يمثل الحوار الأدبي -حسب الإنشائي الفرنسي الشهير جيرار جينيت- إحدى العتبات المهمة لفهم المنجز الأدبي للكاتب، ولذلك خصص له قسما كبيرا من كتابه العمدة «عتبات»، وحاول أن يفكك طرق اشتغاله وأشكالها، مبينا أن الحوار قد يرتقي إلى مرتبة العمل الأدبي. وهذا ما دفع بالكثير من الكتاب المشاهير إلى نشر كتب بأكملها في شكل حوار، مثل بورخيس وهنري ميلر ومحمد شكري وغيرهم. وضمن هذه الخانة يمكننا أن نقرأ كتاب «أصوات الرواية.. حوارات مع نخبة من الروائيات والروائيين» الذي ترجمته الروائية لطيفة الدليمي وصدر ضمن منشورات مجلة دبي الثقافية. يمثل هذا الكتاب حديقة جميلة لكبار الساردين في العالم حاولت المترجمة أن تزرعها بشتى الأزهار، مؤكدة في مقدمتها أنها «إضمامة عولمية تجتمع فيها الرؤى المختلفة والتلاوين الفكرية.. تجعل من الرواية موسوعة العصر الثقافية والشكل الإبداعي المتغير الذي يبقى في صيرورة دائمة وحركية مفعمة بالحيوية والطموح». المترجمة لطيفة الدليمي اختارت بدقة شديدة الحوارات التي ترجمتها، فلم تلتفت إلى تلك المقابلات السيّارة بقدر ما ذهبت إلى الحوارات التي أجراها مختصون تمكنوا من الولوج إلى عوالم أولئك الكتاب وكشف ما من شأنه أن يضيء أعمالهم. ويضم الكتاب 18 حوارا توزعت بين توني موريسون وخوزيه ساراماغو وجوريس كارول أوتيس وبول أستر وفيليب روث ونتويا بيات وإدواردو غاليانو وكارلوس فوينتس وتوماس كينلي وأليف شفق وهاروكي موراكامي ولويزا فالنسويلا وأورهان باموق وأناييس نن ودوريس ليسنغ وإيتالو كالفينو وكولن ويلسن ومارغريت أتوود. والملاحظ أن لطيفة الدليمي اختارت بدقة شديدة الحوارات التي ترجمتها، فلم تلتفت إلى تلك المقابلات السيارة بقدر ما ذهبت إلى الحوارات التي أجراها مختصون تمكنوا من الولوج إلى عوالم أولئك الكتاب وكشف ما من شأنه أن يضيء أعمالهم، فدعوا الروائيين إلى الاعتراف بأسرار الكتابة وضروب طقوسها وخلفياتها ومنابعها. كما تجنبت المترجمة المركزية الثقافية فاختارت تجارب مسحت جغرافيات مختلفة امتدت من آسيا إلى أميركا الجنوبية فالولايات المتحدة ومنها إلى أوروبا، وهذا ما جعل الكتاب يعكس حساسيات أدبية مختلفة منطلقة من تنوع تلك الثقافات ومعيشها وتجاربها. كما يلاحظ أن هذه الحوارات لم تحتفل بجيل أدبي بعينه، بل قدمت وجوها من أجيال مختلفة بعضها معاصر، وبعضها رحل وبعضها تحصل على جائزة نوبل للآداب، وبعضها تحول إلى ظاهرة ثقافية وتجارية.