هناك مقصدية ماكرة- خادعة تخفيها أغلب الأعمال الفنية الرمضانية، التي تبث عبر قنواتنا الرسمية كل موعد إفطار. الابتذال، والسطحية، والتهريج المجاني الخالي من أي عمق أو معنى: تلك سمات بارزة مشتركة بين أغلب البرامج التلفزية اليومية، التي تتوخى الربح السريع عبر التسلية والمتعة الفارغة.. كأنما كتب على المواطن المغربي الباحث عن مغربيته في إحدى القنوات، أن يجدها في برامج تافهة تسخر من هويته ولغته وقيمه، وتفتقد إلى أدنى معايير الإبداع والجمالية.. في هذا السنة تجود علينا القناة الثانية بسلسلة جديدة تحمل عنوان «الخواسر» كاستمرار واضح لسياسة القناة التدميرية لقيم وذوق المجتمع وتسفيه لغته عبر كل إبداع هجين يفتقر للقيمة... العنوان يذكرنا بالمسلسل الميلودرامي التاريخي السوري: «الكواسر» وأسمائه الشامخة التي صبغت الدراما السورية وميزتها عربيا: كأسعد فضة ، وسلوم حداد، ورشيد عساف ، وسوزان نجم الدين، وعزيز اسكندر، ومحمد حداقي، وصبا مبارك وغيرهم.. لكن الواقع يكشف عن تناقض فظيع، ومسافة ضوئية تفصلنا عن إبداع الآخرين.. ففي الوقت الذي راهن فيه المخرج السوري نجدة اسماعيل أنزور على الفكرة الفنتازية وإخراج البعد التاريخي بصورة ورؤية جديدتين، حققتا للمسلسل الشهرة والانتشار عبر نطاق عربي واسع خلال تسعينيات القرن الماضي ، نجد أن سلسلة «الخواسر» المغربية- تتحفنا في 2015 بمحاكاة ساخرة للمسلسل المذكور، في ابتذال فني لا نظير له، لا على مستوى الشكل ولا على مستوى المضمون. نضوب واضح للقريحة الفنية المغربية ومهزلة فكرية وإبداعية تنم عن قصور في تصور وفهم حقيقة الفكاهة والسخرية، ذلك ما عكسه المزج المشين للغة العربية باللهجة العامية، والاشتغال الهاوي البعيد عن النقد الحقيقي للواقع، والذي يكتفي باستقطاب مشاهديه عبر إشراك أسماء غنائية مشهورة لا علاقة لها بالتمثيل ولا الفكاهة أمثال سعيد مسكير وغاني القباج .. كل ذلك استجلابا لابتسامة مسطحة لمشاهد بسيط أثقلته المزايدات السياسية والثقافية .. وما عسانا أن نقول عن إبداعات مماثلة سوى أنها بالفعل «خسارة « أخرى فادحة يمنى بها الإبداع التلفزي المغربي، بدعم يد خفية تسعى إلى تتفيه الذوق وتعتيم الفكر وتسطيحه.