يقول علماء نفس إن مشكلة الانطواء خلال فترة المراهقة تجعل الشاب غير راغب في التواصل مع الآخرين، بما في ذلك الأسرة وأقرب المحيطين به من الأصدقاء، حتى وإن كانت هناك محاولات للخروج منها تكون موجزة وسطحية، وقد ينتج عنها بعض التأثيرات السلبية، مثل نشوب خلافات مستمرة مع الأصدقاء، ومشكلات في محيط الأسرة، كما يسبّب الانطواء دافعا للشعور بأفكار وسلوكيات سلبية داخلية. وتوضح الدكتورة أمل جنيدي، استشاري الطب النفسي، أن انهماك الشخص المراهق في المشاعر والأفكار المتعلّقة بتكوين شخصيته الفردية، يعد من أبرز أسباب العزلة الاجتماعية في مرحلة البلوغ، وقد ينتج ذلك عن سيطرة مشاعر الخجل والذنب والشعور بالاغتراب وسط المحيطين به. وتؤكد أن التكنولوجيا ساهمت في زيادة درجة العزلة، لأنها أفرزت خيارات متنوّعة للقيام بالأنشطة الاجتماعية دون التفاعل الجسدي، كما تلعب دورا هاما في تلبية رغبات الأشخاص الذين يفضّلون البقاء في المنزل، وتعاونهم على استبدال الأصدقاء الحقيقيين بآخرين افتراضيين. وتضيف، أن العزلة الاجتماعية ترتبط أيضا بالإعاقة العقلية، فالأشخاص الذين يعانون من ضعف في التعليم تكون لديهم مشكلة في التفاعل الاجتماعي، وتدفع هذه المشكلة الفرد إلى رفض التعامل والتجاوب مع الأصدقاء لشعوره بالنقص العقلي، وقد يدفعه هذا الشعور إلى شرب المواد الكحولية وتعاطي المخدرات. ومن جانبه، يقول الدكتور عبدالحميد رزق، استشاري الطب النفسي، إن البحوث العلمية أثبتت أن 33 بالمئة من المراهقين يصابون بالعزلة الاجتماعية نتيجة شعورهم بالاكتئاب، وترتفع هذه النسبة بين المراهقات. ويرى أن خطورة إصابة المراهقين بالعزلة تكمن في عدم قدرتهم على التعبير عن الحالة التي يصابون بها، مما يجعل الفرد المنعزل يشعر بحساسية مفرطة في التفاعل الاجتماعي لقلة خبرته في الحياة، فضلا عن أنه يلجأ كثيرا إلى سلوكيات وتصرّفات مضطربة، مثل الرغبة في الانتحار، أو الهرب من المدرسة، أو اللجوء إلى العدوانية في التصرّف، نظرا لأن الشخص في سن المراهقة يكون مضطربا فكريا ونفسيا، وبالتالي يكون لديه الاستعداد لممارسة سلوكيات عدوانية تجاه نفسه والآخرين. ويوضح أن فقدان التوازن النفسي والعاطفي من أهم نتائج العزلة الاجتماعية، والتي تتكوّن تدريجيا جراء ارتكاب خطأ جسيم، أو الدخول في تجربة عاطفية فاشلة، مما يشعره بالتشاؤم وفقدان الاهتمام بالذات، وعدم القدرة على نيل إعجاب الآخرين. وفي سياق متصل، يشير الدكتور كمال الجمل، استشاري الطب النفسي، إلى أن إحساس المراهق بالأمن والطمأنينة يُعتبر من أهم الطرق لمعالجة العزلة الاجتماعية، فضلا عن ضرورة خلق جو من الألفة مع الأشخاص الذين يعيشون معه سواء داخل الأسرة أو خارجها، ممّا يدفعه إلى الإفصاح عمّا بداخله من مشاكل أو مخاوف ومساعدته على حلها. ويشدّد على أهمية عدم إجبار المراهق على القيام بأعمال تفوق طاقته وعدم تحميله فوق قدراته، لأن هذه الممارسات تجعله يشعر بالعجز أو الخوف من الفشل، مما يدفعه إلى الاستكانة والعزلة عن الأسرة والأصدقاء. وينصح بضرورة تنمية قدراته العقلية والجسدية قبل تكليفه بأيّ عمل يفوق عمره الزمني، بالإضافة إلى تشجيعه على تكوين صداقات مع أقرانه وتنمية مواهبه الخاصة كالغناء أو الرسم، لأن ذلك سيكون سببا في زيادة ثقته بنفسه. وبدوره، يؤكد الدكتور السيد المليجي، استشاري الطب النفسي، أن تدليل الأبناء منذ الصغر أحد أسباب العزلة الاجتماعية، خاصة أن الطفل ينشأ معولا على والديه وعاجزا عن إدارة أموره بنفسه، ومن ثمة يصبح غير ناضج انفعاليا واجتماعيا. ويشير إلى أن إشراك الفرد المنعزل في الأنشطة والأعمال الجماعية يساهم في معالجة عزلته عن الآخرين، مثل تكليفه بزيارة الأطفال اليتامى أو شراء متطلّبات المنزل. ويقول: إن الحزن يعد أحد الأسباب القوية للعزلة الاجتماعية، فعندما يفقد الفرد شخصا مقرّبا منه يتسبّب ذلك في مواجهة صعوبات في التفاعل الاجتماعي مع الآخرين، أيضا العدوانية في التعامل تجعل الشخص يفضّل الانعزال عن الناس تجنّبا للمشاكل. وأكدت الدراسات أن الانطواء يعد من أشد الاضطرابات النفسية التي يعانيها المراهقون، وأكثر ما يؤرق أهاليهم، لكونه يؤثر على تفاعلاتهم وتواصلهم الاجتماعي، إضافة إلى أنه يتسبب لهم في اضطرابات سلوكية. وفي دراسة حول الانطواء وما قد يسببه من مشاكل خاصة للمراهقين من كلا الجنسين، تبيّن أن هذا الاضطراب يصيب حوالي 21 مراهقا من بين 10000، وكشفت الدراسة إصابة المراهقين الذكور أكثر من الإناث من 4 إلى 5 ذكور مقابل بنت واحدة. وأشار المختصون إلى معاناة بعض التلاميذ، في مرحلة الطفولة وبداية المراهقة، من مظاهر الانطواء مما يؤثر على توافقهم الشخصي والاجتماعي والمدرسي، وهي حالة نفسية تعتري الأطفال لأسباب خلقية ومرضية أو لعوامل تربوية أو ظروف اقتصادية.