جريمة التطاول على الدين    الملك يهنئ رئيس جمهورية الغابون    جنازة في كلميم تشهد استعراضا انفصاليا مفضوحا برفع "خرقة البوليساريو"    اليونان تضبط "أكبر كمية من القات"    تشكيلة منتخب "الشان" أمام الكونغو    بايرن ميونخ يكشف سبب رحيل أزنو    ميرغت.. الزمان والمكان والذاكرة    أطفال القدس يتلمسون بتطوان خطى تلاميذ مغاربة تلقوا تعليمهم بمدينة نابلس الفلسطينية خلال القرن الماضي    أحمد الريسوني يدعو الحكام العرب لتسليم الأسلحة للمقاومين    "الشان".. المغرب يواجه الكونغو الديمقراطية في مباراة حاسمة لتحديد متصدر المجموعة    طقس الأحد.. أجواء شديدة الحرارة بمناطق واسعة من المملكة    موسم مولاي عبد الله.. حين تتحول الأرقام إلى دعاية لا تعكس الواقع    الصيادلة يصعدون ضد وزارة الصحة بسبب تجاهل مطالبهم المهنية    الجزائر.. السلطات توقف بث قنوات تلفزية بسبب تغطيتها لحادث سقوط حافلة بوادي الحراش    أرقام التعليم والتكوين وانتظاراتهما في طموحات مشروع قانون المالية لسنة 2026    ترويج المخدرات والخمور يجر أربعينيا للتوقيف ببني أنصار    المغاربة على موعد مع عطلة رسمية جديدة هذا الشهر    النظام الجزائري يكمّم الأفواه: عقوبات جديدة تطال قنوات محلية بعد تغطية فاجعة الحافلة    مذكرات مسؤول أممي سابق تكشف محاولات الجزائر للتدخل وعرقلة المغرب في قضية الصحراء    المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تنظم زيارات لعائلات معتقلي الحراك    المنتخب الوطني يواجه الكونغو الديمقراطية.. هذا موعد المباراة والقنوات الناقلة    بورصة الدار البيضاء تنهي أسبوعها على وقع ارتفاع طفيف لمؤشر مازي    مستكشفو كهوف في فرنسا يجمعون مخلفات عشرات البعثات في "إيفرست الأعماق"    إسرائيل تقصف منشأة للطاقة باليمن        مصرع شرطي في حادثة ببني ملال    قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا ينظمون مؤتمرا لمناقشة خطة ترامب للسلام في أوكرانيا    "لاغتيست" يشعل منصة "رابأفريكا"    هكذا يتجنب عشاق ألعاب الفيديو متاعب العين    دراسة: أطباء يفشلون في تشخيص السرطان بالذكاء الاصطناعي    دموع الأم ووفاء الوطن.. لحظات استثنائية في حفل كزينة بالرباط    توقيف سيارة رباعية الدفع محملة بكمية كبيرة من المعسل المهرب ضواحي طنجة    تيزنيت: محاولة فاشلة لعصابة تسرق أسلاك الكهرباء و أنابيب السباكة النحاسية من منازل في طور البناء ( صور )    وثيقة l من حصار بيروت 1982 إلى إبادة غزة 2025: رسالة السرفاتي وأسيدون إلى ياسر عرفات تتحدى الزمن وتفضح جٌبن النٌخب    بطولة كأس أمم إفريقيا للمحليين (الجولة5/المجموعة2) .. مدغشقر تتأهل لربع النهائي بفوزها على بوركينا فاسو (2-1)    المنتخب المغربي للمحليين يلعب آخر أوراقه أمام "فهود الكونغو" في "الشان"    استقرار أسعار المحروقات في المغرب    أطباء القطاع الحر يطالبون الصيادلة بإثبات مزاعم التواطؤ مع شركات الأدوية        الولايات المتحدة.. السباح المغربي حسن بركة يحقق إنجاز السباحة حول محيط جزيرة مانهاتن    بورصة البيضاء .. أقوى ارتفاعات وانخفاضات الأسبوع    اتلاف كمية من الفطائر (السفنج) الموجة للبيع في الشواطئ لغياب معايير الصحة    لفتيت يقضي عطلته بمراكش    طنجة تتصدر الوجهات السياحية المغربية بارتفاع 24% في ليالي المبيت    منظمة الصحة العالمية تحذر من استمرار تدهور الوضع العالمي للكوليرا    ابتكار أول لسان اصطناعي قادر على استشعار وتمييز النكهات في البيئات السائلة    عادل شهير يوقع أحدث أعماله بتوقيع فني مغربي خالص    أوجار: مأساة "ليشبون مارو" رسالة إنسانية والمغرب والصين شريكان من أجل السلام العالمي    تطوان تحتضن انطلاقة الدورة الثالثة عشرة من مهرجان أصوات نسائية    صحيفة أرجنتينية تسلط الضوء على عراقة فن التبوريدة في المغرب    مشروع قانون يثير الجدل بالمغرب بسبب تجريم إطعام الحيوانات الضالة    النقابات تستعد لجولة حاسمة من المفاوضات حول إصلاح نظام التقاعد    راب ستورمي وحاري في "رابأفريكا"    "بعيونهم.. نفهم الظلم"    بطاقة «نسك» لمطاردة الحجاج غير الشرعيين وتنظيم الزيارات .. طريق الله الإلكترونية    هنا جبل أحد.. لولا هؤلاء المدفونون هنا في مقبرة مغبرة، لما كان هذا الدين    الملك محمد السادس... حين تُختَتم الخُطب بآياتٍ تصفع الخونة وتُحيي الضمائر    المغاربة والمدينة المنورة في التاريخ وفي الحاضر… ولهم حيهم فيها كما في القدس ..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوراق من ذاكرة باهي -62- خريف الغضب الجزائري -1-
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 19 - 08 - 2016

أصدرت «حلقة أصدقاء باهي»، تحت إشراف عباس بودرقة، الأعمال الكاملة للفقيد محمد باهي: «رسالة باريس: يموت الحالم ولا يموت الحلم»، ويضم الكتاب، الذي تم تقديمه بمناسبة الذكرى العشرين لوفاته، خمسة كتب استعرض خلالها المؤلف شهادته على العصر، وقدم لنا تحاليل غاية في الموسوعية.. في ما يلي نختار لقراء «الاتحاد الاشتراكي» أوراقا من ذاكرة محمد باهي، لنستعيد تلك الثقافة السياسية التي كانت يتمتع بها واحد من صانعي السياسة في بلادنا، وواحد من الذين تحصلت لديهم الخبرة والذكاء، واستطاعوا أن يقدموا لنا قراءة في قضية الصحراء، وفي امتداداتها وتعقيداتها والمساهمين الفعليين في ذلك..
2 - قطيعة عميقة بين الدولة والشعب
«نهاية عصر بكامله»، «فجوة الأجيال تحولت إلى علاقات عدائية»، «قطيعة كاملة ولا رجوع فيها بين الدولة والمجتمع»، «محال أن تعود الأمور كما كانت»، «أكتوبر الأسود هو نوفمبر الجديد»، «هذه المذبحة مثل المجزرة التي ارتكبها الجيش الفرنسي غداة الحرب العالمية الثانية في سطيف وخراطة وقالمة وقسنطينة»، «معركة الجزائر الجديدة شبيهة بتلك المواجهة التي حصلت بين مجموعة فدائيي جبهة التحرير في العاصمة وبين رجال المظلات الفرنسيين بقيادة الجنرال فاسو عامي 1956-1958».
تلك نماذج مختارة من ردود فعل سريعة التقطناها من أوساط جزائرية مختلفة في باريس، بينها المثقف، والعامل والتاجر والطالب، حول الأحداث الدامية التي شهدها هذا القطر في الأسبوع الأول من الشهر الجاري.
الصديق محمد حربي، المؤرخ الجزائري الذي أصبحت مؤلفاته مراجع لا غنى عنها لكل من يريد معرفة تاريخ الجزائر المعاصرة يؤكد أن «فترة الإستعراض التمثيلي قد انتهت. لقد بدأت المذابح مجددا في الجزائر، ولكن هذه المرة باسم جبهة التحرير الوطني، علما بأن هذه التشكيلة قد استنفدت وظيفتها الإبداعية، ما عدا عند قلة ضئيلة، وقد انقلبت الفجوة الموجودة بين الأجيال إلى علاقات عدائية، والخطاب الذي ألقاه الرئيس الشاذلي في التاسع عشر من سبتمبر قد هز الجزائريين. كما أن التهرب والتملص من مسؤوليات السلطة في الأزمة الإقتصادية الحالية قد أيقظ روح التمرد لدى رأي عام أصابه الإنزعاج من العقلية التحكمية التي يبديها حكامه. لقد دخلت إلى المسرح جماهير الشباب العاطل عن العمل بعد أن لم يبق أمامها أي خيار سوى الموت الإجتماعي المحقق. وكما حدث في الثامن من مايو عام 1945، فقد ابتدأت رحلة الجزائريين الطويلة نحو الحرية مسيرتها. لقد أبحرت السفينة ولابد لنا أن ننتظر وقتا طويلا لمعرفة وجهتها بالمعنى المزدوج : أي الإتجاه الذي ستسلكه والقيادة التي ستدير دفتها.
لقد طُويت صفحة كاملة من تاريخ الجزائر وماضيها. طبعا، الرأي العام له مطامح غامضة وملتبسة ولا يمكن ألا يكون كذلك. والشباب الجزائري الذي نشأ في عالم الصمت وترعرع فيه، إنما ينقصه اليوم علم جديد يتحرك وراءه. ومتظاهرو الجزائر العاصمة تصرفوا على طبيعتهم. وفي بلاد الثورة الناقصة، لابد من مرور بعض الوقت قبل أن تتحول ردود الفعل العفوية إلى شعارات سياسية..».
صاحب هذا التحليل المختصر، المركز واحد من رموز وممثلي الرعيل الأول، أي الجيل المؤسس لجبهة التحرير الوطني، تحمل مسؤولية الأمانة العامة لوزارة الشؤون الخارجية أيام الحكومة المؤقتة، ثم تولى منصب المستشار السياسي الخاص للرئيس أحمد بن بلة وإدارة مجلة الثورة الإفريقية، الناطقة بلسان جبهة التحرير الوطني (1965-1967)، ثم سجن في عهد بومدين مع زميله حسين زهران، عضو المكتب السياسي، قبل أن يهاجر إلى فرنسا في نهاية عقد السبعينات ليعمل أستاذا للتاريخ في جامعة السوربون. لقد كان محمد حربي، منذ اندلاع ثورة أول نوفمبر 1954، في قلب الحركة السياسية، مناضلا مسؤولا في قيادة الإتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين وفدرالية الجبهة بفرنسا، ومفكرا مشاركا في وضع النصوص الأساسية للثورة الجزائرية (خاصة ميثاق طرابلس 1962 وميثاق الجزائر عام 1964، وقوانين التسيير الذاتي الشهيرة) ثم مؤرخا صارت كتبه، وأهمها : «جبهة التحرير بين السراب والواقع» و«وثائق الثورة الجزائرية» نصوصا كلاسيكية لا غنى عنها. والإشارة الواردة في هذا الحديث إلى حوادث مايو 1945 تستحق أن نؤشر إليها، لتأخذ المقارنة بين الماضي والحاضر كل دلالتها. ففي يوم الثامن من مايو 1945، أي بعد بضعة أيام من انتهاء الحرب العالمية الثانية خرج آلاف الجزائريين يتظاهرون احتفالا بالنصر، رافعين بعض الشعارات السياسية الوطنية، فردت عليهم القوات الفرنسية بالرصاص، ونتجت عن المواجهة مجزرة رهيبة ذهب ضحيتها آلاف الأشخاص، خاصة في مدن قالمة وسطيف وخراطة وقسنطينة في الشرق الجزائري. وكانت أحداث مايو 1945 بداية لقطيعة سياسية واجتماعية متعددة الأبعاد : قطيعة بين الإدارة الفرنسية والأغلبية العربية من السكان،وقطيعة بين العرب والأوربيين وقطيعة بين القيادة السياسية التقليدية للحركة الوطنية، ممثلة بحزب الشعب الجزائري، وبين العناصر الراديكالية في هذا الحزب. وسوف تكون هذه القطيعة الأخيرة، سببا في إنشاء المنظمة السرية الخاصة التي ستعد العدة للكفاح المسلح، كما ستكون وراء ظهور جبهة التحرير الوطني التي قادت الجزائر إلى الإستقلال.
وجبهة التحرير، كما يقول محمد حربي في تحليله، فقدت وظيفتها الإبداعية إلا عند أقلية ضئيلة، وهذا الإفتقاد يجسده شعار رآه بعض المراسلين الصحفيين مكتوبا على جدران العاصمة بمناسبة الأحداث الأخيرة، «الشعب هو البطل الوحيد»، وهو شعار ما نزال نذكر أننا شاهدناه على نفس الجدران أثناء أزمة صيف 1962، التي نشبت مباشرة بعد الإستقلال، بين الحكومة المؤقتة، بقيادة الدكتور يوسف بن خدة من جهة والمكتب السياسي المنبثق عن اجتماع طرابلس بزعامة أحمد بن بلة وهيئة الأركان العامة بقيادة هواري بومدين من جهة ثانية، وقد انتهت تلك الأزمة في مرحلة أولى بانتصار تحالف الجيش وبن بلة وانتهى ذلك التحالف بين الطرفين بانقلاب 19 يونيو 1965 الذي سمي «حركة تصحيح ثورية» أُبْعِدَ بموجبها أحمد بن بلة من رئاسة الدولة وأمانة الحزب، وجاء مكانه مجلس ثورة على رأسه العقيد هواري بومدين، ظل يحكم البلاد، حتى وفاة رئيسه في شهر ديسمبر 1978.
هناك عدة لحظات غنية في هذه المسيرة الطويلة، أتاحت لنا الظروف معاينتها ومعايشتها والتعرف على دقائقها من أفواه المسؤولين عنها. ونريد هنا أن نتوقف سريعا عند ثلاث من هذه اللحظات لمحاولة إضاءة ما يجري حاليا :
−اللحظة الأولى هي ذلك الإجتماع الإعتيادي الذي عقدته اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني الجزائري قبل بضعة أيام من انقلاب العقيد هواري بومدين ضد أحمد بن بلة (يونيو 1965).
−اللحظة الثانية هي المؤتمر الإستثنائي الذي عقدته الجبهة بعد وفاة هواري بومدين وقررت فيه اختيار الشاذلي بن جديد (يناير 1979) مرشحا وحيدا لخلافة الراحل في قمة الدولة والحزب.
−اللحظة الثالثة والأخيرة، هي الإجتماع الأخير لمسؤولي الجبهة في الولايات والذي ألقى فيه الشاذلي بن جديد آخر خطاب له قبل اندلاع الإنتفاضة الحالية.
ونستبق ما نحسبه الجامع المشترك، والقاسم المشترك بين هذه اللحظات، قبل استعراض مظاهرها الواقعية، لنقول إن الوقائع الرسمية، لا علاقة لها إطلاقا بالمعطيات الواقعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.