وقد اعتبرت أحزاب اليمين والوسط، في هذا السياق الاجتماعي والسياسي، أنه بواسطة إحداث جهات، تخلق مراكز مؤسساتية تضمن توازنا في السلطة، مفتقد على مستوى الحكومة المركزية.
وحسب الدستور البرتغالي، ينبغي أن تتضمن الجهات الإدارية جهازين تمثيليين هما:
- المجلس الجهوي، جهاز استشاري، يتضمن ، علاوة على الممثلين المنتخبين مباشرة من طرف المواطنين، أعضاء منتخبين من طرف المجالس الجماعية.
- المجلس السياسي الجهوي (junta regional) جهاز تنفيذي، ينتخبه المجلس الجهوي من بين أعضائه، وفق اقتراع سري.
وقد نص الدستور على مرحلتين في السيرورة التشريعية المتعلقة بالجهوية: مرحلة تتعلق بإقرار الجهات(كل الجهات) بشكل متزامن بواسطة قانون إطار وحيد، ومرحلة ثانية بالتأسيس الملموس لمختلف الجهات بقوانين متعددة.
إلا أن ملف الجهوية سيترك جانبا لمدة طويلة،.باستثناء مرحلة حكم تحالف يمين-الوسط ما بين سنتي 1980 و1982.و انطلاقا من سنة 1991 سينبثق موضوع الجهوية من خلال التصويت بالإجماع على القانون الإطار حول الجهات الإدارية(قانون رقم 56/91 بتاريخ 13 غشت).وقد كرس هذا القانون اختصاصات الجهات في مجالات التنمية الاقتصادية، تهيئة المجال، البيئة والمحافظة على الطبيعة، التجهيز الاجتماعي وطرق المواصلات، التربية والتكوين المهني، الثقافة والتراث التاريخي، الشباب، الرياضة والسياحة، وكذا دعم الأنشطة الاقتصادية ودعم نشاط البلديات.ويحدد هذا القانون كذلك تركيبة الأجهزة الجهوية، ماليتها، اختصاصات»الحاكم المدني الجهوي»-ممثل الحكومة في كل جهة- ونقل المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية إلى الجهات.
وبالاستناد إلى القانون الإطار، فقد صادق الحزبان الاشتراكي والشيوعي في البرلمان سنة 1998 على قانون يستهدف خلق ثمان جهات إدارية ، لم يلق الدعم من أحزاب الوسط واليمين.
وحسب الدستور، ينبغي لقانون خلق الجهات الإدارية أن يكون موضوع استفتاء وطني.وهكذا فالقانون يتعلق بالتصويت الايجابي للناخبين.ودون ذلك، فالبرلمان لا يمكنه إطلاق المرحلة الثانية من سيرورة الجهوية الهادفة إلى المصادقة على القوانين المؤسسة بالفعل لكل جهة.
إن نتيجة الاستفتاء على الجهات الإدارية بتاريخ 8 نونبر 1998 كان سلبيا: 64 % صوتوا ب»لا» و36 % ب «نعم»، و بلغت نسبة العزوف حوالي51 %.وبسبب هذه النتائج، لم يدخل القانون المؤسس للجهات حيز التنفيذ.
وهناك عدة اعتبارات وراء هذه النتائج.تتعلق على الخصوص بالسببين التاليين :
- أولا، بسبب ذي طبيعة ثقافية مرتبط بحملة الأخبار الزائفة المناهضة للجهوية، والتي قادها الفاعلون السياسيون ووسائل الإعلام، بما في ذلك التلفزة الرسمية.فقد غذت هذه الحملة فكرة تمزق البلاد، وتفكك الوحدة والتماسك الوطني، وتأسيس بيروقراطية جديدة وخلق جهات جديدة في البرتغال( القارة) شبيهة بالجهات المستقلة بالآسور والمادير(الجزر التابعة).
- ثانيا، بسبب سياسي يتعلق بالنموذج الجهوي وبعدد الجهات المنشأة.فعلاوة على موقف المناهضين للجهوية، الذين يعارضون كل نموذج للجهوية، هناك رأي عام اجتماعي وسياسي مهم، لم يكن متفقا لا مع الطريقة التي دبر بها الملف من وجهة نظر سياسية، ولا مع نموذج الجهوية وعدد الجهات المقترحة.فبالنسبة لهذا التوجه ، ففي بلد مثل البرتغال ، ليس له تقليد جهوي واضح جدا، ولا جهات تاريخية أو ثقافية، فلتحديد عدد الجهات، بدلا من الاعتماد على الاختيار السياسي، ينبغي الاستناد على الخصوص على اختيار تقني يتعلق بنموذج التنمية الجهوية الذي يتم تصوره واختياره ، ونظام العلاقات المالية بين الجهات والدولة. وينبغي للإصلاح الجهوي، من وجهة النظر هذه، أن يؤسس جهات بمجال ترابي واسع ومتوسط ساكنة ما بين 1.5 و3 ملايين نسمة، مع إدماج مناطق ساحلية متطورة ومناطق داخلية فقيرة.
وقد كان مشكل رسم حدود الجهات من الأسباب الرئيسية لمواقف العديد من التيارات المناهضة لهذا القانون الذي أقر جهات بمجال ترابي محدود و تجانس اقتصادي، مع فصل المناطق الساحلية الغنية والمتطورة عن المناطق الداخلية من البلاد، الفقيرة جدا، وترك هذه المناطق في علاقة تبعية مالية مطلقة للدولة.إن الرأي العام لم يقبل الأسباب المؤسسة لخلق ثمان جهات، وهذا الخطأ السياسي كان قاتلا بالنسبة للجهوية في البرتغال.
وفيما يتعلق بآفاق المستقبل، جعلت نتائج الاستفتاء من الصعب جدا تجديد مسلسل الجهوية على المدى القصير.ومع ذلك، فقد مرت الآن ثلاث سنوات و هناك قطاعات سياسية في البرتغال مهتمة بتطوير مسلسل الجهوية.ومؤخرا صرح رئيس الجمهورية، في مناسبتين، بأنه ينبغي إحياء مسلسل الجهوية من جديد، لأن البرتغاليين رفضوا خريطة، ولم يرفضوا إصلاحا.لكن، رغم نداءات رئيس الجمهورية، فان الأحزاب السياسية لم تبد بعد أدنى إرادة سياسية من أجل إحياء مسلسل خلق الجهات.
1 Antonio Montalvo , l?échec du processus de régionalisation au Portugal , in Annuaire des collectivités locales, Tome 22,2002. p297 -299


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.